البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة عشر وستمائة



ثم دخلت سنة عشر وستمائة


فيها أمر العادل أيام الجمع بوضع سلاسل على أفواه الطرق إلى الجامع لئلا تصل الخيول إلى قريب الجامع صيانة للمسلمين عن الأذى بهم، ولئلا يضيقوا على المارين إلى الصلاة.

وفيها: ولد الملك العزيز للظاهر غازي صاحب حلب، وهو والد الملك الناصر صاحب دمشق واقف الناصريتين داخل دمشق، إحداهما داخل باب الفراديس، والأخرى بالسفح ذات الحائط الهائل والعمارة المتينة، التي قيل إنه لا يوجد مثلها إلا قليلا، وهو الذي أسره التتار الذين مع هولاكو ملك التتار.

وفيها: قدم بالفيل من مصر فحمل هدية إلى صاحب الكرج فتعجب الناس منه جدا، ومن بديع خلقه.

وفيها: قدم الملك الظافر خضر بن السلطان صلاح الدين من حلب قاصدا الحج، فتلقاه الناس وأكرمه ابن عمه المعظم،

فلما لم يبق بينه وبين مكة إلا مراحل يسيرة تلقته حاشية الكامل صاحب مصر وصدوه عن دخول مكة، وقالوا إنما جئت لأخذ اليمن، فقال لهم قيدوني وذروني أقضي المناسك، فقالوا: ليس معنا مرسوم وإنما أمرنا بردك وصدك، فهمّ طائفة من الناس بقتالهم فخاف من وقوع فتنة فتحلل من حجه ورجع إلى الشام، وتأسف الناس على ما فعل به وتباكوا لما ودعهم، تقبل الله منه.

وفيها: وصل كتاب من بعض فقهاء الحنفية بخراسان إلى الشيخ تاج الدين أبو اليمن الكندي يخبر به أن السلطان خوارزم شاه محمد بن تاج تنكر في ثلاثة نفر من أصحابه، ودخل بلاد التتر ليكشف أخبارهم بنفسه، فأنكروهم فقبضوا عليهم فضربوا منهم اثنين حتى ماتا ولم يقرأ بما جاؤا فيه واستوثقوا من الملك وصاحبه الآخر أسرا، فلما كان في بعض الليالي هربا ورجع السلطان إلى ملكه وهذه المرة غير نوبة أسره في المعركة مع مسعود الأمير.

وفيها: ظهرت بلاطة وهم يحفرون في خندق حلب فوجد تحتها من الذهب خمسة وسبعون رطلا، ومن الفضة خمسة وعشرون بالرطل الحلبي.

وفيها توفي من الأعيان:

شيخ الحنفية مدرس مشهد أبي حنيفة ببغداد الشيخ أبو الفضل أحمد بن مسعود بن علي الرساني

وكان إليه المظالم، ودفن بالمشهد المذكور.

والشيخ أبو الفضل بن إسماعيل

ابن علي بن الحسين فخر الدين الحنبلي، يعرف بابن الماشطة، ويقال له الفخر غلام ابن المنى، له تعليقة في الخلاف وله حلقة بجامع الخليفة، وكان يلي النظر في قرايا الخليفة، ثم عزله فلزم بيته فقيرا لا شيء له إلى أن مات رحمه الله، وكان ولده محمد مدبرا شيطانا مريدا كثير الهجاء والسعاية بالناس إلى أولياء الأمر بالباطل، فقطع لسانه وحبس إلى أن مات.

والوزير معز الدين أبو المعالي

سعيد بن علي بن أحمد بن حديدة، من سلالة الصحابي قطبة بن عامر بن حديدة الأنصاري، ولي الوزارة للناصر في سنة أربع وثمانين ثم عزله عن سفارة ابن مهدي فهرب إلى مراغة، ثم عاد بعد موت ابن مهدي فأقام ببغداد معظما محترما، وكان كثير الصدقات والإحسان إلى الناس إلى أن مات رحمه الله.

وسنجر بن عبد الله الناصري

الخليفتي، كانت له أموال كثيرة وأملاك وإقطاعات متسعة، وكان مع ذلك بخيلا ذليلا ساقط النفس، اتفق أنه خرج أمير الحاج في سنة تسع وثمانين وخمسمائة، فاعترضه بعض الأعراب في نفر يسير، ومع سنجر خمسمائة فارس، فدخله الذل من الأعرابي، فطلب منه الأعرابي خمسين ألف دينار فجباها سنجر من الحجيج ودفعها إليه، فلما عاد إلى بغداد أخذ الخليفة منه خمسين ألف دينار ودفعها إلى أصحابها وعزله وولى طاشتكين مكانه.

قاضي السلامية ظهير الدين أبو إسحاق إبراهيم بن نصر بن عسكر

الفقيه الشافعي الأديب، ذكره العماد في الجريدة وابن خلكان في الوفيات، وأثنى عليه وأنشد من شعره، في شيخ له زاوية وفي أصحابه يقال له مكي:

ألا قل لمكي قول النصوح ** وحق النصيحة أن تستمع

متى سمع الناس في دينهم ** بأن الغنـا سنَّـة تتبـع؟

وأن يأكل المرء أكل البعير ** ويرقص في الجمع حتى يقع

ولو كان طاوى الحشا جائعا ** لما دار من طرب واستمع

وقالوا: سكرنا بحب الإله ** وما أسكر القوم إلا القصع

كذاك الحمير إذا أخصبت ** يهـيّجها ريّـها والشبـع

تراهم يهـزّوا لحاهم إذا ** تـرنّـم حاديهم بالبـدع

فيصرخ هذا وهذا يئـن ** ويبس لو تلـيّن ما انصدع

وتاج الأمناء

أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عساكر من بيت الحديث والرواية، وهو أكبر من إخوته زين الفخر والأمناء، سمع عميه الحافظ أبي القاسم والصائن، وكان صديقا للكندي توفي يوم الأحد ثاني رجب ودفن قبلي محراب مسجد القدم.

والنسابة الكلبي

كان يقال له تاج العلى الحسيني، اجتمع بآمد بابن دحية، وكان ينسب إلى دحية الكلبي، ودحية الكلبي لم يعقب، فرماه ابن دحية بالكذب في مسائله الموصلية.

قال ابن الأثير:

وفي المحرم منها توفي:

المهذب الطبيب المشهور

وهو علي بن أحمد بن مقبل الموصلي سمع الحديث وكان أعلم أهل زمانه بالطب، وله فيه تصنيف حسن، وكان كثير الصدقة حسن الأخلاق.

الجزولي صاحب المقدمة المسماة بالقانون

وهو أبو موسى عيسى بن عبد العزيز الجزولي- بطن من البربر- ثم البردكيني النحوي المصري، مصنف المقدمة المشهورة البديعة، شرحها هو وتلامذته، وكلهم يعترفون بتقصيرهم عن فهم مراده في أماكن كثيرة منها، قدم مصر وأخذ عن ابن بري، ثم عاد إلى بلاده وولي خطابة مراكش، توفي في هذه السنة وقيل قبلها فالله أعلم.

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697