ياحر أمسيت شيخا قد وهى بصري

يَاحُرَّ أَمْسَيْتُ شَيْخاً قَدْ وَهَى بَصَرِي

​يَاحُرَّ أَمْسَيْتُ شَيْخاً قَدْ وَهَى بَصَرِي​ المؤلف ابن مقبل


يَاحُرَّ أَمْسَيْتُ شَيْخاً قَدْ وَهَى بَصَرِي
وَالْتَاثَمَا دُونَ يَوْمِ الوَعْدِ مِنْ عُمُري
يَاحُرَّ مَنْ يَعْتَذِرْ مِنْ أَنْ يُلِمَّ بِهِ
رَيْبُ الزَّمَانِ فَإِني غَيْرُ مُعْتَذِرِ
يَاحُرَّ أَمْسى سَوادُ الرَّأْسِ خَالَطَهُ
شَيْبَ القَذالِ اخْتِلاَطَ الصفوِ بِالْكَدَرِ
يَاحُرَّ أَمْسَتْ تَلِيَّاتُ الصِّبَا ذَهَبتْ
فَلَسْتُ مِنْهَا عَلَى عَيْنٍ ولاَ أَثَرِ
قدْ كنتُ أهدي ولا أُهدى، فعَلَّمَني
حُسْنَ المَقَادَةِ أَنِّي فَاتَنيِ بَصَرِي
كانَ الشبابُ لِحاجاتٍ، وكُنَّ لهُ،
فَقَدْفَرَغْتُ إِلَى حَاجَاتِيَ الُأخَرِ
رَامَيْتُ شَيْبِي،كِلاَنَا قَائِمٌ حِجَجاً
سِتِّينَ،ثُمَّ ارْتَمَيْنَا أَقْرَبَ الفُقَرِ
رَامَيْتُهُ مُنْذُ رَاعَ الشَّيْبُ فَالِيَتي
ومِثلُهُ قبلهُ في سالفِ العُمُرِ
أرْمِي النُّحُورَ فَأُشْوِيها،وتَثْلِمُنيِ
ثَلْمَ الإِنَاءِ،فَأَغْدُو غَيْرَ مُنْتَصِرِ
في الظَّهْرِ والرأسِ حتى يستمرَّ بهِ
قَصْرُ الهِجَارِ وفيِ السَّاقَيْنِ كَالْفَتَر
قالتْ سُلَيْمى ببطنِ القاعِ مِن سُرُحٍ:
لاَخَيْرَفي العَيْشِ بَعْدَ الشَّيْبِ والكِبَرِ
واسْتَهْزَأَتْ تِرْبُهَا مِنِّي.فَقُلْتُ لَهَا:
ماذا تعيبانِ منِّي يا بْنَتَتيْ عَصَرِ؟
لولا الحياءُ ولولا الدِّينُ عِبْتُكُما
بِبَعْضِ مَافِيكُمَا إِذْ عِبْتُمَا عَوَرِي
قَدْ قُلْتُمَا لِيَ قَوْلاً لاَ أَبَا لَكُمَا
فيهِ حديثٌ على ما كانَ مِنْ قِصَرِ
ما أنتما والذي خالتْ حُلومُكُما
إلاَّ كحَيْرانَ إذْ يَسْري بلا قَمَرِ
إنْ يَنْقُضِ الدهرِ منِّي مِرَّةٍ لِبِلىً
فَالدَّهْرُ أَرْوَد بِالأَقْوَامِ ذُوِ غَيرِ
لَقَدْ قَضَيْتُ،فَلاَتَسْتَهْزِئَا سَفَهاً،
ممَّا تَقَمَّأْتُهُ مِنْ لذةٍ وطَرِي
يا جارتَيَّ على ثاجٍ، طريقُكما،
سَيْراً حَثِيثاً،أَلمَّا تَعْلَمَاخَبَرِي
أَنِّي أُقَيِّدُ بِاْلَمأْثُوِرِ رَاحِلَتيِ
ولا أُبالي، ولو كنَّا على سفرِ
لا تَأْمَنَّ السيفَ، إذْ رَوَّحْتُها، إبلي
حَتَّى تَرَى نِيبَهَا يَضْمِزْنَ بِالْجِرَرِ
ما يُصيب السَّيف ساقَهُ فحقَّ لَهُ
وما تدع ضربته لا ينجه حذري
ولا أقومُ على حَوضي فأمنعُهُ
بَذْلَ اليمينِ بسَوْطِي بادياً حُتُري
ولا تَهَيَّبُني المَوْماةُ أركبُها
إذا تَجاوَبَتِ الأَصْداءُ بالسَّحَرِ
ولا أقومُ إلى المَولى فأشتُمُهُ
ولاَ يُخَدِّشُهُ نَابِي ولاَ ظُفَرِي
أبقى خُطوبٌ وحاجاتٌ تُضَيِّقُني
وما جَنى الدهرُ مِن صَفوٍ ومِنْ كَدَرِ
مِثلَ الحُسامِ كريماً عندَ خِلَّتِهِ
لِكُلِّ إِزْرَةِ هذا الدَّهْرِ ذَا إِزَرِ
يا ليتَ لي سَلْوَةً يُشفى الفؤادُ بها
مِنْ بَعْضِ مَا يَعْتَرِي قَلْبِي مِنْ الذِّكَرِ
أَوْلَيْتَ أَنَّ النَّوَى قَبْلَ البِلى جَمَعَتْ
شَعْبَيْ نَوَى مُصْعِدٍ مِنَّا ومُنْحَدِرِ
عادَ الأذِلَّةُ في دارٍ، وكان بها
هُرْتُ الشَّقَاشِقِ ظَلاَّمُونَ لِلْجُزُرِ
يَاعيْنِ بَكِّي حُنَيْفاً رَأْسَ حَيِّهِمُ
الكَاسِرِينَ القَنَا في عَوْرَةِ الدُّبُرِ
والحاملينَ إذا ما جَرَّ جارِمُهمْ
بحاملٍ غيرَ خَوَّارٍ ولا ضَجِرِ
والضَّارِبِينَ بِأَيْدِيهِمْ إِذَا نَهَدَتْ
مَثنى القِدَاحِ، وحُبَّتْ فَوْزَةُ الخطَرِ
أَعْدَاءُ كُوِم الذُّرَى تَرْغُو أجِنَّتُهَا
عِنْدَ المَجَازِرِ بَيْنَ الحَيِّ والحُجَرِ
يَمْشي إِلَيْهَا بَنُو هَيْجَا وإِخْوَتُهَا
شُمّاً مَخَامِيصَ لاَيَعْكُونَ بِالأُزُرِ
فِتيَانُ صِدْقٍ وأَيْسَارٌ إِذَا افْتَرَشُوا
أقدامَهمْ بينَ مَلْحوفٍ ومُنْعَفِرِ
شُمُّ العَرَانِينِ،يُنْسيهم مَعَاطِفَهُمْ
ضَرْبُ القِدَاحِ وتَأْرِيبٌ عَلَى العَسِرِ
لاَيَفْرَحُونَ إِذَا مَا فَازَ فَائِزُهُمْ
ولا تُرَدُّ عليهمْ أُرْبَةُ اليَسَرِ
هُمُ الخَضَارِمُ واْلأَيْسَارُإِنْ نُدِبُوا
فَلاَ تُجِيلُ قِدَاحاً رَاحَتا بَشرِ
قَوْمِي بَنُو عَامِرٍ،فَاخْطِرْ بِمِثْلِهِمُ
عندَ الشَّقاشِقِ ذاتِ الجَوْرِ، وافْتخِرِ
فيهِمْ تَجاوَبُ أَفْلاءُ الوَجيهِ إذا
صامَ الضحى، تَقَدَّعُ الذِّبَّانَ بالنَّخَرِ
تعتادُها قُرَّحٌ مَلْبونةٌ خُنُفٌ
يَنْفُخْنَ في بُرْعُمِ الحَوْذانِ والخَضِرِ
جُرْدٌ تُبَارِي الشبَا،أُرْقٌ مَرَاكِلُهَا،
مِثلُ السَّرَاحِينِ مِنْ أُنْثَى ومِنْ ذَكَرِ
مِنْ كُّلِّ أَهْوَجَ سِرْدَاحٍ،ومُقْرَبَةٍ
تُقَاتُ يوم لِكَاكِ الوِرْدِ بِالْغُمَرِ
نحنُ المُقيمونَ، لم تَبرَحْ ظَعائِنُنا،
لا نَسْتَجِيرُ،ومَنْ يَحْلُلْ بِنَا يُجَرِ
مِنَّا بِبَادِيَةِ الأَعْرَابِ كِرْكِرَةٌ
إلى كَراكِرَ بألأمصارِ والحَضْرِ
فينا كَراكِرُ أَجْوازٌ مُضَبَّرَةٌ
فِيها دُروءٌ إِذَا خِفْنَا مِنَ الزَّوَرِ
فينا خَناذيذُ فُرسانٍ وألويةٌ
ٍوكلُّ سائمةٍ من سارِحٍ عكر
وثَرْوَةٌ مِنْ رِجَالٍ لوْ رَأَيْتَهُمُ
لقلتَ: إحدى حِراجِ الجَرِّ مِن أُقُرِ
يَسْقِي الكُمَاةَ سِجَالَ الْمَوْتِ بَدْأَتُنَا
وعِنْدَ كَرَّتِنَا المُرَّى مِنَ الصَّبِرِ
ونُطعِمُ الضيفَ مَع"ْبوطَ السَّنامِ إذا
أَلْوَتْ رياحُ الشتاءِ الهُوْجُ بالحُظُرِ
ونُلْحِفُ النَّارَ جَزْلاً وَهْيَ بَارِزَةٌ،
ولا نَلُطُّ وراءَ النارِ بالسُّتَرِ
يا هلْ ترى ظُعُناً تُحْدى مُقَفِّيَةً
تَغْشى مَخارِمَ بينَ الخَبْتِ والخَمَرِ
أَوْقَدْنَ ناراً بإثْبِيتَ التي رُفعتْ
مِنْ جانبِ القُفِّ، ذاتِ الضالِ والهُبُرِ
باتَتْ حَواطِبُ لَيلى يَلتَمِسْنَ لها
جَزْلَ الْجَذَا غَيْرَ خَوَّارٍ ولاَ دَعِرِ
ثمَّ ارْتَحَلْنَ نَيّاً بَعْد تَضْحِيَةٍ
مِثلَ المَخارِيفِ مِنْ جَيْلانَ أوْ هَجَرِ
طَافَتْ بِهَا الفُرْسُ حَتَّى بَذَّ نَاهِضَهَا
عُمٌّ لَقِحْنَ لِقاحاً غيرَ مُبْتَسَرِ
وهَيْكلٍ سَابِحٍ،في خَلْقِهِ طَنَبٌ،
حابي الشَّراسيفِ، يُرْدِي مارِدَ الحُمُرِ
ضَخْمِ الكَرَادِيسِ،لَمْ تُغْمَزْ أَبَاجِلُهُ
مُهَرَّتِ الشِّدْقِ، سامِي الهَمِّ والنظَرِ
قَدْ قُدْتُ لِلْوَحْشِ أَبْغِيَ بَعْضَ غِرَّتِهَا
حتى نُبِذْتُ بعَيْر العانةِ النَّعِرِ
والعَيْرُ ينفَحُ في المَكْنانِ قدْ كَتِنَتْ
مِنْهُ جَحَافِلُهُ،والَعِضْرَسِ الثُّجَرِ
بعازِبِ النَّبْتِ، يَرْتاعُ الفؤادُ لهُ،
رَأدُ النَّهارِ،لأَصْوَاتٍ مِنَ النُّعَرِ
فِيهِ مِنَ الأَخْرَجِ المُرْتَاعِ قَرْقَرةٌ
هَدْرَ الدِّيَافِيِّ وَسْطَ الهَجْمَةِ البُحُرِ
والأزرقُ الأصفرُ السِّرْبالِ مُنتصِبٌ
قِيدَ العَصَا فَوْقَ ذَيَّالٍ مِنَ الزَّهَرِ
وغَارَةٍ كقَطَا القُرْيَانِ مُشْعَلَةٍ
قَدَعْتُها بسَرَنْدىً شاخصِ البصَرِ
وصاحبي وَهْوَهٌ مُسْتَوْهِلٌ زَعِلٌ
يَحُولُ بينَ حمارِ الوحشِ والعَصَرِ
فَقُمْتُ أَلْجُمُهُ،وقَامَ مُشتَرفاً
على سَنابِكِه، في شائِلٍ يَسَرِ
أُرْخِي العِذَارَ،وإِنْ طَالَتْ قَبَائِلُهُ،
عنْ حَشْرَةٍ مثلِ سِنْفِ المَرْخَةِ الصَّفِرِ
في حَاجِبٍ خَاشِعٍ،ومَاضِغٍ لَهِزٍ،
والعَيْنُ تَكْشِفُ عَنْهَا ضَافِيَ الشَّعَرِ
يُفَرْفِرُ الفأسَ بالنابَيْنِ يخلعُهُ
في أَفْكَلٍ مِنْ شُهودِ الجِنِّ مُحْتــضِــرِ
أقولُ، والحبلُ مشدودٌ بمِسْحَلِهِ،
مُرْخىً لَهُ:إِنْ يَفُتْنَا مَسْحُهُ يَطِرِ
ولِلْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِهِ
لدْمَ الوَلِيدِ وَرَاء الغَيْبِ بِالحَجَرِ
كأنَّ دُبَّاءَةً شُدَّ الحزامُ بها
في جَوْفِ أهْوَجَ بِالتَّقْرِيبِ والحَضَرِ
غَوْجُ اللَّبَانِ ولمْ تُعقَدْ تَمائمُهُ
مُعْرى القِلادةِ مِنْ رَبْوٍ ولا بُهُرِ
يُرْدي الحمارَ لِزاماً، وهْوَ مُبْتَرِكٌ
كَالأَشْعَبِ الخَاضِعِ النَّاجِي مِنَ المَطَرِ
المُسْتَضافِ، ولمَّا تَفْنَ شِرَّتُهُ
منَ الكلابِ وضيفِ الهضبةِ الضِّرَرِ
كأنَّهُ مَتْنُ مِرِّيخٍ أَمَرَّ بهِ
زَيْغُ الشِّمَالِ وحَفْزُ القَوْسِ بالوَتَرِ
يكادُ ينشقُّ عنهُ سِلْخُ كاهلِهِ
زَلُّ العِثَارِ، وثَبْتُ الوَعْثِ والغَدَرِ
هَرْجَ الوَلِيدِ بِخَيْطٍ مُبْرَمٍ خَلَقٍ
بينَ الرَّواجِبِ في عُودٍ منَ العُشَرِ