نزهة الفتيان في تراجم بعض الشجعان/خالد بن الوليد


خالد رضي الله عنه

هو ابن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي سيف الله أبو سليمان، كان أحد أشراف قريش في الجاهلية، وكانت إليه أعنَّة الخيل فيها، وشهد مع كفار قريش الحروب إلى عمره الحديبية، ثم أسلم سنة سبع بعد خيبر، وقيل: قبلها وحسُن إسلامه، وحضر غزوة مؤتة مع زيد بن حارثة، فلما استشهد الأمير الثالث؛ أخذ الراية، فانحاز، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة فأبلى فيها، وحضر حُنينًا والطائف، وبعثه النبي إلى أكيدر ملك دُومة الجندل فأسره، وأتى به النبيَّ صلى الله عليه وسلم فصالحه على الجزية، وعقد له أبو بكر على قتال أهل الردة لواء، وقال: إنني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نعم عبد الله، وأخو العشيرة خالد بن الوليد سيف من سيوف الله سلَّه الله على الكفار»، فأثر تأثيرًا شديدًا، وكان أحد الأساطين الذين رفعوا منار الدِّين فتوجه إلى طليحة الأسدي المتنبي ففضَّ جمعه، ثم توجه إلى اليمامة ففتحها وقتل مسيلمة الكذاب، ولما فرع من اليمامة أمره أبو بكر بالمسير إلى العراق ففتح الحِيرة صلحًا وكثيرًا من بلدانه عنوة، ثم أمره بالمسير إلى الشام مَددًا لمن به من الأمراء فحضر اليرموك وفتح دمشق، وفقدت منه قلنسوة يوم اليرموك، فقال: اطلبوها فلم يجدوها فلم يزل حتى وجدها فسئل عن شدة طلبه لها، فقال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه فابتدر الناس شعره فسبقتهم إلى ناصيته، فجعلتها في هذه القلنسوة، فلم أشهد قتالًا وهي معي إلا تبين لي النصر، أخرجه سعيد بن منصور وأبو يعلى.

وغزا نصارى بني تغلب بالجزيرة الفراتية فأثخن فيهم، ولما كتب له أبو بكر أن يسير إلى الشام مددًا لمن هناك؛ استخلف على عمله بالعراق المثنى بن حارثة الشيباني فضبط هذا1 الأمور، وظهرت منه مآثر عظيمة في الجهاد إلى أن ولى عمر سعد بن أبي وقاص حرب فارس، وقال رضي الله عنه: لقد اندق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما صبرت معي إلا صفيحة يمانية، ولما دخل الحيرة أتى بسم فوضعه في راحته، ثم سمى الله وشربه فلم يضره، ورواه أبو يعلى والبيهقي وابن سعد وغيرهم.

وقال عند موته ما كان في الأرض من ليلة أحب إليَّ من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبِّح بهم العدو فعليكم بالجهاد.

كان سبب عزل عمر له أنه كان إذا صار إليه المال قسمه في أهل الغنائم ولم يرفع إلى أبي بكر حسابًا، وكان فيه تقدُّم على أبي بكر يفعل أشياء لا يراها أبو بكر، وقال عمر معتذرًا عن عزله: ما عزلته عن خيانة، ولكن أشفقت على المسلمين من تهوره وإقدامه، وتوفي سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر، وقد قال أيضًا متحسرًا على موته على فراشه ومتمنيًا الموت تحت ظلال السيوف: لقد حضرت كذا وكذا زحفًا في الإسلام ما فيه زحف إلا وضربت فيه بسيف، أو طعنت برمح، وما رأيت قومًا أضرب بالسيوف وأصبر على الموت من بني حنيفة، وها أنا أموت اليوم على فراشي كما تموت العنز، فلا نامت أعين الجبناء، وقال: لقد طلبت الموت في مظانِّه فلم يقدر لي أن أموت على فراشي وما من عمل شيء أرجى عندي عبد لا إله إلا الله من ليلة بتها وأنا متترس والسماء تُهلني تمطر إلى الصبح حتى نغير على الكفار، ثم قال: إذا أنا مت فانظروا في سلاحي فاجعلوه عُدَّة في سبيل الله، وأوصى إلى عمر ومات بحمص من أرض الشام فبكى نساء بني المغيرة بالمدينة عليه، فنهاهن أحد الصحابة، فقال عمر: دعهنَّ يَسفَحن دموعهن على أبي سليمان ما لم يكن نقعًا أو لقلقة.


  1. كذا في المطبوعة، ولعل الصواب: «هذه». الناسخ.