الإمام الثاني عشر/المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنعم علينا بآلائه وأياديه، والصلاة والسلام على من أرسله هدى ورحمة للعالمين وآله الذين اصطفاهم أئمة وهداة للناس.
وبعد فلما كانت مسألة الغيبة، ووجود بطلها القائم بالسيف، والعدل المنتظر الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا الحجة الإمام المهدي بن الحسن العسكري (عليهما السلام) الغائب عن الأبصار، من المسائل التي ينبغي أن تكون في الجلاء كالشمس في رابعة النهار، والتي تأبى من الارتياب، ولا يتسع المجال فيها للشك، ولكن حب الخلاف قد يدعو الكثيرين إلى الخروج عن كل ما تقوله الإمامية، وينظرون إليه بأنظار عليها غشاء العصبية، وينكرونها كإنكارهم الشمس في رأد الضحى ويتجاهلونها كتجاهل العارف حنقاً وغيظاً.
ومنهم: أبو الفوز محمد أمين البغدادي الشهير بالسويدي، صاحب كتاب (سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب) إذ مع اعترافه فيه بأن الأخبار لكثيرة تدل على أن قبل القيامة يأتي المهدي الذي هو القائم في آخر الوقت، وأنه يملأ الأرض عدلا وقسطا، وبأن عليه إجماع علماء الإسلام، ينكر وجوده الآن، وغيبته الصغرى والكبرى، ويخالف ما أجمع عليه المؤمنون وكبار محدثيهم، وأوثق ثقاتهم، بدون اختصاص فرقة من الفرق - كما سيأتي توضيحه بما ننقله عنهم - بأنه - أعني محمد بن الحسن العسكري عليهما السلام - هو: المهدي ﵇ القائم بالسيف قبل قيام القيامة وأنه موجود الآن.
ومن أعجب العجاب، أن ذلك الفاضل الجليل، قد أراد أن يبطل ذلك القول بأصول الشيعة التي أصلوها للإمامة، من باب أن نصب الإمام لطف، وكل لطف واجب على الله تبارك وتعالى، فنصب الإمام واجب عليه تقدس وعلا.
ولقد طُبع ذلك الكتاب (سبائك الذهب) أخيراً مع هذه الزخارف، في إحدى مطابع النجف الأشرف، بدون ردٍ عليه، أو حاشيةٍ تشير بفساد هذا الزعم وبطلانه فعثر عليه بعض أحبتنا الكرام - كما اطلع عليه الكثير من أهالي النجف وقاطنيها -، فأمرني أن أرد عليه رداً خالياً عن الإطناب الممل والإيجاز المخل ومع عرفاني بأن سواعدي قصيرة عن تناول هذه المنية، وعواتقي لا تحتمل مثل هذا العبء، بادرت إلى الإجابة مخافة أن تسري هذه المكروبات التخيلية الفاسدة إلى أذهان النشئ الجديد، فيدخلها من دون إذن، وهي خالية من القوى الدافعة لهذا الزعم الباطل، مستعيناً بلطف الرب الجليل، ومتكلاً عليه، وهو الموفق والمعين.