هوشنغ
قال صاحب الكتاب: ثم ملك هوشنغ و تسنم سرير الملكة تبهر من أسرّة وجهه علامات الشهامة و الصرامة، و آثار المهابة و الجلالة.
الملك هوشنغ هو أول من سن عيد السذق
عدلو كان ذا رأى رصين، و عقل رزين. و هو أوّل من استخرج النار و الحديد من الحجر. و كان سبب إخراجه النار أنه رأى يوما فى بعض مخارم الجبال حية تتوقد حدقته فى محجره كجذوة نار تشتعل فى غار و يتنفس فيكاد يذيب أفلاذ الحرّة الرجلاء بأنفاسه.
و كأنه ينفخ عن كير، و يحرق الأرم عن تغيظ و زفير. فأخذ حجرا و رماه به فأخطأه، و وقع الحجر على أنف الجبل فتشعشع منه شعلة نار أعجبته.
فأفلت الحية، و ظهر هذا السر اللطيف المودع فى صميم تلك الصخرة الصماء. فخر للّه تعالى ساجدا يشكره على ما وهب له من تلك النعمة، و حباه من تلك الكرامة. فاتخذ النار قبلة. و ذلك مبدأ تعظيم النار عند الفرس. و قال هذه لطيفة إلهية، و أنوار روحانية.
فلا بد من تعظيم شأنها تعظيم قدرها. فلما جنه الليل أمر فأشعلت نار ملأت طلاع الأرض بالأشعة. حتى خيلت للألحاظ أن الشمس غير غاربة، و ان أضواء النهار الساطع غير غائبة. فاتخذ تلك الليلة عيد يعرف بالسذق. فبقى من ذلك الزمان آثارها بين الأنام. يتوارثها من ملوك الفرس كابر عن كابر، و غابر عن غابر.
استقرار الأمن و توطيد البلاد و ازدهار التنمية فترة حكم هوشنغ
عدلثم انه اتخذ آلات الحديد من الفوس و المناشير و غيرها، و أخذ فى شق الجداول الى الصحارى، و بذر البذور فيها، و تنميتها بالمياه.
فسهل اللّه تعالى له ذلك حتى حد الحدود، و نثر الحبوب، و زرع الزروع، و أقام بالخلق على طريق لا حب للمعايش و اكتساب الأقوات. و اتخذ من جميع البهائم كل نوع يصلح للعمل من البقر و الحمر و غير هما.
و سخرها اللّه له فاستعمل كل جنس فيما يصلح له. و استلان جلود الثعالب و السنجاب و القاقم و السمور. فلم يزل يشتغل بالاصطياد منها، و يأمر بسلخ جلودها للملابس و المفارش. فانعمر فى عهده العالم، و استراحت الخلائق بميامن عدله فى ظل الأمن و الأمان، و خفض العيش و طيب الزمان. فلما بلغ غاية الكمال حان له حين الارتحال. فلم ينشب أن سل عليه سيف الفناء شعوب، و لم يقدر أن يفل حدّه عنه القبائل و الشعوب. فمات حميد الأثر، مرضى السير. و كانت مدّة ملكه أربعين سنة.