إحياء علوم الدين/كتاب أسرار الصلاة ومهماتها/الباب الخامس



الباب الخامس

فضل الجمعة وآدابها وسننها وشروطها

فضيلة الجمعة


إعلم أن هذا يوم عظيم عظم الله به الإسلام وخصص به المسلمين. قال الله تعالى "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" فحرم الاشتغال بأمور الدنيا وبكل صارف عن السعي إلى الجمعة. وقال "إن الله عز وجل فرض عليكم الجمعة في يومي هذا في مقامي هذا" وقال "من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر طبع الله على قلبه" وفي لفظ آخر "فقد نبذ الإسلام وراء ظهره" واختلف رجل إلى ابن عباس يسأله عن رجل مات لم يكن يشهد جمعة ولا جماعة، فقال: في النار، فلم يزل يتردد إليه شهراً يسأله عن ذلك وهو يقول في النار وفي الخبر: إن أهل الكتابين أعطوا يوم الجمعة فاختلفوا فيه فصرفوا عنه وهدانا الله تعالى له وأخره لهذه الأمة وجعله عيداً لهم فهم أولى الناس به سبقاً وأهل الكتابين لهم تبع. وفي حديث أنس عن النبي أنه قال "أتاني جبريل عليه السلام في كفه مرآة بيضاء وقال: هذه الجمعة يفرضها عليك ربك لتكون لك عيداً ولأمتك من بعدك. قلت: فما لنا فيها? قال: لكم فيها خير ساعة من دعا فيها بخير قسم له أعطاه الله سبحانه إياه أو ليس له قسم ذخر له ما هو أعظم منه؛ أو تعوذ من شر مكتوب عليه إلا أعاذه الله عز وجل من أعظم منه وهو سيد الأيام عندنا ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد، قلت: ولم? قال: إن ربك عز وجل اتخذ في الجنة وادياً أفيح من المسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل تعالى من عليين على كرسيه فيتجلى لهم حتى ينظروا إلى وجهه الكريم" وقال "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط إلى الأرض وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة، وهو عند الله يوم المزيد كذلك تسميه الملائكة يوم السماء وهو يوم النظر إلى الله تعالى في الجنة" وفي الخبر "إن الله عز وجل في كل جمعة ستمائة ألف عتيق من النار" وفي حديث أنس رضي الله عنه أنه قال "إذا سلمت الجمعة سلمت الأيام" وقال "إن الجحيم تسعر في كل يوم قبل الزوال عند استواء الشمس في كبد السماء فلا تصلوا في هذه الساعة إلا يوم الجمعة فإنه صلاة كله وإن جهنم لا تسعر فيه" وقال كعب: إن الله عز وجل فضل من البلدان مكة ومن الشهور رمضان ومن الأيام الجمعة ومن الليالي ليلة القدر ويقال إن الطير والهوام يلقى بعضها بعضاً في يوم الجمعة فتقول: سلام سلام ويوم صالح وقال "من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة كتب الله له أجر شهيد ووقي فتنة القبر"

بيان شروط الجمعة عدل

اعلم أنها تشارك جميع الصلوات في الشروط وتتميز عنها بستة شروط الأول الوقت: فإن وقعت تسليمة الإمام في وقت العصر فاتت الجمعة وعليه أن يتمها ظهراً أربعاً، والمسبوق إذا وقعت ركعته الأخيرة خارجاً من الوقت ففيه خلاف الثاني المكان: فلا تصح في الصحاري والبراري وبين الخيام بل لابد من بقعة جامعة لأبنية لا تنقل بجمع أربعين ممن تلزمهم الحلة والقرية فيه كالبلد، ولا يشترط فيه حضور السلطان ولا إذنه ولالكن الأحب استئذانه الثالث العدد: فلا تنعقد بأقل من أربعين ذكوراً مكلفين أحراراً مقيمين لا يظعنون عنها شتاء ولا صيفاً، فإن انفضوا حتى نقص العدد إما في الخطبة أو في الصلاة لم تصح الجمعة بل لابد منهم من الأول إلى الآخر الرابع الجماعة: فلو صلى أربعون في قرية أو في بلدن متفرقين لم تصح جمعتهم. ولكن المسبوق إذا أدرك الركعة الثانية جاز له الانفراد بالركعة الثانية. وإن لم يدرك ركوع الركعة الثانية اقتدى ونوى الظهر وإذا سلم الإمام تممها ظهراً الخامس أن لا تكون الجمعة مسبوقة بأخرى في ذلك البلد. فإن تعذر اجتماعهم في جامع واحد جاز في جامعين وثلاثة وأربعة بقدر الحاجة. وإن لم تكن حاجة فالصحيح الجمعة التي يقع بها التحريم أولاً. وإذا تحققت الحاجة فالأفضل الصلاة خلف الأفضل من الإمامين، فإن تساويا فالمسجد الأقدم، فإن تساويا ففي الأقرب، ولكثرة الناس أيضاً فضل يراعى السادس الخطبتان: فهما فريضتان والقيام فيهما فريضة والجلسة بينهما فريضة. وفي الأولى أربع فرائض: التحميد وأقله الحمد لله. والثانية: الصلاة على النبي والثالثة: الوصية بتقوى الله سبحانه وتعالى والرابعة: قراءة القرآن. وكذا فرائض الثانية أربعة إلا أنه يجب فيها الدعاء بدل القراءة. واستماع الخطبتين واجب من الأربعين. وأما السنن: فإذا زالت الشمس وأذن المؤذن وجلس الإمام على المنبر انقطعت الصلاة سوى التحية، والكلام لا ينقطع إلا بافتتاح الخطبة. ويسلم الخطيب على الناس إذا أقبل عليهم بوجهه ويدون عليه السلام فإذا فرغ المؤذن قام مقبلاً على الناس بوجهه لا يلتفت يميناً ولا شمالاً ويشغل يديه بقائم السيف أو العنزة والمنبر كي لا يعبث بهما أو يضع إحداهما على الأخرى. ويخطب خطبتين بينهما جلسة خفيفة. ولا يستعمل غريب اللغة ولا يمطط ولا يتغنى. وتكون الخطبة قصيرة بليغة جامعة. ويستحب أن يقرأ آية في الثانية أيضاً. ولا يسلم من دخل والخطيب يخطب فإن سلم لم يستحق جواباً، والإشارة بالجواب حسن، ولا يشمت العاطسين أيضاً. هذه شروط الصحة. فأما شروط الوجوب: فلا تجب الجمعة إلا على ذكر بالغ عاقل مسلم حر مقيم في قرية تشتمل على أربعين جامعين لهذه الصفات، أو في قرية من سواد البلد يبلغها نداء البلد من طرف بابها والأصوات ساكنة والمؤذن رفيع الصوت لقوله تعالى "إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع" ويرخص لهؤلاء في ترك الجمعة لعذر المطر والوحل والفزع والمرض والتمريض إذا لم يكن للمريض قيم غيره. ثم يستحب لهم - أعني أصحاب الأعذار - تأخير الظهر إلى أن يفرغ الناس من الجمعة، فإن حضر الجمعة مريض أو مسافر أو عبد أو امرأة صحت جمعتهم وأجزأت عن الظهر والله أعلم

بيان آداب الجمعة على ترتيب العادة عدل

وهي عشر جمل

الأول أن يستعد لها يوم الخميس عزماً عليها واستقبالاً لفضلها فيشتغل بالدعاء والاستغفار والتسبيح بعد العصر يوم الخميس لأنها ساعة قوبلت بالساعة المبهمة في يوم الجمعة. قال بعض السلف: إن لله عز وجل فضلاً سوى أرزاق العباد لا يعطى من ذلك الفضل إلا من سأله عشية الخميس ويوم الجمعة، ويغسل في هذا اليوم ثيابه ويبيضها ويعد الطيب إن لم يكن عنده، ويفرغ قلبه من الأشغال التي تمنعه من البكور إلى الجمعة، وينوي في هذه الليلة صوم يوم الجمعة فإن له فضلاً وليكن مضموماً إلى يوم الخميس أو السبت - لا مفرداً فإنه مكروه - ويشتغل بإحياء هذه الليلة بالصلاة وختم القرآن فلها فضل كثير وينسحب عليها فضل يوم الجمعة. ويجامع أهله في هذه الليلة أو في يوم الجمعة فقد استحب ذلك قوم حملوا عليه قوله "رحم الله من بكر وابتكر وغسل واغتسل" وهو حمل الأهل على الغسل. وقيل معناه غسل ثيابه - فروي بالتخفيف - واغتسل لجسده. وبهذا تتم آداب الاستقبال ويخرج من زمرة الغافلين الذين إذا أصبحوا قالوا ما هذا اليوم? قال بعض السلف: أوفى الناس نصيباً من الجمعة من انتظرها ورعاها من الأمس، وأخفهم نصيباً من إذا أصبح يقول: أيش اليوم? وكان بعضهم يبيت ليلة الجمعة في الجامع لأجلها الثاني إذا أصبح ابتدأ بالغسل بعد طلوع الفجر، وإن كان لا يبكر فأقر به إلى الرواح أحب ليكون أقرب عهداً بالنظافة، فالغسل مستحب استحباباً مؤكداً، وذهب بعض العلماء إلى وجوبه قال "غسل الجمعة واجب على كل محتلم" والمشهور من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما "من أتى الجمعة فلغتسل" وقال "من شهد الجمعة من الرجال والنساء فلغتسل" وكان أهل المدينة إذا تساب المتسابان يقول أحدهما للآخر: لأنت أشر ممن لا يغتسل يوم الجمعة. وقال عمر لعثمان رضي الله عنهما لما دخل وهو يخطب "أهذه الساعة? - منكراً عليه ترك البكور - فقال: ما زدت بعد أن سمعت الأذان على أن توضأت وخرجت فقال: والوضوء بوضوء عثمان رضي الله تعالى عنه وبما روي أنه قال "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" ومن اغتسل للجنابة فليفض الماء على بدنه مرة أخرى على نية غسل الجمعة، فإن اكتفى بغسل واحد أجزأه وحصل له الفضل إذا نوى كليهما ودخل غسل الجمعة في غسل الجنابة. وقد دخل بعض الصحابة على ولده وقد اغتسل فقال له: أللجمعة? فقال: بل عن الجنابة، فقال: أعد غسلاً ثانياً، وروى الحديث في غسل الجمعة على كل محتلم.

وإنما أمره به لأنه لم يكن نواه. وكان لا يبعد أن يقال المقصود النظافة وقد حصلت دون النية، ولكن هذا ينقدح في الوضوء أيضاً وقد جعل في الشرع قربة فلا بد من طلب فضلها. ومن اغتسل ثم أحدث توضأ ولم يبطل غسله والأحب أن يحترز عن ذلك الثالثة الزينة، وهي مستحبة في هذا اليوم وهي ثلاثة: الكسوة والنظافة وتطييب الرائحة. أما النظافة فبالسواك وحلق الشعر وقلم الظفر وقص الشارب وسائر ما سبق في كتاب الطهارة. قال ابن مسعود: من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله عز وجل منه داء وأدخل فيه شفاء، فإن كان قد دخل الحمام في الخميس أو الأربعاء فقد حصل المقصود.فليتطيب في هذا اليوم بأطيب طيب عنده ليغلب بها الروائح الكريهة ويوصل بها الروح والرائحة إلى مشام الحاضرين في جواره "وأحب طيب الرجا ما ظهر ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه" وروي ذلك في الأثر. وقال الشافعي رضي الله عنه: من نظف ثوبه قل همه ومن طاب ريحه زاد عقله. وأما الكسوة فأحبها البياض من الثياب - إذ أحب الثياب إلى الله تعالى البيض - ولا يلبس ما فيه شهرة. ولبس السواد ليس من السنة ولا فيه فضل بل كره جماعة النظر إليه لأنه بدعة محدثة بعد رسول الله والعمامة مستحبة في هذا اليوم. وروى واثلة بن الأسقع أن رسول الله "قال إن الله وملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة" فإن أكربه الحر فلا بأس بنزعها قبل الصلاة وبعدها ولكن لا ينزع في وقت السعي من المنزل إلى الجمعة ولا في وقت الصلاة ولا عند صعود الإمام المنبر في خطبته الرابع البكور إلى الجامع: ويستحب أن يقصد الجامع من فرسخين وثلاث وليبكر ويدخل وقت البكور بطلوع الفجر وفضل البكور عظيم. وينبغي أن يكون في سعيه إلى الجمعة خاشعاً متواضعاً ناوياً للاعتكاف في المسجد إلى وقت الصلاة قاصداً للمبادرة إلى جواب نداء الله عز وجل إلى الجمعة إياه. والمسارعة إلى مغفرته ورضوانه وقد قال "من راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما أهدى دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة فإذا خرج الإمام طويت الصحف ورفعت الأقلام واجتمعت الملائكة عند المنبر يستمعون الذكر فمن جاء بعد ذلك فأنما جاء لحق الصلاة ليس له من الفضل شيء" والساعة الأولى إلى طلوع الشمس؛ والثانية إلى ارتفاعها، والثالثة إلى انبساطها حين ترمض الأقدام، والرابعة والخامسة بعد الضحى الأعلى إلى الزوال وفضلها قليل؛ ووقت الزوال حق الصلاة ولا فضل فيه. وقال "ثلاث لو يعلم الناس ما فيهن لركضوا ركض الإبل في طلبهن؛ الأذان والصف الأول والغدو إلى الجمعة" وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: أفضلهن الغدو إلى الجمعة. وفي الخبر "إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد بأيديهم صحف من فضة وأقلام من ذهب يكتبون الأول فالأول على مراتبهم" وجاء في الخبر "إن الملائكة يتفقدون الرجل إذا تأخر عن وقته يوم الجمعة فيسأل بعضهم بعضاً عنه: ما فعل فلان وما الذي أخره عن وقته? فيقولون: اللهم إن كان أخره فقر فأغنه وإن كان أخره مرض فاشفه وإن كان أخره شغل ففرغه لعبادتك وإن كان أخره لهو فأقبل بقلبه إلى طاعتك" وكان يرى في القرن الأول سحراً وبعد الفجر الطرقات مملوءة من الناس يمشون في السرج ويزدحمون بها إلى الجامع كأيام العيد حتى اندرس ذلك فقيل: أول بدعة حدثت في الإسلام ترك البكور إلى الجامع. وكيف لا يستحي المسلمون من اليهود والنصارى وهم يبكرون إلى البيع والكنائس يوم السبت والأحد? وطلاب الدنيا كيف يبكرون إلى رحاب الأسواق للبيع والشراء والربح فلم لا يسابقهم طلاب الآخرة? ويقال: إن الناس يكونون في قربهم عند النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى على قدر بكورهم إلى الجمعة. ودخل ابن مسعود رضي الله عنه بكرة الجامع فرأى ثلاثة نفر قد سبقوه بالبكور فاغتم لذلك وجعل يقول في نفسه معاتباً لها رابع أربعة: وما رابع أربعة من البكور ببعيد الخامس في هيئة الدخول: ينبغي أن لا يتخطى رقاب الناس ولا يمر بين أيديهم والبكور يسهل ذلك عليه فقد ورد وعيد شديد في تخطي الرقاب وهو أنه يجعل جسراً يوم القيام يتخطاه الناس" وروى ابن جريج مرسلاً "أن رسول الله بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ رأى رجلاً يتخطى رقاب الناس حتى تقدم فجلس فلما قضى النبي عارض الرجل حتى لقيه فقال: يا فلان ما منعك أن تجمع اليوم معنا? قال: يا نبي الله قد جمعت معكم: فقال النبي " ألم نرك تتخطى رقاب الناس" أشار به إلى أنه أحبط عمله. وفي حديث مسند أنه قال "ما منعك أن تصلي معنا? قال: أو لم ترني يا رسول الله، فقال ؛ رأيتك تأنيت وذيت" أي تأخرت عن البكور وآذيت الحضور. ومهما كان الصف الأول متروكاً خالياً فله أن يتخطى رقاب الناس لأنهم ضيعوا حقهم وتركوا موضع الفضيلة. قال الحسن: تخطوا رقاب الناس الذين يقعدون على أبواب الجوامع يوم الجمعة فإنه لا حرمة لهم. وإذا لم يكن في المسجد إلا من يصلي فينبغي أن لا يسلم لأنه تكليف جواب في غير محله السادس أن لا يمر بين يدي الناس ويجلس حيث هو إلى أقرب أسطوانة أو حائط حتى لا يمرون بين يديه أعني بين يدي المصلي فإن ذلك لا يقطع الصلاة ولكنه منهي عنه قال "لأن يقف أربعين عاماً خير له من أن يمر بين يدي المصلي" وقال "لأن يكون الرجل رماداً أو رميماً تذروه الرياح خير من أن يمر بين يدي المصلي" وقد روي في حديث آخر في المار والمصلي حيث صلى على الطريق أو قصر في الدفع فقال "لو يعلم المار بين يدي المصلى والمصلي ما عليهما في ذلك لكان أن يقف أربعين سنة خيراً له من أن يمر بين يديه" والأسطوانة والحائط والمصلى المفروش حد للمصلي فمن اجتاز به فينبغي أن يدفعه قال "ليدفعه فإن أبى فليدفعه فإن أبى فليقاتله فإنه شيطان" وكان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يدفع من يمر بين يديه حتى يصرعه، فربما تعلق به الرجل فاستعدى عليه عند مروان فيخبره أن النبي أمره بذلك. فإن لم يجد أسطوانة فلينصب بين يديه شيئاً طوله قدر ذراع ليكون ذلك علامة لحدة السابع أن يطلب الصف الأول فإن فضله كثير كما رويناه وفي الحديث "من غسل واغتسل وبكر وابتكر ودنا من الإمام واستمع كان ذلك له كفارة لما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام" وفي لفظ آخر "غفر الله له إلى الجمعة الأخرى - وقد اشترط في بعضها - ولم يتخط رقاب الناس" ولا يغفل في طلب الصف الأول عن ثلاثة أمور، أولها: أنه إذا كان يرى بقرب الخطيب منكراً يعجز عن تغييره - من لبس حرير من الإمام أو غيره أو صلى في سلاح كثير ثقيل شاغل أو سلاح مذهب أو غير ذلك - مما يجب فيه الإنكار فالتأخر له أسلم وأجمع للهم، فعل ذلك جماعة من العلماء طلباً للسلامة. قيل لبشر بن الحرث: نراك تبكر وتصلي في آخر الصفوف، فقال: إنما يراد قرب القلوب لا قرب الأجساد. وأشار به إلى أن ذلك أقرب لسلامة قلبه. ونظر سفيان الثوري إلى شعيب بن حرب عند المنبر يسمع إلى الخطبة من أبي جعفر المنصور فلما فرغ من الصلاة قال: شغل قلبي قربك من هذا هل أمنت أن تسمع كلاماً يجيب عليك إنكاره فلا تقوم به? ثم ذكر ما أحدثوا من لبس السواد فقال: يا أبا عبد الله أليس في الخبر "أدن واستمع" فقال: ويحج ذاك للخلفاء الراشدين المهديين، فأما هؤلاء فكلما بعدت عنهم ولم تنظر إليهم كان أقرب إلى الله عز وجل. وقال سعيد بن عامر "صليت إلى جنب أبي الدرداء فجعل يتأخر في الصفوف حتى كنا في آخر صف؛ فلما صلينا قلت له: أليس يقال خير الصفوف أولها? قال: نعلم إلا أن هذه الأمة مرحومة منظور إليها من بين الأمم فإن الله تعالى إذا نظر إلى عبد في الصلاة غفر له ولمن وراءه من الناس فإنما تأخرت رجاء أن يغفر لي بواحد منهم ينظر الله إليه. وروى بعض الرواة أنه قال سمعت رسول الله قال ذلك، فمن تأخر على هذه النية إيثاراً وإظهاراً لحسن الخلق فلابأس، وعند هذا يقال "الأعمال بالنيات" ثانيها: إن لم تكن مقصورة عند الخطيب مقتطعة عن المسجد للسلاطين فالصف الأول محبوب وإلا فقد كره بعض العلماء دخول المقصورة. كان الحسن وبكر المزني لا يصليان في المقصورة ورأيا أنها قصرت على السلاطين وهي بدعة أحدثت بعد رسول الله في المساجد. والمسجد مطلق لجميع الناس وقد اقتطع ذلك على خلافة. وصلى أنس بن مالك وعمران بن حصين في المقصورة ولم يكرها ذلك لطلب القرب. ولعل الكراهية تختص بحالة التخصيص والمنع فأما مجرد المقصورة إذا لم يكن منع فلا يوجد كراهة وثالثها: أن المنبر يقطع بعض الصفوف وإنما الصف الأول الواحد المتصل الذي في فناء المنبر وما على طرفيه مقطوع. وكان الثوري يقول: الصف الأول هو الخارج بين يدي المنبر وهو متجه لأنه متصل ولأن الجالس فيه يقابل الخطيب ويسمع منه. ولا يبعد أن يقال الأقرب إلى القبلة هو الصف الأول ولا يراعى هذا المعنى. وتكره الصلاة في الأسواق والرحاب الخارجة عن المسجد وكان بعض الصحابة يضرب الناس ويقيمهم من الرحاب الثامن أن يقطع الصلاة عند خروج الإمام ويقطع الكلام أيضاً بل يشتغل بجواب المؤذن ثم باستماع الخطبة. وقد جرت عادة بعض العوام بالسجود عند قيام المؤذنين ولم يثبت له أصل في أثر ولا خبر، ولكنه إن وافق سجود تلاوة فلا بأس بها للدعاء لأنه وقت فاضل: ولا يحكم بتحريم هذا السجود فإنه لا سبب لتحريمه، وقد روي عن علي وعثمان رضي الله عنهما أنهما قالا: من استمع وأنصت فله أجران ومن لم يستمع وأنصت فله أجر ومن سمع ولغا فعليه وزران ومن لم يستمع ولغا فعليه وزر واحد. وقال "من قال لصاحبه والإمام يخطب أنصت أو مه فقد لغا ومن لغا والإمام يخطب فلا جمعة له" وهذا يدل على أن الإسكات ينبغي أن يكون بإشارة أو رمي حصاة لا بالنطق. وفي حديث أبي ذر "أنه لما سأل أبياً والنبي يخطب فقال: متى أنزلت هذه السورة? فأومأ إليه أن أسكت: فلما نزل رسول الله قال له أبي: اذهب فلا جمعة لك، فشكاه أبو ذر إلى النبي فقال: صدق أبي" وإن كان بعيداً من الإمام فلا ينبغي أن يتكلم في العلم وغيره بل يسكت لأن كل ذلك يتسلل ويفضي إلى هنيمة حتى ينتهي إلى المستمعين ولا يجلس في حلقة من يتكلم فمن عجز عن الاستماع بالبعد فلينصت فهو المستحب. وإذا كان تكره الصلاة في وقت خطبة الإمام فالكلام أولى بالكراهية. وقال علي كرم الله وجهه: تكره الصلاة في أربع ساعات؛ بعد الفجر وبعد العصر ونصف النهار والصلاة والإمام يخطب التاسع أن يراعي في قدوة الجمعة ما ذكرناه في غيرها فإذا سمع قراءة الإمام لم يقرأ سوى الفاتحة. فإذا فرغ من الجمعة قرأ "الحمد لله" سبع مرات قبل أن يتكلم "وقل هو الله أحد والمعوذتين" سبعاً سبعاً وروى بعض السلف أن من فعله عصم من الجمعة إلى الجمعة وكان حرزاً له من الشيطان ويستحب أن يقول بعد الجمعة "اللهم يا غني ياحميد يا مبدىء يا معيد يا رحيم يا ودود أغنني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك" يقال من داوم على هذا الدعاء أغناه الله سبحانه عن خلقه ورزقه من حيث لا يحتسب، ثم يصلي بعد الجمعة ست ركعات، فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين" وروى أبو هريرة أربعاً "وروى علي وعبد الله ابن عباس رضي الله عنهم ستاً والكل صحيح في أحوال مختلفة، والأكمل أفضل العاشر أن يلازم المسجد حتى يصلي العصر فإن أقام إلى المغرب فهو الأفضل. يقال من صلى العصر في الجامع كان له ثواب الحج ومن صلى المغرب فله ثواب حجة وعمرة فإن لم يأمن التصبع ودخول الآفة عليه من نظر الخلق إلى اعتكافه أو خاف الخوض فيما لا يعنى فالأفضل أن يرجع إلى بيته ذاكراً الله عز وجل مفكراً في آلائه شاكراً لله تعالى على توفيقه خائفاً من تقصيره مراقباً لقلبه ولسانه إلى غروب الشمس حتى لا تفوته الساعة الشريفة. ولا ينبغي أن يتكلم في الجامع وغيره من المساجد بحديث الدنيا قال "يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم أمر دنياهم ليس لله تعالى فيهم حاجة فلا تجالسوهم".

بيان الآداب والسنن الخارجة عن الترتيب السابق عدل

الذي يعم جميع النهار وهي سبعة أمور عدل

الأول أن يحضر مجالس العلم بكرة أو بعد العصر ولا يحضر مجالس القصاص فلا خير في كلامهم. ولا ينبغي أن يخلو المريد في جميع يوم الجمعة عن الخيرات والدعوات حتى توافيه الساعة الشريفة وهو في خير ولا ينبغي أن يحضر الحلق قبل الصلاة. وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن النبي نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة" إلا أن يكون عالماً بالله يذكر بأيام الله ويفقه في دين الله يتكلم في الجامع بالغداة فيجلس إليه فيكون جامعاً بين البكور وبين الاستماع. واستماع العلم النافع في الآخرة أفضل من اشتغاله بالنوافل فقد روى أبو ذر "إن حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة" قال أنس بن مالك في قوله تعالى "فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله" أما إنه ليس بطلب دنيا لكن عيادة مريض وشهود جنازة وتعلم علم وزيارة أخ في الله عز وجل. وقد سمى الله عز وجل فضلاً في مواضع قال تعالى "وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً" وقال تعالى "ولقد آتينا داود منا فضلاً" يعني العلم فتعلم العلم في هذا اليوم وتعليمه من أفضل القربات. والصلاة أفضل من مجالس القصاص إذ كانوا يرونه بدعة ويخرجون القصاص من الجامع: بكر ابن عمر رضي الله عنهما إلى مجلسه في المسجد الجامع فإذا قاص في موضعه فقال: قم عن مجلسي! فقال: لا أقوم وقد جلست وسبقتك إليه، فأرسل ابن عمر إلى صاحب الشرطة فأقامه. فلو كان ذلك من السنة لما جازت إقامته فقد قال "لا يقيمن أحدكم أخاه من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا" وكان ابن عمر إذا قام الرجل له من مجلسه لم يجلس فيه حتى يعود إليه. وروي أن قاصاً كان يجلس بفناء حجرة عائشة رضي الله عنها فأرسلت إلى ابن عمر: إن هذا قد آذاني بقصصه وشغلني عن سبحتي، فضربه ابن عمر حتى كسر عصاه على ظهره ثم طرده الثاني أن يكون حسن المراقبة للساعة الشريفة ففي الخبر المشهور "إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله عز وجل فيها شيئاً إلا أعطاه" وفي خبر آخر "لا يصادفها عبد يصلي" واختلف فيها فقيل إنها عند طلوع الشمس وقيل عند الزوال وقيل مع الأذان وقيل إذا صعد الإمام المنبر وأخذ في الخطبة وقيل إذا قام الناس إلى الصلاة وقيل آخر وقت العصر - أعني وقت الاختيار - وقيل قبل غروب الشمس "وكانت فاطمة رضي الله عنها تراعي ذلك الوقت وتأمر خادمتها أن تنظر إلى الشمس فتؤذها بسقوطها فتأخذ في الدعاء والاستغفار إلى أن تغرب الشمس، وتخبر بأن تلك الساعة هي المنتظرة وتؤثره عن أبيها وعليها" وقال بعض العلماء: هي مبهمة في جميع اليوم مثل ليلة القدر تتوفر الدواعي على مراقبتها. وقيل إنها تنتقل في ساعات يوم الجمعة كتنقل ليلة القدر وهذا هو الأشبه، وله سر لا يليق بعلم المعاملة ذكره ولكن ينبغي أن يصدق بما قال "إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها" ويوم الجمعة من جملة تلك الأيام فينبغي أن يكون العبد في جميع نهاره متعرضاً لها بإحضار القلب وملازمة الذكر والنزوع عن وساوس الدنيا فعساه يحظى بشيء من تلك النفحات. وقد قال كعب الأحبار: إنها في آخر ساعة من يوم الجمعة وذلك عند الغروب، فقال أبو هريرة: وكيف تكون آخر ساعة وقد سمعت رسول الله يقول لا يوافقها عبد يصلي ولات حين صلاة! فقال كعب: ألم يقل رسول الله من قعد ينتظر الصلاة فهو في الصلاة قال: بلى، قال: فذلك صلاة? فسكت أبو هريرة. وكان كعب مائلاً إلى أنها رحمة من الله سبحانه للقائمين بحق هذا اليوم وأوان إرسالها عند الفراغ من تمام العمل. وبالجملة هذا وقت شريف مع وقت صعود الإمام المنبر فليكثر الدعاء فيهما الثالث يستحب أن يكثر الصلاة على رسول الله في هذا اليوم فقد قال "من صلى علي في يوم الجمعة ثمانين مرة غفر الله له ذنوب ثمانين سنة قيل يا رسول الله كيف الصلاة عليك? قال تقول اللهم صل على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وتعقد واحدة، وإن قلت اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون لك رضاء ولحقه أداء وأعطه الوسيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته واجزه عنا ما هو أهله واجزه أفضل ما جازيت نبياً عن أمته وصل عليه وعلى جميع إخوانه من النبيين والصالحين يا أرحم الراحمين" تقول هذا سبع مرات فقد قيل من قالها في سبع جمع في كل جمعة سبع مرات وجبت له شفاعته . وإن أراد أن يزيد أتى بالصلاة المأثورة فقال "اللهم اجعل فضائل صلواتك ونوامي بركاتك وشرائف زكواتك ورأفتك ورحمتك وتحيتك على محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين ورسول رب العالمين قائد الخير وفاتح البر ونبي الرحمة وسيد الأمة اللهم ابعثه مقاماً محموداً تزلف به قربه وتقر به عينه يغبطه به الأولون وألاخرون اللهم أعطه الفضل والفضيلة والشرف والوسيلة والدرجة الرفيعة والمنزلة الشامخة المنيفة اللهم أعط محمداً سؤله وبلغه مأموله واجعله أول شافع وأول مشفع اللهم عظم برهانه وثقل ميزانه وأبلج حجته وارفع في أعلى المقربين درجته اللهم احشرنا في زمرته واجعلنا من أهل شفاعته وأحينا على سنته وتوفنا على ملته وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه غير خزايا ولا نادمين ولا شاكين ولا مبدلين ولا فاتنين ولا مفتونين آمين يارب العالمين" وعلى الجملة فكل ما أتى به من ألفاظ الصلاة ولو بالمشهورة في التشهد كان مصلياً. وينبغي أن يضيف إليه الاستغفار فإن ذلك أيضاً مستحب في هذا اليوم الرابع قراءة القرآن فليكثر منه وليقرأ سورة الكهف خاصة. فقد روي عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما "أن من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أعطي نوراً من حيث يقرؤها إلى مكة وغفر له إلى يوم الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصح وعوفي من الداء والدبيلة وذات الحنب والبرص والجذام وفتنة الدجال" ويستحب أن يختم القرآن في يوم الجمعة وليلتها إن قدر، وليكن ختمه للقرآن في ركعتي الفجر إن قرأ بالليل أو في ركعتي المغرب أو بين الإذان والإقامة للجمعة فله فضل عظيم. وكان العابدون يستحبون أن يقرءوا يوم الجمعة قل هو الله أحد ألف مرة. ويقال إن من قرأها في عشر ركعات أو عشرين فهو أفضل من ختمة وكانوا يصلون على النبي ألف مرة وكانوا يقولون "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" ألف مرة وإن قرأ المسبعات الست في يوم الجمعة أو ليلتها فحسن. وليس يروى عن النبي أنه كان يقرأ سوراً بأعيانها إلا في يوم الجمعة وليلتها كان يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة "قل يا أيها الكافرون. وقل هو الله أحد" وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة: سورة الجمعة والمافقين وروي أنه كان يقرؤهما في ركعتي الجمعة. وكان يقرأ في الصبح يوم الجمعة. سورة سجدة لقمان وسورة هل أتى على الإنسان الخامس الصلوات يستحب إذا دخل الجامع أن لا يجلس حتى يصلي أربع ركعات يقرأ فيهن "قل هو الله أحد" مائتي مرة في كل ركعة خمسين مرة فقد نقل عن رسول الله "أن من فعله لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة أو يرى له" ولا يدع ركعتي التحية وإن كان الإمام يخطب ولكن يخفف. أمر رسول الله بذلك وفي حديث غريب "أنه سكت للداخل حتى صلاهما" فقال الكوفيون: إن سكت له الإمام صلاهما. ويستحب في هذا اليوم أو في ليلته أن يصلي أربع ركعات بأربع سور: الأنعام والكهف وطه ويس. فإن لم يحسن قرأ يس وسورة سجدة لقمان وسورة الدخان وسورة الملك ولا يدع قراءة هذه الأربع سور في ليلة الجمعة ففيها فضل كثير. ومن لا يحسن القرآن قرأ ما يحسن فهو له بمنزلة الختمة. ويكثر من قراءة سورة الإخلاص. ويستحب أن يصلي صلاة التسبيح - كما سيأتي في باب التطوعات كيفيتها - لأنه قال لعمه العباس "صلها في كل جمعة وكان ابن عباس رضي الله عنهما لا يدع هذه الصلاة يوم الجمعة بعد الزوال وكان يخبر عن جلالة فضلها. والأحسن أن يجعل وقته إلى الزوال للصلاة وبعد صلاة الجمعة إلى العصر لاستماع العلم وبعد العصر إلى المغرب للتسبيح والاستغفار. السادس الصدقة مستحبة في هذا اليوم خاصة فإنها تتضاعف إلا على من سأل والإمام يخطب وكان يتكلم في كلام الإمام فهذا مكروه. وقال صالح بن محمد: سأل مسكين يوم الجمعة والإمام يخطب - وكان إلى جانب أبي - فأعطى رجل أبي قطعة ليناوله إياها فلم يأخذها منه أبي. وقال ابن مسعود إذا سأل الرجل في المسجد فقد استحق أن لا يعطى وإذا سأل على القرآن فلا تعطوه. ومن العلماء من كره الصدقة على السؤال في الجامع الذين يتخطون رقاب الناس؛ إلا أن يسأل قائماً أو قاعداً في مكانه من غير تخط. وقال كعب الأحبار: من شهد الجمعة ثم انصرف فتصدق بشيئين مختلفين من الصدقة ثم رجع فركع ركعتين يتم ركوعهما وسجودهما وخشوعهما ثم يقول: اللهم إني أسألك باسمك بسم الله الرحمن الرحيم وباسمك الذي لا إله إلا اله هو الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ولم يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه. وقال بعض السلف. من أطعم مسكيناً يوم الجمعة ثم غدا وابتكر ولم يؤذ أحداً ثم قال حين يسلم الإمام "بسم الله الرحمن الرحيم الحي القيوم أسألك أن تغفر لي وترحمي وتعافيني من النار" ثم دعا بما بدا له استجيب له السابع أن يجعل يوم الجمعة للآخرة فيكف فيه عن جميع أشغال الدنيا ويكثر فيه الأوراد ولا يبتدىء فيه السفر فقد روي "أنه من سافر في ليلة الجمعة دعا عليه ملكاه" وهو بعد طلوع الفجر حرام إلا إذا كانت الرفقة تفوت. وكره بعض السلف شراء الماء في المسجد من السقاء ليشربه أو يسبله حتى لا يكون مبتاعاً في المسجد فإن البيع والشراء في المسجد مكروه. وقالوا: لابأس لو أعطى القطعة خارج المسجد ثم شرب أو سبل في المسجد. وبالجملة ينبغي أن يزيد في الجمعة في أوراده وأنواع خيراته فإن الله سبحانه إذا أحب عبداً استعمله في الأوقات الفاضلة بفواضل الأعمال وإذا مقته استعمله في الأوقات الفاضلة بسيء الأعمال ليكون ذلك أوجع في عقابه وأشد لمقته لحرمانه بركة الوقت وانتهاكه حرمة الوقت. ويستحب في الجمعة دعوات، وسيأتي ذكرها في كتاب الدعوات إن شاء الله تعالى. وصلى الله على كل عبد مصطفى.