البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر دنو الساعة واقترابها
قال الله تعالى: اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون [الأنبياء: 1]. وقال تعالى: أتى أمر الله فلا تستعجلوه [النحل: 1]. وقال: يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا [الأحزاب: 63]. وقال تعالى: سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج. إلى قوله: يبصرونهم [المعارج: 1 - 11]. وقال تعالى: اقتربت الساعة وانشق القمر [القمر: 1]. وقال تعالى: ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين [يونس: 45]. وقال تعالى: كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها [النازعات: 46]. وقال تعالى: [ص:298] الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد [الشورى: 17، 18]. وقال تعالى: يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا [طه: 102] الآيات. وقال تعالى: قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون [المؤمنون: 112 - 114]. وقال تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون [الأعراف: 187]. وقال تعالى: يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها [النازعات: 42 - 44]. وقال تعالى: إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى [طه: 15، 16]. وقال تعالى: بل ادارك علمهم في الآخرة بل هم في شك منها بل هم منها عمون [النمل: 66]. وقال تعالى: إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير [لقمان: 34].
ولهذا لما سأل جبريل رسول الله ﷺ عن الساعة، قال له«ما المسئول عنها بأعلم من السائل». يعني قد استوى فيها علم كل مسئول وسائل بطريق الأولى والأحرى " لأنه إن كانت الألف واللام في المسئول والسائل للعهد [ص:299] عائدة عليه وعلى جبريل، فكل أحد ممن سواهما لا يعلم ذلك بطريق الأولى والأحرى، وإن كانت للجنس عمت بطريق اللفظ. والله أعلم.
ثم ذكر النبي ﷺ له شيئا من أشراط الساعة، ثم قال: «في خمس لا يعلمهن إلا الله». ثم قرأ: ﴿إن الله عنده علم الساعة﴾ الآية.
وقال تعالى: ويستنبئونك أحق هو قل أي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين [يونس: 53]. وقال تعالى: وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم [سبأ: 3 - 5].
فهذه ثلاث آيات أمر الله سبحانه رسوله أن يقسم به فيهن على إتيان المعاد، وإعادة الخلق، وجمعهم ليوم لا ريب فيه، وليس لهن رابعة مثلهن، ولكن في معناهن كثير; قال تعالى: [ص:300] وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [النحل: 38 - 40].
وقال تعالى: ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة [لقمان: 28]. وقال تعالى: إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون [غافر: 59]. وقال تعالى: أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها [النازعات: 27]. إلى آخر السورة. وقال تعالى: قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا [الإسراء: 50 - 52]. وقال تعالى: ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا [الإسراء: 97 - 99]. وقال تعالى: أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين [يس: 77]. إلى آخر السورة.
وقال تعالى: أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير [الأحقاف: 33] وقال تعالى: ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون. الآيات الثلاث إلى [ص:301] وهو العزيز الحكيم [الروم: 25 - 27].
وقال تعالى: ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور [الحج: 6 - 7]. وقال تعالى: ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير [فصلت: 39].
وقال تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله: ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين [المؤمنون: 12 - 17]. فيستدل تعالى بإحياء الأرض الميتة على إحياء الأجساد بعد موتها وفنائها وتمزقها، وصيرورتها ترابا وعظاما ورفاتا، وكذلك يستدل ببدأة الخلق على إعادة النشأة الآخرة، كما قال تعالى: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه [الروم: 127] وقال تعالى: قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير [العنكبوت: 20]. وقال تعالى: والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون [الزخرف: 11]. وقال تعالى: والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور [فاطر: 9]. وفي " الأعراف ": كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون [الأعراف: 57]. وقال تعالى: [ص:302] فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر [الطارق: 5 - 9]. وكذلك سورة " ق " من أولها إلى آخرها فيها ذكر بعث ونشور، وكذلك سورة " الواقعة "، والقرآن كله طافح بهذا، ولا تبديل لكلمات الله.
وقال تعالى: نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا [الإنسان: 28]. وقال تعالى: فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين [المعارج: 39 - 41]. وقال تعالى: يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة [النازعات: 10 - 14]. وسورة " الصافات " فيها آيات كثيرة تدل على المعاد، وكذلك سورة " الكهف " وغيرها.
وقد ذكر الله سبحانه إحياء الموتى، وأنه أحيا قوما بعد موتهم في هذه الحياة الدنيا في سورة " البقرة " ; في خمسة مواضع منها؟ في قصة بني إسرائيل حين قتل بعضهم بعضا لما عبدوا العجل، في أول السورة، فقال تعالى: ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون [البقرة: 56]. وفى قصة البقرة: فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون [البقرة: 73]. فإنه أحيا ذلك الميت لما ضربوه ببعضها. وفى قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم [ص:303] [البقرة: 243]. وفى قصة الذي: مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه ثم أحيا حماره، والقصة معروفة، فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير [البقرة: 259]. والخامسة قصة إبراهيم، عليه السلام، والطير: وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم [البقرة: 260].
وذكر تعالى قصة أصحاب الكهف، وكيف أبقاهم في نومهم ثلاثمائة سنة شمسية، وهي ثلاثمائة وتسع سنين قمرية، وقال فيها: وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها الآية [الكهف: 21]. فجعل سبحانه ذلك دلالة على إحياء الموتى، وإتيان الساعة لا ريب فيها. والله سبحانه أعلم.