العقد الفريد/الجزء الثاني/27

قولهم في الإعراب الأصمعي قال: قلت لأعرابي أتَهْمِز إسرائيل قال: إنّي إذاً لرجلُ سَوْء قلت له: أفتجرّ فِلسْطين قال: إنّي إذاً لقويّ. وسَمع أعرابيّ إماماً يقرأ: وَلاَ تَنْكِحوا المُشرْكين حتَى يُؤمِنُوا. قال: ولا إن آمنوا أيضاً لن نَنْكحهم فقيل له: إنه يَلْحَن وليس هكذا يُقرأ فقال: أخرًوه قَبٌحَه الله لا تَجْعَلوه إماماً فإنه يُحِلُّ ما حرَّم الله. وسمع أعرابيّ أبا المكْنُون النَحْوِيّ وهو يقول في دُعائه يَسْتَسْقي: اللهم ربنا وإلهنا وسيدنا ومولانا فصلِّ على محمد نبيّنا ومَن أراد بنا سوءاً فأحِطْ ذلك السوء به كإحاطة القلائد بأعناق الوَلائد ثم أرسِخْه على هامته كرُسوخ السجًيل على هام أصحاب الفيل اللهم اسْقِنا غَيْثاً مريئاً مريعاً مُجَلْجِلاً مُسْحَنْفِراً هَزِجاً سَحًّا سَفُوحاً طَبَقاً غَدَقا مُثْعَنْجِرا صَخِباً نافعاً لعامّتنا وغيرَ ضارّ بخاصّتنا. فقال الأعرابي: يا خليفة نُوح هذا الطُّوفان وربِّ الكعبة دَعني حتّى آوىَ إلى جَبلِ يَعْصِمني من الماء. الأصمعي قال: أصابت الأرضَ مجاعة فلقيتُ رجلاً منهم خارجاً من الصَحراء كأنه جِذْع مُحْترق فقلت له: أتقرأ مني كتاب اللهّ شيئاً قال: لا قلتُ: فأعلمك قال: ما شئتَ قلت: اقرأ: " قُل يَا أيها الكافِرُون " قال: كُلْ يا أيها الكافرون قلتُ: " قُلْ يا أيها الكافرون " كما أقول لك قال: ما أجد لساني يَنْطلق بذلك. قال: ورأيتُ أعرابياً ومعه بُنيّ له صَغير مُمْسِك بفَم قِرْبة وقد خاف أن تَغْلِبه القِرْبةُ فصاح: يا أبتِ أدْرِك فاها غَلبَني فوها لا طاقة لي بفيها. قولهم في الدين قال أعرابي: الدَّيْن ذلٌ بالنهار وهَمّ بالليل. وقال أعرابيّ في غُرَماء له يَطْلبونه بدَيْن: جاءوا إليَّ غِضاباً يَلْغَطون معاً فقلت موعد كم ابن هبار وما أوَاعدُهم إلا لأدْرَأهم عني فيحرجني نقضي وإمراري وما جَلبتُ إليهم غَيرَ راحلة تَخْدِي بِرَحْلى وسيفٍ جَفنُه عارِي إنّ القضاء سَيأتي دًونه زمن فاطْوِ الصَّحيفة واحفظها من النًار الأصمعي قال: كان لرجل مِنْ يَحْصًب على رجل من باهِلَة دَيْن فلما حًلَ دَيْنُه هَرَب الأعرابيّ وأنشأ يقول: ذا حًلّ دَين اليَحْصُبيّ فَقُلْ له تَزوَدْ بزادٍ واستَعِنْ بدلِيل سَيُصْبِحُ فَوقي أقتُم الريش واقعاً بقالي قَلَا أو من وراء دَبيل الأصمعي قال: فأخبرني رجلٌ أنه رآه مَقْتُولاً بقالي قَلا وعليه نَسْر أقْتم الرِّيش. الأصمعي قال: اختصمَ أعرابياًن إلى بعض الوُلاة في دَيْن لأحدهما على صاحبه فجعل المًدَّعَى عليه يحلف بالطّلاق والعِتاق فقال له المدَعِي: دَعني من هذه الأيمان واحْلف بما أقول لك: لا تَرك الله لك خُفّا يتبع خُفّا ولا ظِلْفا يتبع ظِلفا وحَتّك من أهلك حَتّ الوَرَقَ من الشّجر إن لم يكن لي هذا الحقّ قِبلك. فأعطاه حَقَه ولم يَحْلِف له. الهَيْثَم بن عَدِيّ قال: يَمين لا يَحْلِف بها أَعرابيّ أبداً: لا أَوْرد الله لك صادرة ولا أَصْدَر لك واردة ولا حَطَطْتَ رَحْلك ولا خَلَعتَ نَعْلَك. قولهم في النوادر والملح الشيباني قال: خَرَجِ أبو العبّاس أميرُ المؤمنين مُتَنَزِّها بالأنبار فأَمْعن في نُزْهَته وانتبذ من أصحابه فوافى خِبَاءً لأعرابيّ فقال له الأعرابي: ممَّن الرَّجل قال: من كِنانة قال: من أيّ كِنانة قال: مِنْ أبغض كِنانة إلى كِنانة قال: فأنتَ إذاً من قُريش قال: نعم قال: فمن أي قُرَيش قال: مِن أبغض قُريش إلى قُريش قال: فأنت إذاً من ولد عبد المطلب قال نعم قال: فمن أي ولد عبد المطلب قال: من أبغض ولد عبد المطلب إلى عبد المُطلب قال: فأنت إذاً أمير المؤمنين وَوَثب إليه فاستحسن ما رأَى منه وأَمر له بجائزة. الشِّيبانيّ قال: خرج الحجَّاج مُتَصيِّداً بالمدينة فوقف على أَعرابيّ يرعى إبلًا له فقال له: يا أعرابيّ كيف. رأيتَ سِيرَة أَميركم الحجَّاج قال له الأعرابيّ: غَشوم ظَلُوم لا حيّاه الله فقال: فَلِم لا شَكَوْتموه إلى أمير المًؤمنين عبد الملك قال: فأظْلم وأغشم. فبينما هو كذلك إذ أحاطت به الخيل فأومأ الحجّاج إلى الأعرابي فأخذ وحُمِلَ فلما صار معهم قال: مَن هذا قالوا له: الحجاج فحرَّك دابته حتى صار أعرابي قال: السرّ الذي بيني وبينك أحِبُّ أن يكون مكتوماً قال: فَضَحك الحجًاج وأمر بتَخْلِية سَبيلِه: الأصمعي قال: وَلى يُوسُف بن عُمَر صاحبُ العِرَاق أعرابياً على عمل له فأصاب عليه خِيَانةً فعَزَلَه فلما قَدِمَ عليه قال له: يا عدوً اللهّ أكلتَ مال الله قال الأعرابيّ: فمالَ مَنْ آكُلْ إذا لم آكل مال اللهّ لقد راودتُ إبليس أن يُعطيني فَلْساً واحداً فما فَعل. فَضحِك منه وخلِّى سبيله. الشّيْبَانيِّ قال: نزل عبدُ اللهّ بن جعفر إلى خيمة أعرابيّة ولها دَجاجة وقد دَجَنت عندها فَذَبحتها وجاءتها بها إليه فقالت: يا أبا جعفر هذه دَجاجة لي كنت أدْجنها وأعْلِفها من قُوتي وألمَسها في آناء الليل فكأنما ألمَس بِنْتى زَلَّت عن كَبِدي فَنَذرتُ لله أن أدفنها في أكرم بُقعة تكون فلم أجد تلك البُقعة المباركة إلا بَطنك فأرَدت أن أدْفنها فيه. فَضَحِك عبدُ اللهّ بن جعفر وأمر لها بخمسمائة دِرْهم. ونظر أعرابيّ إلى قَوْم يلتمسون هِلالَ شهر رَمضان فقال: واللهّ لئنِ أريتموه لتُمْسِكُن منه بذِناب عَيْش أغبر. الأصمعي قال: رأيتُ أعرابياً واقفاً على رَكيّة مِلْحة فقلتُ: كيف هذا الماء يا أَعرابيّ قال: يُخْطِيءُ القلبَ ويُصيب الأستَ. ونظر أَعرابيّ إلى رجل سَمِين فقال: أرى عليك قطيفةً من نَسْج أضرْاسك. قال: وسمعت أعرابياً يقول: اللهم إنّي أسألك مِيتة كمِيتة أبي خارجة أكل بَذَجاً وشَرِبَ مُعَسَّلا ونام في الشَمس فمات دَفيئاً شبْعان رَيّان. محمد بن وَضّاح يرفعه إلى أبي هُريرة رضي الله عنه. قال: دخلِ أعرابيّ المسجد والنبي جالسٌ فقام يُصلّي فلما فرغ قال: اللهم ارْحَمني ومحمداً ولا تَرْحَم معنا أحداً فقال النبيّ عليه الصلاة والسلام: لقد حجرْت واسعاً يا أعرابيّ. قال: وسمعت أعرابياً وهو يقول في الطواف: اللهم اغفر لأمي فقلتُ له: مالك لا تَذْكر أباك فقال أبي رجلٌ يَحتال لنفسه وأما أُمي فبائسة ضعيفة. أبو حاتم عن أبي زَيد قال: رأيتُ أعرابياً كأنّ أنفَه كُوز من عِظَمه فرآنا نَضحك منه فقال: ما يُضْحِكُكم فوالله لقد كنتُ في قوم ما كنتُ فيهم إلا أفْطس. قال: وجيء بأعرابيّ إلى السُّلطان ومعه كِتاب قد كَتب فيه قصَته وهو يقول: هاؤُم اقرؤا كِتابيه. فقيل له: يُقال هذا يومَ القيامة قال: هذا والله شر من يوم القيامة إنّ يوم القيامةِ يُؤتي بحَسَناتي وسيّأتي وأنتم جِئتم بسيآتي وتركتم حسناتي. قيل لأبي المِخَشّ الأعرابي: أيسرك أنك خَليفة وأن أمَتك حُرَّة قال: لا والله ما يَسُرُّني قيل له: ولمَ قال: لأنها كانت تَذْهب الأمَة وتُضِيع الأمَّة. اشترى أعرابيّ غُلاماً فقيل للبائع: هل فيه منِ عَيْب قال: لا إلا أنه يَبُول في الفِراش قال: هذا ليس بعيب إن وَجَدَ فِراشاَ فَلْيَبُل فيه. أخذ الحجَّاج أعرابياً لِصًّا بالمدينة فأمر بِضَرْبِه فلما قرَعه بسَوْط قال: يا ربّ شُكْراً حتى ضَرَبه سَبْعمائة سَوْط قال: لماذا قال: لكَثرة شُكرك إنَّ اللهّ تعالى يقول: " لئن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكم ". قال: وهذا في القرآن قال: نعم. فقال الأعرابي: يا ربّ لا شكْرَ فلا تَزِدْني أسَأتُ في شُكْرِيَ فاعْفُ عَني باعِد ثَوَاب الشَّاكرين مِني مرَّ أعرابيّ بقوم وهو يَنْشد ابنَاَ له فقالوا له: صِفْه قال: كأنه دُنَيْنير قالوا: لم نَره. ثمِ لم يَلْبث القومُ أن أقبل الأعرابيّ وعلى عُنقه جُعَل فقالوا: هذا الذي قلت فيه كأنه دُنينير فقال: القَرَنْبي في عَين أمها حَسناء. والقَرَنْبي دُوَيبة من خَشاش الأرض إذا مَسَّها أحد تقبَّضت فصارت من الكرة. قيل لأعرابي: ما يمنعك أن تَغْزو قال: والله إني لأبْغِضُ الموتَ على فِرَاشي فكيف أمضي إليه رَكْضاً! وغزا أعرابيٌّ مع النَّبي فقيل له: ما رَأيتَ مع رسول اللهّ في غَزاتك هذه قال: وَضع عنا نصفَ الصلاة وأرجو في الغَزاة الأخرى أن يضع النصفَ الباقي. جَلس أعرابيّ إلى مجلس أيوب السختياني فقيل له: يا أعرابيِّ لعلك قَدَرِيّ قال: وما القَدَري فذكر له مَحاسن قولهم قال: أنا ذاك ثم ذكر له ما يَعِيب الناسُ من قَوْلهم فقال: لستُ بذاك قال: فلعلّك مُثبت قال: وما المثبت فذكر مَحاسنَهم فقال: أنا ذاك ثم ذكر له ما يَعِيب الناسُ منهم فقال: لستُ بذاك! قال أيوب: هكذا يفعل العاقلُ يأخذ من كلِّ شيء أحْسنه. الأصمعيُ قال: سمع أعرابيّ جريراً يُنْشد: كاد الهَوَى يَوْمَ سَلمانين يَقْتُلني وكاد يَقْتُلني. يوْماً بنَعْمانِ وكاد يَقْتُلني يوماً بذي خُشُب وكاد يقتلني يوماً بسلمان فقال: هذا رجل أفلت من الموًت أربعَ مَرَّات لا يموت هذا أبداً. الشَّيبان قال: بلغني أنَ أعرابيًين ظريفَين من شياطين العَرب حَطَمتهما سَنةٌ فانحدرا إلى العِرَاق فبينما هما يَتماشيان في السُّوق واسم أحدهما خُنْدان إذا فارس قد أوطأ دابَّته رِجْلَ خُنْدان فَقَطَع إصْبعاً من أصابعه فتعلقا به حتى أخذا أرش الإصبع وكانا جائعين مَقْرُورَين فلما صار المال بأيديهما قصدا إلى بعض الكرابج فابتاعا من الطَّعام ما اشتهيا فلما شَبع صاح خُنْدان أنشأ يقول: فلا غَرْثةٌ ما دام في الناس كُربَج وما بَقِيَتْ في رِجْل خُنْدَان إصْبَعُ وهذا شبيه قول أعرابيًة في إبنها وكان لها ابنٍ شديد العُرام كثيرُ القِتال للناس مع ضٍعْف أَسْر ورقَّة عَظْم فوَاثَب مرة فتىً من الأعراب فَقَطَع الفتى أنفَهُ فأخذت أمّه دِيَة أنفه فَحَسُن حالها بعد فَقر مُدْقِع ثم وَاثَب آخرً فَقَطع شَفَته ثم أخذت دِية شَفَته فلما رأت ما صار عندها من الإبل والبَقر والغنم والمتاع بجوارح ابنها ذكرته في أرْجوزة لها تقوِل فيها: أحلِفُ بالمَرْوَةِ حِلْفاً والصَفَا أنّكَ خيرً من تَفاريق العَصَا فقلت لأعرابي: ما تفاريق العصا قال: العصا تُقطع ساجوراً ثم يُقطع السَّاجور أوتاداً ثم تُقطَعِ الأوتاد أشِظه. الأصمعيّ قال: خرج أعرابيّ إلى الحَجّ مع أصحاب له فلما كان ببعض الطريق راجعاً ُيريد أهلَه لَقِيه ابنُ عمّ له فسأله عن أهله ومنزله فقال: أعلم أنّك لما خرَجتَ وكانت لك ثلاثةُ أيام وَقع في بَيْتك الحريقُ. فرَفعِ الأعرابي يديه إلى السماء وقال: ما أحسن هذا يا ربّ! تَأْمرنا بعِمارة بيتك وتخرب أنت بُيوتنا. وخرجتْ أعرابيّة إلى الحجّ فلما كانت ببعض الطريق عَطِبت راحلتُها فرَفعت يديها إلى السَّماء وقالت: يا ربّ أخرجتني من بيتي إلى بيتك فلا بيتي ولا بيتك. الأصمعي قال: عُرضت السُّجُون بعد هلاك الحجَّاج فوجدوا فيها ثلاثة وثلاثين ألفاً لم يَجب على واحد منهم قَتْل ولا صَلْب وفيهم أعرابي أخِذ وهو يبول في أصل سُور مدينة واسط فكان فيمن أطلق فانشأ يقول: إذا ما خرَجنا من مدينة وَاسطٍ خَرِينا وبُلْنا لا نَخَاف عِقَابَا ذُكر عند أعرابي الأولادُ والانتفاع بهم فقال: زوِّجوني امرأةً أولدها ولداً أعَلِّمه الفُروسية حتى يحوى الرِّهان والنَّزْعَ عن القوس حتى يُصيب الحَدق وروايةَ الشِّعْر حتى يُفْحِم الفًحُول. فزوَجوه امرأة فولدت له ابنةً فقال فيها: قد كنتُ أرْجو أن تكوني ذكرَا فَشَقَّك الرحمنُ شَقًّا مُنكَرَا شَقًّا أبى اللهّ له أن يُجْبَرَا مثلِ الذي لامها أو أكْبَرَا ثم حَمَلت حَمْلا آخرً فدخل عليها وهي في الطَلق وكانت تسَمَّى رَباباً فقال: أَيا رَبابى طَرِّقى بخَيْر وطَرِّقى بخصيه وأيْرِ ولا ترِيناَ طَرَف البُظَيْر ثم ولدت له أخرى فَهَجَر فِراشَها. وكان يأتى جارةً لها فقالت فيه وكان يُكنى أبا حَمْزة: ما لأبى حمزة لا يأتينا يَظَلّ في البيت الذي يَلِينَا غضْبانَ أن لا نَلِدَ البنينا وإنما نَأخُذ ما أعْطِينا فألانَهً قولها ورَجع إليها. وقال سعيد بن أبي الفرج: سَمِعتً أعرابياً يطوف بالبيت وٍ هو يقول: لا هًمَّ ربَّ النِّاس حين لَبَّبُوا وحين راحوا من مِنى وَحَصَّبُوا فقلت: يا أعرابي ما لهذه المَوَاضع تَدْعو عليها في هذا الموضع فنَظر إليِّ كالغَضْبان وقال: من أجل حُمّاهنَ ماتت زَيْنَبُ قولهم في التلصص أبو حاتم قال: أنشدنا أبو زَيد لأعرابيّ وكان لصّاً: ثلاثُ خلال لستُ عنهنّ تائباً وإن لاَمَني فيهنَّ كُلُّ خَلِيل فمنهن أني لا أزال مُعَانِقاً حمائلَ ماضي الشفْرتين صَقِيل به كنتُ أستَعْدي وأعْدى صَحابتي إذا صَرَخ الزَحْفانِ باسم قتِيل ومنهنّ سَوْق النًهب في ليلة الدُّجى يَحَارُ بها في اللَيل كُلًّ مَمِيل وهذا المعنى سبقه إليه الأوَّل: فلولا ثلاثٌ هُن عِيشة الفَتى وَجدِّك لم أحْفِلْ متى قام رامِس فمنهنَّ سَبْقي العاذلات بشربة كأنّ أخاها مَطْلَعَ الشمْس ناعِس ومنهنّ تَقْريطُ الجَرَاد عِنَانَه إذا ابتدر الشَخْص الصَّفِيَّ االَفوَارس ومنهنَّ تَجْرِيدُ الكوَاعب كالدُّمَى إذا ابتز عن أكفالهنَّ الملابس وأوَّل من قال هذا المعنى طَرفة حيث يقول: فلولا ثلاثٌ هُنَّ من عِيشة الفَتى وجدِّك لم أَحْفِل متى قام عًوَدِي وكَرِّي إذا نادى المُضَافُ مُحنَّباً كَسِيد الغَضىَ نَبَهْتَهُ المًتَوَرِّد وتَقْصيرُ يوم الدَجن والدَجْنُ مُعْجَب بِبَهْكَنَة تحت الخِبَاء المُعَمّد قولهم في الطعام الأصمعي قال: اصطحب شَيخ وحَدَث في سَفَر وكان لهما قُرْص في كلّ يوم وكان الشيخُ مًنْخلع الأضراس بَطيء الأكل. وكان الحَدَث يَبْطِش بالقُرْص ثم يجلس يَشْتكي العِشْق ويتضوّر الشيخُ جُوعاً وكان الحَدَث يُسَمَى جَعْفَرا فقال الشيخ: لقد رابني من جعفر أنِّ جعفراً بَطِيشٌ بقرْصي ثم يَبْكي على جُمْل فقلتُ له لو مًسَك الحرب لم تَبِت بَطِينًاَ ونَسّاكَ الهوى شِدَّةَ الأكْل الأصمعي قال: أنشدني أعرابي لنفسه: ألا ليت لي خُبْزاً تسَربل رائباً وخَيْلاً مِن البر في فُرْسانها الزُّبْدُ فاطْلُب فيما بينهنَّ شهادةً بِمَوْت كَرِيم لا يُعَدُّ له لَحْد الشِّيباني عن العُتبيّ عن أبيه قال: قال أعرابي: كنت أشْتهي ثريدة دَكْناء من الفُلفُل رَقْطَاء من الحِمص ذات حِفَافين من اللَّحْم لها جَناحان من العُراق أضْرب فيها كما يَضْرب وَلي السُّوء في مال اليتيم. وقال رجل لأعرابيّ: ما يسرّني لو بِتُ ضيفاً لك فقال له الأعرابي: لو بِتّ ضيفاً لي لأصبحتَ أبطنَ من أمك لبل أن تَلدك بساعة. حضر أعرابي سُفرة سُليمان بن عبد الملك فجعل يمرِّ إلى ما بين يديه فقال له الحاجب: مما يَلِيك فكُلْ يا أعرابي فقال: مَن أجْدَب انتجع. فَشَقَّ ذلك على سُليمان فقال للحاجب: إذا خرج عَنَّا فلا يَعُد إلينا. وشهد بعد هذا سُفْرته أعرابيّ آخرً فمر إلى ما بين يديه أيضاًً فقال له الحاجب: مما يَليك فكُلْ يا أعرابيّ قال: مَن أخصَبَ تَخيَّر. فأعجب ذلك سليمانَ فقرَّبه وأكرمه وقَضى حوائجه. مرَّ أعرابي بقوم من الكَتَبة في مُتَنزه لهم وهم يأكلون فسلم ثم وَضع يده يأكل معهم فقالوا: أعرفت فينا أحداً قال: بلى عرفتُ هذا وأشار إلى الطّعام. فقال بعض الكُتَاب يَصِف أكله: لم أرَ مِثْلَ سرطه ومَطّه قال الثاني: وأكله دَجاجة بِبطّه قال الثالث: ولَفّه رُقاقه بإقْطِه. قال الرابع: كأنّ جالينوس تحت إبْطه. فقالوا للرابع: أما الذي وَصفنا من فِعْله فمعلومِ فما يصنع جالينوس من تحت إبطه قال: يًلْقِمه الجَوارش كلما خاف عليه التّخمة يهْضم بها طعامه. وقال رجل من أهل المدينة لأعرابي: ما تأكلون وما تَعافون قال له الأعرابي: نأكُل كل ما دَبّ وهَبّ إلا أمّ حُبَين. قال المَدني: تَهْنيء أمً حُبَين العافية. قال رجل من الأعراب لولده: اشتروا لي لَحْماً فاشتَرَوْا وطَبَخه حتى تَهَرَأ فأكلَ منه حتىِ انتهت نفسه ولم يبُق إلا عَظْمه وشرَعت إليه عيون ولده فقال: ما. أنا مُطْعمه أحداً منكم إلّا من أحْسن أكله. فقال له الأكبر: ألوكه يا أبَتِ حتى لا أدَعَ فيه للذرة مَقِيلاً قال: لستَ بصاحبه قال الآخرً: ألوكه حتى لا تَدْري ألعامه هو أم لعام أول قال: لستَ بصاحبه. قال له الأصغر: أدقّه يا أبت وأجعل إدامه المخ قال: أنت صاحبه وهو لك. بلغنيِ عن محمد بن يزيد بن مُعاوية أنه كان نازلاً بحلب على الهَيْثم بن عديِّ فَبَعث إلى ضيف له من عُذْرة أعرابي فقال له: حَدِّث أبا عبد اللهّ بما رَأيْتَ في حَضر المسلمين من الأعاجيب قال: نعم رأيتُ أمُوراً مًعْجبة منها: أنني دخلتُ قرْية بكر بن عاصم الهلاليّ وإذا أنا بدُورٍ متباينة وإذا خِصَاص بِيض بعضها إلى بعض وإذا بها ناسٌ كثير مُقْبلون ومُدْبرون وعليهم ثياب حَكَوْا بها أنواعَ الزَّهر فقلت لِنَفْسي: هذا أحد العِيدين الفِطْر أوِ الأضْحَى ثم رَجع إليَ ما عَزُبَ من عقلي فقلت: خرجتُ من أهلي في عَقِب صَفر وقد مضىِ العِيدان قبل ذلك. فبينا أنا واقفٌ أتعجب إذ أتاني رجلٌ: فأخذ بيدي فأدْخلني بيتاً قد نُجِّد وفي وَجهه فُرُش مُمَهَّدَة وعليها شابّ ينال فَرْعُ شَعره كتفيه والناسُ حولَه سماطين فقلت في نفسي: هذا الأميرُ الذي يُحكى لنا جلوسُه وجلوسُ الناس حولَه فقلتُ وأنا ماثلُ بين يديه: السلامُ عليك أيها الأمير ورحمة الله قال: فجَذب رجلٌ بيدي وقال: ليس بالأمير اجلِس قلتُ: فمن هو قال: عَرُوس قلت: واثُكْل أمّاه! لرُبَّ عَرُوس بالبادية قد رأيتُه أهون على أصحابه من هَن أمه. فلم ألبث أن أدْخلَت الرجالُ علينا هَنَات مُدوّرات من خَشب أمّا ما خَف منها فتُحْمل حَمْلاً وأما ما ثقُل فَيُدَحْرج فوُضعت أمامنا وحًلّق القوم عليها حَلَقاً ثم أتينا بِخِرَق بيض فألْقيت عليها فهممتُ والله أن أسأل القومَ خِرْقة منها أرْقع بها قميصي وذلك أني رأيتُ لها نَسْجاً مُتلاحماً لا تتبين له سَدى ولا لحْمة فلما بَسَط القومُ أيديهم إذا هو يتمزق سريعاً وإذا صِنْف من الخُبْز لا أعرفه. ثم أتِينا بطعام كثير من حُلو وحامض وحار وبارد فأكثرتُ منه وأنا لا أعلم ما في عَقِبه من التُّخم والبَشم. ثم أتينا بشراب أحْمر في عِسَاس بِيض فلما نظرتُ إليه قلتُ: لا حاجة لي به لأني أخاف أن يَقْتلني وكان إلى جانبي رجلٌ ناصح لي أحْسن الله عني جَزاءه كان يَنْصحني بين أهل المَجلس فقال لي: يا أعرابي إنك قد كثرت من الطعام فإن لضربتَ الماء هَمى بطنك. فلما ذَكر البطنَ ذكرتُ شيئاً أوصاني به الأشْياخ قالوا: لا تزال حيًّا ما دام بَطْنُك شديداً فإذا اختلف فأوْصِ فلم أزل أتداوى بذلك الشرَّاب ولا أملّه حتى داخلني به صَلف لا أعرفه من نفسي ولا عهْد لي به ولا اقتدار على أمري وكان إلى جانبي الرجلِ الناصح لي فجعلتْ نفسي مُحدّثني بهَتْم أسنانه مرة وَهَشْم أنفه أخرى وأهُمّ أحياناً أن أقول له: يا بن الزَّانية. فبينا نحن كذلك إذ هَجَم علينا شياطين أرْبعة: أحدُهم قد عَلَّق جُعْبة فارسيّة مُفَتَّحة الطّرفين قد شُبِّكت بالخُيوط وقد ألْبست قطعة فَرْو كأنهم يخافون عليهِا القُر ثم بَدَا الثاني فاستخرج من كفه هنة كفَيْشلة الحِمار فوَضعٍ طَرفها في فِيه فضرًط فيها ثم جَسَّ على حُجْزَتها فاستخرج منها صوتاً مُشاكِلاً بعضهُ بعضاً ثم بدا الثالثُ وعليه قميصٌ وَسخ وقد غَرَّق رأسه بالدهن معه مرآتان فجعل يُمر إحداهما على الأخرى ثم بَدَا الرًابع عليه قَميص قَصِير وسَرَاويل قصيرة.


العقد الفريد - الجزء الثاني لابن عبد ربه
العقد الفريد/الجزء الثاني/1 | العقد الفريد/الجزء الثاني/2 | العقد الفريد/الجزء الثاني/3 | العقد الفريد/الجزء الثاني/4 | العقد الفريد/الجزء الثاني/5 | العقد الفريد/الجزء الثاني/6 | العقد الفريد/الجزء الثاني/7 | العقد الفريد/الجزء الثاني/8 | العقد الفريد/الجزء الثاني/9 | العقد الفريد/الجزء الثاني/10 | العقد الفريد/الجزء الثاني/11 | العقد الفريد/الجزء الثاني/12 | العقد الفريد/الجزء الثاني/13 | العقد الفريد/الجزء الثاني/14 | العقد الفريد/الجزء الثاني/15 | العقد الفريد/الجزء الثاني/16 | العقد الفريد/الجزء الثاني/17 | العقد الفريد/الجزء الثاني/18 | العقد الفريد/الجزء الثاني/19 | العقد الفريد/الجزء الثاني/20 | العقد الفريد/الجزء الثاني/21 | العقد الفريد/الجزء الثاني/22 | العقد الفريد/الجزء الثاني/23 | العقد الفريد/الجزء الثاني/24 | العقد الفريد/الجزء الثاني/25 | العقد الفريد/الجزء الثاني/26 | العقد الفريد/الجزء الثاني/27 | العقد الفريد/الجزء الثاني/28 | العقد الفريد/الجزء الثاني/29 | العقد الفريد/الجزء الثاني/30 | العقد الفريد/الجزء الثاني/31