الخصائص/باب في العربي يسمع لغة غيره أيراعيها ويعتمدها أم يلغيها ويطرح حكمها
أخبرنا أبو علي عن أبي بكر عن أبي العباس عن أبي عثمان عن أبي زيد قال: سألت خليلاً عن الذين قالوا: مررت بأخواك وضربت أخواك فقال: هؤلاء قولهم على قياس الذين قالوا في ييأس: ياءس أبدلوا الياء لانفتاح ما قبلها. قال يعني الخليل: ومثله قول العرب من أهل الحجاز: يا تزن وهم ياتعدون فروا من يوتزن ويوتعدون. فقوله: أبدلوا الياء لانفتاح ما قبلها يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون يريد: أبدلوا الياء في ييأس والآخر: أبدلوا الياء في أخويك ألفاً. وكلاهما يحتمله القياس ههنا ألا ترى أنه يجوز أن يريد أنهم أبدلوا ياء أخويك في لغة غيرهم ممن يقولها بالياء وهم أكثر العرب فجعلوا مكانها ألفا في لغتهم استخفافاً للألف فأما في لغتهم هم فلا. وذلك أنهم هم لم ينطقوا قط بالياء في لغتهم فيبدلوها ألفاً ولا غيرها. ويؤكد ذلك عندك أن أكثر العرب يجعلونها في النصب والجرياء. فلما كان الأكثر هذا شاع على أسماع بلحرث فراعوه وصنعوا لغتهم فيه ولم تكن الياء في التثنية شاذة ولا دخيلة في كلام العرب فيقل الحفل بها ولا ينسب بلحرث إلى راعوها أو تخيروا للغتهم عليها. فإن قلت: فلعل الخليل يريد أن من قال: مررت بأخواك قد كان مرة يقول: مررت بأخويك كالجماعة ثم رأى فيما بعد أن قلب هذه الياء ألفاً للخفة أسهل عليه وأخف كما قد تجد العربي ينتقل لسانه من لغته إلى لغة أخرى قيل: إن الخليل إنما أخرج كلامه على ذلك مخرج التعليل للغة من نطق بالألف في موضع جر التثنية ونصبها لا على الانتقال من لغة إلى أخرى. وإذا كان قولهم: مررت بأخواك معللاً عندهم بالقياس فكان ينبغي أن يكونوا قد سبقوا إلى ذلك منذ أول أمرهم لأنهم لم يكونوا قبلها على ضعف قياس ثم تداركوا أمرهم فيما بعد فقوي قياسهم. وكيف كانوا يكونون في ذلك على ضعف من القياس والجماعة عليه! أفتجمع كافة اللغات على ضعف ونقص حتى ينبغ نابغ منهم فيرد لسانه إلى قوة القياس دونهم! نعم ونحن أيضاً نعلم أن القياس مقتض لصحة لغة الكافة وهي الياء في موضع الجر والنصب ألا ترى أن في ذلك فرقاً بين المرفوع وبينهما وهذا هو القياس في التثنية كما كان موجوداً في الواحد. ويؤكده لك أنا نعتذر لهم من مجيئهم بلفظ المنصوب في التثنية على لفظ المجرور. وكيف يكون القياس أن تجتمع أوجه الإعراب الثلاثة على صورة واحدة! وقد ذكرت هذا الموضع في كتابي في فقد علمت بهذا أن صاحب لغة قد راعى لغة غيره. وذلك لأن العرب وإن كانوا كثيراً منتشرين وخلقاً عظيماً في أرض الله غير متحجرين ولا متضاغطين فإنهم بتجاورهم وتلاقيهم وتزاورهم يجرون مجرى الجماعة في دار واحدة. فبعضهم يلاحظ صاحبه ويراعي أمر لغته كما يراعي ذلك من مهم أمره. فهذا هذا. وإن كان الخليل أراد بقوله: تقلب الياء ألفاً: أي في ييأس فالأمر أيضاً عائد إلى ما قدمنا ألا ترى أنه إذا شبه مررت بأخواك بقولهم: ييأس وياءس فقد راعى أيضاً في مررت بأخواك لغة من قال: مررت بأخويك. فالأمران إذاً صائران إلى موضع واحد. ولهذا نظائر في كلامهم وإنما أضع منه رسماً ليرى به غيره بإذن الله. وأجاز أبو الحسن أن يكون كانت العرب قدماً تقول: مررت بأخويك وأخواك جميعاً إلا أن الياء كانت أقيس للفرق فكثر استعمالها وأقام الآخرون على الألف أو أن يكون الأصل قبله الياء في الجر والنصب ثم قلبت للفتحة فيها ألفاً في لغة بلحرث بن كعب. وهذا تصريح بظاهر قول الخليل الذي قدمناه. ولغتهم عند أبي الحسن أضعف من هذا جحر ضب خرب قال: لأنه قد كثر عنهم الإتباع نحو شد وشروبابه فشبه هذا به. ومن هذا حذف بني تميم ألف ها من قولهم هلم لسكون اللام في لغة أهل الحجاز إذا قالوا المم وإن لم يقل ذلك بنو تميم أو أن يكونوا حذفوا الألف لأن أهل الحجاز حذفوها. وأيا ما كان فقد نظر فيه بنو تميم إلى أهل الحجاز. ومن ذلك قول بعضهم في الوقف رأيت رجلاً بالهمزة. فهذه الهمزة بدل من الألف في الوقف في لغة من وقف بالألف لا في لغته هو لأن من لغته هو أن يقف بالهمزة. أفلا تراه كيف راعى لغة غيره فأبدل من الألف همزة.