الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الجنائز/فصل في وجوب غسل الميت على الاحياء



فصل في وجوب غسل الميت على الاحياء


ويجب غسل الميت المسلم على الأحياء وهو مجمع عليه كما حكى ذلك النووي والمهدي في البحر . ومستند هذا الإجماع أحاديث الأمر بالغسل والترغيب فيه ، كالأمر منه () بغسل الذي وقصته ناقته ، وبغسل ابنته زينب وهما في الصحيح .

والقريب أولى بالقريب إذا كان من جنسه لحديث ليليه أقربكم إن كان يعلم فإن لم يكن يعلم فمن ترون عنده حظاً من ورع وأمانة أخرجه أحمد والطبراني وفي إسناده جابر الجعفي ، والحديث وإن كان لا يصلح للإحتجاج به ، ولكن للقرابة مزية وزيادة حنو وشفقة توجب كمال العناية ، ولا شك أنها وجه مرجح مع علم القريب بما يحتاج إليه في الغسل .

وأحد الزوجين بالآخر أولى لقوله () لعائشة ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك أخرجه أحمد وابن ماجة والدارمي وابن حبان والدارقطني والبيهقي . وفي إسناده محمد بن إسحق ولم ينفرد به فقد تابعه عليه صالح بن كيسان . وأصل الحديث في البخاري بلفظ ذاك لو كان وأنا حي فأستغفر لك وأدعو لك وقالت عائشة : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ماغسل رسول الله () إلا نساؤه أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو داود ، وقد غسلت الصديق زوجته أسماء كما تقدم في الغسل لمن غسل ميتاً ، وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروه . وغسل علي فاطمة كما رواه الشافعي والدارقطني وأبو نعيم والبيهقي بإسناد حسن . وقد ذهب إلى ذلك الجمهور . قال في المسوى : اتفقوا على جواز غسل المرأة زوجها واختلفوا في غسل الزوج إمرأته . قالت الحنفية : لا يجوز ، فإن لم يكن إلا الزوج يممها . وقال الشافعي : يجوز لما مر .

ويكون الغسل ثلاثاً أو خمساً أو أكثر بماء وسدر لقوله () للنسوة الغاسلات لابنته زينب اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر واجعلن في الأخيرة كافوراً وهو في الصحيحين من حديث أم عطية ، وفي لفظ لهما أيضاً اغسلنها وتراً ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن وفيه دليل على تفويض عدد الغسلات إلى الغاسل . قال في الحجة : إنما أمر بالسدر وزيادة الغسلات لأن المريض مظنة الأوساخ والرياح المنتنة 1هـ .

وفي الآخرة كافور لقوله () واجعلن في الآخرة كافوراً كما سبق ، وإنما أمر بالكافور في الآخرة لأن من خاصيته أن لا يسرع التغير فيما استعمل ، ويقال من فوائده أنه لا يقرب منه حيوان مؤذ .

وتقدم الميامن ليكون غسل الموتى بمنزلة غسل الأحياء ، وليحصل إكرام هذه الأعضاء ، ودليله قوله () في حديث أم عطية هذا ابدأن بميامنها ومواضع الضوء منها قال ابن القيم : السنة الصحيحة الصريحة في ضفر رأس الميت ثلاث ضفائر ، كقوله في الصحيحين في غسل إبنته اجعلوا رأسها ثلاثة قرون قالت أم عطية : ضفرنا رأسها وناصيتها وقرنيها ثلاثة قرون وألقيناه من خلفها فرد ذلك بأنه يشبه زينة الدنيا ، وإنما يرسل شعرها شقتين على ثديها وسنة رسول الله () أحق بالإتباع .

ولا يغسل الشهيد بل يدفن في ثيابه ودمائه تنويهاً بما فعل ، وليتمثل صورة بقاء عمله بادي الرأي ، وهذا هو الحق لما ثبت في شهداء أحد أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أمر بدفنهم في دمائهم ولم يغسلوا وهو في الصحيح . وما قيل بأن الترك إنما كان لكثرة القتلى وضيق الحال فمردود بما عند أحمد في هذا الحديث عنه () أنه قال في قتلى أحد : لا تغسلوهم فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكاً يوم القيامة وأخرج أبو داود عن جابر قال : رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو ونحن مع رسول الله () وإسناده على شرط مسلم . وعن ابن عباس عند أبي داود وابن ماجة قال : أمر النبي () بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم وفي إسناده علي بن عاصم الواسطي وقد تكلم فيه جماعة ، وفيه أيضاً عطاء بن السائب وفيه مقال وفي الباب أحاديث .

وبالجملة : فقد جرت السنة في الشهيد أن لا يغسل ولم يرو أنه غسل شهيداً وبه قال الجمهور . وأما من أطلق عليه اسم الشهيد كالمطعون والمبطون والنفساء ونحوهم فقد حكي في البحر الإجماع على أنهم يغسلون .

الروضة الندية شرح الدرر البهية - كتاب الجنائز
من السنن في الجنائز | فصل في وجوب غسل الميت على الاحياء | فصل في جوب تكفين الميت بما يستره | فصل في وجوب الصلاة على الميت | فصل في الاسراع بالجنازة | فصل ويجب دفن الميت في حفرة تمنعه من السباع