البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/ذكر زوال الدنيا وإقبال الآخرة



ذكر زوال الدنيا وإقبال الآخرة


أول شيء يطرق أهل الدنيا بعد وقوع أشراط الساعة نفخة الفزع ; وذلك أن الله سبحانه يأمر إسرافيل فينفخ في الصور نفخة الفزع، فيطولها، فلا يبقى أحد من أهل الأرض ولا السماوات إلا فزع، إلا من شاء الله، ولا يسمعها أحد من أهل الأرض إلا أصغى ليتا ورفع ليتا - أي رفع صفحة عنقه وأمال الأخرى - [ص:304] يستمع هذا الأمر العظيم الذي قد هال الناس وأزعجهم عما كانوا فيه من أمر الدنيا، وشغلهم بها، ووقوع هذا الأمر العظيم.

قال تعالى: ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله وكل أتوه داخرين وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما يفعلون [النمل: 87، 88].

وقال تعالى: وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [ص:15]. وقال تعالى: فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير [المدثر: 8 - 10]. وقال تعالى: قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور [الأنعام: 73].

ثم بعد ذلك بمدة يأمر الله تعالى إسرافيل أن ينفخ نفخة الصعق، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم يأمره فينفخ فيه أخرى فيقوم الناس لرب العالمين; كما قال الله تعالى: ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء [الزمر: 68، 69] الآيات إلى آخر السورة. وقال تعالى: ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون [ص:305] [يس: 48، 49] الآيات إلى قوله تعالى: فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون [يس: 67].

وقال تعالى: فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة [النازعات: 13، 14]. وقال تعالى: وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر [الكهف: 99]. وقال تعالى: فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون [المؤمنون: 101].

وقال تعالى: فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة. إلى قوله: لا يأكله إلا الخاطئون [الحاقة: 13 - 37].

وقال تعالى: يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا [النبإ: 18] الآيات.

وقال تعالى: يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا [طه: 102]. الآيات.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل، حدثنا سليمان التيمي، عن أسلم العجلي، عن بشر بن شغاف، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال أعرابي: يا رسول الله، ما الصور؟ قال: «قرن ينفخ فيه». ثم رواه عن يحيى بن سعيد القطان، عن سليمان بن طرخان التيمي، به.

وأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي من طرق، عن سليمان التيمي، عن [ص:306] أسلم العجلي، به. وقال الترمذي: حسن، ولا نعرفه إلا من حديث أسلم العجلي.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط، حدثنا مطرف، عن عطية، عن ابن عباس في قوله: فإذا نقر في الناقور [المدثر: 8]. قال: قال رسول الله : «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر فينفخ ؟». فقال أصحاب محمد : يا رسول الله، كيف نقول؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا». انفرد به أحمد. وقد رواه أبو كدينة يحيى بن المهلب، عن مطرف، به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن مطرف، عن عطية، عن أبي سعيد، عن النبي قال: «كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينظر متى يؤمر؟» قال المسلمون: يا رسول الله، فما نقول؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا». وأخرجه [ص:307] الترمذي، عن ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، وقال: حسن. ثم رواه من حديث خالد بن طهمان، عن عطية، عن أبي سعيد، به، وحسنه أيضا.

وقال شيخنا أبو الحجاج المزي في " الأطراف ": ورواه إسماعيل بن إبراهيم أبو يحيى التيمي، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد. كذا قال رحمه الله، وهكذا رواه أبو بكر بن أبي الدنيا، في كتاب " الأهوال "، فقال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : «كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور، وحنى جبهته ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فينفخ». قلنا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل».

وقد قال أبو يعلى الموصلي في مسند أبي هريرة ( أبو صالح، عن أبي هريرة ): حدثنا أبو طالب عبد الجبار بن عاصم، حدثني موسى بن أعين الحراني، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - وعن عمران، عن عطية، عن أبي سعيد - قال: قال رسول الله : " كيف أنعم - أو: [ص:308] " كيف أنتم ". شك أبو طالب - " وصاحب الصور قد التقم القرن بفيه، وأصغى سمعه، وحنى جبينه، ينتظر متى يؤمر فينفخ ". قالوا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا».

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن سعد الطائي، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: ذكر رسول الله صاحب الصور، فقال: «عن يمينه جبريل، وعن يساره ميكائيل، عليهم السلام».

وقال ابن ماجه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عباد بن العوام، عن حجاج، عن عطية، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله : «إن صاحبي الصور بأيديهما - أو: في أيديهما - قرنان، يلاحظان النظر متى يؤمران».

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، عن التيمي، عن أسلم، عن أبي مرية، عن النبي - أو عن عبد الله بن عمرو، عن النبي - قال: «النفاخان في السماء الثانية، رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب» - أو قال:«رأس أحدهما بالمغرب، ورجلاه بالمشرق - ينتظران متى يؤمران ينفخان في الصور، فينفخان». تفرد به أحمد. وأبو مرية هذا اسمه عبد الله بن عمرو [ص:309] العجلي، وليس بالمشهور، ولعل هذين الملكين أحدهما إسرافيل، وهو الذي ينفخ في الصور، كما سيأتي بيانه في حديث الصور بطوله، والآخر هو الذي ينقر في الناقور، وقد يكون الصور والناقور اسم جنس يعم أفرادا كثيرة، أو الألف واللام فيهما للعهد، ويكون لكل واحد منهما أتباع يفعلون كفعله. والله أعلم بالصواب.

وقال ابن أبي الدنيا: أخبرنا عبيد الله بن جرير، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، عن يزيد بن الأصم، قال: قال ابن عباس: إن صاحب الصور لم يطرف منذ وكل به، كأن عينيه كوكبان دريان، ينظر تجاه العرش; مخافة أن يؤمر أن ينفخ فيه قبل أن يرتد إليه طرفه.

وحدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر مشكدانة، حدثنا مروان بن معاوية، عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم، عن يزيد بن الأصم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله : «ما أطرف صاحب الصور منذ وكل به، مستعد، ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه، كأن عينيه كوكبان دريان».