نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/حمزة بن عبد المطلب


أبو عمارة حمزة رضي الله عنه

هو ابن عبد المطلب عمُّ النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم، أبو عُمارة وفتىَ قريش، ولد قبل النبي بسنتين، وأسلم في السنة الثالثة من البعثة، ولازم ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجر معه، وذكر ابن إسحاق في سبب إسلامه أن أبا جهل مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصَّفا فنال منه بعض ما يكره من العيب لدينه، فلم يكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومولاة لعبد الله بن جُدْعان التيمي في سكن لها تسمع ذلك ثم انصرف عنه إلى نادي قريش عند الكعبة فجلس معهم فلم يلبث حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أن أقبل متوشحًا قوسه راجعًا من قنَص له، وكان صاحب قنَص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، ثم يمر على نادي قريش فيسلم عليهم ويتحدث معهم، وكان أعزَّ فتى في قريش وأشد شكِيمةً، فلما مرَّ بالمولاة وقد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته قالت له: يا أبا عُمارة، لو رأيتَ ما لقي ابن أخيك محمد من أبي الحكمَ بن هشام الآن، وجده جالسًا ها هنا فآذاه وبلغ منه ما يكره ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد صلى الله عليه وسلم فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته، فخرج يسعى ولم يقف على أحد مُعِدًّا لأبي جهل إذا لقيه أن يوقع به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالسًا في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه بها فشجَّه شجَّة منكَرةً، ثم قال: أتشتمه فأنا على دينه أقول ما يقول فردَّ ذلك عليَّ إن استطعت، فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عُمارة؛ فإني والله قد سبَبْت ابن أخيه سبًّا قبيحًا، وتمَّ رضي الله عنه على إسلامه، فلما أسلم عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عزَّ وامتنع، وأن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه.

شهد بدرًا وأبلى فيها وكان معلمًا نفسه بريشة نعام، وقتل شيبة بن ربيعة وطعيمة بن عدي وشارك في عتبة، وقد تقدم في ترجمة علي ابن أخيه أنه هو وعمه حمزة فازا بثلث قتلى المشركين في ذلك اليوم.

وعقد له رسول الله صلى الله عليه وسلم لواء وأرسله إلى سِيف البحر من ناحية العيص في ثلاثين راكبًا من المهاجرين فالتقى مع أبي جهل في ذلك الساحل في ثلاثمائة من أهل مكة فتصافُّوا للقتال فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني، وكان مسالمًا للفريقين فانصرف بعضهم عن بعض.

ورايته أول راية عقدها النبي صلى الله عليه وسلم في الإسلام في قول المدائني ولقبه النبي أسد الله واستشهد سنة ثلاثة من الهجرة بأحُد فسماه النبي سيد الشهداء، وقد أثخن في المشركين في ذلك اليوم، قتله وحشىٌّ غلام جُبَيْر بن مطعِم كمن له وراء صخرة -قال وحشي- كنت رجلًا حبشيًّا أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطئ بها شيئًا، فلما التقى الناس خرجت أنتظر حمزة وأتبصَّره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق يهذُّ الناس بسيفه هذًّا ما يقوم به شيء فو الله إني لأَتهيأ له فأَستتر منه بشجرة أو حجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سِباع بن عبد العزَّى، فلما رآه حمزة قال له: هلم إليَّ يا ابن مقطعة البظور فضربه فقتله، قال: فلم يبق بيني وبينه أحد فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه، وذهب لينوء نحوي فغُلِب فتركته حتى مات، ثم أتيته فأخذت حربتي ورجعت إلى مكة فأعتقني سيدي.

ومن شعر حمزة رضي الله عنه يذكر لقاءه أبا جهل وأصحابه في قصيدة تركت أكثرها اختصارًا:

عشية ساروا حاشدين وكلنا
مراجلُه من غيظ أصحابه تَغلِي
فلما تراءنا ناخوا فعقَلوا
مطايا وعقّلنا مدى غرض النبل
وقلنا لهم حبل الإله نصيرنا
وما لكم إلا الضلالة من حبل
فثار أبو جهل هنالك باغيًا
فخاب ورد الله كيد أبي جهل
وما نحن إلا في ثلاثين راكبًا
وهم مائتان بعد واحدة فضلِ