العقد الفريد/الجزء الثاني/31

وقال زيدُ بن عليّ: محتفي الرِّجْلين يشكو الوَجى تَقْرعه أطرافُ مَرْوٍ حِدَاد قد كان في الموت له راحة والموتً حَتْم في رِقاب العِباد ثم خرج بخراسان فقُتل وصّلب في كُناسة. وفيه يقوله سُدَيف بن مَيْمون في دولة بني العباس: واذْكروا مَقْتل الحُسَين وزَيْداً وقَتيلاً بجانب المِهْراس يُريده حمزَة بن عبد المطلب المَقْتول بأُحد. دَخل رجل من قَيْس على عبد الملك بن مَرْوان فقال: زُبيريّ! والله لا يحبك قلبي أبداً قال: يا أميرَ المُؤمنين إنما يَجْزع من فَقْد الحُبّ النِّساء ولكنْ عَدْلاً وإنْصافاً. وقال عمر بن الخطّاب لأبي مَريم الحنفيّ قاتل زيد بن الخطّاب: والله لا يُحبك قلبي أبداً حتى تُحِبّ الأرضُ الدمَ قال: يا أمير المؤمنين فهل تَمْنعني لذلك حقّا قال: لا قال: فَحَسبي. دخل يزيدُ بن أبي مُسلم على سُليمان بن عبد الملك فقال له: على امرىء أوْطأك رَسَنك وسَلَّطك على الأمة لعنةُ الله فقال: يا أمير المؤمنين إنك رأيتَني والأمرُ مُدبر عني ولو رأيتَني والأمر مُقْبل علي لَعَظُم في عَيْنك ما استصغرت مني قال: أتظن الحجّاج استقرّ في قَعْر جَهنم أم هو يَهْوِي فيها قال: يا أمير المُؤمنين إن الحجاج يأتي يوم القيامة بين أبيك وأخيك فَضعْه من النار حيثُ شئت. وقاِل مروان بن الحكم لزُفر بن الحارث: بَلغني أن كِندة تَدَعيك قال: لا خَيْرَ فيمن لا يُتَقى رهبةً ولا يدًعى رَغبة. قال مَرْوان بن الحكم للحسن بن دْلْجة: إني أظنك أحمق قال: ما يكون الشَيخ إذا أعمل ظَنه وقال مروان لحُويطب بن عبد العُزي: وكان كبيراً مُسنا. أيها الشيخ تأخر إسلامك حتى سَبقك الأحداث فقال: الله المُستعان واللهّ لقد هممت بالإسلام غيرَ مَرّة كُلّ ذلك يَعُوقني عنه أبوك ويَنهاني ويقول: يَضع مِن قَدْرك وتترك دين آبائك لدين مُحْدَث وتَصير تابعا. فسكت مَرْوان. قال عبدُ الملك بن مروان لثابت بن عبد الله بن الزُّبير: أبوك كان أعلمَ بك حيثُ كان يَشْتُمك قال: يا أمير المؤمنين إنما كان يَشْتُمني لأنّي كنتُ أنهاه أن يُقاتل بأهْل المدينة وأهل مكة فإن اللهّ لا يَنْصر بهما أما أهلُ مكة فأخرجوا النبيً وأخافوه ثم جاءوا إلى المدينة فآذَوْه حتى سَيَّرهم يعرِّض بالحَكم بن أبي العاصي طَريدِ النبيِّ وأما أهل المدينة فَخذلوا عُثمان حتى قُتل بين أظهرهم ولم يَدْفعوا عنه قال له: عليك لعنةُ الله. جلس مُعاوية يُبايع الناسَ على البَراءة من عليّ فقال له رجل من بني تميم: يا أميرَ المُؤمنين نُطيع أحياءَكم ولا نَبْرأ من مَوْتاكم فالتفت مُعاوية إلى زِياد فقال: هذا رجل فاستَوْصِ به. قال مُعاوية يوماً: يا معشر الأنصار لمَ تَطْلبون ما عِندي فوالله لقد كُنتم قليلاَ معي كثيراً مع عليّ ولقد فَلَلتم حَدِّى يوم صِفَّين حتى رأيتُ المَنايا تتلظى من أسنِّتكم ولقد هَجَوْتُموني بأشدّ من وَخز الأسل حتى إذا أقام اللهّ منَا ما حاولتم مَيْلَه قُلتم ارْع فينا وصيّة رسول الله هيهات! أبَى الحَقِين العِذْرة. فأجابه قيسُ بن سَعد قال: أما قولُك جِئناك نَطْلب ما عندك فبالإسلام الكافي به اللهُ لا بما تمتّ به إليك الأحزاب وأما استقامهُ الأمر فعلى كُره منّا كان وأما فَلُنا حَدَّك يوم صِفِّين فأمر لا نَعْتذر منه وأما عَداوتُنا لك فلو شئتَ - كَفَفْتَها عنك وأما هِجاؤنا إيَّاك فقول يَثْبُت حَقّه ويَزُول باطلُه وأما وصيّة رسول الله فَمن يُؤمن به يَحْفظها من بعده وأما قولك: أبى الْحَقِين العِذْرة فليس دون الله يد تجزك منّا فدُونك أمرَك يا مُعاوية فإنما مثلًك كما قال الشاعر: يا لكِ من قبرةٍ بمَعْمَر خَلا لك الجرُّ فبِيضى واصْفِرِى وقال سُليمان بنُ عبد الملك ليزيد بن المُهلَب: فيمن العِزُ بالبَصرْة قال: فينا وفي حُلفائنا من رَبيعة. قال سليمان: الذي تحالفتما عليه أعزّ منكما. مَر عمر بن الخطاب بالصبيّان يَلْعبون وفيهم عبدُ الله بن الزبير فَفروا وَثَبت ابنُ الزُبير قال له عمر: كيف لم تَفِر مع أصحابك قال: لم أجْترم فأخافَك ولم يكن بالطّريق من ضِيق فأوسِعَ لك. وقال عبد الله بن الزُبير لعديّ بن حاتم: متى فُقِئت عينُك قال: يومَ قُتِل أبوك وهَربتَ عن خالتك وأنا للحق ناصرِ وأنت له خاذِل. وكان فُقئت عينه يوم الجمل. وقال هارون الرشيد ليزيدَ بن مَزْيد: ما أكثرَ الخطباء في ربيعة قال: نعم ولكنّ مَنابرَهم الجُذُوع. كان المِسْوَر بن مَخْرمة جليلاً نبيلاً وكان يقول في يزيدَ بن ُمعاوية: إنه يشرب الخمر. فبلغه ذلك فكتب إلى عامله بالمدينة أن يَجلِدَه الحدّ ففعل. فقال المِسْوَر في ذلك: أيَشْرَبُها صِرْفاً يَفُض خِتَامها أبو خالدٍ ويجلَدُ الحدَّ مِسْورُ قال المأمون ليحمى بن أكْثم القاضي: أخْبِرني مَن الذي يقول قاضٍ يَرَى الحدَّ في الزَناء ولا يَرى على مَن يلوط مِن باس قال: يقوله يا أميرَ المُؤمنين الذي يقول: لا أحْسَب الجَوْر يَنْقَضى وعَلَى ال أمة والٍ مِن آل عَباس قال: ومَن يقوله قال: أحمد بن نُعيم قال: يُنْفَى إلى السند وإنما مَزَحنا معك. قال سُليمان بن عبد الملك لِعَدي بن الرقاع: أنْشِدني قولك في الخمر: كمَيت إذا شُجت وفي الكأس وَرْدَةٌ لها في عِظام الشاربين دَبِيبُ تُريك القَذى من دُونها وهي دُونه لِوَجْه أخيها في الإنَاء قُطُوب فأنشده. فقال له سُليمان: شربتَها ورب الكعبة قال عدي: والله يا أميرَ المؤمنين لئن رابَك وَصْفي لها قد رابتني مَعْرِفتُك بها. فتضاحكا وأخذا في الحديث. الأصمعي قال: لما ولي بلالُ بن أبي بُرْدة البصرةَ بَلغ ذلك خالدَ بن صَفوان فقال: فَبَلغ ذلك بِلالاً فَدعا به فال له: أنت القائل: سَحَابةُ صَيْفٍ عن قَلِيل تَقَشعُ أما والله لا تَقشّع حتى يصيبك منها شُؤْبوب بَرَد فَضَربه مائةَ سوط. وكان خالد يأتي بلالاً في وِلايته ويَغْشاه في سُلطانه ويَغتابه إِذا غاب عنه ويقول: ما في قَلب بِلال من الإيمان إلاّ ما في بَيْت أبي الزّرد الحَنفي من الجواهر. وأبو الزّرد رجل مُفْلس. دخل عُتبة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام على خالد بن عبد الله القَسريّ بعد حِجاب شديد وكان عُتبة رجلاً سخيا فقال له خالد يُعرّض به: إن هاهنا رجالاً يُداينون في أموالهم فإِذا فَنِيت يُداينون في أعْراضهم. فَعلم القُرشيّ أنه يُعرِّض به فقال: أصلِح الله الأمير إنَّ رجالَاً تكون أموالُهم أكثرَ من مُرواتهم فأولئك تَبْقى أموالهمِ ورجالَا تكون مُرواتهم أكثرَ من أَموالهم فإذا نَفدت دّانوا على سَعة ما عِند الله. فخَجِل خالد وقال: أما إنك منهم ما عَلِمْت. كان شَرِيك القاضي يُشاحن الربيعَ صاحبَ شُرْطة المهديّ فحمل الربيعُ المهديَّ عليه فدَخل شريك يوماً على المهديّ فقال له المهديّ: بَلَغني أنك وُلدت في قَوْصرة فقال: وُلدتُ يا أميرَ المُؤمنين بخراسان والقَواصر هناك عَزيزة قال: إني لأراك فاطميّا خَبيثا قال: والله إني لأحبِّ فاطمةَ وأبا فاطمة قال: وأنا والله أحبهما ولكني رأيتُك في مَنامي مَصروفا وَجهك عنّي وما ذاك إلا لبُغضك لنا وما أراني إلا قاتلك لأنك زِنْديق قال: يا أميرَ المؤمنين إنَّ الدَماء لا تُسفك بالأحلام ليس رُؤياك رُؤيا يوسفَ النبيِّ وأما قوْلُك بأني زِنْديق فإن للزنادِقة علامةً وليس رؤياك رؤيا يوسف النبي وأما قولك بأني زنديق فإن للزنادقة علامة يعرفون بها قال: وما هي قال: بشُرب الخمر والضّرب بالطنبور قال: صدقت أبا عبد اللهّ وأنت خير من الذي عحمَلني عليك. قال عمرُ بن الخطاب لعمرو بن العاص لما قَدِم عليه من مِصر: لقد سِرْتَ سِيرَة عاشِق قال: والله ما تَأبطتني الإمَاء ولا حَمَلتني البَغايا! في غُبَرات المآلي قال عمر: والله ما هذا جوابُ كلامي الذي سألتُك عنه وإنَ الدُجاجة لتَفْحص في الرماد فَتضع لغير الفَحْل والبَيْضة منسوبة إلى طَرْقها وقام عمر فدخل. فقال عمرو: لقد فَحُش علينا أميرُ المؤمنين. وتَزْعم الرُّواة أن قُتيبة بن مُسْلم لما افتتحِ سَمَرْقَند أفضى إلى أثاث لم يُرَ مِثْلُه وإلى آلات لم يُسمع بمثلها فأراد أن يُرِي الناس عظيمَ ما فَتح اللهُ عليهم ويُعرِّفهم أقدارَ القوم الذين ظهروا عليهم فأمر بدارٍ ففُرشت وفي صَحْنها قُدور أَشْتات تُرْتَقى بالسلالم. فإذا الحُضَين بن المنذر بن الحارث بن وعلة الرَّقاشي قد أقبل والناسُ جلوس على مراتبهم والحضين شَيْخ كبير فلما رآه عبدُ الله ابن مُسْلم قال لقتيبة: إئذن لي في كلامه فقال: لا تُرِدْه فإنه خبيثُ الجواب فأبَى عبدُ الله إلا أن يأذن له - وكان عبدُ الله يُضعّف وكان قد تسوّر حائطاً إلى امرأة قبلِ ذلك - فأقبل على الحُضين فقال: أمن الباب دخلت يا أبا ساسان قال: أجل ضعُف عَمُّك عن تسوّر الحِيطان قال: أرأيت هذه القُدور قال: هي أعظم من أن لا ترى قال: ما أحسُب بَكْر بن وائل رَأى مثلَها قال: أجل ولا عَيْلان ولو كان رآها سُمِّي شَبعان ولم يُسمَّ عَيْلان قال له عبدُ الله: أتعرف الذي يقوله: عَزَلْنا وأمّرنا وبكرُ بنُ وائل تَجُرّ خُصَاها تَبْتغي مَنْ تُحالفُ قال: أعرفه وأَعْرف الذي يقوِل: وخَيبة من يخيب على غني وباهلة بن يَعْصر والرِّباب يُريدً: يا خَيبةَ مَن يخيب. قال له: أتعرف الذي يقول: كأنّ فِقاح الأزْد حول ابن مِسْمَع إذا عَرِقت أفواه بَكْر بن وائل قال: نعم. وأعرفً الذي يقول: قوم قُتيبةُ أمُّهم وأبوهمُ لولا قُتيبةُ أصبحوا في مَجْهَل قال: أما الشعر فأراك ترويه فهل تقرأ من القرِآن شيئاً قال: أقرأ منه الأكثر: هل على الإنسان حين مِنَ الدهر لم يَكُنْ مشيئاً مذكوراً قال: فأغضبه فقال: والله لقد بلغني أن امرأة الحُضين حُملت إليه وهي حُبلى من غيره. قال: فما تحرك الشيخُ عن هَيئته الأولى ثم قال على هرسله: وما يكون! تلد غَلاماً على فراشي فيقال: فلان بن الحُضين كما يقال: عبدُ الله بن مُسلم. فأقبل قُتيبة على عبد الله فقال: لا يُبعد اللهّ غيرك. والحُضين هذا هو الحضين ابن المُنذر الرقاشيّ ورَقاش أمه وهو من بنِى شيبان ابن بَكر بن وائل وهو صاحب لواء عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بصِفْين على رَبيعة كلها وله يقول عليُّ بن أبي طالب: لمَن رايةٌ سَوْداءُ يَحْفِق ظِلُّها إذا قيل قدمْها حُضَينُ تَقدّمَا يُقدِّمها في الصَف حتى يزُيرها حِياضَ المنايا تَقْطِر السُّمَّ والدَّما جَزى الله عني والجزاءُ بفَضْلِه ربيعةَ خيراً ما أَعف وأَكْرَما وقال المُنذر بن الجارود العَبدي لعمرو بن العاص: أيّ رجل أنتَ لو لم تكُن أُمّك ممن هي قال: أحمد الله إليك لقد فَكَرتُ فيها البارحةَ فجعلتُ أنقِّلها في قبائل العَرب فما خطرت لي عبدُ القيس ببال. قال خالدُ بن صَفوان لرجل من بني عبد الدار وسَمعه يَفْخر بموْضعه من قُريش فقال له خالد: لقد هَشمتك هاشم وأَمتك أُمية وخَزَمتك مَخْزوم وجَمَحتك جُمح وسَهَمتك سَهْم فأنت ابنُ عبد دارها تَفْتح الأبواب إذا أُغلقت وتُغلقها إذا فُتحت. جواب في هزل كان للمغيرة بن عبد الله الثّقفيّ - وهو والي الكُوفة - جَدْيٌ يوضع على مائدته فَحَضره أعرابي فمد يَده إلى الجَدْي وجَعل يُسرع فيه قال له المُغيرة: إنّك لتَأكله بحَرْد كأن أُمَّه نَطحَتْك قال قال: وإنك لمُشْفِق عليه كأن أُمه أَرْضعتك. كان إبراهيمُ بن عبد الله بن مُطيع جالساً عند هِشام إذ أَقبل عبدُ الرحمن بن عَنْبسة بن سَعيد بن العاص أحمرَ الجُبّة والمِطْرف والعِمامة فقال إبراهيم: هذا ابنُ عَنْبسة قد أَقبل في زينة قارُون. قال: فَضَحِكَ هشام. قال له عبدُ الرحمن: ما أَضحكك يا أميرَ المُؤمنين فأَخبره بقول إبراهيم. فقال له عبدُ الرحمن: لولا ما أَخاف من غَضبه عليك وفي وعلى المُسلمين لأجبته قال: وما تخاف من غَضبه قال: بلغني أن الدًجال يَخْرج من غَضْبة يَغْضَبها وكان إبراهيم أَعْور. قال إبراهيمُ: لولا أن له عِندي يداً عظيمة لأجبتُه قال: وما يده عندك قال: ضرَبه غلامٌ له بُمدية فأصابه فلمّا رأى الدم فزعَ فَجَعل لا يَدْخل عليه مَمْلوك إلا قال له: أنت حّرّ فدخلتُ عليه عائداً فقلت له: كيف نجدك قال لي: أنت حُر قلت له: أنا إبراهيم قال لي: أنت حُر. فَضحِك هشامٌ حتى اسْتَلْقَى. قال عبدُ الرحمن بن حسّانِ لِعَطاء بن أبي صَيْفي بن ثابت: لو أَصبتَ رَكْوةً مملوءةً خَمْراً بالبقيعِ ما كنت صانِعاً قال: كنتُ أُعرفها بين التجار فإن لم تكن لهم. فهي لك لكن أخْبرني عن الفُريعة أكبرُ أم ثابت وقد تزوّجها قبله أربعةٌ كُلُّهم يَلْقاها بمثل ذِراع البَكْر ثم يُطلِّقها عن قِلى فقيل لها: يا فُريعة لم تُطلقين وأنت جميلة حُلوة قالت: يُريدون الضَيق ضَيَّق الله عليهم. ولقي رجل من قريش كان به وَضَح حارثة بن بَدر وكان مُغرماً بالشراب فقال لها: أشعرت أنه بُعث نبيّ لهذه الأمة يُحلّ الخمر للناس قال: إذاً لا نُصدِّق به حتى يُبرئ الأكمه والأبْرص. دخل الزِّبرقانُ بن بَدْر على زِياد فسلّم تسليماً جافياً فأدناه زياد فأجلسه معه ثم قال له: يا أبا عيّاش الناسُ يَضْحكون من جَفائك قال ولمَ ضَحِكوا فواللهّ إنْ منهم رجلٌ إلا وَدّ أني أبوه دون أبيه لِغية كان أو لِرشْدة. دخل الفرزدقُ على بلال بن أبي بُردة وعنده ناسٌ من اليمامة يَضْحكون فقال: يا أبا فراس أتدري مِمِّ يَضْحكون قال: لا أدري قال: من جَفائك قال: أصلح اللهّ الأمير حَججتُ فإذا رجلٌ على عاتقه الأيمن صَبِيٌ وامرِأةٌ آخذةٌ بِمئزره وهو يقول: أنتَ وهبتَ زائداً ومَزيداً وكَهْلَةَ أُولج فيها الأجْرَدَا وهي تقول: إذا شئتَ فسألتُ ممن الرجل قيل: من الأشْعريين فأنا أَجْفَى من ذلك الرجل قال: لا حيّاك اللهّ فقد علمتُ أنّا لا نُفلت منك. اجتمع رَجل كَوسج معِ رجل مُسْبِل فقال المُسْبِل: والبَلد الطيب يَخرُج نَباتُه بإذن ربّه والذي خبُث لا يخْرُج إلا نَكِداً قالت الكَوْسجُ: قل لَا يَسْتوي الخبيثُ والطيب ولو أَعجبك كثرْة الخبيث. مَرّ مَسلمة بن عبد الملك وكان من أجمل الناس بمُوَسْوس على مَزْبلة فقال له المُوسوس: لو رآك أبوك آدم لقَرت عينُه بك وقال له مَسْلمة: لو رآك أبوك آدم لأذهبت سَخنةُ عينه بك قَرّةَ عينه بي! وكان مَسلمة من أحضر الناس جواباً. خرج إبراهيم النَّخعي وقام سُليمان الأعمش يمشي معه فقال إبراهيم: إنّ الناس إذا رَأَوْنا قالوا: أَعْور وأَعمش! قال: وما عليك أن يَأْثموا ونؤْجَر قال وما عليك أن يَسلموا ونَسلم. وقال شَدّاد الحارثيّ: لقيتُ أَسودَ بالبادية فقلتُ: لمَن أنت يا أَسود قال: لسيّد الحيّ يا أَصْلع قلتُ: ما أَغضبَك مني الحق قال لي: الحقُّ أَغْضبك قلت: أَوَلستَ بأسود قال: أولستَ بأَصلع أدْخِل مالكُ بن أَسماء السجن - سِجْن الكوفة - فجلس إليه رجلٌ من بني مُرّة فاتكأ عليه المُري يُحدّثه ثم قال: أَتَدري كم قَتلنا منكم في الجاهلية قال: أما في الجاهلية فلا ولكن أعرف من قتلتم منّا في الإسلام قال: أنا قد قَتَلتني بنَتن إبطيك. مَرت امرأة من بني نُمير على مَجلس لهم في يوم ريح فقال رجلٌ منهم: إنها لَرَسْحاء. قالت: والله يا بني نُمير ما أَطعتم الله ولا أَطعتم الشاعر قال الله تبارك وتعالى: " قُلْ للمؤْمِنين يَغُضوا من أَبْصارهم " وقال الشاعر: فغُضّ الطّرْفَ إنَكَ من نُمير قيل لشُريح: أيهما أطيب: الجَوْزنيق أم اللوْزنيق قال: لستُ أَحكم على غائب. هشام بن القاسم قال: جَمعني والفَرزدقَ مجلس فتجاهلتُ عليه فقلتُ: مَن الكَهْل قال: وما تَعرفني قلت: لا قال: أبو فِراس قلتُ: ومَن أبو فِراس قال: الفرزدق قلت: ومَن الفرزدق قال: وما تعرف الفرزدق قلت: لا أعرف الفرزدق إلا شيئاً يفعله النساء عندنا يَتَشهَوْن به كهيئة السًويق قال: الحمد لله الذي جعلني في بطون نسائكم يَتَشهَّوْن بي. قال هشامُ بن عبد الملك للأبرش الكلبي زوَجني امرأةً من كَلْب فزوّجه فقال له ذاتَ يوم: لقد وجدنا في نساء كلب سَعة قال: يا أميرَ المؤمنين نِساءُ كلب خُلقن لرجال كلب. وقال له يوماً وهو يتغدى معه يا أبرش إن أَكلك أكلُ مَعدي قال: هيهات! تَأبى ذلك قُضاعة. عمُارة عن محمد بن أبي بكر البَصْري قال: لما مات جعفر بن محمد قال أبو حنيفة لشَيْطان الطاق: مات إمامُك وذلك عند المهدي فقال شيطانُ الطاق: لكنّ إمامك من المُنظرين إلى يوم الوقت المَعْلوم. فَضَحِك المهديّ من قوله وأمر له بعشرة آلاف درهم. العُتبيّ قال: حدّثني أبي قال: لمّا افتُتح النُجَير وهي مدينة باليمن سمع رجلٌ منِ كِندة رجلاً وهو يقول وَجدنا في نساء كِندة سَعة فقال له: إن نِساءَ كِنْدة مَكاحلُ فقَدت مَراوِدها. لقي خالدُ بن صَفْوان الفرزدقَ وكان كثيراً ما يُداعيه وكان الفرزدق دَميماً فقال له: يا أبا فِراس ما أنت بالذي لما رَأينه أَكْبَرْنه وقَطّعن أيديهنِ قال له: ولا أنت أبا صَفوان بالذي قالت فيه الفتاة لأبيها: يا أَبَت استأْجِرْه إنّ خير مَن استأجرتَ القويُ الأمين. باع رجل ضَيْعة من رجل فلمّا انتقد المالَ قال للمُشتري: أمَا والله لقد أخذتَها كثيرة المَؤونة قليلة المَعونة قال له المُشتري: وأنت والله أَخذتَها بطيئةَ الإجتماع سريعةَ الإفتراق. واشترى رجل من رجل داراً فقال لصاحبها: لو صبرتَ لاشتريتُ منك الذِّراع بعشرة دنانير قال له البائع: وأنت لو صبرتَ لاشتريتَ مني الذراع بِدِرْهم. وكان بالرَّقة رجل يُحَدَث بأخبار بني إسرائيل فقال له الحجّاج بن حَنْتَمة: كيف كان اسم بقرة بني إسرائيل قال: حَنْتمة فقال له رجل من ولد أبي مُوسى الأشعريّ: أين وجدتَ هذا قال: في كتاب عَمرو بن العاص. وقال رجل للشَّعبيّ: ما كان اسم امرِأة إبليس قال: إن ذلك نَكاح ما شَهدناه. ودخل رجلٌ على الشَعبي فوجده قاعداَ مع امرأة فقال: أيّكما الشَّعبيّ قال الشعبي: هذه وأشار إلى المرأة. كان مَعْن بن زائدة ظَنِيناً في دِينه فبعث إلى ابن عيَّاش المنتوف بألف دينار وكتب إليه: قد بعثتُ إليك بألف دينار اشتريتُ بها منك دِينك فاقْبِض المال وأكتُب إليَّ بالتّسليم. فكَتب إليه: قد قبضتُ المالَ وبِعْتُك به ديني خَلا التَّوحيد لمَا عَلِمْتُ من زُهْدِك فيه. بَعث بلالُ بن أبي بُرْدة في ابن أبي عَلْقمة المَمْرور فلمّا أُتي به قال: أتدري لما بعثتُ إليك قال: لا أدري قال: بعثتُ إليك لأضحك بك قال: لئن فعلت لقد ضَحك أحدُ الحَكَمين من صاحبه يُعرض له بجدّه أبي مُوسى فَغَضِب به بلالٌ وأمر به إلى الحَبس. فكلّمه الناسُ وقالوا: إن المجنون لا يُعاقب ولا يُحاسب فأمر بإطلاقه وأن يُؤتى به إليه. فأُتي به في يوم سبت وفي كمّه طرائف أُتحِف بها قي الحَبس فقال له بِلال: ما هذا الذي في كُمك قال: من طَرائف الحَبْس قال: ناولني منها قال: هو يوم سَبْت ليس يُعطَى ولا يُؤخذ يُعرض بعمّة كانت له من اليَهود. دخل حَسّان بن ثابت على عائشة رضي الله عنها فأَنشدها: حَصان رَزَانٌ ما تُزَنّ بريبةٍ وتُصْبِح غَرْثَى من لُحوم الغَوَافِل قالت له: لكنّك لستَ كذلك وكان حَسّان من الذين جاءوا بالإفك. نظر رجل من الأزد إلى هلال بن الأحْوز حين قَدم من قَنْدابيل وقد أَطافت به بنو تميم فقال: انظرُوا إليهم وقد أَطافوا به إطافة الحواريين بعيسى. فقال له محمد بن عبد الملك المازني: هذا ضِدّ عيسى عيسى كان يُحيى المَوتى وذا يُميت الأحْياء. لما حُلقت لِحْيةٌ ربيعة بن أبي عبد الرحمن كانت امرأة من المسجد تقف عليه كُلّ يوم في حَلْقته وتقول: الله لك يا بن أبي عبد الرحمن! مَن حَلَق لِحْيتك فلمّا أَبْرَمَتْه قال لها: يا هذه إنّ ذلك حَلَقها في جَزّة واحدة وأنت تَحْلقينها في كل يوم. خرج سعيدُ بنُ هِشام بن عبد الملك يوماً بِحِمْص في يوم مطر عليه طَيْلَسان وقد كاد يمسّ الأرض فقال له رجلٌ وهو لا يعرفه: أَفسدتَ ثوبَك يا عبد الله قال: وما يضرُّك قال: وَدِدتُ أنك وهو في النّار قال: وما يَنفعك لما قِدم الحجّاجُ العِراقَ والياً عليها خَرج عُبيد الله بن ظَبْيان مُتوكِّئاً على مَوْلى له وقد ضَرَبه الفالِجُ فقال: قَدِم العراقَ رجل على دِينيّ فقال له حُضَين ابن المنذِر الرَّقاشيّ فهو إذًا مُنافق قالت عبيد الله: إنه يَقْتل المنافقين قال له حُضَين: إذاً يَقْتلك. لما قَدِم عبدُ الملك بن مروان المدينةَ نَزل دارَ مَرْوان فمرّ الحجّاج بخالد بنِ يزيد بن مُعاوية وهو جالسٌ في المسجد وعلى الحجّاج سَيْف مُحلَّىً وهو يخْطِر متبختراَ في المَسْجد فقال له رجلٌ من قُريش: مَن هذا التَخْطَارة فقال خالدُ بَخٍ بَخٍ! هذا عمرو بن العاص. فَسمعه الحجّاج فمال إليه فقال: قلتَ: هذا عمرو بن العاص! والله ما سَرّني أنّ العاص وَلدني ولا ولدتُه ولكنْ إن شِئتَ أخبرتُك مَن أنا أنا ابن الأشياخ من ثَقِيف والعقائل من قُريش والذي ضَرب مائة ألفٍ بسيفه هذا كُلّهم يَشْهد على أبيك بالكُفْر وشُرْب الخمر حتى أَقروا أنه خليفة ثم وَلِّى وهو يقول: هذا عمرو بن العاص! قال رجلٌ من بني لهْب لِوَهْب بن مُنَبّه: ممّن الرجل قال: رجل من اليمن قال: فما فعلتْ أُمّكم بلقيس قال: هاجرتْ مع سُليمان لله ربّ العالمين وأمّكم حَمّالة الحطب في جِيدها حَبْل من مَسَد. وقال رجل لابن شُبرمة: مِن عندنا خَرج العِلمُ إليكم قال: نعم ثم لم يَرْجع إليكم. نَظر يزيدُ بن منصور خالُ المهديّ إلى يزيد بن مَزْيد وعليه رداءٌ يمان وهو يَسْحبه فقال: ليس عليك غَزْله فاسحب وجُرّ قال له: على آبائك غَزْلُه وعليّ سَحْبُه. فشكاه إلى المهديّ فقال: لم تَجد أحداً تتعرّض له إلاّ يزيدَ بن مَزْيد! دخل أبو يَقْظان القَيْسيّ علي يزيدَ بن حاتم وهو والي مِصْر وعنده هاشمُ ابن حُديج فقال له يزيد: حَرِّكه وعلى أبي اليَقْظان حُلّة وَشيْ وكِساء خَزّ فقال هاشم: الحمدُ لله أبا اليَقْظان لَبِسْتم الوَشيْ بعد العَباء قال: أجل تحوكون ونَلْبس فلا عَدِمْتم هذا مِنّا ولا عَدِمْنا هذا منكم. كتب الفرزدقُ إلى عبد الجبّار بن سلْمى المُجاشعيّ يَسْتهديه جارية وهو بعُمان فكتب إليه: كتبتَ إليّ تستهدي الجَوارِي لقد أَنْعَظْتَ مِن بلد بَعيدِ وقال رجلٌ من العَرب: رأيتُ البارحهَّ الجنة قي مَنامي فرأيتُ جَميع ما فيها من القُصور فقلتُ: لمَن هذه فَقِيل لي: للعرب قال له رجلٌ من المَوِالي: صَعِدْت الغًرف قال: لا قال: تلك لنا. قال عبدُ الله ابن صَفْوان وكان أُمّياَ لعبد الله بن جَعفر بن أبي طالب: أبا جعفر لقد صِرْتَ حُجَّةً لِفْتياننا علينا إذا نَهيناهم عن المَلاهي قالوا: هذا ابنُ جَعْفر سيد بني هاشم يَحْضرُها ويتخذها قال له: وأنت أبا صَفْوان صِرْت حُجة لِصبْياننا علينا إذا لُمْنَاهم في تَرْك المَكْتب قالوا: هذا أبو صَفْوٍان سيد بني جُمح يقرأ آيةً ولا يخطها. قال مُعاوية لعبد الله بن عامر: إنّ ليإليك حاجة قال: بحاجةٍ تقضيها يا أميرَ المؤمنين فَسَلْ حاجتك قال: أريد أن تهب لي دُورك وضِياعك بالطّائف قال: قد فعلتُ قال: وَصَلَتك رَحِم فَسَلْ حاجتك قال: حاجتي إليك أن تردِّها عليِّ يا أميرَ المُؤمنين قال: قد فعلت. وقال رجل لثُمَامة بن أَشْرس: إنّ لي إليك حاجةَ قال: وأنا لي إليك حاجة قال: وما حاجُتك قال: فَتقْضيها قال: نعم فلما تَوثق منه قال: فإن حاجتي إليك ألا تسألني حاجة. جواب في فخر سَعيد بن أبي عَرُوبة عن قَتادة مّال! تَفاخر عمرو بن سَعيد بن العاص وخالدُ بن يزيد بن مُعاوية عند عبد الملك بن مَرْوان فقال عبدُ الملك لشيخ من موالي قُريش: اقِض بينهما: فقال الشيخُ: كانَ سعيد بن العاصي لا يَعتمّ - أحد في البلد الحرام بلون عِمامته وكان حرب بن أُمية لا يبكى على أحد من بني أمية ما كان في البلد شاهداً فلمّا مات سعيدٌ وحَرْب شاهد لم يُبْك عليه. قال الأبرش الكلبيّ لخالد بن صَفْوان: هَلُمّ أفاخرْك وهما عند هشام بن عبد الملك قال له خالد قُل فقال له الأبرش: لنا رُبع البيت - يُريد الرُكن اليَمانيّ - ومنّا حاتم طيىء ومما المُهلّب بن أبي صفرة. فقال خالد بن صفوان: منّا النبيّ المُرسل وفينا الكِتاب المنزل ولنا الخليفة المُؤمّل. قال الأبرش: لا فاخرتُ مُضريَّاً بعدك. ونزل بأبيِ العباس قوم من اليمن من أخواله من كَعب ففخروا عنده بقَديمهم وحَديثهم فقال أبو العباس لخالد بن صَفوان: أجب القوم فقال: أخوال أمير المؤمنين قال: لا بد أن تقول قال: وما أقول يا أميرَ المُؤمنين لقوم هم بين حائك بُرد ودابغ جِلْد وسائِس قِرْد مَلَكتهم امرأة ودَلّ عليهم هُدهد وغَرَّقتهم فأره. فلم يَقُم بعدها ليمانيّ قائمة. قال عبدُ الملك بن الحجّاج: لم كان رجل من ذهب لكُنْتُه. قال له رجلٌ من قُريش: وكيف ذلك قال: لم تَلِدْتي أمَهَ بيني وبين آدم ما خلا هاجَر فقال له: لولا هاجَر لكُنْت كَلْباً من الكِلاب. دخل عمر بن عُبيد الله بن مَعْمر على عبد الملك بن مروان وعليِه حِبَرة صَدْأة عليها أثر الحمائل فقالت له أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد: يا أبا حَفْص أي رجل أنت لو كنتَ من غير مَن أنت منه من قريش قال: ما أحب أني من غير مَن أنا منه إنّ منّا لسيد الناس في الجاهلية عبدَ الله بن جُدْعان وسيّدَ الناس في الإسلام أبا بكر الصدّيق وما كانت هذه يدي عندك إني استنقذت أمهاتِ أولادك من عدوك أبي فُديك بالبحرين وهُنّ حَبالى فولدن في حجابك. قال عبدُ الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة لمُعاوية: أما والله لو كُنَّا بمكة على السواء لعلمتَ! قال مُعاوية: إذاً كنتُ أكون مُعاوية بن أبي سفيان مَنْزلي الأبْطح يَنشقّ عنِّي سَيْلُه وكنتَ عبدَ الرحمن بن خالد منزلُك أَجياد أعْلاه مَدَرَة وأسفله عَذِرة. تنازع الزبير بن العوام وعُثمان بن عفّان في بعض الأمر فقال الزبير: أنا ابن صَفِية قال عُثمان: هي أدْنَتك من الظَلّ ولولا ذاك لكُنت ضاحياً. قال أحمد بن يوسف الكاتب لمحمد بن الفَضل: يا هذا إنّك تَتطاول بهاشم كأنك جمعتها وهي تَعتدّ في أكثر من خمسة آلاف قال له محمد بن الفضل: إنَّ كثْرة عددها ليس يُخرج من عنقك فَضْل واحدها. فَخر مولى لزياد بزياد عند مُعاوية. قال له فعاوية: اسكت فوالله ما أدْرك صاحُبك شيئاً بسيفه إلا أدركتُ أكثرَ منه بلساني. وقال رجل من مَخْزوم للأحوص محمد بن عبد الله الأنصاري: أتعرف الذي يقول: ذَهبتْ قُريش بالمَكارم كُلِّها والذُّلُّ تحت عمائم الأنْصَارِ قال: لا ولكنّي أعرفُ الذي يقول: الناسُ كَنَوْه أبا حَكَمٍ والله كَنَّاه أبا جَهْل أبقتْ رياستُه لأسْرته لؤْمَ الفُرُوع ورِقَة الأصل سأل رجلٌ من قُريش رجلاً من بني قَيس بن ثعلبة: ممن أنت قال: من ربيعة قال له القُرشسيّ: لا أثر لكم ببَطحاء مكة قال القَيْسي: آثارُها. في أكناف الْجَزيرة مَشْهورة مَواقفنا في ذي قار مَعْروفة فأما مكّة فسواء العاكفُ فيها والبادي كما قال الله تبارك و تعالى فأفحمه. قال الأشعث بن قيس لشرُيح القاضي: شَد ما ارتفعتَ! قال: فهل ضرَك قال: لا قال: فأراك تَعرف نعمةَ الله على غيرك وتَجلهلها على نَفْسِك. قال سليمانُ بن عبد الملك ليزيد بن المُهَلَّب: فيمن العِزُّ بالبَصرة قال: فينا وفي أحلافنا من رَبيعة قال له سليمان بن عبد الملك: الذي تحالفتما عليه أعز منكما. قَدِم أعرابيّ البصرَة فَدخلَ المسجدَ الجامعِ وعليه خًلْقان وعمامة قد كَوَّرِها على رأسه فَرَمى بطَرفه يمنةً ويسرةً فلم يرَ فتية أحسنَ وُجوهاً ولا أظْهر زيّاً من فتْية حَضروا حَلْقة عُتْبة المَخزوميّ فدنا منهم وفي الحَلْقة فُرْجة فطبقها فقال له عُتبة: ممن أنت يا أعرابيّ قال: من مَذحج قال: مِن زَيْدها الأكْرمين أو من مُرادها الأطْيبين قال: لستُ من زيدها ولا من مُرادها قال: فمن أنت قال: فإني من حُماةِ أعراضها وزَهْرة رياضها بني زُبيد. قال: فأفحم عُتْبة حتى وَضع قَلَنسُوته عن رأسه وكان أصْلع فقال له الأعرابي: فأنت يا أصلع ممن أنت قال: أنا رجل من قريش قال: فمن بيت نُبوَتها أو من بيت مَمْلكتها قال: إِني من رَيحْانتها بنِي مَحزوم قال: والله لو تَدْري لم سُمِّيت بنو مَخزوم ريحانَة قريش ما فخرت بها أبداً إنما سميت ريحانة قُريش لِخَور رجالها ولين نسائها قال عتبة: والله لا نازعتُ أعرابياً بعدك أبداً. وَضع فَيْروز بن حُصَين يدَه على رأس نُميلة بن مالك بن أبي عُكابة عند زياد فقال: مَن هذا العبد قال: أنت العبد ضَربناك فما انتصرت ومَننا عليك فما شَكرْت. اجتمعت بَكر بن وائل إلى مالك بن مِسْمَع لأمر أراده مالك فأرسل إلى بَكر بن وائل وأرسل إلى عُبيد الله بن زياد بن ظَبيان فأتى عُبيد الله فقال: يا أبا مِسْمع ما مَنعك أن تُرسل إلي قال: يا أبا مَطر ما في كنانتِي سَهْم أنا أوْثق به منِّي بك. قال: وإنّي لفى كِنانتك! أمَا والله لئن كنتُ فيها قائماً لأطولنَها ولئن كنتُ فيها قاعداً لأَخْرِقَنها. نازع مالكُ بن مِسْمعِ شَقيق بن ثَوْر فقال له مالكٌ! إنما شَرّفَك قَبْر بِتُسْتَر قال شقيقِ: لكن وَضعك قبْرٌ بالمُشَقَّر. وذلك أنَّ مِسْمعاً أبا مالك جاء إلى قوم بالمُشَقّر فنبحه كَلْبهُم فَقَتله فقتلوه به فكان يقال له: قتيل الكلاب. وأراد مالك قَبر مَجْزأة بن ثَوْر أخي شفيق وكان استُشهد بتُسْتر مع أبي مُوسى الأشعريّ. قال قُتيبة بن مُسلم لهُبيرة بن مَسْروح: أي رجل أنت لو كانت أحوالك من غير سَلوٍل! فبادل بهم قال: أصْلح الله الأمير بادِل! بهم مَن شئت وجَنِّبني باهلة. وكان قتيبة من باهلة. جواب ابن أبي دواد قال أحمدُ بن أبي دُواد لمحمدِ بن عبد الملك الزيات عند الواثق: أضوي أي أسكت - يا لنّبطية - فقال له: لماذا والله ما أنا بِنَبطيّ ولا بِدَعِيّ قال له: ليس فوقك أحد يَفْضُلك ولا دونك أحد تَنْزل إليه فأنت مُطّرح في الحالتين جميعاً. ودخل أحمد بن أبي دُواد على أشْناس فقال له: بلغني أنك أفسدت هذا الرجل يعني محمد بن عبد الملك وهو لنا صديق فأحب أنْ لا تأتينا قال له ابن أبي دُواد: أنت رجل صَنَعَتْك هذه الدولة فإنْ أتيناك فلها هان تَركناك فلنفسك. قال أحمدُ بن أبي دواد: دخلتُ على الواثق فقال: ما زال قومٌ اليومَ في ثَلْبك ونَقْصك فقلت: يا أمير المؤمنين لكل امرئ منهم ما اكتسب مات الإثم والذي تولّى كِبْره منهم له عذاب عظيم فالله وليّ جزائه وعِقابُ أمير المؤمنين مِن ورائه وما ضاع امرؤ أنت حائطُه ولا ذَلّ مَن كنت ناصرَه فماذا قلت لهم يا أمير المؤمنين قال: أبا عبد الله: وسَعى إلى بعَيْب عَزّةَ نِسوة جَعل المليكُ خُدودَهن نِعالهَا وقال أبو العيناء الهاشمي: قلت لابن أبي دُواد: إنَّ قوماً تَضافروا عليَّ قال: يَدُ الله فَوق أَيْدِيهم. قلتُ: إنهم جماعة قال: كم مِن فِئةًٍ قليلةًٍ غَلبَتْ فئِةً كثيرةً بإذن الله والله مع الصابرين. قلت: إنَّ لهم مكراً قال: ولا يَحيقُ المَكْر السيَّء بأهله. قال أبو العيناء: فحدّثت به أحمدَ بن يوسف الكاتب فقال: ما يُرى ابنُ أبي دواد إلا أنّ القرآن إنما أنزل عليه. جواب في تفحش خَطب خالدُ بن عبد الله القَسريّ فقال: يأهل البادية ما أخشنَ بلدَكم! وأغلظَ معاشَكم! وأجفى أخلاقَكم! لا تشهدون جمعة ولا تُجالِسون عالماً فقام إليه رجال منهم دَميم فقال: أمّا ما ذكرت من خُشونة بلدنا وغِلَظ طَعامنا وجَفاء أخلاقنا فهو كذلك ولكنّكم معشرَ أهل الحَضر فيكم ثلاث خِصال هي شرٌّ مِن كل ما ذكرت قال له خالد: وما هي قال: تَنْقُبون الدُّور وتَنْبِشون القُبور وتَنْكحون الذُّكور قال: قَبَّحك الله وقَبَّح ما جِئت به. أبو الحسن قال: أتى موسى بن مُصعب منزل امرأة مَدنيّة لها قَيْنة تَعْرِضها فإذا امرأة جميلة لها هَيْئة فَنظر إلى رجل دَميم يجيء ويَذهب ويأمر ويَنهى في الدار فقال: مَن هذا الرجل قالت: هَو زَوجي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون! أمَا وجدتِ مِن الرجال غيرَ هذا وبكِ مِن الجمال ما أرى قالت: والله يا أبا عبد الله لو استدبرك بمثل ما يَستقبلني به لَعَظُم في عينك. أبو الحسنِ قال: قالت عاتكة بِنت المُلاءة لِرائض دوابّ زَوْجها في طريق مكة: ما وجدتُ عملاً شَرّاً من عملك إنما كَسْبُك باستك! فقال لها: جُعلت فداك ما بين ما أكتسب به وما تَكْتسبين به أنت إلا إصبعان قالت: ويلي عليك! خذوا الخبيث. فَطَلبه حَشمُها ففاتهم رَكْضاً. أبو الحسن قال: قال رجل من الأزد في مَجلس يُونس النحويّ: وَدِدْت والله أنّ بَني تَميم جميعاً في جَوْفي على أنْ يُضربَ وَسطي بالسَّيفِ. قال له شَيخ في ناحِية المَجلِس حِرْمازي من بني تميم: يا هذا يَكْفيك من ذاك كَمَرة حِماريّة يملأ بها أستك إلى لهَاتك. وسأل أعرِابيّ شيخاً من بني مَروان وحولَه قومٌ جلوس فقال: أصابَتْنا سنةٌ ولي بضعَ عشرةَ بِنْتاَ فقال الشيخُ: أما السّنة فوددتُ والله أنّ بينكم وبين السماء صفيحةً من حديد وأما البنات فليتَ الله أضعفهن لك أضعافاً كثيرة وجَعلك مَقْطوع اليدين والرِّجلين ليس لهن كاسب غيرُك. قال: فنظَر الأعرابي مليًّا ثم قال: ما أدري ما أقول لك! ولكني أراك قبيح المنظر لئيم المَخْبر فأعضك الله ببُظور أمهات هؤلاء الجلوس حولك. وسأل أعرابي شيخاً من الطائف وشَكا إليه سنةً أصابته فقال: وددتُ والله أنّ الأرض حصّاء ولا تُنبت شيئاً قال: ذلك أيْبس لجَعَر أمك في آستها. قال عبيدُ الله بن زياد بنِ ظَبيان لزُرْعة بن ضَمْرة الضِّمْريّ: إني لو أدركتُك يوم الأهواز لقطعتُ منك طابَقاَ شَحيماً قال: ألا أدُلك على طابق شَحِيم هو أولى بالقطع قال: بلى قال: البَظْر الذي بين استيْ أمك. قال عبدُ الله بن الزُّبير لعَدِيّ بن حاتم: متى فُقِئت عينك قال: يومَ طعنتُك في آستك وأنت مُولٍّ. وقال الفرزدق: ما عَييتُ بجواب أحد قط ما عَييتُ بجواب امرأة وصبيّ ونَبَطيّ فأمّا المَرأة فإني ذهبتُ ببغلتي أسْقيها في النّهر فإذا معشر نِسْوة فلما هَمزت البغلة حَبَقَت فاستضحك النسوة فقلتُ لهن: ما أضحككن فوِالله ما حَملتني أنثى إلا فعلتْ مثلَها فقالت امرأة منهن: فكيف كان ضُراط أمك قُفيرة فقد حَملتْك في بَطنها تسعةَ أشهر فما وجدتُ لها جواباً وأما الصبيّ فإنّي كنت أنشد بجامع البَصْرة وفي حَلْقتي الكميتُ ابن زَيد وهو صَبيّ فأعْجَبني حًسن استماعه فقلتُ له: كيف سمعتَ يا بُني قال لي: حَسن قلتُ: أفيسرّك أنّي أبوك قال: أما أبي فلا أُريد به بَديلًا ولكنْ وَدِدْتُ أن تكون أميّ قلتُ: اْسترها عليّ يا بن أخي فما لقيتُ مثلَها وأمّا النبطيّ فإني لَقيتُ نَبطيِّاً بيَثْرب فقال لي: أنت الفَرزدق لمحلتُ: نعم قال: أنت الذي يخَاف الناس لسانَك قلتُ: نعم قال: فأنت الذي إذا هجوتني يموت فَرس هذا قلتُ: لا قال: فَيموت وَلدي قلتُ: لا قال: فأموت أنا قلت: لا قال: فأدْخلني الله في حِرام الفرزدق مِن رِجْلي إلى عنقي قلت: ويلك! ولم تركتَ رأسك قال: حتى أرَى ما تَصنع الزّانية. ولقي جَرير الفرزدقَ بالكوفة فقال: أبا فراس تَحتمل عنّي مسألة قال: أحتملها بمسألة قال: نعم قال: فَسَل عمَّا بدا لك قال: أيّ شيء أحبّ إليك: يتقدّمك الخيرُ أو تَتقدّمه قال: لا يتقدّمني ولا أتقدمه ولكنْ أكون معه في قَرَن قال: هات مسألتك قال له الفرزدق: أيّ شيء أحب إليك إذا دخلتَ على امرأتك: أن تجديدها على أَيْر رجل أو تجد يَد رجل على حِرِها قال: قاتلك الله! ما أقبَح كلامَك! وأرذلَ لسانك! أبو الحسن قال: مرٍ الفرزدق يوماً بمسجد الأحامرة وفيه جماعةٌ فيهم أبو المًزرّد الحنفي فقال له الفرزدق. يا أخا بني حَنيفة ما شيءٌ لم يكن له أسنان ولا تكون ولو كان لم يَستقم قال: لا أَدْري قال: يا أبا المزرد إنه سَفيه فإنْ لم تَغضب أخبرتُك قال: قُلْ فإني لا أغضب فقال: حِرِ أمّك لم تكن له أسْنان ولا تكون ولو كان لم يَسْتقم. أبو الحَسن قال: لقي الفَرَزدَق عمرو بن عَفْراء فعاتَبه في شيء بَلغه عنه فقال له ابنُ عَفْراء وهو بالمِرْبد: ما شيء أحبَّ إليّ مِن أن آتي كلَّ شي تَكْرهه قال له الفرزدقُ: بالله إنّك لأتي كلّ شيء أكرهه قال: نعم قال فإني أكْره أن تَأتي أمّك فَأتها. ضاف رجلٌ قبيح الوجه دَنيّ الحَسب أبا عبد الله الجمّار فجعل يَفْخر ببيته فقال له الجماز: اسكت فقَبَاحة وجهك ودُنُوّ حسبك يمنعاننا مِن سَبّك فأبى إلا التَّمادي في اللّجاج فقال له الجمّاز: لو كُنْتَ ذا عِرْض هَجَوْناكا أو حسن الوجه لنكناكا جمعتَ مَرْ قُبْحك لؤْماً فلل قُبح أو اللّؤم تَرَكنْاكا


العقد الفريد - الجزء الثاني لابن عبد ربه
العقد الفريد/الجزء الثاني/1 | العقد الفريد/الجزء الثاني/2 | العقد الفريد/الجزء الثاني/3 | العقد الفريد/الجزء الثاني/4 | العقد الفريد/الجزء الثاني/5 | العقد الفريد/الجزء الثاني/6 | العقد الفريد/الجزء الثاني/7 | العقد الفريد/الجزء الثاني/8 | العقد الفريد/الجزء الثاني/9 | العقد الفريد/الجزء الثاني/10 | العقد الفريد/الجزء الثاني/11 | العقد الفريد/الجزء الثاني/12 | العقد الفريد/الجزء الثاني/13 | العقد الفريد/الجزء الثاني/14 | العقد الفريد/الجزء الثاني/15 | العقد الفريد/الجزء الثاني/16 | العقد الفريد/الجزء الثاني/17 | العقد الفريد/الجزء الثاني/18 | العقد الفريد/الجزء الثاني/19 | العقد الفريد/الجزء الثاني/20 | العقد الفريد/الجزء الثاني/21 | العقد الفريد/الجزء الثاني/22 | العقد الفريد/الجزء الثاني/23 | العقد الفريد/الجزء الثاني/24 | العقد الفريد/الجزء الثاني/25 | العقد الفريد/الجزء الثاني/26 | العقد الفريد/الجزء الثاني/27 | العقد الفريد/الجزء الثاني/28 | العقد الفريد/الجزء الثاني/29 | العقد الفريد/الجزء الثاني/30 | العقد الفريد/الجزء الثاني/31