نزهة المشتاق في اختراق الآفاق/الإقليم الخامس/الجزء الثامن


إن الذي تضمنه هذا الجزء الثامن من الإقليم الخامس قطعة من بلاد الغزية فيها من بلاد الأغزاز أدرماه ونوجة وبادغة وجاجان ومرقاشان ودرقو ودرندة وغربيان وغرغون وأنهار وجبال ونريد أن نأتي بذكر هيئاتها وطرقها وأخبارها حسب ما سبق لنا فيما سلف من الأخبار عن سائر الأجزاء السابقة وبالله الإرشاد.

فنقول إن بحيرة خوارزم حكى الحاكون عنها وأخبر به الناقلون عن المسافرين إليها من ملوك الأغزاز أن محيطها في الدائر ثلاث مائة ميل وماؤها ملح وليس لها مفيض ظاهر ويقع فيها نهر جيحون ونهر الشاش ونهر برك ونهر روذا ونهر مارغا وأنهار صغار كثيرة فلا يعذب ماؤها ولا يزيد ولا ينقص وبين البحيرة وبين موقع نهر الشاش في نهر جيحون عشرة أميال ونهر جيحون ربما جمد في الشتاء بقرب هذه البحيرة حتى تجوزه الأبقار والأغنام والرجال وهذه البحيرة بينها وبين بحر طبرستان نحو من عشربن مرحلة وعلى شطها جبل يسمى نفراغن يجمد فيه الماء ثلجاً ويبقى سائر أيام الصيف وفي هذه البحيرة حوت يظهر في الغب يكون على صورة الإنسان يطير فوق الماء فيراه الصائدون للسمك ويتكلم بكلام مقفول ثلاث كلمات أو أربعاً ثم يغوص في الماء ومتى ظهر هذا الحوت على هذه الصفة دل على موت ملك من ملوك الأغزاز الجلة.

وبلاد الأغزاز بلاد كثيرة متصلة في جهتي الشمال والشرق ولهم جبال منيعة ولهم عليها حصون حصينة يتحصن بها ملوكهم ويختزنون بها أقواتهم وبها رجال من جهات الملوك يحرسون تلك الأرض والأغزاز صنف من الناس يشبهون البربر في ائتلافهم وسكناهم البراري وحيث المراعي الخصيبة ولهم بيوت من الشعر يأوون إليا ويسكنون بها.

وفي الشرق من هذه البحيرة أرض حندغة وهم قبيل من الأغزاز رحالة ظواعن وبلدهم بلد خصب ومراع كثيرة ومياه منخرقة وبرد زائد ومدينتهم التي يأوون إليها ويلجؤون إليها بحوائجهم تسمى حيام وهى قلعة منيعة على رأس جبل صعب المرتقى وهي في نهاية من المنعة والحصانة وهذا الجبل على ضفة نهر كبير يأتي من داخل بلاد الغزية من ناحية المشرق من جبل يسمى أصغرون ويسمى هذا الهر نهر روذا وهو نهر كبير يعبر بالقوارب ويسافر فيه من البحيرة إلى مدينة حيام ثم إلى مدينة جاجان وبين حيام وجاجان سبعة أيام ومدينة حيام بشماله وجاجان في جنوب النهر وهما مدينتان صغيرتان في نهاية من الحصانة وحالهما في ذاتهما صنف واحد.

ويقع أسفل مدينة حيام من جهة الشمال نهر عظيم يأتي من ناحية الشمال من الجبل الكبير الحاجز بين بلاد الغزية وبلاد البشجرتية ويسمى جبل مرغار وهو جبل عظيم عال لا يرتقي أحد إلى قمته للثلج الذي به والجمد المتوالي عليه ويسمى هذا النهر بنهر مارغا يوجد فيه إذا حمل التبر الكثير ويستخرج من قعره حجر اللازورد ويحمل منه الكثير إلى بلاد خراسان وفي غياض هذا النهر الحيوان المسمى الببر وهو حيوان له جلدة حسنة منسوبة في جيد الوبر ويساوي من القيمة الثمن الكثير ويصاد منه الحيوان الكثير ويخرج إلى جميع بلاد الروم والأرمن وفي غياض هذا النهر توجد ثعالب صفر ألوانها على لون الذهب وهي قليلة وملوك أهل تلك الناحية يلبسونها في ثيابهم ولا يتركون أحداً يخرج منها بشيء استحساناً منهم لها وتنافساً فيها حتى لا يوجد منها شيء عند أحد من الملوك إلا عندهم.

وعلى ضفة هذا النهر جبل عالي القمة يتفجر منه أزيد من ألف ينبوع ماء تصل بأسرها إلى نهر مارغا وعلى أعلاه مدينتان كالحصنين اسم الواحدة منهما نوجة واسم الثانية بادغة وبينهما مسير يوم وفيما بينهما يخرج نهر كبير يمر إلى جهة المغرب فيقع هناك في منقع كبير دوره نحو من خمسين ميلاً لكنه لا يستر ماؤه وماؤه حلو وحوله خصب كثير ومزارع والترك يصيفون حوله ويربعون عليه وبين هذه النقعة وبحيرة خوارزم ست مراحل وهي منها شمالاً وفي شمال هذا المنقع يتصل طرف من جبل مرغار السابق ذكره وبينهما خمس مراحل وفي هذه المراحل مسارح للأتراك.

وعلى أذيال الجبل المذكور مدينتان اسم إحداهما درندة والثانية تسمى درقو ودرندة غرب درقو وبينهما مسافة ثلاثة أيام وهما مدينتان صغيرتان فيهما أسواق وصناعات ومتاجر كاسدة وهما في نهاية من المنعة والتحصين والثلج عندهم أبد الدهور وأهل هذه البلاد يحصدون زروعهم غضة ويجففونها بالدخان وفي الظلال كل فلك لشدة البرد عندهم وتوالي الأمطار عليهم وقلة الجفوف عندهم ويوجد في هذا الجبل وفي مجاري مياهه أحجار البلخش والفيروزج وسائر أنواع الحجارة.

وبين مدينة درقو شرقاً ومنبع نهر مارغا أربع مراحل ومن مدينة درقو إلى مدينة جاجان السابق ذكرها عشر مراحل.

وأما نهر روذا الخارج من جبل أصغرون المذكور قبل هذا فإنه جبل عظيم معترض من جهة الجنوب إلى الشمال بتشريق وهو جبل عظيم جداً والثلج لا يفارق ذروته شتاءً ولا صيفاً وهو جبل في أذياله الشعارى المتصلة وفيها الصيد الكثير الموجود وينبع مع طرفه الشمالي نحو من عشر ين عيناً فتمر غرباً إلى بحيرة غرغون وهي بحيرة كبيرة جداً يكون محيط دورها أربع مائة ميل وماؤها حلو وفيها سمك كثير ومنه أكثر قوت القوم وينفجر من جبال مرغار نحو من خمسين عيناً وتقع بجملتها في هذه البحيرة وعليها مرابع وخصب كثير للجنغاكشين وهم صنف من الأتراك الأغزاز لا يفارقون حمل السلاح ولهم حذر زائد وصولة على من جاورهم من أصناف الأتراك.

وعلى هذه البحيرة من جهة الجنوب جبل من الصخر الصلد لا ينبت شيئاً من النبات وعليه حصن كبير يسمى غرغون وبهذا الحصن عرفت البحيرة ونسبت إليه.

ومن غرغون إلى مدينة جاجان بين غرب وجنوب ست مراحل وفي الجنوب من مدينة جاجان مع قليل تشريق مدينة ذهلان وبينهما نحو من ثماني مراحل في مفاوز غير عامرة.

وذهلان مدينة كالحصن فيه رئيس له عدة وإعداد وهو في بعض الأيام يغزو أرض الطراز التي من بلاد الشاش.

وبين ذهلان ونوجكث من أرض الشاش أربعة أيام وهم في أكثر الأوقات متهادنون غير متفاتنين والدخول من ذهلان إلى مدينة نوجكث وسائر بلاد الشاش ممتنع لكثرة الدساس والجبال المتصلة والطرق الوعرة.

ومن ذهلان في جهة المغرب إلى مدينة حيام اثنتا عشرة مرحلة ومن حيام إلى مدينة الغزية القديمة أربع مراحل بين جنوب وغرب ومن مدينة حيام إلى مدينة ناجية ثماني مراحل وبين روذان وذهلان أربع مراحل.

وكذلك من مدينة ذهلان إلى مدينة غربيان خمس مراحل بين شرق وشمال وعلى ثلاثة أميال من مدينة غربيان معادن فضة لها أصداق جم وربحها كثير ويذكر أن رطل ترابها يعطي ربعة فضة غير مخلصة ويستخرج من هذه المعادن الشيء الكثير وتجار الشاش يتجهزون إليهم بالأموال الطائلة فيشترون منها الجمل الكثيرة بالأموال الكثيرة ويخرجونها بضائع إلى كل الجهات. وبلاد الأغزاز بلاد خصب وأهلها مياسير ولهم نفوس عائثة وأكباد غلاظ مع الجهل والقساوة والزناء فيهم مشاع لا يرون به بأساً ولا يرجعون عن شيء منه.

نجز الجزء الثامن من الإقليم الخامس والحمد لله ويتلوه الجزء التاسع منه إن شاء الله.