أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين/إرسال البعوث إلى المرتدين شعبان سنة 11هـ تشرين الأول أكتوبر سنة 632 م

​إرسال البعوث إلى المرتدين شعبان سنة 11هـ تشرين الأول أكتوبر سنة 632 م​ المؤلف محمد رشيد رضا


إرسال البعوث إلى المرتدين
شعبان سنة 11 هـ ( تشرين الأول أكتوبر سنة 632م)

لما استراح أسامة وجنده وكان قد جاءتهم صدقات كثيرة تفضل عنهم نظم أبو بكر البعوث ، وعقد الألوية فعقد أحد عشر لواء . وفيما يلي أسماء القواد ووجهتهم :

(1) خالد بن الوليد: سار إلى طليحة بن خويلد الأسدي فإذا فرغ منه سار إلى مالك بن نويرة بالبُطاح إن أقام له

(2) عكرمة بن أبي جهل: إلى مسيلمة

(3) المهاجر بن أبي أمية: إلى جنود العنسي ومعونة الأبناء على قيس بن المكشوح ثم يمضي إلى كِندة بحضرموت

(4) خالد بن سعيد إلى مشارف الشام

(5) عمرو بن العاص: إلى قُضاعة ووديعة

(6) حذيفة بن مِحْصَن الغلفاني: إلى أهل دَبا

(7) عرفجة بن هرثمة: إلى مَهَرة.

(8) شرحبيل بن حسنة: في أثر عكرمة بن أبي جهل فإذا فرغ من العامة لحق بخيله إلى قضاعة.

(9) معن بن حاجز: إلى بني سليم ومن معهم من هوازن.

(10) سوید بن مقِّرن: إلى تهامة باليمن.

(11) العلاء بن الحضرمي: إلى البحرين.

هؤلاء هم القواد الذي اختارهم أبو بكر لقتال أهل الردة، وعقد لكل واحد منهم لواء ومن هذا يتبين أنهم أرسلوا إلى جميع العرب الذين كانوا قد ارتدوا، فما أصعب مهمة أبي بكر ومهمة قواده الذين كلفوا بإخضاع المرتدين وإعادتهم إلى لواء الإسلام، ولم يبق بالمدينة غير قوة صغيرة. وبقي أبو بكر في المدينة ولم يبعث عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، والزبير مع كفايتهم الحربية ، بل أبقاهم معه لاستشارتهم.

فَصَلَت الأمراء من ذي القصة ونزلوا على قَصْدهم فلحق بكل أمير جنده وقد عهد إليهم عهده وكتب إلى من بعث إليه من جميع المرتدین.

وهذا نص الكتاب الذي أرسله أبو بكر إلى المرتدين من العرب وأعطى كل أمير نسخة منه:

بسم الله الرحمن الرحيم

و من أبي بكر خليفة رسول الله إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة، أقام على إسلامه أو رجع عنه. سلام علی من اتبع الهدى ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. نُقر بما جاء به ونكفر من أبی ونجاهده.

« أما بعد فإن الله تعالى أرسل محمداً بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا وداعية إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين فهدى الله بالحق من أجاب إليه وضرب رسول الله بإذنه من أدبر عنه حتى صار إلى الإسلام طوعاً أو كرهاً ، ثم توفي الله رسوله وقد نفذ أمر الله ونصح لأمته وقضى الذي عليه . وكان الله قد بين له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل ، فقال ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ الزمر 30، وقال : ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ الأنبياء 34، وقال للمؤمنين ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ آل عمران 144، من كان يعبد محمد فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له فإن الله له بالمرصاد، حي قيوم لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم. حافظ لأمره، منتقم من عدوه يجزيه، وإني أوصيكم بتقوى الله وحظكم ونصيبكم من الله، وما جاءکم به نبيكم وأن تهتدوا بهداه، وأن تعتصموا بدين الله فإن كل من لم يهده الله ضال وكل من لم يعافه مبتلى، وكل من لم يعنه الله مخذول ، فمن هداه الله كان مهتدياً ومن أضله كان ضالاً. قال الله تعالى « من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً» الكهف 17، ولم يقبل منه في الآخرة صَرْفٌ ولا عدلٌ1.

وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغتراراً بالله وجهالة بأمره وإجابة للشيطان . قال الله تعالى ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه2. أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو . بئس للظالمين بدلا }} الكهف 51، وقال : ﴿ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا . إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير فاطر 6، وإني بعثت إليكم ( فلاناً) في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان وأمرته أن لا يقاتل أحداً ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحا قبل منه وأعانه عليه . ومن أبی أمرت أن يقاتله على ذلك ثم لا يبقى على أحد منهم قدر عليه وأن يحرقهم بالنار ويقتلهم كل قتلة، وأن يسبي النساء والذراري ولا يقبل من أحد إلا الإسلام، فمن اتبعه فهو خير له ومن تركه فلن يعجز الله . وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم . والداعية الأذان . فإذا أذن المسلمون فأذنوا كفوا عنهم وإن لم يؤذنوا عاجلوهم وإن أذنوا اسألوهم ما عليهم فإن أبوا عاجلوهم وإن أقروا اقبلوا منهم واحملوهم على ما ينبغي لهم » هذا إعلان عام للمرتدين وقد أمرهم بالخضوع والعودة إلى الإسلام حالاً بمجرد الدعوة وإلا كان كل أمير في حل من قتل من أبي وحرقه واستعمال الشدة معه وسبي الذراري والنساء وأعطى لكل قائد عهداً بوصية مما يجب عليه أن يتبعه ويسلكه للقيام بالمهمة التي عهد إليه بها، وهذا نص العهد :

بسم الله الرحمن الرحيم

و هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول الله ( لفلان ) حين بعثه لقتال من رجع عن الإسلام وعهد إليه أن يتقي الله ما استطاع في أمره كله . سره وعلانيته وأمره بالجد في أمر الله ومجاهدة من تولى عنه ورجع عن الإسلام إلى أماني الشيطان بعد أن يعذر إليهم فيدعوهم بداعية الإسلام ، فإن أجابوه أمسك عنهم وإن لم يجيبوه شن غارته عليهم حتى يقروا له ثم ينبئهم بالذي عليهم والذي لهم فيأخذ ما عليهم ويعطيهم الذي لهم لا ينظرهم ولا يرد المسلمين عن قتال عدوهم ، فمن أجاب إلى أمر الله عز وجل قبل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف. إنما يقاتل بالمعروف وإنما يقاتل من كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه سبيل وكان الله حسيبه بعد فيها استسر به . ومن لم يجب داعية الله قتل وقوتل حيث كان وحيث بلغ مراغمه لا يقبل من أحد شيئا أعطاه إلا الإسلام . فمن أجابه وأقر قبل منه وعلمه ، ومن أبی قاتله . فإن أظهره الله عليه قتل منهم كل قتلة بالسلاح والنيران . ثم قسم ما افاء الله عليه إلا الخمس فإنه يبلغناه ، وأن يمنع أصحابه العجلة والفساد، وأن لا يدخل فيهم حشوا حتى يعرفهم ويعلم ما هم لئلا يكونوا عيونا ولئلا يؤتي المسلمون من قبلهم ، وأن يقتصد بالمسلمين ويرفق بهم في السير والمنزل ويتفقدهم ولا يعجل بعضهم عن بعض ويستوصي بالمسلمين في حسن الصحبة ولين القول».


  1. الصرف: التوبة والعدل الفدية
  2. فسق عن أمر ربه : خرج عن طاعته .


هامش