وكيف بنفس كلما قلت أشرفت

​وكيف بنفس كلما قلت أشرفت​ المؤلف الفرزدق


وَكَيْفَ بنَفْسٍ كُلّما قُلتُ أشرَفَتْ
على البُرْءِ من حَوْصَاء هيض اندمالُها
تُهاضُ بِدارٍ قَدْ تَقادَمَ عَهْدُهَا،
وَإمّا بِأمْواتٍ ألَمّ خَيَالُها
وَما كُنتُ ما دامَتْ لأهْلي حَمُولَةٌ،
وما حَمَلَتْهُمْ يَوْمَ ظَعْنٍ جِمالُها
وما سَكَنَتْ عَني نَوَارُ فَلَمْ تَقُلْ
عَلامَ ابن لَيْلى، وَهْي غُبْرٌ عيالُها
تُقِيمُ بِدارٍ قَدْ تَغَيّرَ جِلْدُهَا،
وَطالَ، وَنيِرَانُ العَذابِ، اشْتِعالُها
لأقَرَبَ أرْض الشّأمِ، والناسُ لم يَقمْ
لَهُمْ خَيْرُهُمْ مَا بَلّ عَيْناً بِلالُها
ألَسْتَ تَرَى من حَوْلِ بَيتِكَ عائذاً
بِقَدْرِكَ قَدْ أعْيَا عَلَيْها احتِيالُها
فكَيْفَ تُرِيدُ الخَفضَ بعد الذي ترَى
نِسَاءٌ بِنَجْدٍ عُيَّلٌ وَرِجَالُها
وَسَوْداءَ في أهْدامِ كَلِّيَن أقْبَلَتْ
إلَينا بِهمْ تَمْشِي وَعَنّا سُؤالُها
على عاتِقَيْها اثْنَانِ مِنْهُمْ، وإنّها
لَتُرْعَدُ قد كادَتْ يُقِصّ هُزَالُها
وَمِنْ خَلْفِها ثِنْتَانِ كِلْتَاهُما لَها،
تَعَلّقَ بِالأهْدامِ، وَالشّرُّ حَالُها
وفي حَجْرِها مَخزُومَةٌ من وَرَائِها
شُعَيْثاءُ، لمْ يَتْمِمْ لحَوْلٍ فِصَالُها
فَخَرّتْ، وألْقَتْهُمْ إلَيْنَا كَأنّها
نَعامَةُ مَحْلٍ، جَانَبَتْهَا رِئالُها
فَخرّتْ، وَألْقَتْهُمْ إلَيْنا كَأنّها
نَعامَةُ مَحْلٍ، جَانَبَتْهَا رِئَالُها
إلى حُجّرَةٍ كَمْ مِنْ خِبَاءٍ وَقُبّةٍ
إلَيْها، وَهُلاّكٍ كَثِيرٌ عَيَالُها
وَبالمَسجِدِ الأقصَى الإمامُ الذي اهتَدى
بِهِ مِنْ قُلُوبِ المُمْتَرِينَ ضَلالُها
ب كَشَفَ الله البَلاءَ، وَأشْرَقَتْ
لَهُ الأرْضُ والآفاقُ نَحْسٌ هلالُها
فَلَمّا اسْتهَلّ الغَيثُ للنّاسِ وانجلتْ
عَنِ النّاسِ أزْمانٌ كَوَاسِفُ بَالُها
شَدَدْنا رِحالَ المَيْسِ وَهْيَ شَجٍ بها
كَوَاهِلُها، مَا تَطْمَئِنّ رِحَالُها
فأصْبَحَتِ الحاجاتُ عندكَ تنتَهي،
وَكُلّ عَفَرْنَاةٍ إلَيْكَ كَلالُها
حَلَفْتُ لئنْ لمْ أشتَعْب عن ظهورِها
لَيَنْتَقِيَنْ مُخَّ العِظَامِ انْتِقَالُها
إلى مُطلِقِ الأسْرَى سُلَيمان تَلتَقي
خَذارِيفُ بَينَ الرّاجِعاتِ نِعالُها
كَأنّ نَعَامَاتٍ يُنَتِّفْنَ خُضْرَةً،
بِصَحْرَاءَ مِمْرَاحٍ، كَثيرٌ مَجالُها
يُبادِرْنَ جُنْحَ اللّيلِ بيضاً وَغُبْرَةً،
ذُعِرْنَ بِها، والعِيسُ يُخشَى كَلالُها
كَأنّ أخَا الهَمّ الّذي قَدْ أصَابَهُ،
بهِ مِنْ عَقابيلِ القَطِيفِ مُلالُها
وَقُلْتَ لأهْلِ المَشْرِقَينِ ألمْ تَكُنْ
عَلَيكُمْ غُيُومٌ، وَهي حُمْرٌ ظلالُها
فَبُدّلْتُمُ جَوْدَ الرّبِيعِ، وَحُوّلَتْ
رَحىً عنكُمُ كانَتْ مُلِحّاً ثِفالُها
ألا تَشْكُرُونَ الله إذْ فَكّ عنْكُمُ
أداهِمَ بِالمَهْدِيّ، صُمّاً ثِقالُها
هَنَأناهُمُ حَتى أعَانَ عَلَيْهِمُ
من الدّلْو أوْ عَوّا السّماكِ سِجالُها
إذا ما العَذارَى بالدّخانِ تَلَفّعَتْ،
وَلمْ يَنْتَظِرْ نَصْبَ القُدُورِ امتلالُها
نحَرْنَا، وَأبْرَزْنا القُدُورَ، وَضُمّنَتْ
عَبيطَ المَتالي الكُومِ، غُرّاً مَحالُها
إذا اعتَرَكَتْ في رَاحَتَيْ كلّ مُجمِدٍ،
مُسَوَّمَةً، لا رِزْقَ إلاّ خِصَالُها
مَرَيْنا لِهُمْ بالقَضْبِ من قَمَعِ الذّرَى
إذا الشَّوْلُ لمْ تُرْزِمْ لدَرٍّ فِصَالُها
بَقَرْنا عَنِ الأفْلاذِ بالسّيفِ بَطنَها،
وَبالسّاقِ من دُونِ القِيامِ خَبالُها
عَجِلْنا عَنِ الغَليِ القِرَى من سَنامها
لأضيْافِنا، والنّابُ وَرْدٌ عِقالُها
لَهُمْ أوْ تَمُوتَ الرّيحُ وَهيَ ذَمِيمَةٌ
إذا اعْتَزّ أرْوَاحَ الشّتَاءِ شَمَالُها
وَصَارِخَةٍ يَسْعَى بَنُوهَا وَرَاءَها،
على ظَهْرِ عُرْيٍ زَلّ عَنْهُ جِلالُها
تُلَوّي بِكَفّيْها عَناصِيَ ذِرْوَةٍ،
وَقَدْ لحِقَتْ خَيْلٌ تَثُوبُ رِعَالُها
مُقاتِلَةٍ في الحَيّ مِنْ أكْرَمَيْهِمُ،
أبُوها هُو ابنُ العَمّ لَحّاً وَخالُها
إذا التَفَتَتْ سَدّ السّمَاءَ ورَاءَهَا
عَبِيطٌ، وَجُمْهورٌ تَعادَى فِحالُها
أناخَتْ بِهَا وَسْطَ البُيُوتِ نِساؤنَا،
وَقَد أُعجِلَتْ شدَّ الرّحالِ اكتِفالُها
أنَخْنَا، فأقْبَلْنا الرّمَاحَ وَرَاءَهَا
رِمَاحاً، تُسَاقي بِالمَنَايا نِهَالُها
بَنُو دارِمٍ قَوْمي تَرَى حُجُزاتِهِمْ
عِتاقاً حَوَاشِيها، رِقَاقاً نِعَالُها
يَجُرّونَ هُدّابَ اليَماني، كَأنّهُمْ
سُيُوفٌ جَلا الأطباعَ عَنها صِقالُها
وَشِيمَتْ بهِ عَنكُمْ سُيوفٌ علَيَكمُ
صَباحَ مَساءً بالعِرَاقِ اسْتلالُها
وَإذْ أنْتُمُ مَنْ لمْ يَقُلْ أنَا كَافِرٌ،
تَرَدّى، نَهَاراً، عَشْرَةً لا يُقالُها
وَفَارَقَ أُمَّ الرّأسِ مِنهُ بضَرْبَةٍ،
سَرِيعٍ لِبَيْنِ المَنْكِبَيْنِ زِيَالُها
وَإنْ كانَ قَدْ صَلّى ثَمانينَ حِجّةً،
وَصَامَ وأهْدَى البُدنَ بيضاً خِلالُها
لَئِنْ نَفَرُ الحَجّاجِ آلُ مُعَتِّبٍ
لَقُوا دَوْلَةً كانَ العدُوُّ يُدالُها
لَقَدْ أصْبَحَ الأحْيَاءُ مِنْهُمْ أذِلّةً،
وفي النّارِ مَثوَاهُمْ كُلُوحاً سِبالُها
وَكَانُوا يَرَوْنَ الدّائِراتِ بغَيْرِهِمْ،
فَصَارَ عَلَيهِمْ بالعَذابِ انْفِتالُها
وَكَانَ إذ قِيلَ اتّقِ الله شَمّرَتْ
بِهِ عِزّةٌ، لا يُسْتَطَاعُ جِدالُها
ألِكْني إلى مَنْ كان بالصّينِ إذ رَمَتْ
بالهِنْدَ ألْوَاحٌ عَلَيْها جِلالُها
هَلُمّ إلى الإسْلامِ وَالعَدْلُ عِنْدَنا،
فَقَدْ ماتَ عن أرْضِ العرَاق خَبالُها
فما أصْبَحَتْ في الأرْضِ نَفسٌ فقيرَة،
وَلا غَيْرُها، إلاّ سُلَيْمانُ مَالُها
يَمِينُكَ في الأيْمَانِ فَاصِلَةٌ لَهَا،
وَخَيرُ شِمالٍ عِنْدَ خَيرٍ شِمَالُها
فأصْبَحَتَ خَيرَ النّاسِ وَالمُهتَدى به
إلى القَصْدِ وَالوُثْقَى الشّديدِ حِبالُها
يَداك يَدُ الأسْرَى التي أطْلَقَتْهُمُ،
وأُخْرَى هي الغَيثُ المُغيثُ نَوَالُها
وَكَمْ أطلَقَتْ كفاكَ من قيد بائِسٍ
وَمِنْ عُقدَةٍ ما كانَ يُرْجى انحلالُها
كثيراً من الأسرى التي قَدْ تَكَنَّعَتْ
فكَكْتَ وَأعْنَاقاً عَلَيْها غِلالُها
وَجَدْنا بَني مَرْوانَ أوْتَادَ دِينِنَا،
كما الأرْضُ أوْتادٌ عَلَيها جِبَالُها
وَأنْتُمْ لِهَذا الدِّينِ كَالقِبْلَةِ التي
بها إنْ يَضِلَّ النّاسُ يَهدي ضَلالُها