نزهة المشتاق في اختراق الآفاق/الإقليم الثاني/الجزء الثامن


إن هذا الجزء الثامن من الإقليم الثاني تضمن في حصته من البلاد الهندية بلاداً ساحلية على بحر الهند.

منها بروج وسندابور وتانه وفندرينه وجرباتن وكلكيان وضنجى وكلكسار ولولوا وكنجه وسمندر.

ومن البلاد البرية مدينة دولقه وجناول ونهروارة والقندهار وزويلة ولمطة وأودغست وكل هذه على رأس المفازة وكابل وخراش وحسك وموريدس وماديار وتته ودده ومنيبار ومالوه ونياست وأطراسا ونجه وقشمير السفلى وميدره وكارموت وقشمير العليا والقنوج وأسناند.

وفي بحره من الجزائر الهندية جزيرة ملي وجزيرة بليق وتروي بليخ وجزيرة المسخا وجزيرة سمندر وها نحن لأوصافها ذاكرون ولغرائب احتوائها واصفون بمن الله وقوته.

فأما مدينة بروج فإنها مدينة كبيرة جليلة جميلة حسنة البناء بناؤها بالآجر والجص ولأهلها همم عالية وأحوال وافرة وأموال صامتة وتجارات معروفة وهم وقف على الإغتراب والجول وكثرة الأسفار وهي فرضه من جاء من الصين وفرضة لمن جاء من الهند ومنها إلى صيمور يومان.

ومن بروج إلى مدينة نهروارة ثماني مراحل في بر متصل لا جبل به والسفر بينهما يكون على العجل.

وليست ببلاد نهروارة كلها ولا ما جاورها من البلاد للمسافرن سفر إلا على العجل يحملون عليها أمتعتهم والبقر تجرها وتسير بهم حيث شاؤوا ولكل عجلة سائق وقائد.

وبين بروج ونهروارة مدينتان اسم إحداهما جناول واسم الثانية دولقه وهما متقاربتان في القدر وبين الواحدة والأخرى أشف من مرحلة.

ومدينة دولقه على نهر يصل إلى البحر ويكون خوراً وعلى غربيه مدينة بروج وتروي بروص.

وجناول ودولقه في أسفل جبل معترض من جهة شمالهما يسمى جبل أوندرن وترابه أبيض إلى الصفرة وينبت فيه القنا وقليل نارجيل.

وبالقرب من مدينة جناول مدينة أساول.

وكل هذه الثلاثة بلاد يشبه بعضها بعضاً في الصفات والقدر وأحوال أهلها واشتباه زيهم ولكل واحدة منها تجارات ومقاصد أرباح ممكنة.

فأما مدينة نهروارة فملكها ملك عظيم يسمى بلهرا وله جيوش وفيلة وعبادته صنم البد وهو يحمل تاج الذهب على رأسه ويلبس الحلل المنسوجة من الذهب ويركب الخيل في سائر الأيام.

وقد يركب في كل جمعة مرة ويركب حوله نحو مائة امرأة ولا يمشي معه أحد سواهن وقد لبسن القراطق المذهبة وتحلين بأحسن الحلية واحتملن الأساور من الذهب والفضة في أيديهن وأرجلهن واسبلن شعورهن على أردافهن وهن يتلاعبن ويتدافعن والملك يقدمهن وأما جملة وزرائه وعظماء رجاله فلا يركبون معه إلا إذا خرج محارباً لمن قام عليه أو لمن اهتضم شيئاً من عمالاته أو إلى من قصد بلاده من الملوك المجاورين له وله من الفيلة كثير وهي عمدة حربه.

وهذا الملك متوارث الذات والاسم لا ينتقل عنهم وبلهرا تفسيره ملك الملوك كما قدمناه.

ومدينة نهروارة يصلها كثير من تجار المسلمين وبها تجولهم وللمسافرين بها إكرام من ملكها وضبط لما بأيديهم.

وبسط العدل في أهل الهند طبيعة هؤلاء لا يعولون شيء سواه ولفضل عدالتهم وحفظ عقودهم وحسن سيرهم ذكروا أنهم وجملة أهل تلك البلاد في خير وكثر.

القاصد إليهم وبلادهم عامرة وأحوالهم راجحة وادعة.

ومن انقياد عوامها للحق وأتباعهم له وكراهتهم للباطل أن الرجل يكون له عند أحد منهم حق فيلقاه حيث ما لقيه فيخط له خطا في الأرض كالحلقة ويدخله الطالب في تلك الحلقة فيدخلها المطلوب طائعاً من ذاته ولا يبرح منها إلا بإنصاف عنه وأداء ما لزمه أو يعفو عنه الذي له الحق فيخرج عن الحلقة.

وطعام أهل نهروارة الأرز والحمص والباقلي واللوبيا والعدس والماش والسمك والحيوانات التي تموت موتا طبيعياً.

ولا يذبحون طائراً ولا حيواناً لا كبيراً ولا صغيراً وأما البقر فإنها محرمة عندهم البتة فإذا ماتت دفنت وهذا فعلهم في البقر خاصة دون سائر البهائم وإذا ضعفت البقر عن الخدمة والتصرف رفعت عن التعب وأمر بالنظر إليها وبالعلف من غير أن تستخدم ظهورها إلى أن تموت.

وأهل الهند يحرقون موتاهم ولا قبور لم.

وإذا مات الملك صنعت له عجلة على قدره عريضة ارتفاعها عن الأرض مقدار شبرين أو نحوهما وتوضع على الحجلة قبة مكللة ويوضع الملك بحلية كفنه على تلك العجلة ويطاف به على المدينة كلها يجره عبيده ورأسه مكشوف لمن يراه وشعره ينجر على تراب الأرض وينادي على مناد بلسان الهندية بكلام تفسره بالعربية أيها الناس هذا ملككم فلان بن فلان عاش في ملكه فارحا قادرا كذا وكذا سنة وها هو قد مات وفتح يده بما معه لا يملك من ملكه شيئا ولا يدفع عن جسمه أذى ففكروا فيما أنتم إليه صائرون وإليه راجعون وكل هذا باللغة الهندية فإذا فرغ من الطواف به أخرج إلى مكان النار التي من عاداتهم أن يحرقوا بها موتى ملوكهم فيلقونه في النار حتى يحترق.

وأهل الهند لا يحزنون كثيرا ولا يقولون بالهموم جملة.

وجملة البلاد الهندية المجاورة للسند الذين قد مازجهم المسلمون يدفنون موتاهم في بيوتهم بالليل تسترا ويسوون التراب عليهم ولا يبكون ميتا ولا يحزنون عليه كثرا كما قدمناه.

والزنا في جميع بلاد بلهرا مباح إلا في المزوجات.

والرجل إن ارتضى نكاح بنته أو أخته أو خالته أو عمته ما لم تكن مزوجات فعل ذلك والأخ يفعل بأخته مثل ذلك.

ويقابل مدينة بروج الساحلية في البحر جزيرة ملي وفيها الفلفل كثيرا.

ومنها إلى جزيرة سندان مجريان.

ومن هذه الجزيرة إلى جزيرة بليق يومان: هي جزيرة عامرة كبيرة بها نارجيل كثير وموز. وأرز وبها تفترق الطرق إلى جزائر الهند ومن هذه الجزيرة ومن هذه الجزيرة إلى اللجة العظمى مسيرة يومين ومن هذه الجزيرة أيضا إلى جزيرة سرنديب مجرى وزائد.

ومن مدينة بروج الساحل إلى مدينة سندابور وهو أربع ومدينة سندابور على خور كبير ترسى به المراكب وهي مدينة تجارات وبها عمارات ومقاصد أرزاق.

ومنها إلى مدينة تانه على الساحل أربعة أيام ومدينه تانه مدينة جليلة على ضفة خور كبير تدخله السفن وتحط به الأرحال.

وبجبالها وأرضها تنبت القنا والطباشير يتخذ فيها من أصول القنا ومنها يحمل إلى سائر البلاد من المشارف والمغارب.

والطباشير يغش بعظام الفيل المحرقة والصافي منه ما كان من أصول هذا القصب الهندي الشركي كما ذكرناه.

ومن تانه إلى مدينة فندرينه على الساحل أربع مراحل ومدينة فندرينة على خور واد يأتي من ناحية منيبار وتحط به مراكب التجار من جزائر الهند ومراكب السند أيضا ولأهلها أموال ياسرة وأسواق عامرة ومتاجر ومكاسب.

وبشمال هذه المدينة وعليها جبل كبير سامي العلو كثير الشجر عامر بالقرى المواشي وتنبت في حوافيه القاقلة ومنها تحمل إلى سائر أقطار الأرض.

ونبات القاقلة تكون أشبه الأشياء بنبات الشهدانج ولها مزاود فيها بزرها.

ومن مدينة فندرينة إلى جرباتن خمس مراحل وهي مدينة عامرة على خور صغير وهي بلد أرز كثير وحبوب كثيرة ويذكر أن منها ميرة سرنديب وينبت بجبالها شجر الفلفل كثيرا.

ومن جرباتن إلى ضنجى وكلكسار مسير يومين وهما مدينتان على البحر عامرتان متقاربتان وفيهما أرز وحبوب كثيرة ومنها إلى كلكيان يوم.

ومن كلكيان إلى اللولوا وكنجة مسيرة يومين وفيهما أرز وحنطة وينبت بأرضهما البقم كثيراً و نبات البقم شبيه بنبات الدفلى وبها نارجيل وفاكهة كثيرة.

ومن كنجه إلى مدينة سمندر ثلاثون ميلا.

وهي مدينة واسعه المتاجر كثيرة المنافع لأهلها بضائع وأموال كثيرة والإقلاع منها والحط بها كثير وهي من أعمال القنوج وهو ملك تلك البلاد.

وهي أيضا على خور يصل إلها من مدينة قشمير.

وفي هذه المدينة حبوب وأرز كثير وحنطة ممكنة ويحمل إليها العود من مسيره خسة عشر يوما في ماء عذب من بلاد كارموت وهناك منابت عود جيد طيب في بخوره ويجلب هناك من جبال قامرون.

ولهذه المدينة جزيرة كبيرة تسامتها وبينهما مجرى ساعة وهذه الجزيرة عامرة بالناس والتجار من كل الآفاق رمنها إلى جزيرة سرنديب أربعة مجار.

وبالشمال من مدينة سمندر مدينة قشمير الداخلة وبينهما سبع مراحل ومدينة قشمير مدينة مشهورة بين بلاد الهند في طاعة الملك القنوج وكذلك من قشمير إلى كارموت أربع مراحل ومن مدينة قشمير الداخلة إلى القنوج نحو سبع مراحل وهي مدينة كبيرة حسنة كثيرة التجارات وبها يسمى الملك المسمى القنوج.

وهي على نهر كبير يمد نهر مسلى بالهند ونهر مسلى ذكره صاحب كتاب العجائب فقال هو النهر المسمى نهر الطيب ومخرجه من جبال قامرون ويمر بركن مدينة اسناند ثم يمر حتى ينتهي إلى سفح جبل لونيا فيمر من تحته إلى ركن مدينة كليكان ويصب في البحر وينبت بضفتي هذا النهر أنواع من الطيب وبذلك سمي.

ومن مدينة أسناند إلى مدينة قشمير الخارجة أربع مراحل وقشمير مدينة من مدن الهند المشهورة.

وأهلها يحاربون كافر ترك وربما بلغت مضرة الترك الخرلخية إليها.

ومن مدن القنوج مدينه أطراسا وبينها وبين مدينة. قشمير الخارجة ست مراحل وهي مدينة على نهر جنجس الهند وهي حسنة كثيرة المباني كثيرة المياه وهي ثغر من ثغور القنوج تتاخم كابل إلى أرض لهاور.

وهذا الملك القنوج كثير الرجال والفيلة عظيم المملكة شامخ الملك وليس في ملوك الهند البرية ملك عنده من الفيلة ما عنده منها وله همة عالية وعنده عدد وأسلحة وأموال وسطوته مهابة على من يليه.

ومن مدينة أطراسا إلى مدينة نياست خمس مراحل وهي على نهر جنجس الهند وهي مدينة عامرة كثيرة الساكن بها وبها حنطة وأرز وحبوب كثيرة.

ومنها إلى مدينة ماديار على ضفة جنجس سبع مراحل ومدينة ماديار واسعة العمارات كثيرة القرى والديار وبها تجارات وأهلها أصحاب أموال طائلة.

ومنها إلى مدينة نهروارة سبع مراحل ونهروارة في غرب نهر جنجس وقد سبق ذكرها.

ومن مدينة ماديار المذكورة إلى مدينة مالوه خمس مراحل ومالوه مدينة حسنة كثيرة الوارد والصادر ولها قرى وعمارات وعمالات.

ومن مدنها مدينتا دده وتته.

وبين مالوه ودده أربع مراحل وبين دده وتته مرحلتان.

ولهاور أرض هذه البلاد المذكورة.

وكذلك من موريدس إلى دده ثلاث مراحل ومدينة موريدس حصينة الحصن عامرة الأهل بها تجار وجيوش تحرس ثغر كابل.

وهي في حضيض جبل عظيم صعب الصعود إلى أعلاه وتنبت به قنا كثيرة وخيزران.

ومن مدينة موريدس إلى مدينة القندهار ثماني مراحل وهي في بعض الجبل الذي قدمنا ذكره والطريق بينهما مع ذيله.

ومدينة القندهار مدينة كبيرة القطر كثيرة الخلق وهم قوم يمتازون بلحاهم عن غيرهم وذلك أنهم يتركون لحاكم تطول حتى يصل الأكثر من لحاهم إلى الركب ودونها وهي عراض كثيرة الشعر ووجوههم مدورة والمثل يضرب بهم بكبر لحاهم وطولها وزيهم زي الأتراك وعندهم وفي بلدهم حنطة وأرز وحبوب وأغنام وأبقار.

وهم يأكلون الأغنام الميتة ولا يأكلون البقر البتة كما قد ذكرناه قبل هذا.

ومن مدينة القندهار إلى مدينة نهروارة خمس مراحل بسير العجل وأهل القندهار يحاربون ملك كابل.

وكابل من مدن الهند المجاورة لبلاد طخارستان وهي مدينة جليلة المقدار حسنة البنية: بجبالها عود جيد وبها النارجيل والإهليلج الكابلي المنسوب إليها وينبت في جبالها ويزرع بأباطحها بصل الزعفران ويرفع منه بها الكثير ويتجهز به منها إلى ما جاورها من البلاد وحي من غرر البلاد وأحسنها هواء وبها حصن موصوف بالتحصن ولا يوجد الصعود إليه إلا من طريق واحد وفيها مسلمون كثيرون ولها ربض فيه الكفار من اليهود.

ولا يتم لملك من ملوك الشاهية عقد بيعة إلا بمدينة كابل يعقد بها عليه شروط قديمة تتم بها البيعة والقصد إليها من الآفاق القريبة والبعيدة.

ويزرع بسواد أرض كابل كلها النيلج الذي لا يوجد نظيره في سائر البلاد المحيطة بها كثرة وطيبا ويحمل منها إلى كل الآفاق ويعرف بها.

ويتجهز أيضا من مدينة كابل بثياب تصنع من القطن حسان تحمل إلى الصين تخرج إلى بلاد خراسان وقد يسافر بها إلى السند وأعمالها ويتصرف بها كثير.

وفي جبال كابل معادن حديد مشهورة كثيرة النفع وحديدها قاطع حسن.

ولكابل بلاد كثيرة منها أرزلان وخواش وخير ولها قلاع وقرى وعمارات متصلة.

ومن مدينة كابل إلى أربع مراحل.

ومن خواش إلى حسك خمس مراحل ومن حسك إلى كابل ثلاث مراحل.

وهذه البلاد متساوية المقادير وبها متاجر ومتصرفات.

ومن مدينة كابل إلى مدينة لمطة أربع مراحل ومدينتا لمطة وزويلة هما على طرف المفازة المتصلة بين الملتان وبلاد سجستان.

ولمطة وزويلة بلدان قدرهما قدر متوسط وبهما جمل الناس من السندية وبعض أهل الهند وقليل من أهل سجستان وبهما مزارع حنطة أرز وقليل فواكه وشرب أهل هذه البلاد من عيون وأنهار صغار وجباب وآبار ويعمل بها ثياب قطن حلوة يتجهز بها منها إلى ما جاورها من البلاد.

ومن البلاد التي بشرقي الملتان مدينة أودغست ومنها إلى القندهار أربع مراحل ومن أودغست أيضا إلى الملتان أربع مراحل وبأودغست ينبت شيء من القنا وأهلها قليلو التجارات والتصرف في الأسفار لكن أهلها مياسير لهم أموال كثيرة.

ومن مدينة أودغست إلى مدينة زويلة عشر مراحل.

ومن مدينة زويلة إلى لمطة ثلاث مراحل.

ومن مدينة أودغست إلى مدينة السندور ثلاث مراحل.

فهذه جملة صفات البلاد التي تضمنها هذا الجزء وأما بحره أيضا فقد ذكرنا ما قبله من الجزائر مما فيه كفاية وقصد معنى.

وأما جزيرة سرنديب التي سبق لنا ذكرها في الإقليم الأول فإن الخارج منها إذا أراد ذلك قصد أقرب بر لها وهو أرض مدينة جرباتن وبينهما أقل من نصف مجرى.

وإن أخذ المشرق بتأريب فإنما تقع تصفيته إلى مدينه كلكسار أو يصل آخر جبل الامرى وهذا الجبل هو جبل عال كثير العلو جدا يخرج عن البحر في جهة الشرق ويتجون البحر عليه جونا كبيرا ومن طرف هذا الجون إلى جزيرة سرنديب نحو من أربعة مجار وجميع نبات هذا الجبل إنما هو نبات البقم ومنه يتجهز به ويخرج إلى سائر الأقطار وهذا الجبل جبل مشهور وعروق البقم تنفع من نهش الحيات بلا تأخير كما قدمنا ذكره فيما سبق والحمد لله أولا وآخراً.

نجز الجزء الثامن والحمد لله رب العلمين ويتلوه الجزء التاسع منه إن شاء الله تعالى.