هلم بنا يا برق في أبرق الحمى

هلمَّ بنا يا برقُ في أبرقِ الحمى

​هلمَّ بنا يا برقُ في أبرقِ الحمى​ المؤلف ابن معتوق



هلمَّ بنا يا برقُ في أبرقِ الحمى
 
نُسَاقِطُ دُرَّ الدَّمْعِ فَرْداً وَتَوْأَمَا
هلمَّ بنا نقضي منَ النَّدبِ واجباً
 
لعصرٍ مضى فيهِ وعهدٍ تقدَّما
فإنْ كنتَ لي يا برقُ عوناَ فقمْ بنا
 
نروِّي قلوباً صادياتٍ وأرسما
تشَبَّهْتَ بِي دَعْوَى وَلَوْ كُنْتَ مُشْبِهِي
 
بوجدٍ إذاً أصبحتَ تبكي معي دما
فَكَمْ بَينَ بَاكٍ مُسْتَهَامٍ وَبَيْنَ مَنْ
 
تَبَاكَى خَلِيّاً وَهْوَ يُبْدِي الْتَبسُّمَا
تَقَمَّصْتُ ثَوباً مِنْ دُخَانٍ وَمُهْجَتِي
 
عليها قميصٌ من لظاكَ تجسَّما
فَوَاعجَبَاً تَسْقِي الرُّبُوعَ مَدَامِعِي
 
وقلبي إلى سكَّانها يشتكي الظَّما
أَرُوحُ وَلي قَلْبٌ إِذَا مَا نَصَحْتُهُ
 
بِمَاءِ عُيُوني كَي يَبُوخَ تَضرَّمَا
وأمسي ولي دمعٌ يجودُ بمقلتي
 
وثوبٌ إذا ما أحجمَ جيشهُ كر معلما
فَمَنْ لِي بَعَصْرٍ كُلَّمَا مَرَّ ذِكْرُهُ
 
بسمعي حلا عندي ووصلٍ تصرَّما
وليلاتِ أنسٍ نادمتني بدورها
 
وفي الأرضِ زارتني بها أنجمُ السَّما
شِهَابٌ تَظُنُّ الشُّهْبَ فِيهَا لِحُسْنِهَا
 
ثغورَ الغوابي البيضِ في حوَّة ِ الِّلما
سقى الله مغنى ً بالحمى صوبَ مزنهِ
 
يحوكُ لهُ وشيَ الرَّبيع المسهَّما
ولا برحتْ فيهِ الأقاحي ضواحكاً
 
وَلاَ صَرَفَتْ مِنْهَا يَدُ الدَّهْرِ دِرْهَمَا
محلٌ بهِ حلَّ الشَّبابُ تمائمي
 
فَلاَ نقْصَ إِذْ أَصْبَحْتُ فِيهِ مُتَمِّمَا
ومصرعُ أسرى موثقينَ قلوبهمْ
 
بِحَوْمَتِهِ أَضْحَتْ مَعَ الطَّيْرِ حُوَّمَا
حمى حرمة ً مسَّ الصَّعيدِ صعادهُ
 
وأصبحَ فيهِ السَّيفُ بالحلِّ محرما
وَثَغْرٌ غَدَتْ مِنْهُ الثَّنَايَا مَنِيعَة ً
 
فأضحى بنقعِ الصَّافناتِ مثلَّما
قَدِ اشْتَبَهَتْ آفَاقُهُ في عِرَاصِهِ
 
فكلٌّ حوى منها بدوراً وأنجما
فَكَمْ ثَمَّ مِنْ شَمْسِ بِلَيْلٍ تَقَنَّعَتْ
 
وَبَدْرِ ظَلاَمٍ بِالنَّهَارِ تَعَمَّمَا
وليثٍ عرينٍ بالحديدِ مسربلٍ
 
وخشفٍ كناسِ بالنُّضلرِ تخرَّما
تَمِيلُ بِأَثْوَابِ الْحَرِيرِ غُصُونُهُ
 
وتنطقُ بالسِّحرِ الحلالِ أنْ يتختَّما
مكانٌ بهِ كنزٌ من الحسنِ لمْ يزلْ
 
بِآيَاتِ أرْصَادِ الْحَدِيدِ مُطَلْسَمَا
حمتهُ سراة ٌ لا تزالُ رماتهمْ
 
مفوقة ً للحتفِ هدباً وأسهما
قَدِ اتَّخَذُوا لِلْفَتْكِ وَالطَّعْنِ آلة ً
 
قدودَ العذارى والوشجِ المقوَّما
يَرَوْنَ هَوَانَ الْحُبِّ عِزّاً وَسُؤْدُداً
 
وَأَحْسَنَ آجَالِ النُّفُوسِ التَّيَتُّمَا
تَكَادُ الأَقَاحِي خَجْلَة ً مِنْ ثُغُورِهِمْ
 
تعودُ ثناياها شقيقاً معندما
إِذَا نَظَرَتْ أَقْمَارُهُمْ عَيْنَ مُبْغِضٍ
 
يطالبهمْ في مغرمٍ عادَ مغرما
بِرُوحِيَ مِنْهُمْ جِيْرَة ٌ جَاوَرُوا الْحِمَى
 
فَجَارُوا عَلَى قَلْبٍ بِهِمْ قَدْ تَذَمَّمَا
هُمُ أَلْهَبُوا صَدْرِي وَفِيهِ تَوَطَّنُوا
 
فَلِلّهِ جَنَّاتُ ثَوَتْ فِي جَهَنَّمَا
حلالي بهمْ مرُّ العذابِ كم احلا
 
لِنَفْسِ عَلِيٍّ خَوْضُهَا الْحَتْفَ مَطْعَمَا
هُمَامٌ لَدَى الْهيْجَاءِ لَوْ أَنَّ بَأْسَهُ
 
بِبَحْرٍ طَمَا فِي مَدِّهِ لَتَحَجَّمَا
وذو عزماتٍ تصاغُ صوارماً
 
لأَوْشَكْنَ فِي صُمِّ الصَّفَا أَنْ تُصَمِّمَا
سلالة ُخيرِالمرسلين مطهَّرٌ
 
أَتَى طَاهِراً مِنْ كُلِّ أَبْلَجَ أَكْرَمَا
أجلُّ ملوكِ الأرضِ قدراً وقدرة ً
 
وَأَشْرَفُهَمْ نَفْساً وَأَطْيَبُ مُنْتَمَى
جوادٌأتى والجوُّ جونٌ فأصبحتْ
 
أَيَادِيهِ فِيهِ كَالْشِيَاهِ بِأَدْهَمَا
ووافى المعالي بعدنما خَّر سقفها
 
فَشَيَّدَ مِنْ أَرْكَانِهَا مَا تَهَدَّمَا
إِذَا الدَّهْرُ أَجْرَى جَحْفَلاً كَانَ قَبْلَهُ
 
وإنْ هزَّ سيفاً كانَ كفَّاً ومعصما
كريمٌ عيونُ الجودِ لولا وجودهُ
 
لفاضتْ جواريها وأغضتْ على عمى
وطلفٌ براهُ اللهُ لنَّاسِ مجملاً
 
فَنَوَّعَهُ بِالْمَكْرُمَاتِ وَقَسَّمَا
هُوَ الْعَدْلُ إِلاَّ أَنَّهُ إِذْ يَرُومُهُ
 
عدوٌ بظلمٍ كانَ أدهى وأظلما
هلالُ حمامٍ فوقهُ من دلاصهِ
 
هلالُ حياة ٍ يتركُ الحتفَ أقضما
وبدرُ كمالٍ بالسُّروجِ بروجهُ
 
وليثُ نزالٍ بالعوالي تأجَّما
يرى عاملَ الخطِّيِّ قدّاَ مهفهفاً
 
وَيَحْسَبُ إِيَماضَ الْيمَانِيِّ تَبَسُّمَا
إذا ما تولَّى للوثوب على العدا
 
يكادُ عليهِالدِّرعُ أن يتفصَّما
غَنِيٌ لَدَيْهِ لاَ يَزَالُ مِنَ الثَّنَا
 
كُنُوزٌ وِإِنْ أَضْحَى مِنَ الْمَالِ مُعْدِمَا
لَهُ نِقَمٌ مَحْذُورَة ٌ عِنْدَ سُخْطِهِ
 
وَلاَ غَرْوَ أَنْ عَادَتْ مِنَ الْعَفْوِ أَنْعُمَا
ضَحُوكٌ إِذَا اسْتَمْطَرَتْهُ فَهْوَ بَارَقٌ
 
يجودُ وإنْ جرَّبتهُ كانَ مخذما
وصعبٌ إذا استعطفتهُ لانَ جانباً
 
وعذبٌ إذا عاديتهُ صارَ علقما
حَوَى الْبَأْسَ وَالْمَعْرُوفَ وَالنُّسْكَ وَالنُّهَى
 
الـنُّهى وحازَ المعالي والتُّقى والتَّكرُّما
أَعَارَ وَمِيْضَ الصَّاعِقَاتِ حُسَامَهُ
 
وصاغَ لسانَ الموتِ للرُّمحِ لهذما
وبرقعَ في فجرِ الصَّباحِ جيادهُ
 
وَجَللَهَا لَيْلاً مِنَ النَّقْعِ مُعْلَمَا
فَتى ً أَصْلَحَ الأَيَّامَ بَعْدَ فَسَادِهَا
 
وَكَمَّلَ أَعْوَانَ الْكِرَامِ وَتَمَّمَا
وَبَيَّنَ مَا بَيْنَ الضَّلاَلَة ِ وَالْهُدَى
 
فأوضحَ نهجاً طالما كانَ قيِّما
وَقَوَّمَ زَيْغَ الدِّينَ بَعْدَ اعْوِجَاجِهِ
 
فَأَصْبَحَ فِيهِ بَعْدَ مَا كَانَ قَيِّمَا
وَأَلْزَمَ أَهْلَ النُّصْبِ بِالنَّصِّ فَاغْتَدَى
 
فَصِيحُهُمُ لاَ يُحْسِنُ النُّطْقَ أَبْكَمَا
فلولاهُ لمْ يصفُ الغديرُ من القذى
 
وأصبحَ غوراً ماؤهُ وتأجَّما
أَفَاضَ عَلَيْهِ مِنْ أَدِلَّة ِ فَهْمِهِ
 
سيولاً فأضحى طيِّبَ الوردِ مفعما
ذكيٌ إذا قصَّتْ دواوين مدحهِ
 
تَنَفَّسَ صُبْحُ الطِّرْسِ مِسْكاً مُخَتَّمَا
لَهُ قَلَمٌ يَجْرِي الزَّمَانُ بِمَا جَرَى
 
وَيَسْعَى الْقَضَا فِي إِثْرِ مَسْعَاهُ حَيْثُما
يمجُّ رضابَ النَّحلِ طوراً لسانهُ
 
وَيَنْفُثُ طَوْراً نَابُهُ سُمَّ أَرْقَمَا
يراعٌ يريعُ البيضَ إمضاءُ حكمهِ
 
فتحسبُ أمضاهنَّ ظفراً مقلَّما
يُتَرْجِمُ مَا يُوحِي إِلَيْهِ جَنَانُهُ
 
فَيَنْثُرُ دُرّاً فِي السُّطُورِ مُنَظَّمَا
فَصِيحٌ عَنِ الأَسْمَاءِ جَمْجَمَ لَفْظُهُ
 
وَأَسْمَعَ مَعْنَاهُ الْقُلُوبَ وَأَفْهَمَا
بِرُوحِيَ مِنْهُ رَاحَة ٌ نَفَحَتْ بِهَا
 
أَنَامِلُهُ مِنْ دَوْحِهِ فَتَكَلَّمَا
تَتَبَّعَ خُضْرَ الْخَطِّ حَتَّى اسْتَوَى بِهَا
 
فحلَّ على عينِ الحياة ِ وخيَّما
وَشَارَفَ مِنْهَا رَوْضَة الْقُدْسِ فَادَّعَى
 
إِخَاءَ عَصَا مُوسَى وَأَقْلاَمِ مَريَمَا
تَقَدَّسْتَ مِنْ طَوْدٍ بِأَيْمَنِ طُوْرِهِ
 
كريمٌ روى فصلَ الخطابِ وترجما
أمولايَ إنَّ الدَّهرَ يعلمُ فضلكمْ
 
وَيَعْرِفُكُمْ أَنْدَى بَنِيهِ وَأَكْرَمَا
تَمَلَّكْتُمُ رِقَّ الزَّمَانِ وَأَهْلَهُ
 
فَلَيْسَ اللَّيَالِي فِيْهِ إِلا لَكُمْ إِمَا
لَقَدْ كَانَ وَجْهُ الأَرْضِ أَطْلَسَ مَغْبَراً
 
فَأَمْسَى لَكُمْ كَالأُفْقِ يَزْهُو مُنَجِّمَا
تواضعكمْ أدنى مواضعكمْ لنا
 
وَقَدْرُكُمْ فَوْقَ السَّمَواتِ قَدْ سَمَا
لعمركَ ما جودُ السَّحابِ غزيرة ً
 
ولكنَّهُ علَّمتهُ فتعلَّما
جَرَيْتَ مَعَ الأَقْدَارِ فِي كُلِّ غَايَة ٍ
 
فَلَمْ نَدْرِ مَنْ كَانَ الْمُؤَثِّرُ مِنْكُمَا
بفتوى أخيكَ السَّيفِ زوِّجتِ العلى
 
فَعَزَّ حِمَاهَا حَيْثُ صِرْتَ لَهَا حِمَى
 
وينبتُ نوَّارَ النُّضارِ إذا همى
ولا برحَ الدَّهرُ الحروبُ إذا سطا
 
يَزُورُكَ بِالأَفْرَاحِ سِلْماً مُسَلِّمَا
ووافاكَ عيدُ الفطرِ بالعزِّ دائماً
 
وَوَفَّاكَ صَوْمُ الدَّهْرِ أَجْراً مُعَظَّمَا