يا طير ما للنوم قد طارا

يا طيرُ ما للنومِ قد طارا

​يا طيرُ ما للنومِ قد طارا​ المؤلف مصطفى صادق الرافعي


يا طيرُ ما للنومِ قد طارا
وما قضينا منهُ أوطارا
كأن هذا السهدَ لا يأتلي
يطلبُ من أجفاننا ثارا
إن كنتَ ظمآنَ فذي دمعي
تفجرَتْ في الأرضِ أنهارا
أو كنتَ ذا مسبغةٍ فالتقط
حبةَ قلبي كيفما صارا
أو كنتَ مشتاقاً فكن مثلنا
على الهوى يا طير صبارا
وجارني إن كنتَ لي صاحباً
فإن خيرَ الصحبِ من جارى
يا طيرُ كم في الحبِّ من ساعةٍ
تخالُ فيها العمرَ أعمارا
إن قلتُ تلهيني بها فكرةٌ
جرت على الأفكار أفكارا
أو قلتُ أنساها أقامَ الهوى
من حرها في القلبِ تذكارا
والصبُّ ما ينفكُّ في حيرةٍ
تزيدُهُ حزناً وأكدارا
ما لي أرى الأطيارَ نواحةً
كأنما فارقنَ أطيارا
وما لأغصانِ الرُّبى تلتقي
كأنما يبثثنَ أسرارا
فاسأل نسيمَ الصبحِ إن مرَّ بي
هل حملتهُ الغيدُ أخبارا
وسلْ عن الديارِ ويا ليتني
أزور يوماً هذهِ الدارا
كأنها الجنةُ لكنني
أبطنتُ من وجدي بها النارا
سماؤها مطلعةٌ أنجما
وأرضُها تطلعُ أقمارا
وكمْ بها من أكحلٍ إن رنا
سلتْ لكَ الأجفانُ بتارا
وإن مشى يخطرُ في تيههِ
هزَّت لكَ الأعطافَ خطارا
لا أنكرُ السحرَ وذا طرفهُ
أصبحَ بينَ الناسِ سحَّارا
يا فاتنَ الصبِّ على رغمهِ
والمرءُ لا يعشقُ مختارا
طوراً بنا هجرٌ وطوراً نوىً
أهكذا نخلقُ أطوارا
لو شبهوا بدرَ السما درهماً
لشبهوا وجهكَ دينارا
وكم درارٍ فيكَ نظَّمتُها
تجلُّ أن تحسبَ أشعارا
لو أن بشاراً حكى مثلها
أعطوا لواءَ الشعرِ بشارا
لاحتْ لنا والشمسُ من غيظها
قدْ ضرجتْ أثوابها بالدمِ
فاتنةٌ من بخلها لم تزلْ
وجنتُها معصورةً في الفمِ
فما أراها راهبٌ راهباً
إلا شكا المغرمُ للمغرمِ
بأبي أنتَ يا غزالُ وروحي
وفؤادي ونورُ عيني وعيني
أنتَ كالبدرِ حين يطلعُ لكنْ
في سوادِ القلوبِ والمقلتينِ
لو رآكَ الذينَ قالوا ثلاثٌ
بعدَ وهنٍ لثلثوا القمرينِ
خفقَ الحلي فوقَ صدركَ والقل
بِ فهل أنتَ مالكُ الخافقينِ
وأرى السحرَ في العيونِ فهل جئ
تَ بها بابلاً إلى الساحرينِ
وبخديكِ جنتانِ ولكنْ
في فؤادي لظىً من الجنتينِ
يا قضاةَ الغرامِ في أيِّ شرعٍ
أن يحولوا بينَ الحبيبِ وبيني
في يدكمْ غريمٌ ظبي من الغر
بِ سبى المشرقينِ والمغربينِ
فاتقوا اللهَ في قتيلٍ حبيبٍ
حسنٍ طُلَّ دمهُ كالحسينِ