هي الأحكام يصدرها القضاء

هِيَ الأَحكامُ يُصدِرُها القَضاءُ

​هِيَ الأَحكامُ يُصدِرُها القَضاءُ​ المؤلف شكيب أرسلان


هِيَ الأَحكامُ يُصدِرُها القَضاءُ
فَلَيسَ لِمُبرَمٍ إِلّا المَضاءُ
وَلا يَنبو حُسامَ المَوتِ مِهما
أُتيحَ لَهُ عَلى الخَلقِ اِنتِضاءُ
لَقَد عَمَّ الرَدى كُلَّ البَرايا
وَماتَ الناسُ حَتّى الأَنبِياءُ
وَأَصبَحنا رَعايا لِلمَنايا
عَلَينا مِن وِلايَتِها لِواءُ
أَلَسنا الخَلقَ غايَتَنا زَوالُ
وَعُنصُرُ خَلقِنا طينٌ وَماءُ
وَسَفَرُ مَراحِلٍ وَذَوي حَياةِ
لَها بِالوَيلِ خَتمٌ وِاِبتِداءُ
نُهِلُّ إِلى البُكاءِ مَتى وُلِدنا
وَيَصحَبُنا إِلى الرَمسِ البُكاءُ
وَلا نَرجو بِذي الدُنيا بَقاءُ
أَلا أَنَّ البَقا مِنّا بَراءُ
حَياةٌ كَاِنسِيابِ الطَيفِ مُرّاً
بِدُنيا لِلفَناءِ هِيَ الفِناءُ
إِذا كانَت نِهايَتُها خُفوتاً
فَأَطوَلُها وَأَقصَرُها سَواءُ
يَغَرُّ المَرءُ مِها وَردَ عِزٍّ
كَذا الدُنيا وَما فيها رِياءُ
يُديرُ الدَهرَ فينا كُلَّ كَأسٍ
لَنا مِن صَرفِ خَمرَتِها اِنتِشاءُ
وَيُرهِقَنا مِنَ الأَرزا بِبَطشٍ
تُقصِرُ دونَهُ الأَسَلُ الظَماءُ
يُمَزِّقُ في البَرِيَّةِ كُلَّ شَملٍ
فَيُصبِحُ مِثلَما نَثَرَ الهَباءُ
وَيَهدِمُ لِلمعالي كُلَّ رُكنٍ
فَيَشمَلُهُ بِأَيديهِ العَفاءُ
كَذا قَضَتِ اللَيالي مِن بَنيها
بِأَن لا يَستَتِبَّ لَهُم هَناءُ
لَعَمرُكَ في البَرِيَّةِ أَيُّ أُمٍّ
عَلى أَولادِها مِنها اِعتِداءُ
فَواعَجَباً لِضاهِدَةٍ لَدَيها
أَواصِرَ ما بِهِنَّ لَها اِعتِناءُ
لَقَد آلَت رَعاها اللَهُ قَدَماً
يَميناً أَن تُسِرَّ بِما نِساءُ
تُفَجِّعُنا بِكُلِّ فَقيدٍ فَضَلَّ
عَلَيهِ يَلطُمُ الوَجهَ العَلاءُ
لَقَد كانَت تَتيهُ بِهِ المَعالي
وَكانَ عَلَيهِ مِن شَرَفِ رِداءُ
رُوَيدَكَ أَيُّها المَنعي نَعياً
بِهِ تَنعى المَكارِمَ وَالرَجاءُ
وَيا مُتَرَحِّلاً مُهِلّاً لَعَمري
فِداكَ الناسُ لَو صَحَّ الفِداءُ
وَردَ حَمامِكَ الآسونِ لَكِن
دَوَيُّ المَوتِ لَيسَ لَهُ دَواءُ
تُناديكَ الفَضائِلُ وَهي تَبكي
وَلَكِن لَيسَ يَنفَعُها النِداءُ
وَكَم جَفَّت عَلَيكَ شُؤونُ دَمعٍ
بِعَينٍ لَم تَجِفَّ لَها دِماءُ
أَلا مَن مُبلِغِ الأَفضالِ عَنّي
توفي نَدبُهُ وَلَهُ البَقاءُ
فَإِن يَجزَعُ فَلَيسَ عَلَيهِ لَومٌ
كَذا تَبغي الصَداقَةَ وَالوَلاءُ
وَإِن يَصبِرَ فَذاكَ عَلى فَقيدٍ
بِنَشرِ حَياتِهِ كَفلُ الثَناءُ
أَغَرَّ أَبَرَّ سَمحُ الخَلقِ كانَت
تَصرِفُهُ السَماحَةُ ما تَشاءُ
عَلَيهِ مَدَّتِ التَقوى وَشاحا
وَشَدَّ بِهِ مَناطِقَهُ الصَفاءُ
إِذا أَمَّ العُفاةُ نَدى يَدَيهِ
فَكَم يَعرو الحَيا مِنهُ الحَياءُ
حَوى غُرَرَ الخِلالِ وَكُلُّ حَرٍّ
لَهُ بِسَنّى شيمَتُهُ اِقتِداءُ
فَتُبكيهِ المَفاخِرُ وَالمَعالي
وَتَندِبُهُ الطَلاقَةُ وَالسَخاءُ
وَظَلَّ ثَناؤُهُ في القَومِ طَراً
يَضوعُ وَلا كَما ضاعَ الكَباءُ
فَإِن يَكُ فارِقُ الدُنيا مَجداً
فَأَثوَتهُ مَراقيها السَماءُ
لِيَنعَم بِاللِقا أَبَداً وَفيها
يَكونُ بِهِ اِحتِفالٌ وَاِحتِفاءُ
فَيا أَنجالُهُ الأَنجابُ مَهلاً
عَزاءُكُم وَإِن عَزَّ العَزاءُ
وَلَستُ أَزيدُكُم حُبّاً بِصَبرٍ
جَميلٍ بِرَدِّ لابِسِهِ بَهاءُ
وَلا راعَ البَلاءُ لَكُم قُلوباً
وَلَكِن في البَلاءِ لَكُم بَلاءُ
وَلا يَبكي عَلى مَن فاتَ دُنيا
لِيَخلُدَ في النَعيمِ لَهُ ثَواءُ
فَيا صَوبَ الحَيا باكِرَ ثَراهُ
فَمِنهُ طالَما سَحَّ العَطاءُ
وَزَرَ جَدثاً بِقُربِ البَحرِ تَعثُرُ
عَلى بَحرَينِ بَينَهُما اللِقاءُ
هُنالِكَ غَيبَ الأَقوامِ شَهماً
وَغَيَّبتُ المُروءَةُ وَالوَفاءُ
وَيا ذاكَ الفَقيدُ اِذهَب فَحاشا
مَقامُكَ أَن يَقومَ بِهِ الرِثاءُ
عَلَيكَ سَلامُ رَبِّكَ ما تَوالى
صَباحٌ مُنذُ يَومِكَ أَو مَساءُ
وَمَن كانَ الصَلاحُ لَهُ اِبتِداءُ
فَبِالأَجرِ الجَزيلِ لَهُ اِنتِهاءُ