الإمام الثاني عشر/الرد


أقول: ومما يشيب الطفل الصغير، ويهرم الشيخ الكبير عجباً، قول ذلك الفاضل: «ومما يبطل كون المهدي محمد هذا هو... إلخ»، لأنه ادعى ولم يأت بالدليل عليه، وكيف يمكن لأحد أن يقيم برهاناً على هذه الدعوى الفاسدة، ويتسنى لمن له عقل سليم، أن يثبت أن دعوى المهدي هو محمد بن الحسن القائم بالسيف يبطلها أصولنا التي أصلناها للإمامة؟! في حين أنها هي المثبتة لوجود صاحب الزمان، وكونه قائماً بالسيف.

فإنا نقول: إن الإمام يحث الناس على الطاعات، ويصدهم عن المعاصي، ويمنعهم عن التغالب والتهاوش، ويبعثهم على التناصف والتعادل، وكل من يصدر منه هذه الأمور فهو لطف، فالإمام لطف، وكل لطف واجب على الله تعالى، فنصب الإمام واجب عليه تقدس، ما دام الناس موجودين، ولو كان زمنهم أبعد الأزمنة عن عصر النبوة.

لا يُقال: الإمام إنما يكون لطفاً إذا كان متصرفاً بالأمر والنهي، وإنا لا نقول به، فما نعتقده لطفاً، لا نقول بوجوبه، وما نقول بوجوبه ليس بلطف. لأنا نقول: إن وجود الإمام نفسه لطف بوجوه:

أحدها؛ أنه يحفظ الشرائع، ويحرسها عن الزيادة والنقصان.

وثانيها؛ أن اعتقاد المكلفين بوجود الإمام، وتجويز نفوذ حكمه عليهم في كل وقت سبب لردعهم عنم الفساد وتقربهم إلى الصلاح. وهذا معلوم بالضرورة كما عليه فرقتنا الناجية بعدما عرفت ولي الله في عصرها وإمامها، فإنها تقرب إلى الصلاح وترتدع عن الفساد في الدين وغيره.

وثالثها؛ إن تصرف الإمام لا شك أنه لطف، وذلك لا يتم إلا بوجوده، فيكون وجود نفسه لطفاً، وتصرفه لطفاً آخر.

ولأنا نقول: الإمامة اللطفية يعتبر فيها ثلاث جهات:

الأولى منها: ما يجب على الله تعالى، وهو خلق الإمام، وتمكينه بالقدرة والعلم والنص عليه باسمه ونسبه، وهذا قد فعله الله تعالى في صاحب الزمان، لأنه قال في كتابه المبين للنبي ﵆: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، فظهر أن كلما يقول ويأمر به النبي ﵆ هو عن أمر الله عز وجل، والنبي ﵆ قد قال بإمامة صاحب الزمان وأخبر عنه، وأمر بإطاعته كما وصل إلينا من الأخبار الكثيرة والروايات الجمة المتواترة من أوثق مصادرها، فلو لم يكن نصبه من الله عز وجل قد نصب المهدي بن الحسن إماماً لنا، وهو صاحب زماننا عجل الله فرجه.

والثانية: ما يجب على الإمام، وهو تحمله للإمامة وقبوله لها، وهذا قد فعله الإمام صاحب الزمان ، كما يظهر من الروايات الكثيرة التي فيها ذكر الذين وصلوا إلى خدمته في زمان غيبته الصغرى.

والثالثة: ما يجب على الرعية، وهو مساعدته، والنصرة له، وقبول أوامره وامتثال قوله، ومن المعلوم أن الرعية لم تكن تساعده وتنصره، وتقبل أوامره، كما لم تفعل مع أئمتنا الذين مضوا قبل هذا الإمام، فغيبته وحضوره من هذا الجهة سواء.

وبهذا يندفع بالكلية ما أشكل به بقوله، فنقول: وأي فائدة في إمام مختف عاجز لا يقدر على رفع الظلم؟ مع أن هذا الإشكال بزعم هذا الفاضل يجري في الله تبارك وتعالى عن ذلك أيضاً. لأن الله - وهو أجل من جميع المخلوقات - مختف عن أبصارنا كما يدل قوله عز وجل: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}، وهو أقدر من الإمام على رفع الظلم لأنه مستجمع لجميع الصفات الكمالية، ومع ذلك كله لا يرفع الظلم والمناكير والفواحش من الناس، فيُقال: - تقدس شأنه عن ذلك كله وتعالى -: ما الفائدة في أن الله تعالى مختف عاجز لا يقدر على رفع الظلم؟!

وأما ما قال: «زعم الشيعة أنه غاب في السرداب بسر من رأى والحرس عليه سنة مائتين واثنتين وستين وأنه صاحب السيف القائم المنتظر قبل قيام الساعة، وله قبل قيامه غيبتان إحداهما أطول من الأخرى، وعندهم الإمامة محصورة في هؤلاء الاثني عشر، ووهم الذين يوجبون العصمة لهم».

فنقول: إن مثل هذا الكاتب الكبير، لا يحسن به أن ينسى أو يتناسى ما يذهب إليه جماعته، وأهل مذهبه، فإن أعاظم علماء أهل السنة شار كوناً في الأربعة الأخيرة.

وأما الزعم الأول: فلا أدري من أين أثبت أنه من رأي الإمامية ومذهبهم وهو ما لا يذهب إليه أحد منهم، وعلى كل تقدير فليس هو من الأصول في المذهب، والشؤون الكبيرة من الباب، لأن الشأن كله في إثبات غيبته سواء كانت في السرداب أو غيره.

وأما الأمور الأخر التي زعم اختصاص الشيعة في الذهاب إليها، والقول بها، فهو قول عار عن الاطلاع، والسبر لمذاهب السلف من قومه، وإليك كشف القناع عن هذه الحقيقة، لتعرف الحق حقا فتتبعه.

فنقول: فأما الزعم الأول والثاني منها، وهو أن محمداً هو صاحب السيف القائم المنتظر قبل قيام الساعة، وأن له قبل قيامه غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى فهو مما طفحت به كتب القوم، مصرحة بهذا الزعم، من دون تلويح أو تلميح.