هل كان أودع سر قلب محجرا
هل كان أودعَ سرَّ قلب محجراً
هل كان أودعَ سرَّ قلب محجراً
صبٌّ يكابد دمعه المتحدرا
باتت له عين تفيض بِلُجّةٍ
قذفَ السهادُ على سواحلها الكرى
ما بال سالي القلب عنّف من له
قلبٌ بتفتير اللحاظ نقطّرا
ورمى نصيحته إلى قنص الهوى
فإذا رَعَى حَوْلَ الحبائلِ نُفّرا
إن الغرامَ غرامُهُ ذو سَوْرَةٍ
ومن العيونِ على القلوب تسوّرا
وإذا تعلّقَ بالعلاقةِ مهتدٍ
ورنا إلى حور الظباء تحيّرا
ومن الفواتك بالورى لك غادةٌ
كَحَلَتْ بمثل السحر طرفاً أحورا
ملآنُ منها حِقْفُها، وَوِشاحُهَا
صِفْرٌ تخالُ الخَصْرَ فيه خِنْصَرا
عادت سقيماً من سقام جفونها
خطرت عليه كرؤية فتخطّرا
شَرِقَ الظلامُ تألقاً بضيائها
فكأنما شَربَ الصباح المسفرا
سَحَبَتْ ذوائبَها فيا لأساودٍ
نَفثَتْ على القدمينِ مِسْكاً أذفرا
ومشتْ ترَنّحُ كالنزيف ومشيها
فَضَحَ القطاةَ بحسنه والجُؤذَرَا
فعجبتُ من غُصنٍ تُدافِعُهُ الصَّبا
بالنهد أثمر والثنايا نَوَرا
معشوقةٌ حَيّتْ بودرةِ وجنةٍ
وَسَقَتْ بكاسِ فمٍ سُلافاً مُسْكرا
لا تعجبنْ مما أقول فمقولي
عن حُكمِ عيني بالبخيلة أخبرا
إني امرؤ كلّ الفكاهة حازها
والصيدُ كل الصيد في جوف الفرا
يا رُبّ ذي مدّ وجزرٍ ماؤه
للفلك هُلْكٌ قَطْعُهُ فتيسرا
نفخ الدجى لما رآه ميِّتاً
فيه مكانَ الروح ريحاً صرصرا
يُفْضي إلى حي العباب تخاله
لولا رُبى الآذيِّ قيعاً مقفرا
يخشى لوحشته السُّلَيْكَ سلوكَهُ
ويلوكُ فيه الرعبُ قلبَ الشنفرى
خضنا حشاه في حشى زنجية
كمسفّةٍ شقّتْ سكاكاً أغبرا
تنجو أمامَ القدح وَخْدَ نجيبةَ
فكأنَّه فحلٌ عليها جرجرا
بحرٌ حكى جود ابنِ يحيى فيضُهُ
وطما بسيفِ القصر منه فقصرا
أقرى الملوك يداً وأرفع ذمةً
وأجلّ منقبةً وأكرمُ عنصرا
لا تحسبِ الهمّاتِ شيئاً واحدا
شتان ما بين الثريا والثرى
بدرِ المهابة يجتبي في دَسْتِهِ
مَلِكٌ إذا مَلْكٌ رآه كبّرا
نجلُ الأعاظم من ذؤابة حميرٍ
صَقَلَ الزمانُ به مفاخرَ حميرا
يزدانُ في العياءِ منه سريرُهُ
بمملَّكٍ في المهد كان مؤمَّرا
لَبِسَ التذلَّلَ والخشوعَ لعزِّهِ
كلّ امرىءٍ لبس الخنى وتحيرا
وكأنَّما في كلّ مِقْوَلِ ناطقٍ
من ذكره خَوفٌ يُسَلّ مُذكَّرا
وكأنه في الدهر خُيّرَ فانتقى
أيامه من حُسنها وتخيّرا
طلْقُ المحيَّا لا بُسَورَ له إذا
بسرَ الحمامُ بمأزق وتمعرا
أخدوده في الرأس ضربةُ أبيضٍ
وقلبيه في القلب طعنة أسمرا
وإذا تعرى للشجاع حسامهُ
بكريهةٍ قتل الشجاعة بالعرا
كم مِنْ صريعٍ عاطلٍ من رأسه
بالضربِ طَوّقَهُ حساماً مبترا
متيقظٌ ملأ الزمانَ لأهله
أمْناً أنامَ به وخوفاً أسهرا
عصفتْ لتدركه الصبا فكأنما
جمدتْ وقرّت خلفه لما جرى
أحبِبْ بذاك السبق إذ هو في مدى
شرفٍ يثيرُ به العلى لا العثيرا
يُسْدِي المكارم من أناملِ مُفْضِلٍ
أغنى الزمان بنيلها مَنْ أفقرا
أحيا به المعروف بين عباده
ربٌّ بسيرته أماتَ المنكرا
وكتيبةٍ كَتَبَتْ صدورُ رماحها
للموت في صحفِ الحيازم أسطرا
مُلِئَتْ بها الحربُ العَوَانُ ضراغماً
وصلادماً وقشاعماً وسنورا
جاءت لفيفاً في رواق عجاجةٍ
سوداءَ درْهَمها اللميعُ ودنّرا
وبدا عليٌّ في سماءِ قتامها
قمرا وصالَ على الفوارس قَسْوَرا
بخطيبِ موتٍ في الوقائع جاعلٍ
لغراره رأسَ المدجج منبرا
بحرٌ إذا ما القرنُ رام عبوره
لم يلقَ فيه إلى السلامة معبرا
عَطَبَتْ به مُهَجُ الجبابرةَ الألى
بصروا بكسرى في الزمان وقيصرا
رسبت بلجتّه النفوسُ ولو طفتْ
لحسبتهُ قبلَ القيامة محشرا
وردَ النجيع وسوسنٌ جنباته
ثم استقلّ بهنّ ورداً أحمرا
وكأنما نارٌ تُشَبّ بمتنه
أبداً تُحرقُ فيه روضاً أخضرا
فَتَقَ الرياح بفخره فكأنَّما
خُضْنا إليه بالمعاطِس عنبرا
رفع القريض به عقائر مدحهِ
فاهتزّ في يده النّدى وتفجّرا
وأتى العطاء مفضضاً ومذهباً
وأتى الثناء مسهماً ومحيرا
فكأنما زخرت غواربُ دجلةٍ
وكأنما نُشرتْ وشائع عبقرا
يا من إذا بصرٌ رآه فقد رأى
في بردتيه الأكرمين من الورى
وبدا له أنّا بألْسِنَةِ العلى
في جوهر الأملاك ننظم جوهرا
من نُور بشرك أشرقَ النور الذي
بتكاثر الأعياد عندك بَشّرا
واسلمْ لملكِكَ في تَقَاعُسِ عِزَّةٍ
وَأبِدْ بسيفكَ من عدا واستكبرا