وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل/الباب الرابع/الفصل الأول/1

وثيقة مؤتمر الحوار الوطني الشامل
الباب الرابع: الملاحق
  ►الباب الرابع/الفصل الأول : خطابات رئيس الجمهورية. الفصل الأول: خطابات رئيس الجمهورية. 2- كلمة رئيس الجمهورية 19 مارس 2013 ◄  


1- كلمة رئيس الجمهورية 18 مارس 2013


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين القائل في محكم كتابه

(ياأيَُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَِّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) والقائل:( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَِّ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَِّ عَلَيْكُمْ إذِْ كُنْتُمْ أعَْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ا للَُّ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) صدق الله العظيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد القائل )الايمان يمانٍ والحكمة يمانية( وعلى آله وصحبه أجمعين والرحمة الغامرة لشهداء اليمن الذين قدموا أنفسهم فداءً لشعبهم ووطنهم عبر مسيرة طويلة ظلوا يبحثون خلالها عم دولة الحرية والكرامة والعدالة للمشروع الكبير المتمثل باليمن الواحد الذي يحكمة كل ابنائه بعيداَ عن هيمنة الأسرة أو القبيلة أو المنطقة.

السيد / عبد اللطيف الزياني - أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية
السيد / جمال بن عمر - مستشار ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة
أصحاب السعادة ممثلو الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية
الأخوة والأخوات أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل
الحاضرون جميعاً..

أرحب بكم جميعاً في هذا اليوم الاستثنائي.. هذا اليوم الكبير والخالد الذي يلتحم فيه اليمنيون جميعاً في قاعة واحدة ليبدأوا فيه كتابة صفحةٍ كالحة السواد كادت أن تجعلهم أشتاتاً متفرقين لولا رحمة الله التي تداركتهم بعنايتها وفضلها وأحيت فيهم روح الحكمة والايمان وأحاطتهم برعاية الشقيق القريب والصديق البعيد.

وتشاء الأقدار أن ينعقد هذا المؤتمر الكبير من شباب اليمن الطاهر، ذلك الحدث الذي زلزل ضمير اليمنيين جميعاً والعالم كله فكانت البذرة الأولى للحل السياسي الذي تعارفنا علية لاحقاً بالمبادرة الخليجية نتاجأ لذلك اليوم الدامي وأول خطوة جادة وحاسمة في دوران عجلة التغيير إلى الأمام التي وصلت بنا إلى يومنا هذا الذي سيكون هو الآخر لحظة مفصلية خالدة لن يكون اليمن بعدها كما كان قبلها بكل تأكيد فأما أن يمضي اليمنيون نحو فجرٍ جديد ومستقبل مشرق أو العودة - لا سمح الله - إلى نفقٍ مظلم لا تقوم لهم بعده قائمة ولا يجدون منه مخرجاً ولا مفراَ.

إننا اليوم أمام لحظةٍ فارقة تتطلب من جميعاً إرادة قوية في تغيير طرق تفكيرنا العميقة وآليات أدائنا السقيمة التي ما جلبت لليمن إلا الشر والفساد والاستبداد والبؤس وتسيد المشاريع الصغيرة، إذ يجب علينا أن ندرك أن تغيير أساليب الإرادة وعادات - السلطة التي سرنا عليها طوال العقودالماضية وأثبتت فشلها بشكل قطعي هو قرار صعب لكن لا مفر منه حتى لا تصطدم بسنة الحياة في التغيير والتطور وإلا فاتنا الزمن ووجدنا أنفسنا في ذيل القافلة كما هو حالنا الآن.. ومن ظن أن الحياة لاتمضي إلا بتلك الأساليب المتخلفة والعادات البائسة فليعلم أنه أسير الماضي وأسير الأنانية وعبادة الذات التي تجعل من مصلحته - فردا كان أم جماعا- فوق مصلحة الشعب والوطن.. أما إذا استحضرنا تجارب الشعوب المعاصرة التي نهضت من كبوتها وحققت نقلات هائلة في حياتها في فترات زمنية محدودة فإننا سنعلم يقيناً اننا في اليمن قادرون على السير في نفس الطريق إذا تجاوزنا كل عوامل التخلف، وستجدون ايها القادة المجتمعيون قي هذه القاعة أن شعبنا قادر على عمل المعجزات إذ تغلبتم على النوازع الصغيرة والمصالح الضيقة وقررتم تخليد أسمائكم ليس فقط في ذاكرة العالم كله أيضاً باقتناعكم الكامل بأن هذا المؤتمر الوطني الكبير ليس أمامة سوى خيار واحد هو النجاح والنجاح فقط.. بذلك ستتجاوزون تعقيدات الماضي وعاداته الآسرة وآساليبه الجامدة وستضعون اللبنات الأساسية لبناء يمنٍ جديد موحد وآمن ومستقر، وهذا يتطلب منكم منذ هذه اللحظة التي انطلقت فيها أعمال المؤتمر الاتفاق على نقطة البداية الصحيحة بكل تجرد وصدق وإخلاص والتي ستصل بنا بشكل تلقائي ومنطقي وواقعي إلى النقطة التالية فالتي تليها وهكذا حتى تتكلل أعمالنا بالنجاح الكبير فلا نخيب ظن شعبنا بنا ولا أمل العالم فينا.

الأخوة والأخوات أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل:

تدركون أن فرقاء كثيرون كانوا إلى عام واحد فقطمضى يقفون خلف متارسهم يترصدون بعضهم البعض هم اليوم يجتمعون في هذه القاعة تحت سقف واحد هو مصلحة اليمن والشعب اليمني، وهي نعمة من الله بها علينا من خلال المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي رسمت لنا خارطة طريق واضحة للخروج ببلادنا من ازمتها المستفحلة إلى رحاب التوافق والتصالح والتسامح والمحبة وتغليب المصلحة العامة على المصالح الأنانية والخاصة.. لذلك فإنني باسم الشعب اليمني أطلب منكم في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة أن تغادروا الماضي بكل تفاصيلة وأن تخرجوا من خنادق العصبيات الصغيرة وأن تتخلصوا من موروثات الصراع وترموا أثقاله وراء ظهوركم فلا تستحضروا من كل ذلك إلا العبر والعظات والدروس التي يمكن أن تساعدكم على الانتقال إلى آفاق المستقبل الأفضل الذي ينشده منكم الشعب اليمني.

إن عليكم فتح صفحةٍ بيضاء جديدة بقلوب صادقة وعقول متوقدة ونفوس مخلصة وأن تتركوا مكائد السياسة ووسائلها السلبية خارج قاعات الحوار وتتمسكوا بقيم واخلاقيات ونبل شباب اليمن الأطهار الذين انطلقوا في مختلف ساحات وميادين البلاد ليعبروا عن رغبتهم الصادقة النقية في بناء دولة مدنية حديثة هي ايضاً طوحنا وهدفناالذي فشلنا في إنجازة طوال العقود الماضية.. دولة مدنية حديثة تقوم على أسس الحكم الرشيد ومبادئ الشورى وآليات الديمقراطية المعاصرة والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون.. دولة مدنية حديثة تحكمها الأنظمة والقوانين المستمدة من شريعتنا الأسلامية الغراء التي تتصف بالمرونة والاعتدال وترفض الغلو والتظرف وتواكب احتياجات العصر وتلتزم حقوق الانسان وتكفل الاجتهاد وتحترم قيم العدل والحرية والمساواة والكرامة الإنسانية.

الأخوة والأخوات أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل:

لقد تم اختياركم بعناية كبيرة من كل اطياف وتيارات ومكونات المجتمع اليمني لا لتكونوا فرقاء متخاصمين بل لتكونوا فريقاً واحدا يعمل بكل صدق وإخلاص على إخراج اليمن من أزماته السياسية والامنية والاقتصادية، ولتجعلوا التنوع الخلاق في آرائكم سبيلآ لتغليب الرأي الأكثر صحة والأقرب تعبيراً عن مصلحة الوطن لتتمكنوا من وضعه على عتبه القرن الواحد والعشرين وتجتنبوا الانجرار إلى أي نوع من أنواع الصراعات الداخلية التي تؤدي إلا إلى هدم هيكل الدولة الذي حافظنا علية ويجب أن نستمر في ذلك رغم هشاشتة طوال الفترة العصبية الماضية ليكون منطلقنا في بناء جوهر وأسس وقيم النظام الجديد.

ويجب ان نستحضر دوما أن اليمنيين نجحوا رغم التنوع السياسي القائم في تشكيل حكومة واحدة متوازنة تعمل على إنجاز مهامها بقدر كبير من الانسجام والتوافق مما جعل المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي يتأملان هذة التجربة الفريدة بالكثير من الجدية والعمق ويعتبر أنها نموذج في التغيير يمكن الاقتدلء به كأسلوب سلمي حضاري يجعل من عملية التغيير وسيلة لتقارب الرؤى وتوحدها عبر استيعاب مختلف الأطراف المتنازعة وتمكينها من الشراكة في بناء الدولة المدنية الحديثة.. لذلك فإن علينا أن نعتز ونفتخر بتجربتنا التي ستترسخ من خلال حرصنا جميعاُ على نجاح أعمال مؤتمرنا هذا، الأمر الذي يجعلنا ندرك أن كل القضايا المطروحة للنقاش في المؤتمر تتطلب من جميع الأطراف تقديم تنازلات قد تبدو مؤلمة بمعايير اليوم لكن الأجيال القادمة ستعتبرها بمعايير الغد إنجازاً تاريخياً في السجل السياسي لهذه الأطراف وستحكم تلك الأجيال على كل من في هذه القاعة أما بقدر ماسيحققونة من الإنجاز فيصبحوا في سجل الخالدين أو ما قد يتسببون به - لا سمح الله - من الإخفاق فيخيب أمل الشعب فيهم.. لذلك فإن عليكم الاستفادة من المساندة غير المسبوقة التي تحظى بها بلادنا سياسياً واقتصادياً من المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي عبر هذا الإجماع النادر لإنجاح أعمال هذا المؤتمر الوطني الكبير فالإرادتان الأقليمية والدولية قد توفرتا لإنجاحه وتبقى الإرادة الوطنية بأيديكم انتم لكي تعبروا عنها من خلال حرصكم على تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الضيقة بمختلف أشكالها وتنتصروا للمشروع الوطني الكبير على حساب المشاريع الانتهازية الصغيرة، فتصلون بسفينة الوطن الى بر الأمان بسلام وحكمة وبصيرة.

الأخوة والأخوات جميعاً:

إن مايقارب الثلث منكم من حملة الشهادات العليا، دكتوراه وماجستير، وهذا يبعث على الاعتزاز والطمأنينة في ذات الوقت لأن هذا المؤتمر الوطني الكبير أحوج مايكون لأصحاب التخصصات المختلفة، فأنتم لن تناقشوا قضايا سياسية فقط بل ستناقشوا قضايا سياسية فقط بل ستناقشون الكثير من القضايا الجوهرية الملحة التي تشكل حاجة ضرورية لدى أبناء شعبنا.. ألا أن قضيتكم المحورية والجوهرية التي ستكون المفتاح الأساسي لمعالجة لمعالجة سائر القضايا هي القضية الجنوبية التي يجب أن تقفوا أمامه بمسئولية وإحساس وطني عميق بعيدا عن العواطف والحلول المطبوخة والجاهزة والتصورات غير المدروسة والضغوط السياسية وكل انواع الابتزاز وردود الفعل، كما أن أي تفكير لفرض أي تصور لمعالجة هذه القضية الوطنية بالقوة المسلحة لن يقود إلا إلى فشل ذريع وأخطاء كارثية ودمار كبير، فها هو الدرس الذي تعلمناه من الحروب السابقة لازال ماثلاً أمامنا ولا نريد تكراره في أي اتجاه، فنحن في النهاية شعب واحد يجمعنا من القواسم المشتركة أكثر مما يفرقنا،ناهيكم عن أن قضاياناواحتياجاتنا ومعاناتنا هي ذاتها في شمال الوطن وجنوبة، في شرقة وغربة، فنحن شعب لم يلج بعد إلى حياة الرفاه والرخاء والديمقراطية والحرية والعدل والاستقرار زالتنمية الحقة، ولازال ثالوث الشر - الجهل والمرض والفقر - يفتك بنا ويفترس مواطنينا بعد خمسين عاماً من الثورة اليمنية سبتمبر ولأكتوبر التي جاءت لتقضي علية دون جدوى.

الأخوة والأخوات أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل:

إن التوافق على رؤية عقلانية واقعية وطنية حول القضية الجنوبية تحديداً سيقودنا حتماَ لصياغة عقد اجتماعي جديد من خلال دستور يكفل معالجة الاختلالات التي أدت إلى كل المحن التي عشناها والحروب التي خضناها والبؤس الذي فرض علينا وسيادة مفاهيم القوة ومعاني الفوضى وقيم التخلف وامراض العصبيات الأسرية والقروية والقبلية والمذهبية والناطقية التي عانينا منها.. نريد منكم دستوراً يخرجنا من كل ذلك ويكفل لأبنائنا وأحفادنا أسس جياة كريمة سوية ترتقي بنا إلى مستويات المعيشة الإنسانية الراقية التي أرادها الله سبحانة وتعالى لعباده، وإن ثقتي بالله ثم بكم كبيرة وتفاؤلي بجديتكم ومصداقيتكم لا حدود له رغم كل المصاعب التي لازلنا نعاني منها ورغم كل العراقيل التي لازالت تواجهنا،ذلك أن إرادة البشر أذا مضت في الطريق السوي، طريق بناء الإنسان وإعمار الوطن، فإنها نفحة من إرادة الله الذي لايرضية شيء مثلما يرضية أن يرضية أن يرى العدل والسعادة والرخاء والمساواة والحرية تسود بين عباده.

وإنني على يقين أنكم ستبذلون كل جهودكم لإخراج اليمن من محنته ومعاناته وستنجزون الكثير في هذا المؤتمر الذي يرقبة كل مواطن يمني باهتمام ويتطلع إليكم بأمل لا يأس فية ويثق بكم كنخبة راشدة واعية تشكل طليعته التي ستمضي بة إلى مستقبل أفضل وحياة جديدة واستقرار منشود، فلا تخيبوا حسن ظن الشعب بكم ولا حسن ظن العالم كله بحكمتكم.

وفي ختام كلمتي هذه،لابد لي أن أتوجة بالشكر والعرفان لأشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي وفي المقدمة المملكة العربية السعودية وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ولأصدقائنا في المجتمع الدولي وفي مقدمتهم الدول الخمس أعضاء مجلس الأمن الدولي على رعايتهم الكبيرة ومتابعتهم الحثيثة ووقفتهم الجادة إلى جانب بلادنا في محنتها التي مرت بها. إن شراكة أشقائنا وأصدقائنا معنا في اليمن نموذج يحتذى به وهو شراكة اوصلتنا إلى هذع اللحظة التاريخية،

ونأمل أن تستمر حتى يقف اليمن مجدداً على قديمه.

وفقكم الله لما فيه خير الشعب اليمني وخير الوطن، وندعوه تعالى أن يسدد خطانا جميعاً وأن يكتب لمؤتمرنا هذا النجاح والسداد والتوفيق

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته