وفيات الأعيان/ابن سكرة
أبو الحسن محمد بن عبد الله بن محمد، المعروف بابن سكرة الهاشمي البغدادي الشاعر المشهور، وهو من ولد علي بن المهدي بن أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي؛ قال الثعالبي في ترجمته: هو شاعر متسع الباع في أنواع الإبداع، فائق في قول الطرف والملح على الفحول والأفراد، جار في ميدان المجون والسخف ما أراد، وكان يقال ببغداد: إن زمانا جاد بمثل ابن سكرة وابن حجاج لسخي جدا، وما شبها إلا بجرير والفرزدق في عصرهما. ويقال إن ديوان ابن سكرة يربي على خمسين ألف بيت، فمن بديع تشبيهه ما قاله في غلام رآه وفي يده غصن وعليه زهر، وهو:
غصن بان بدا وفي اليد منه
غصن فيه لؤلؤ منظـوم
فتحيرت بين غصنين في ذا
قمر طالع وفي ذا نجـوم
ومن شعره:
قالوا: التحى وستسلو عنه قلت لـهـم:
هل يحسن الروض ما لم يطلع الزهر
هل التحى طرفه الساجي فأهجـره؟
أم هل تزحزح عن أجفان الـحـور؟
وله في غلام أعرج:
قالوا بليت بأعرج فأجبتـهـم
ألعيب يحدث في غصون البان
إني أحب حديثه وأريده للـنـو
م لا للجري فـي الـمـيدان
وله أيضا:
أنا واللـه هـالـك
آيس من سلامتي
أو أرى القامة التي
قد أقامت قيامتي
وقال ابو الحسن علي بن محمد بن الفتح المعروف بابن أبي العصب - وقال ابن العصب - الأشناني الملحي البغدادي الشاعر: كتب إلي ابن سكرة الهاشمي:
يا صديقـا أفـادنـيه زمـان
فيه ضن بالأصدقـاء وشـح
بين شخصي وبين شخصك بعد
غير أن الخيال بالوصل سمح
إنما أوجب التبـاعـد مـنـا
أنني سكـر وأنـك مـلـح
فكتب إليه:
هل يقول الإخوان يوما لخـل
شاب منه محض المودة قدح
بيننا سكر فلاتفـسـدنـه أم
يقولون: بيننا وبينك مـلـح
وله يهجو بعض الرؤساء:
تهت علينا ولست فينـا
ولي عهد ولا خلـيفة
فته وزد ما علي جار
يقطع عني ولا وظيفة
ولاتقل ليس فـي عـيب
قد تقذف الحرة العفيفه
والشعر نار بـلا دخـان
وللقوافي رقى لطيفـه
كم من ثقيل المحل سـام
هوت به أحرف خفيفه
لوهجي المسك وهو أهل
لكل مدح لصار جيفـه
وله أيضا:
قيل: ما أعددت للبر
د فقد جاء بشـده
قلت: دراعة عري
تحتها جبة رعـده
وله بيتان اللذان ذكرهما الحريري في المقامة الكرجية، وهما:
جاء الشتاء وعندي من حوائجـه
سبع إذا القطر عن حاجاتنا حبسا
كن وكيس وكانون وكاس طـلا
بعد الكباب وكس ناعم وكـسـا
وقد نسج ابن التعاويذي - الآتي ذكره في المحمدين إن شاء الله تعالى - على منواله، فقال:
إذا اجتمعت في مجلس الشرب سبعة
فما الرأي في التأخير عنه صواب
شواء وشـمـام وشـهـد وشـادن
وشمع وشاد مـطـرب وشـراب
وقال أبو الثناء محمود بن نعمة بن أرسلان النحوي الشيزري:
يقولون كافات الشتـاء كـثـيرة
وما هي إلا واحد غير مفتـرى
إذا صح كاف الكيس فالكل حاصل
لديك، وكل الصيد يوجد في الفرا
وله في الشباب أيضا:
لقد بان الشباب وكان غصـنـا
له ثمـر وأوراق تـظـلـك
وكان البعض منك فمات فاعلم
متى ما مات بعضك مات كلك
ومحاسن شعره كثيرة.
وتوفي يوم الأربعاء حادي عشر شهر ربيع الآخر سنة خمس وثمانين وثلاثمائة رحمه الله تعالى.
وكانت ولادة ابن العصيب المذكور بعد سنة خمس وثمانين ومائتين، وسمع منه الحسن ابن علي الجوهريهذه الأبيات سنة أربع وسبعين وثلاثمائة.
وتوفي أبو الثناء محمود بن نعمة المذكور سنة خمس وستين وخمسمائة بدمشق،وذكر عماد الدين الكاتب في كتاب الخريدة أنه رآه بدمشق سنة ثلاث وستين وخمسمائة، وأنشد عدة مقاطيع له.
وسكرة: بضم السين المهملة وتشديد الكاف وفتح الراء وبعدها هاء ساكنة، وهي معروفة فلا حاجة إلى تفسيرها.