يا مدمعي اكفياني نار أحزاني

يا مَدمَعَيَّ اِكفِياني نارَ أَحزاني

​يا مَدمَعَيَّ اِكفِياني نارَ أَحزاني​ المؤلف شكيب أرسلان


يا مَدمَعَيَّ اِكفِياني نارَ أَحزاني
إِنّي عَهِدتُكُما مِن خَيرِ أَعواني
نارٌ تَأَجُج في قَلبي فَهَل لَكُما
أَن تُطفِئاها بِتَسكابٍ وَتَهتانِ
إِن لَم يَكُنِ اليَومِ لي رَنّاتٌ ثاكِلَةٌ
فَأَيُّ يَومٍ لَهُ وَجدي وَتَحناني
أَقضي اللَيالي لا أَحظى بِطَيفٍ كَرى
مُوَزَّعاً بَينَ حَيرانٍ وَحَرّانِ
ما لي بِغَيرُ كُؤوسِ الدَمعِ مُغتَبِقٌ
وَلَيسَ غَيرَ نُجومِ اللَيلِ نَدماني
تَأبى المُروءَةُ قَلباً غَيرَ مُتَّقِدٍ
عَلى حَبيبٍ وَطَرفاً غَيرَ رَيّانِ
لا بَوَّأَتني المَعالي مَتنَ صَهوَتِها
إشن كانَ لَم يُصمِ قَلبي فَقَد خَلاني
وَلَيسَ كُلُّ أَخٍ تَأتي مُنيَتُهُ
عَلى رُؤوسِ ذَويهِ دَكَّ بُنيانِ
أَنّا فَقَدناكَ يا عَبدَ السَلامِ لَدنَ
كُنتَ المُرَجى لِأَوطارٍ وَأَوطانِ
وَكُنتَ رُكناً لَها إِنَّ أُمَّةً لَجَأَت
مِنَ الوَرى لِأَساطينِ وَأَركانِ
الباهِرُ الخَصلُ يَعيى مَن يُسابِقُهُ
وَالقاتِلُ الفَصلُ عَن عِلمٍ وَبُرهانِ
يَرمي بِكُلِّ مُراشٍ مَن كَنائِنِهِ
عَن كُلِّ قَوسٍ مِنَ التَفكيرِ مُرنانِ
كانَت مَحامِدُهُ شَتّى نُقولٌ لَها
سُبحانَ ناظِمِها في سَلكِ إِنسانِ
مُهَذَّبُ الخَلقِ في صَوفٍ وَفي كَدَرِ
وَناصِحُ الوُدِّ في سِرٍّ وَإِعلانِ
مَناقِبٌ سَنَّمَتهُ ذَروَةٌ قَعَسَت
وَما أَقَرَّت لِأَقرانٍ بِإِقرانِ
بَصيرَةٌ تَستَشِفُّ الغَيبَ أَغمَضَهُ
وَهِمَّةً تَقرِنُ العالي إِلى الداني
كانَت لَهُ في هَوى الإِسلامِ صارِخَةً
المَوتُ في سُبُلُها وَالعَيشُ سِيّانِ
وَعِزَّةُ العَرَرِ العَرباءِ مالِئَةٌ
عُروقَهُ مِلءَ أَنداءٍ لِأَغصانِ
أَخي الَّذي كُنتُ أَرجوهُ عَلى ثِقَةٍ
إِذا تَشابَهَ إِخوانٌ بِخَوّانِ
يَمضي إِلى المَجدِ إِذ يَمضي بِلا مَلَلٍ
وَلا يُبالي بِأَحقادٍ وَأَضغانِ
ما كانَ يَثنيهِ عَن عَلياءٍ يَقصِدُها
ثانٍ وَلا يَرتَضي في السَبقِ بِالثاني
إِن صَوَّبَت نَحوَهُ الأَعداءُ أَسهُمَها
فَالمَجدُ وَالسِلمُ في الدُنيا نَقيضانِ
إِن شِئتَ تَعلَمُ شَأوَ المَرءِ في شَرَفٍ
قِسهُ بِما هاجَ مِن بَغِيٍّ وَعُدوانِ
إِنَّ الحَقيقَةَ مِثلَ الشَمسِ آبِيَةٍ
إِلّا التَجَلّي لِقَومٍ غَيرَ عِميانِ
تَتَعتَعَ المَغرِبُ الأَقصى لِمَصرَعِهِ
فَلا تَرى مِن بَنيهِ غَيرَ سَكرانِ
كَأَنَّما كُلُّ ما في الغَربِ مِن مَهجٍ
تَجَمَّعَت وَغَدَت في وَسَطِ تَطوانِ
قَد كُنتُ آمُلُ أَن نَحيا مُعاصَرَةً
مَديدَ عُمرٍ وَأَلقاهُ وَيَلقاني
أَدعو لَهُ في جِناني كُلَّما اِنفَرَدَت
نَفسي بِنَجوى وَأَرعاهُ وَيَرعاني
فَخَيَّبَ البَينُ ما قَد كُنتُ آمُلُهُ
وَكَم أَرَتني اللَيالي ضِدَّ حِسباني
خُذ في حَياتِكَ ما تَشتاقُ مِن نِعَمٍ
وَخُذ بِمِقدارِهِ تَهمامَ وَجدانِ
وَاِعلَم فَما صادَفَت عَيناكَ في زَمَنٍ
مِن قُرَّةٍ فَهيَ يَوماً قَرحُ أَجفانِ
لَم تَحلُ لي مِن زَماني لَحظَةٌ عَذَّبتُ
إِلّا أَمَّرتَ وَحاكَت وَقعَ مُرّانِ
وَلا تُوَفِّر لي حَظٌّ أَلَذُّ بِهِ
إِذا تَضَمَّنَ أَشجاني وَأَشجاني
يا راحِلاً فَجِعَ الإِسلامُ أَجمَعُهُ
فَالشَرقُ في نُدبِهِ وَالغَربُ صَنوانِ
وَمُسلِماً بَطَلاً كانَت حَمِيَّتُهُ
تَملَأُ الفَجاجَ بِإِسلامٍ وَإيمانِ
بُدِّلَت مِن هَذِهِ الدُنيا سَماءُ عُلاً
فَاِبشِر أَمُستَبدِلُ الباقي مِنَ الفاني
شَقَيتُ في دارِكَ الدُنيا في حَيرَتِها
فَاِسعَد مِنَ المَلَأِ الأَعلى بِجيرانِ
أَثواكَ رَبُّكَ في أَفياءِ جَنَّتِهِ
مُمَتَّعُ الروحِ في رَوحٍ وَرَيحانِ
وَجادَ تُربٌ ضَريحٌ أَنتَ ساكِنُهُ
بِكُلِّ أَوطَفٍ داني الهُدبِ حَنانِ
وَأَورَثَ اللَهُ مَن أَنجَبَت مِن وَلَدٍ
خِلالَكَ الغُرُّ هَذا خَيرُ سَلوانِ
فَاِذهَب عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ ما طَلَعَت
شَمسٌ وَناحَ حَمامٌ فَوقَ أَفنانِ
يَقِلُّ بَعدَكَ مَدفوناً فَجِعتُ بِهِ
إِن أُستطارُ عَلى ضَعفي لِحَدَثانِ