البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة تسع وعشرين وستمائة



ثم دخلت سنة تسع وعشرين وستمائة


فيها: عزل القاضيان بدمشق: شمس الخوي وشمس الدين بن سني الدولة وولي قضاء القضاة عماد الدين بن الحرستاني، ثم عزل في سنة إحدى وثلاثين وأعيد شمس الدين بن سني الدولة كما سيأتي.

وفيها: سابع عشر شوالها عزل الخليفة المستنصر وزيره مؤيد الدين محمد بن محمد بن عبد الكريم القمي، وقبض عليه وعلى أخيه حسن ابنه فخر الدين أحمد بن محمد القمي وأصحابهم وحبسوا، واستوزر الخليفة مكانه أستاذ الدار شمس الدين أبا الأزهر، أحمد بن محمد بن الناقد، وخلع عليه خلعة سنية وفرح الناس بذلك.

وفيه أقبل طائفة من التتار فوصلوا إلى شهزور فندب الخليفة صاحب إربل مظفر الدين كوكبري بن زين الدين، وأضاف إليه عساكر من عنده فساورا نحوهم فهربت منهم التتار، وأقاموا في مقابلتهم مدة شهور، ثم تمرض مظفر الدين وعاد إلى بلده إربل وتراجعت التتار إلى بلادها.

وممن توفى فيها من الأعيان:

الحافظ محمد بن عبد الغني ابن أبي بكر البغدادي

أبو بكر بن نقطة الحافظ المحدث الفاضل، صاحب الكتاب النافع المسمى بالتقييد في تراجم رواة الكتب والمشاهير من المحدثين، كان أبوه فقيها فقيرا منقطعا في بعض مساجد بغداد، يؤثر أصحابه بما يحصل له.

ونشأ ولده هذا معنيّ بعلم الحديث وسماعه والرحلة فيه إلى الأفاق شرقا غربا، حتى برز فيه على الأقران، وفاق أهل ذلك الزمان، ولد سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وتوفي يوم الجمعة الثاني والعشرين من صفر من هذه السنة، رحمهم الله تعالى.

الجمال عبد الله بن الحافظ عبد الغني المقدسي

كان فاضلا كريما حييا، سمع الكثير، ثم خالط الملوك وأبناء الدنيا، فتغيرت أحواله ومات ببستان ابن شكر عند الصالح إسماعيل بن العادل، وهو الذي كفنه ودفن بسفح قاسيون.

أبو علي الحسين بن أبي بكر المبارك

ابن أبي عبد الله محمد بن يحيى بن مسلم الزبيدي ثم البغدادي، كان شيخا صالحا حنفيا فاضلا ذا فنون كثيرة، ومن ذلك علم الفرائض والعروض، وله فيه أرجوزة حسنة، انتخب منها ابن الساعي من كل بحر بيتين، وسرد ذلك في تاريخه.

أبو الفتح مسعود بن إسماعيل

ابن علي بن موسى السلماسي، فقيه أديب شاعر، له تصانيف، وقد شرح المقامات والجمل في النحو، وله خطب وأشعار حسنة رحمه الله تعالى.

أبو بكر محمد بن عبد الوهاب

ابن عبد الله الأنصاري فخر الدين ابن الشيرجي الدمشقي، أحد المعدلين بها، ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وسمع الحديث وكان يلي ديوان الخاتون ست الشام بنت أيوب، وفوضت إليه أمرا أوقافها.

قال السبط: وكان ثقة أمينا كيسا متواضعا.

قال: وقد وزر ولده شرف الدين للناصر داود مدة يسيرة، وكانت وفاة فخر الدين في يوم عيد الأضحى ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله تعالى وعفا عنه.

حسام بن غزي

ابن يونس عماد الدين أبو المناقب المحلي المصري، ثم الدمشقي، كان شيخا صالحا فاضلا فقيها شافعيا حسن المحاضرة وله أشعار حسنة.

قال أبو شامة: وله في معجم القوصي ترجمة حسنة، وذكر أنه توفي عاشر ربيع الآخر ودفن بمقابر الصوفية.

قال السبط: وكان مقيما بالمدرسة الأمينية، وكان لا يأكل لأحد شيئا ولا للسلطان، بل إذا حضر طعاما كان معه في كمه شيء يأكله، وكان لا يزال معه ألف دينار على وسطه.

وحكي عنه قال: خلع عليَّ الملك العادل ليلة طيلسانا فلما خرجت مشى بين يدي تعاط يحسبني القاضي، فلما وصلت باب البريد عند دار سيف خلعت الطيلسان وجعلته في كمي وتباطأت في المشي، فالتفت فلم يرو راءه أحدا، فقال لي: أين القاضي؟ فأشرت إلى ناحية النورية وقلت: ذهب إلى داره، فلما أسرع إلى ناحية النورية هرولت إلى المدرسة الأمينية واسترحت منه.

قال ابن الساعي: كان مولده سنة ستين وخمسمائة، وخلف أموالا كثيرة ورثتها عصبته، قال: وكانت له معرفة حسنة بالأخبار والتواريخ وأيام الناس، مع دين وصلاح وورع، وأورد له ابن الساعي قطعا من شعره فمن ذلك قوله:

قيل لي من هويت قد عبث الشـ **ـعرَ في خديه قلت ما ذاك عارهْ

حمرة الخد أحرقت عنبر الخا ** ل فمن ذاك الدخان عذارهْ

وله:

شوقي إليكم دون أشواقكم ** لكن لا بد أن يشرحُ

لأنني عن قلبكم غائبٌ ** وأنتم في القلب لن تبرحوا

أبو عبد الله محمد بن علي ابن محمد بن الجارود الماراني

الفقيه الشافعي، أحد الفضلاء، ولي القضاء بإربل وكان ظريفا خليعا، وكان من محاسن الأيام، وله أشعار رائقة ومعان فائقة منها قوله:

مشيب أتى وشباب رحل ** أحل العناية حيث حلْ

وذنبك جم، ألا فارجعي ** وعودي فقد حان وقت الأجلْ

وديني الإله ولا تقصري ** ولا يخدعنك طول الأملْ

أبو الثناء محمود بن رالي

ابن علي بن يحيى الطائي الرقي نزيل إربل، وولي النظر بها للملك مظفر الدين، وكان شيخا أديبا فاضلا، ومن شعره قوله:

وهيف ما الخطيُّ إلا قوامه ** وما الغصن إلا ما يثنيه لينه

وما الدعص إلا ما تحمل خصره ** وما النبل إلا ما تريش جفونهُ

وما الخمر إلا ما يروق ثغره ** وما السحر إلا ما تكن عيونهُ

وما الحسن إلا كله فمن الذي ** إذا ما رآه لا يزيد جنونهُ

ابن معطي النحوي يحيى

ترجمه أبو شامة في السنة الماضية، وهو أضبط لأنه شهد جنازته بمصر، وأما ابن الساعي فإنه ذكره في هذه السنة، وقال: إنه كان حظيا عند الكامل محمد صاحب مصر، وإنه كان قد نظم أرجوزة في القراءات السبع، ونظم ألفاظ الجمهرة، وكان قد عزم على نظم صحاح الجوهري.

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697