هل الدهر إلا ذا النهار وضده
هَلِ الدَهرُ إِلّا ذا النَهارِ وَضِدُّهُ
هَلِ الدَهرُ إِلّا ذا النَهارِ وَضِدُّهُ
يُعاوِدُ كُلّاً مِنهُما الدَهرُ نَدُّهُ
يَدورُ فَمِن أَيِّ الجِهاتِ اِبتَدَرَتهُ
وَتابَعَتهُ تَبدا بِهِ وَتَحِدُّهُ
وَلا خَيرَ في يَومٍ يَمُرُّ عَلى الفَتى
إِذا لَم يَنَل فيهِ ثَناً يَستَجِدُّهُ
فَلَيسَت حَياةُ المَرءِ إِلّا شَهادَةً
عَلى فَضلِ مَولاهُ فَيَظهَرُ مَجدُهُ
إِذا كانَ لا يَختارُ تَمجيدُ رَبِّهِ
فَإِنَّ الإِلَهَ اِختارَ ما فيهِ نَكدُهُ
وَإِلّا فَفي دارِ الفَناءِ ثَناؤُهُ
مَقامٌ وَفي دارِ السَعادَةِ خُلدُهُ
وَحَيِّ غَداً في ما سِوى الورحِ مَيتاً
لَقَد حَلَّ عِندي حَيثُما حَلَّ وَأدُهُ
وَمَن كانَ لا يُؤتي الجَماعَةُ نَفعَهُ
فَإِغفالُهُ فيها سَواءُ وَعَدُّهُ
لَعَمرَكَ لَيسَ العُمرُ في المَرءِ عَيشُهُ
وَلَكِن حَقُّ العُمرِ في المَرءِ حَمدُهُ
فَأَحجى بِهِ إِجهادٌ ما باتَ فاقِداً
لا حَرازَ شَيءٌ لَيسَ يُحسِنُ فَقدُهُ
فَيُغنيهِ عَن رَغَدِ المَعيشَةِ شُكرُهُ
وَلَيسَ بِمُغنيهِ عَنِ الحَمدِ رَغدُهُ
كَذا السَيفُ مَعدومٌ وَقَد غابَ نَصلُهُ
وَلَيسَ بِمَعدومٍ وَغابَ فَرَندُهُ
وَما الحَمدُ إِلّا الجِدُّ فَهوَ وَراءَهُ
وَما الجِدُّ إِلّا الجَدُّ فَهوَ مَعدُهُ
وَهَل قيمَةُ الإِنسانِ إِلّا فِعالُهُ
وَهَل قُدرُهُ إِلّا عَناهُ وَجُهدُهُ
وَلَولا اِشتِغالُ المَرءِ ما ذاعَ ذِكرُهُ
وَلَولا اِشتِعالُ العودِ ما ضاعَ نَدُّهُ
فَأَجمَلَ مِن خَضبٍ بِكَفِّكَ شُغلُها
وَأَحسَنُ مِن كُحلٍ بِطَرفِكَ سُهدُهُ
وَأَصلَحُ مِن ذُلٍّ بِنَفسِكَ مَوتُها
إِذا كُنتَ مِمَّن مَورِدُ العِزِّ وَردُهُ
كَذا فَلتَكن تِلكَ الحَياةُ الَّتي أَرى
وَإِلّا فَكَم سَهلٌ عَلى الحَرِّ لَحدِهِ
أَوَدُّ بِها خَلقاً كَثيراً وَإِنَّما
أَوَدُّ مِنَ الأَيّامِ ما لا تَوَدُّهُ
لَقَد آثَرَ المَولى بِنُعماهُ آنِفاً
فَلا غَروَ أَن يُسعِدَ مُحَمَّد عَبدُه
هُوَ البَدرُ لَكِنَّ المَعالي سَماؤُهُ
هُوَ النَجمُ لَكِنَّ الفَضيلَةَ سَعدُهُ
هُوَ اللَيثُ لَكِنَّ المَحامِدَ غابُهُ
هُوَ السَيفُ لَكِنَّ المَكارِمَ غَمدُهُ
هُوَ البَحرُ عَن كُلِّ النَقائِصِ جَزرُهُ
وَلَكِن إِلى كُلِّ الكَمائِلِ مَدُّهُ
مُحيطٌ بِأَشتاتِ العُلومِ جَميعُها
فَفي أَيِّ عِلمٍ جِئتَ يَقدَحُ زَندُهُ
مُجَدِّدٌ روحٌ صارَ في وَسطِ نَزعِهِ
وَمُوَضِّحٌ أَمرٌ أَقلَعَ اليَومَ رُشدُهُ
حَكيمٌ فَلا تُلهيهِ إِلّا جَواهِرُ
غَداً عَبرَةً فيما سِواهُنَّ زُهدُهُ
لَقَد ظَلَّ سُلطانِ الكَلامِ بِأَسرِهِ
فَاِعلامُهُ الأَقلامُ وَالكُتبُ جُندُهُ
لَهُ قَلَمٌ يُزري بِكُلِّ مُهَنَّدِ
يَصولُ عَلى العادي بِهِ فَيَقِدُّهُ
لَهُ في رِهانِ المَكرُماتِ مَآثِرٌ
كَبَت دونَها قَبُّ السِباقِ وَجُردُهُ
إِلى كُلِّ ما يَسنى الثَناءَ صَباؤُهُ
وَعَن كُلِّ ما يُؤذي الكَرامَةَ صَدُّهُ
أَيامَن وُرودي في البَيانِ مَعينُهُ
فَأَصبَحَت في مَدحي لَهُ أَستَمِدُّهُ
تَباهى البَرايا مِصرَ أَنَّكَ نَجلُها
وَيَفخَرُ هَذا العَصرُ أَنَّكَ فَردُهُ
لَدَيكَ رَقيقُ الشِعرِ يَحلو نَشيدُهُ
وَفيكَ دَقيقُ الفِكرِ يُحسِنُ نَشدُهُ
وَيَفنى ممَدادَالمَرءِ فيكَ لَدى الثَنا
وَإِن يَكُنِ البَحرُ المُحيطُ يَمُدُّهُ
وَمِثلُكَ مَن تَبَدّى المَواسِمَ فَضلُهُ
وَفيها مَعَ العَلياءِ يُجَدِّدُ عَهدَهُ
فَهَنَّأَكَ الأَضحى وَلا زالَ عائِداً
عَلَيكَ سَعيداً دائِماً لَكَ شُكدُهُ
عَلَيكَ مِنَ المَولى يَصُبُّ سَلامُهُ
وَفي قَلبِكَ الوَقّادُ يَنزِلُ بَردُهُ