نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/المثنى بن حارثة الشيباني



المثنى بن حارثة الشيباني

هو الشجاع المذكور والغضنفر المشهور سيد بني بكر بن وائل وفارسهم، كان في أول الإسلام يغير على سواد العراق وُينْكِى فارس في خلافة أبي بكر فبلغ أبا بكر خبره، فقال: من هذا الذي تأتينا وقائعه قبل معرفة نسَبه؟ فقال له عمر: مثلُ هذا لا يُجهل، هذا المثنَّى بن حارثة سيد بني بكر بن وائل، ثم قدم على أبي بكر بعد أن دان له أكثر سواد العراق بدون إمارة، فقال: يا خليفة رسول الله، ابعثني على قومي؛ فإن قومي فيهم إسلامًا أقاتل بهم أهلَ فارس، وأقتل أهل ناحيتي فأمَّره أبو بكر فقدم العراق فقاتل، وأغار على أهل السواد وفارس، وبعث أخاه مسعودًا إلى أبي بكر يسأله المدَد فأمَّده بخالد بن الوليد، فكان ذلك ابتداء فتوح العراق، وكان شهمًا شجاعًا ميمون النقيبة، حسن الرأي، أبلى في حروب العراق بلاءً لم يبله أحد، ومات قبل وقعة القادسية من جراحات أصابته يوم الجسر، وذلك أن فارس جمعوا جمعًا عظيمًا، وأرادوا غزو المسلمين فكتب المثَّنى إلى عمر يخبره بذلك فاستنفر عمرُ الناس فخرجوا للجهاد، وأمَّر عليهم أبا عبيد الثقفي، فلما جاء العراق وافى وصول جيوش الفرس فخيروا المسلمين في الجواز إليهم أو المكث بمكانهم، فاختار أبو عبيد الجواز إلى الفرس فنهاه المثَّنى، وقال: دَعْهم هم الذين يجوزون إلينا فهو أحسن لنا، وأمكن للقتال، وأوسع للمجال؛ لأن خيلنا لم تعهد الفِيلَة، وأخاف أن تنِفر منها، وكذلك أشار عليه جمع من الصحابة فلم يسمع كلامهم، وجاز إلى فارس فالتقى الجيشان، واقتتلوا فنفرت الخيلُ من الفِيَلة ودهَمتْهم فقُتِل أبو عبيدة، واستشهد من المسلمين أربعة آلاف، وازدحم المنهزمون على النهر حتى غِرق بعضهم فوقف المثنَّى خلفَهم وناداهم أن اْعبروا على رسْلِكم ولا تزدحموا؛ فإني رِدْءٌ لكم، وحامَى عنهم حتى ردَّ الفرس إلى مواقفهم بعد أن جرح جراحات عظيمة فبقي مريضًا منها حتى توفى رضي الله عنه قبل وصول سعد بن أبي وقاص إلى العراق، فلما وصل سعد تزوج امرأة المثنى وولَّى أخاه المعنَّى بن حارثة مكانه.