البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة أربع وعشرين وستمائة



ثم دخلت سنة أربع وعشرين وستمائة


فيها: كانت عامة أهل تفليس الكرج فجاؤوا إليهم فدخلوها فقتلوا العامة والخاصة، ونهبوا وسبوا وخربوا وأحرقوا، وخرجوا على حمية، وبلغ ذلك جلال الدين فسار سريعا ليدركهم فلم يدركهم.

وفيها: قتلت الإسماعيلية أميرا كبيرا من نواب جلال الدين بن خوارزم شاه، فسار إلى بلادهم فقتل منهم خلقا كثيرا، وخرب مدينتهم، وسبى ذراريهم، ونهب أموالهم.

وقد كانوا قبحهم الله من أكبر العون على المسلمين لما قدم التتار إلى الناس، وكانوا أضر على الناس منهم.

وفيها: تواقع جلال الدين وطائفة كبيرة من التتار فهزمهم وأوسعهم قتلا وأسرا، وساق وراءهم أياما فقتلهم، حتى وصل إلى الري فبلغه أن طائفة قد جاؤا لقصده فأقام يثبطهم، وكان من أمره وأمرهم ما سيأتي في سنة خمس وعشرين.

وفيها: دخلت عساكر الملك الأشرف بن العادل إلى أذربيجان فملكوا منها مدنا كثيرة، وغنموا أموالا جزيلة، وخرجوا معهم بزوجة جلال الدين بنت طغرل، وكانت تبغضه وتعاديه فأنزلوها مدينة خلاط، وسيأتي ما كان من خبرهم في السنة الآتية.

وفيها: قدم رسول الأنبور ملك الفرنج في البحر إلى المعظم يطلب منه ما كان فتحه عمه السلطان الملك الناصر صلاح الدين من بلاد السواحل، فأغلظ لهم المعظم في الجواب، وقال له:

قل لصاحبك ما عندي إلا السيف، والله أعلم.

وفيها: جهز الأشرف أخاه شهاب الدين غازي إلى الحج في محمل عظيم يحمل ثقله ستمائة جمل، ومعه خمسون هجينا، على كل هجين مملوك، فسار من ناحية العراق، وجاءته هدايا من الخليفة إلى أثناء الطريق، وعاد على طريقه التي حج منها.

وفيها: ولي قضاء القضاة ببغداد نجم الدين أبو المعالي عبد الرحمن بن مقبل الواسطي، وخلع عليه كما هي عادة الحكام، وكان يوما مشهودا.

وفيها: كان غلاء شديد ببلاد الجزيرة، وقل اللحم.

حتى حكى ابن الأثير: أنه لم يذبح بمدينة الموصل في بعض الأيام سوى خروف واحد في زمن الربيع.

قال: وسقط فيها عاشر آذار ثلج كثير بالجزيرة والعراق مرتين، فأهلك الأزهار وغيرها، قال:

وهذا شيء لم يعهد مثله، والعجب كل العجب من العراق مع كثرة حره كيف وقع فيه مثل هذا.

من الأعيان:

جنكيز خان

السلطان الأعظم عند التتار والد ملوكهم اليوم، ينتسبون إليه ومن عظم القان إنما يريد هذا الملك وهو الذي وضع لهم السياسة التي يتحاكمون إليها، ويحكمون بها، وأكثرها مخالف لشرائع الله تعالى وكتبه، وهو شيء اقترحه من عند نفسه، وتبعوه في ذلك، وكانت تزعم أمه أنها حملته من شعاع الشمس، فلهذا لا يعرف له أب والظاهر أنه مجهول النسب.

وقد رأيت مجلدا جمعه الوزير ببغداد علاء الدين الجويني في ترجمته فذكر فيه سيرته، وما كان يشتمل عليه من العقل السياسي والكرم والشجاعة والتدبير الجيد للملك والرعايا، والحروب.

فذكر أنه كان في ابتداء أمره خصيصا عند الملك أزبك خان، وكان إذ ذاك شابا حسنا وكان اسمه أولا تمرجي، ثم لما عظم سمى نفسه جنكيزخان.

وكان هذا الملك قد قربه وأدناه فحسده عظماء الملك ووشوا به إليه حتى أخرجوه عليه، ولم يقتله ولم يجد له طريقا في ذنب يتسلط عليه به، فهو في ذلك إذ تغضب الملك على مملوكين صغيرين فهربا منه ولجآ إلى جنكيزخان فأكرمهما وأحسن إليهما فأخبراه بما يضمره الملك أزبك خان من قتله، فأخذ حذره وتحيز بدولة واتبعه طوائف من التتار وصار كثير من أصحاب أزبك خان ينفرون إليه ويفدون عليه فيكرمهم ويعطيهم حتى قويت شوكته وكثرت جنوده.

ثم حارب بعد ذلك أزبك خان فظفر به وقتله واستحوز على مملكته وملكه، وانضاف إليه عَدده وعُدده وعظم أمره.

وبعد صيته وخضعت له قبائل الترك ببلاد طمعاج كلها حتى صار يركب في نحو ثمان مائة ألف مقاتل، وأكثر القبائل قبيلته التي هو منها يقال لهم: قيان.

ثم أقرب القبائل إليه بعدهم قبيلتان كبيرتا العدد وهما أزان وقنقوران وكان يصطاد من السنة ثلاثة أشهر والباقي للحرب والحكم.

قال الجويني: وكان يضرب الحلقة يكون ما بين طرفيها ثلاثة أشهر ثم تتضايق فيجتمع فيها من أنواع الحيوانات شيء كثير لا يحد كثرة، ثم نشبت الحرب بينه وبين الملك علاء الدين خوارزم شاه صاحب بلاد خراسان والعراق وأذربيجان وغير ذلك والأقاليم والملك، فقهره جنكيزخان وكسره وغلبه وسلبه، واستحوذ على سائر بلاده بنفسه وبأولاده في أيسر مدة كما ذكرنا ذلك في الحوادث.

وكان ابتداء ملك جنكزخان سنة تسع وتسعين وخمسمائة، وكان قتاله لخوارزم شاه في حدود سنة ست عشرة وستمائة، ومات خوارزم شاه في سنة سبع عشرة كما ذكرنا، فاستحوذ حينئذ على الممالك بلا منازع ولا ممانع.

وكانت وفاته في سنة أربع وعشرين وستمائة، فجعلوه في تابوت من حديد وربطوه بسلاسل وعلقوه بين جبلين هنالك.

وأما كتابه (الياسا) فإنه يكتب في مجلدين بخط غليظ، ويحمل على بعير عندهم، وقد ذكر بعضهم أنه كان يصعد جبلا ثم ينزل ثم يصعد ثم ينزل مرارا حتى يعي ويقع مغشيا عليه، ويأمر من عنده أن يكتب ما يلقي على لسانه حينئذ، فإن كان هذا هكذا فالظاهر أن الشيطان كان ينطق على لسانه بما فيها.

وذكر الجويني: أن بعض عبادهم كان يصعد الجبال في البرد الشديد للعبادة فسمع قائلا يقول له: إنا قد ملكنا جنكيزخان وذريته وجه الأرض، قال الجويني: فمشايخ المغول يصدقون بهذا ويأخذونه مسلما.

ثم ذكر الجويني نتفا من (الياسا) من ذلك: أنه من زنا قتل محصنا كان أو غير محصن، وكذلك من لاط قتل، ومن تعمد الكذب قتل، ومن سحر قتل، ومن تجسس قتل، ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدهما قتل، ومن بال في الماء الواقف قتل، ومن انغمس فيه قتل، ومن أطعم أسيرا أو سقاه أو كساه بغير إذن أهله قتل، ومن وجد هاربا ولم يرده قتل، ومن أطعم أسيرا أو رمى إلى أحد شيئا من المأكول قتل، بل يناوله من يده إلى يده ومن أطعم أحدا شيئا فليأكل منه أولا ولو كان المطعوم أميرا لا أسيرا، ومن أكل ولم يطعم من عنده قتل.

ومن ذبح حيوانا ذبح مثله بل يشق جوفه ويتناول قلبه بيده يستخرجه من جوفه أولا.

وفي ذلك كله مخالفة لشرائع الله المنزلة على عباده الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى (الياسا) وقدمها عليه؟

من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين. قال الله تعالى: { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْما لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }. [المائدة: 50]

وقال تعالى: { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيما } صدق الله العظيم، [النساء: 65] .

ومن آدابهم: الطاعة للسلطان غاية الاستطاعة، وأن يعرضوا عليه أبكارهم الحسان ليختار لنفسه، ومن شاء من حاشيته، ما شاء منهن، ومن شأنهم أن يخاطبوا الملك باسمه، ومن مر بقوم يأكلون فله أن يأكل معهم من غير استئذان، ولا يتخطى موقد النار، ولا طبق الطعام، ولا يقف على أسكفه الخركاه ولا يغسلون ثيابهم حتى يبدو وسخها، ولا يكلفون العلماء من كل ما ذكر شيئا من الجنايات، ولا يتعرضون لمال ميت.

وقد ذكر علاء الدين الجويني: طرفا كبيرا من أخبار جنكيزخان ومكارم كان يفعلها لسجيته وما أداه إليه عقله، وإن كان مشركا بالله كان يعبد معه غيره، وقد قتل من الخلائق ما لا يعلم عددهم إلا الذي خلقهم، ولكن كان البداءة من خوارزم شاه، فإنه لما أرسل جنكيزخان تجارا من جهته معهم بضائع كثيرة من بلاده فانتهوا إلى إيران فقتلهم نائبها من جهة خوارزم شاه، وهو والد زوجة كشلي خان، وأخذ جميع ما كان معهم، فأرسل جنكيزخان إلى خوارزم شاه يستعمله هل وقع هذا الأمر عن رضى منه، أو أنه لا يعلم به، فأنكره، وقال له فيما أرسل إليه:

من المعهود من الملوك أن التجار لا يقتلون لأنهم عمارة الأقاليم، وهم الذين يحملون إلى الملوك ما فيه التحف والأشياء النفيسة، ثم إن هؤلاء التجار كانوا على دينك فقتلهم نائبك، فإن كان أمرا أمرت به طلبنا بدمائهم، وإلا فأنت تنكره وتقتص من نائبك.

فلما سمع خوارزم شاه ذلك من رسول جنكيز خان لم يكن له جواب سوى أنه أمر بضرب عنقه فأساء التدبير، وقد كان خرف وكبرت سنه، وقد ورد الحديث: «اتركوا الترك ما تركوكم»، فلما بلغ ذلك جنكيز خان تجهز لقتاله وأخذ بلاده، فكان بقدر الله تعالى ما كان من الأمور التي لم يسمع بأغرب منها ولا أبشع.

فمما ذكره الجويني: أنه قدم له بعض الفلاحين بالصيد ثلاث بطيخات فلم يتفق أن عند جنكيز خان أحد من الخزندارية، فقال: لزوجته خاتون: أعطيه هذين القرطين اللذين في أذنيك.

وكان فيهما جوهرتان نفيستان جدا، فشحت المرأة بهما

وقالت: انظره إلى غد.

فقال: إنه يبيت هذه الليلة مقلقل الخاطر، وربما لا يجعل له شيء بعد هذا، وإن هذين لا يمكن أحد إذا اشتراهما إلا جاء بهما إليك فانتزعتهما فدفعتهما إلى الفلاح فطار عقله بهما، وذهب بهما فباعهما لأحد التجار بألف دينار، ولم يعرف قيمتهما، فحملهما التاجر إلى الملك فردهما على زوجته، ثم أنشد الجويني عند ذلك:

ومن قال إن البحر والقطر أشبها ** نداه فقد أثنى على البحر والقطر

قالوا: واجتاز يوما في سوق، فرأى عند بقال عنابا فأعجبه لونه، ومالت نفسه إليه، فأمر الحاجب أن يشتري منه ببالس، فاشترى الحاجب بربع بالس، فلما وضعه بين يديه أعجبه وقال: هذا كله ببالس؟ قال: وبقي منه هذا - وأشار إلى ما بقي معه من المال - فغضب وقال:

من يجد من يشتري منه مثلي تمموا له عشرة بوالس.

قالوا: وأهدى له رجل جام زجاج من معمول حلب فاستحسنه جنكيز خان فوهن أمره عنده بعض خواصه وقال: خوند هذا زجاج لا قيمة له.

فقال: أليس قد حمله من بلاد بعيدة حتى وصل إلينا سالما؟ أعطوه مائتي بالس.

قال: وقيل له: إن في هذا المكان كنزا عظيما إن فتحته أخذت منه مالا جزيلا.

فقال: الذي في أيدينا يكفينا، ودع هذا يفتحه الناس ويأكلونه فهم أحق به منا، ولم يتعرض له.

قال: واشتهر عن رجل في بلاده يقول: أنا أعرف موضع كنز ولا أقول إلا للقان، وألح عليه الأمراء أن يعلمهم فلم يفعل، فذكروا ذلك للقان فأحضره على خيل الآولاق - يعني البريد - سريعا فلما حضر إلى بين يديه سأله عن الكنز.

فقال: إنما كنت أقول ذلك حيلة لأرى وجهك.

فلما رأى تغير كلامه غضب وقال له: قد حصل لك ما قلت، ورده إلى موضعه سالما ولم يعطه شيئا.

قال: وأهدى له إنسان رمانة فكسرها وفرق حبها على الحاضرين وأمر له بعدد حبها بوالس ثم أنشد:

فلذاك تزدحم الوفود ببابه ** مثل ازدحام الحب في الرمان

قال: وقدم عليه لرجل كافر يقول: رأيت في النوم جنكيز خان يقول: قل لأبي يقتل المسلمين، فقال له هذا كذب، وأمر بقتله.

قال: وأمر بقتل ثلاثة قد قضت (الياسا) بقتلهم، فإذا امرأة تبكي وتلطم.

فقال: ما هذه؟ أحضروها.

فقالت: هذا ابني، وهذا أخي، وهذا زوجي.

فقال: اختاري واحدا منهم حتى أطلقه لك.

فقالت: الزوج يجيء مثله، والابن كذلك، والأخ لا عوض له، فاستحسن ذلك منها، وأطلق الثلاثة لها.

قال: وكان يحب المصارعين وأهل الشطارة، وقد اجتمع عنده منهم جماعة، فذكر له إنسان بخراسان فأحضره فصرع جميع من عنده، فأكرمه وأعطاه وأطلق له بنتا من بنات الملوك حسناء.

فمكثت عنده مدة لا يتعرض لها، فاتفق مجيئها إلا الاردوا فجعل السلطان يمازحها.

ويقول: كيف رأيت المستعرب؟ فذكرت له أنه لم يقربها، فتعجب من ذلك وأحضره فسأله عن ذلك.

فقال: يا خوند أنا إنما حظيت عندك بالشطارة ومتى قربتها نقصت منزلتي عندك.

فقال: لا بأس عليك وأحضر ابن عم له وكان مثله، فأراد أن يصارع الأول.

فقال السلطان: أنتما قرابة ولا يليق هذا بينكما وأمر له بمال جزيل.

قال: ولما احتضر أوصى أولاده بالاتفاق وعدم الافتراق، وضرب لهم في لك الأمثال، وأحضر بين يديه نشابا وأخذ سهما أعطاه لواحد منهم فكسره، ثم أحضر حزمة ودفعها إليهم مجموعة فلم يطيقوا كسرها.

فقال: هذا مثلكم إذا اجتمعتم واتفقتم، وذلك مثلكم إذا انفردتم واختلفتم.

قال: وكان له عدة أولاد ذكور وإناث منهم أربعة هم عظماء أولاده أكبرهم يوسي وهريول وباتو وبركة وتركجار، وكان كل منهم له وظيفة عنده.

ثم تكلم الجويني على ملك ذريته إلى زمان هولاكو خان، وهو يقول في اسمه ياذشاه زاره هولاكو، وذكر ما وقع في زمانه من الأوابد والأمور المعروفة المزعجة كما بسطناه في الحوادث والله أعلم.

السلطان الملك المعظم عيسى بن العادل أبي بكر بن أيوب

ملك دمشق والشام، كانت وفاته يوم الجمعة سلخ ذي القعدة من هذه السنة، وكان استقلاله بملك دمشق لما توفي أبوه سنة خمس عشرة، وكان شجاعا باسلا عالما فاضلا.

اشتغل في الفقه على مذهب أبي حنيفة على الحصيري مدرس النورية، وفي اللغة والنحو على التاج الكندي، وكان محفوظه مفصل الزمخشري، وكان يجيز من حفظه بثلاثين دينارا، وكان قد أمر أن يجمع له كتاب في اللغة يشمل (صحاح) الجوهري و(الجمهرة) لابن دريد و(التهذيب) للأزهري وغير ذلك، وأمر أن يرتب له (مسند) الإمام أحمد.

وكان يحب العلماء ويكرمهم ويجتهد في متابعة الخير ويقول: أنا على عقيدة الطحاوي.

وأوصى عند وفاته أن لا يكفن إلا في البياض، وأن يلحد له ويدفن في الصحراء ولا يبني عليه، وكان يقول:

واقعة دمياط أدخرها عند الله تعالى وأرجو أن يرحمني بها - يعني أنه أبلى بها بلاء حسنا - رحمه الله تعالى، وقد جمع له بين الشجاعة والبراعة والعلم ومحبة أهله.

وكان يجيء في كل جمعة إلى تربة والده فيجلس قليلا، ثم إذا ذكر المؤذنون ينطلق إلى تربة عمه صلاح الدين فيصلي فيها الجمعة، وكان قليل التعاظم، يركب في بعض الأحيان وحده ثم يلحقه بعض غلمانه سوقا.

وقال فيه بعض أصحابه وهو محب الدين بن أبي السعود البغدادي: لئن غودرت تلك المحاسن في الثرى بوالٍ ** فما وجدي عليك ببالِ

ومذ غبت عني ما ظفرت بصاحبٍ ** أخي ثقة إلا خطرت ببالي

وملك بعده دمشق ولده الناصر داود بن المعظم، وبايعه الأمراء.

أبو المعالي أسعد بن يحيى ابن موسى بن منصور بن عبد العزيز بن وهب الفقيه الشافعي البخاري

شيخ أديب فاضل خير، له نظم ونثر ظريف، وله نوادر حسنة وجاوز التسعين.

قد استوزره صاحب حماة في وقت، وله شعر رائق أورد منه ابن الساعي قطعة جيدة. فمن ذلك قوله:

وهواك ما خطر السلو بباله ** ولأنت أعلم في الغرام بحالهِ

فمتى وشى واش إليك بشأنه ** سائل هواك فذاك من أعدالهِ

أو ليس للدنف المعنى شاهد ** من حاله يغنيك عن تسآلهِ

جددت ثوب سقامه وهتكت ستـ ** ر غرامه، وصرمت حبل وصالهِ

ياللعجائب من أسيرٍ دأبه ** يفدي الطليق بنفسه وبمالهِ

وله أيضا:

لام العواذل في هواك فأكثروا ** هيهات ميعاد السلو المحشر

جهلوا مكانكِ في القلوب وحاولوا ** لو أنهم وجدوا كوجدي أقصروا

صبرا على عذب الهوى وعذابهِ ** وأخو الهوى أبدا يلام ويعذرُ

أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد ابن أحمد بن حمدان الطبي المعروف بالصائن

أحد المعيدين بالنظامية، ودرس بالثقفية، وكان عارفا بالمذهب والفرائض والحساب، صنف شرحا للتنبيه. ذكره ابن الساعي.

أبو النجم محمد بن القاسم بن هبة الله التكريتي

الفقيه الشافعي، تفقه على أبي القاسم بن فضلان، ثم أعاد بالنظامية ودرس بغيرها، وكان يشتغل كل يوم عشرين درسا، ليس له دأب إلا الاشتغال وتلاوة القرآن ليلا ونهارا.

وكان بارعا كثير العلوم، قد أتقن المذهب والخلاف، وكان يفتي في مسألة الطلاق الثلاث بواحدة فتغيظ عليه قاضي القضاة أبو القاسم عبد الله بن الحسين الدامغاني، فلم يسمع منه ثم أخرج إلى تكريت فأقام بها، ثم استدعى إلى بغداد، فعاد إلى الاشتغال وأعاده قاضي القضاة نصر بن عبد الرزاق إلى إعادته بالنظامية، وعاد إلى ما كان عليه من الاشتغال والفتوى والوجاهة إلى أن توفي في هذه السنة رحمه الله تعالى. وهذا ذكره ابن الساعي.

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697