الخصائص/باب في الاعتلال لهم بأفعالهم


الاعتلال بالأفعال
باب في الاعتلال لهم بأفعالهم

ظاهر هذا الحديث طريف ومحصوله صحيح وذلك إذا كان الأول المردود إليه الثاني جارياً على "صحة علة".

من ذلك أن يقول قائل: إذا كان الفعل قد حذف في الموضع الذي لو ظهر فيه لما أفسد معنى كان ترك إظهاره في الموضع الذي لو ظهر فيه لأحال المعنى وأفسده أولى وأحجى ألا ترى أنهم يقولون: الذي في الدار زيد وأصله الذي استقر أو ثبت في الدار زيد ولو أظهروا هذا الفعل هنا لما أحال معنى ولا أزال غرضاً فكيف بهم في ترك إظهاره في النداء ألا ترى أنه لو تجشم إظهاره فقيل: أدعو زيداً وأنادي زيداً لاستحال أمر النداء فصار إلى لفظ الخبر المحتمل للصدق والكذب والنداء مما لا يصح فيه تصديق ولا تكذيب.

ومن الاعتلال بأفعالهم أن تقول: إذا كان اسم الفاعل - على قوة تحمله للضمير - متى جرى على غير من هو له - صفة أو صلة أو حالاً أو خبراً - لم يحتمل الضمير كما يحتمله الفعل فما ظنك بالصفة المشبهة باسم الفاعل نحو قولك: زيد هند شديد عليها هو إذا أجريت "شديداً" خبراً عن "هند" وكذلك قولك: أخواك زيد حسن في عينه هما والزيدون هند ظريف في نفسها هم وما ظنك أيضاً بالشفة المشبهة " بالصفة المشبهة" باسم الفاعل نحو قولك: أخوك جاريتك أكرم عليها من عمرو هو وغلاماك أبوك أحسن عنده من جعفر هما والحجر الحية أشد عليها من العصا هو.

ومن قال: مررت برجل أبي عشرة أبوه قال: أخواك جاريتهما أبو عشرة عندها هما فأظهرت الضمير. وكان ذلك أحسن من رفعه الظاهر لأن هذا الضمير وإن كان منفصلاً ومشبهاً للظاهر بانفصاله فإنه على كل حال ضمير. وإنما وحدت فقلت: أبو عشرة عندها هما ولم تثنه فتقول: أبوا عشرة من قبل أنه قد رفع ضميراً منفصلاً مشابهاً للظاهر فجرى مجرى قولك: مررت برجل أبي عشرة أبواه. فلما رفع الظاهر وما يجري مجرى الظاهر شبهه بالفعل فوحد البتة. ومن قال: مررت برجل قائمين أخواه فأجراه مجرى قاما أخواه فإنه يقول: مررت برجل أبوي عشرة أبواه. والتثنية في "أبوي عشرة" من وجه تقوى ومن آخر تضعف. أما وجه القوة فلأنها بعيدة عن اسم الفاعل الجاري مجرى الفعل فالتثنية فيه - لأنه اسم - حسنة وأما وجه الضعف فلأنه على كل حال قد أعمل في الظاهر ولم يعمل إلا لشبهه بالفعل وإذا كان كذلك وجب له أن يقوى شبه الفعل ليقوم العذر بذلك في إعماله عمله ألا ترى أنهم لما شبهوا الفعل باسم الفاعل فأعربوه كنفوا هذا المعنى بينهما وأيدوه بأن شبهوا اسم الفاعل بالفعل فأعملوه. وهذا في معناه واضح سديد كما تراه.

وأمثال هذا في الاحتجاج لهم بأفعالهم كثيرة وإنما أضع من كل شيء رسماً ما ليحتذى. فأما الإطالة والاستيعاب فلا.