الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الجنائز/فصل في جوب تكفين الميت بما يستره



فصل في جوب تكفين الميت بما يستره


ويجب تكفينه الأصل في التكفين التشبه بحال النائم المسجى بثوبه أكمله في الرجل أزار وقميص وملحفة أو حلة ، وفي المرأة هذه مع زيادة ما لأنها يناسبها زيادة الستر .

بما يستره لأمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بإحسان الكفن كما في حديث إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه وهو في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي قتادة ، والكفن الذي لا يستر ليس بحسن .

ولو لم يملك غيره أي الكفن ، لأمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بتكفين مصعب بن عمير في النمرة التي لم يترك غيرهما كما في الصحيحين وغيرهما من حديث خباب بن الأرت .

ولا بأس بالزيادة مع التمكن من غير مغالاة لما وقع منه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في كفن ابنته ، فإنه كان يناول النساء ثوباً ثوباً وهو عند الباب ، فناولهن الحقو ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر ، أخرجه أحمد وأبو داود من حديث ليلى بنت قائف الثقفية . وقد كفن صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في ثلاثة أثواب سحولية جدد يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة أدرج فيها إدراجاً وهو في الصحيحين . وأخرج أبو داود من حديث علي لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعاً .

أقول : أراد العدل بين الإفراط والتفريط وأن لا ينتحلوا عادة الجاهلية في المغالاة . والحاصل : أنه لا ريب في مشروعية الكفن للميت ، ولا شك في عدم وجوب زيادة على الواحد ، ولم يثبت عنه () كون الكفن على صفة من الصفات ، أوعدد من الأعداد ، إلا ما كان منه () في تكفين إبنته أم كلثوم ، وهذا الحديث وإن كان فيه مقال لكنه لا يخرج به عن حد الإعتبار . فغاية ما يقال أنه يستحب أن يكون كفن المرأة على هذه الصفة ، وأما كفن الرجل فلم يثبت عنه إلا الأمر بالتكفين في الثوب الواحد كما في قتلى أحد ، وفي الثوبين كما في المحرم الذي وقصته ناقته . وليس تكثير الأكفان والمغالاة في أثمانها بمحمود ، فإنه لولا ورود الشرع به لكان من إضاعة المال ، لأنه لا ينتفع به الميت ولا يعود نفعه على الحي ، ورحم الله أبا بكر الصديق حيث قال : إن الحي أحق بالجديد لما قيل له عند تعيينه لثوب من أثوابه في كفنه إن هذا خلق . والأولى أن يكون الكفن من الأبيض لحديث ألبسو من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم . أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وصححه والشافعي وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه ابن القطان ، وفي معناه أحاديث أخر عن عمران وسمرة وأنس وابن عمر وأبي الدرداء .

ويكفن الشهيد في ثيابه التي قتل فيها فقد كان ذلك صنعه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في الشهداء المقتولين معه . وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجة من حديث ابن عباس قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد بالشهداء أن ينزع عنهم الحديد والجلود وقال : ادفنوهم بدمائهم وثيابهم وأخرج أحمد من حديث عبد الله بن ثعلبة أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال يوم أحد : زملوهم في ثيابهم .

وندب تطييب بدن الميت وكفنه لحديث جابر عند أحمد والبيهقي والبزار بإسناد رجاله رجال الصحيح قال : قال رسول الله () إذا أجمرتم الميت فأجمروه ثلاثاً ولقوله () في حديث المحرم الذي وقصته ناقته ولا تمسوه بطيب وهو في الصحيح من حديث ابن عباس ، فإن ذلك يشعر أن غير المحرم يطيب ، ولا سيما مع تعليله () بقوله : فإنه يبعث ملبياً قال في الحجة : فوجب المصير إليه ، وإلى هذه النكتة أشار النبي () لقوله : الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها وأما ما قيل تتبع بالطيب مساجده فلعل وجه ماقاله ابن مسعود ومن بعده تكريم هذه الأعضاء لكون الإعتماد عليها في أشرف طاعات الله وهي الصلاة ، ولم يرد فيه ذلك من المرفوع شئ ، ولكنه يحسن لستر ما لعله يظهر من روائح الميت التي يتأذى بها المتولون لتجهيزه .

الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الجنائز
من السنن في الجنائز | فصل في وجوب غسل الميت على الاحياء | فصل في جوب تكفين الميت بما يستره | فصل في وجوب الصلاة على الميت | فصل في الاسراع بالجنازة | فصل ويجب دفن الميت في حفرة تمنعه من السباع