العقد الفريد/الجزء الخامس/23
فتنفس ذو الرمة تنفساً ظننت معه أن فؤاده قد انصدع ومضيت فيها حتى انتهيت إلى قوله: وقد حلفت بالله مية ما الذي أقول لها إلا الذي أنا كاذبه إذاً فرماني الله من حيث لا أرى ولا زال في أرضي عدو أحاربه فالتفتت إليه فقالت: خف عواقب الله. ومضيت في القصيدة حتى انتهيت إلى قوله: إذا راجعتك القول مية أو بدا لك الوجه منها أو نضا الثوب سالبه فيا لك من خد أسيل ومنطق رخيم ومن خلق تعلل جادبه فقالت الظريفة: ها هي ذه قد راجعتك وقد بدا لك الوجه منها فمن لك بأن ينضو الدرع سالبه فالتفتت مية إليها فقالت: قاتلك اله ما أنكر ما تجيبين به. فتحدثن ساعة ثم قالت الظريفة للنساء: إن لهذين لشأناً فقمن بنا وقمت معهن فجلست في بيت أراهما منه فما رأيته برح من مقعده ولا فقدته فسمعتها قالت له: كذبت والله. ولا أدري ما قال لها فلبثت قليلاً ثم جاءني معه قارورة فيها دهن ومعه قلائد للجؤذر فقال: هذا دهن طيب أتحفنا به وهذه قلائد للجؤذر ولا والله ما أقلدهن بعيراً أبداً! وشد بهن ذوائب سيفه وانصرفنا. فكنا نختلف إليها حتى انقضى الربيع ودعا الناس المصيف فأتاني فقال: هيا عصمة قد رحلت مي ولم يبق إلا الآثار ورسوم الديار. وأنشدني: ألا يا اسملي يا دار مي على البلى ولا زال منهلاً بجرعائك القطر خرج المأمون في يوم عيد وقد ركب الجند أمامه ومعه يحيى بن أكثم يضاحكه ويحادثه إذ نظر إلى غلام من الجند في غاية الفراهة عليه ثوب حرير أخضر وثوب موشى مزرر بالذهب فالتفت إلى يحيى بن أكثم فقال له: يا يحيى ما تقول في هذه البضاعة فقال: يا أمير المؤمنين إن هذا لقبيح من إمام مثلك مع فقيه مثلي. قال: فمن الذي يقول: قاض يرى الحد في الزناء ولا يرى على من يلوط من باس فقال: دعبل الذي يقول: ولا أرى الجور ينقضي وعلى ال أمة والٍ لآل عباس قال: ينفى إلى السند وإنما داعبناك. ثم أنشأ المأمون يقول: أيها الراكب ثوبا ه حرير وحديد أنت جندي ولكن فيك للحسن جنود الفضل بن الربيع قال: قعد المخلوح للناس يوماً وعليه طيلسان أزرق وتحت لبد أبيض فوقع في ثمانمائة قصة فوالله لقد أصاب فما أخطأ وأسرع فما أبطأ ثم قال لي: يا فضل أتراني لا أحسن التدبير والسياسة ولكني وجدت شم الآس وشرب الكاس والاستلقاء من غير نعاس أشهى إلي من ذلك. قال ابن قتيبة: خرج أبو عيسى جبريل بن أبي عيسى إلى متنزه بالقفص ومعه الحسن بن هانئ في آخر شعبان فلما كان اليوم الذي أوفى به الشهر ثلاثين يوماً قيل له: إن هذا يوم شك وبعض أهل العلم يصومه فقال: لا عليك ليس الشك حجة على اليقين. حدثنا أبو جعفر عن النبي ﷺ قال: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ". ثم قال أبو عيسى: لو شئت لم نبرح من القفص نشربها حمراء كالحص نسرق هذا اليوم من شهرنا والله قد يعفو عن اللص وذكروا أن أبا عيسى خرج إلى القفص متنزهاً ومعه الحسن بن هانئ فحمله وخلع عليه فأقام فيها أسبوعاً ثم قال: بحياتي صف مجلسنا والأيام كلها. فقال في ذلك: يا طيبنا بقصور االقفص مشرقة بها الدساكر والأنهار تطرد جاءتك من دن خمار بطينتها صفراء مثل شعاع الشمس ترتعد وقام كالبدر مشدوداً قراطقه ظبي يكاد من التهييف ينعقد فسلها من فم الإبريق فانبعثت مثل اللسان جرى واستمسك الجسد فلم نزل في صباح السبت نأخذها والليل يأخذنا حتى بدا الأحد واستشرقت غرة الاثنين واضحة والجدي معترض والطالع الأسد يوفي الثلاثاء أعملنا المطي بها صهباء ما قرعتها بالمزاج يد والأربعاء صفا فيه النعيم لنا والكأس يضحك في حافاتها الزبد ثم الخميس وصلناه بليلته قصفاً وتم لنا بالجمعة العدد يا حسننا وبحار القفص تغمرنا في لجة الليل والأوتار تجتلد في مجلس حوله الأشجار محدقة وفي جوانبه الأطيار تغترد لا نستخف بساقينا لعزته ولا يرد عليه حكمه أحد عند الهام أبي عيسى الذي كملت أخلاقه فهي كالأوراق تنتقد عشرون ألف فتى ما منهم أحد إلا كألف فتى مقدامة بطل أضحت مزاودهم مملوءة نشباً ففرغوها وأوكوها إلى الأمل فقلت له: أحسنت لله أنت. فقال: أتحب رقيقة فقلت: ما أحوجني إليها. فقال: إنما هيج البلا حين عض السفرجلا وعلا الورد وجنتي ه فأبدى التخجلا يفضح البدر في الكما ل إذا البدر أكملا ولقد قام لحظ عي ني على القلب بالقلا قلت له: أبو من أعزك الله قال: ابو عيشونة الخياط شهدت حروب ابن زبيدة كلها وجاريت الفتيان في غاية كل ميدان واعترف لي كل فاتك وأذعن لي كل شاطر ونزلت تلك الدار عشرين سنة. وأومأ إلى سجن بغداد ثم تنفس الصعداء. وقال: أنا الذي أقول: لي فؤاد مستهام وجفون ما تنام ودموع آخر الده ر بعيني سجام وحبيب كلما خا طبته قال سلام ثم بكى تخالجاً فلما افاق قلت: ما يبكيك قال: وكيف لا أبكي ولي حبيب بالبصرة علقته وهو ابن سبع عشرة سنة ثم غبت عنه ثلاثاً وثلاثين سنة فلما عيل صبري خرجت إلى البصرة فطفت في شوارعها حتى رأيته فما رأيت وجهاً أحسن منظراً ولا أزهى منه. ثم أنشأ يقول: مردد في كمده معذب في سهده خلا به السقم فما أسرعه في جسده يرحمه لما به من ضره ذو حسده ثم ودعني ومضيت. وحدثني أبو الفضل قال: إني لفي الطواف أمام الحجر إذ سمعت حنيناً يخرج من بين الأستار وإذا قائل يقول: عفا الله عمن يحفظ الود جهده ولا كان عفو الله للناقض العهد وضعت على الأستار خدي ليلة ليجمعني مع من وضعت له خدي قال: فرفعت الأستار فإذا جارية منفردة كأنها شمس تجلت عنها غمامة. فقلت: يا هذه لو سألت الله الجنة مع هذا التضرع والبكاء ما حرمك إياها. قال: فسترت وجهها وقالت: سبحان من خلق فسوى ولم يهتك العلانية والنجوى. أما والله إني لفقيرة إلى رحمة ربي وقد سألته أكبر الأمرين عندي رجاء فضله واتكالاً على عفوه. ثم ولت عني فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم. حدث مسلم بن عبد الله بن مسلم بن جندب قال: خرجت أنا وزبان السواق إلى العقيق فلقينا نسوة نازلات من العقيق لهن جمال وشارة وفيهن جارية حسانة العينين فلما رآها زبان قال لي: يا بن الكرام دم أبيك والله في ثيابها فلا تطلب أثراً بعد عين. وأنشد قول أبي مسلم بن جندب: ألا يا عباد الله هذا أخوكم قتيلاً فهل منكم له اليوم ثائر خذوا بدمي إن مت كل مليحة مريضة جفن العين والطرف ساحر قال: فقالت لي الجارية: أنت ابن جندب قلت: نعم. قالت: فاغتنم نفسك واحتسب أباك فإن قتيلنا لا يودى وأسيرنا لا يفدى. الزبير بن بكار عن عبد الله بن مسلم بن جندب قال: قلت: تعالوا أعينوني على الليل إنه على كل عين لا تنام طويل قال: فطرقني عيسى بن طلحة قال: إني سمعت قولك فجئت أعينك. فقلت: يرحمك الله أغفلت الإجابة حتى أتى الله بالفرج. أبو المهلهل الخزاعي قال: ارتحلت إلى الدهناء فسألت عن مي صاحبة ذي الرمة فدفعت إلى خيمة فيها عجوز هيفاء فسلمت عليها وقلت: أين منزل مي فقالت: ها أنا مي. فقلت: عجباً من ذي الرمة وكثرة قوله فيك. قالت: لا تعجب فإني سأقوم بعذره. ثم قالت: فلانة! فخرجت من الخيمة جارية ناهدي عليها برقع فقالت لها: أسفري. فلما تحيرت لما رأيت من حسنها وجمالها فقالت: علقني ذو الرمة وأن في سن هذه وكل جديد إلى بلى. قلت: عذرته والله. واستنشدتها من شعره فأنشدتني. ما يكتب على العصائب وغيرها أبو الحسن قال: دخلت على هارون الرشيد وعلى رأسه جوار كالتماثيل فرأيت عصابة منظمة بالدر والياقوت مكتوباً عليها في صفائح الذهب: ظلمتني في الحب يا ظالم والله فيما بيننا الحاكم قال: ورأيت في عصابة أخرى: ما لي رميت فلم تصبك سهامي ورميتني فأصبتني يا رامي قال: ورأيت في عصابة أخرى: " وضع الخد للهوى عز ". قال: ورأيت في صدر أخرى هلالاً أفلت من حور الجنان وخلقت فتنة من يراني قال إسحاق بن إبراهيم: دخلت على الأمين محمد بن زبيدة وعلى رأسه وصائف في قراطق مفروجة بيد وصيفة منهن مروحة مكتوب عليها: بي طالب العيش في الصي ف وبي طاب السرور ممسكي ينفي أذى الح ر إذا اشتد الحرور الندى والجود في وج ه أمين الله نور ملك أسلمه الشب ه وأخلاه النظير وفي عصابتها: ألا بالله قولوا يا رجال أشمس في العصابة أم هلال وفي أخرى: أتهوون الحياة بلا جنون فكفوا عن ملاحظة العيون وكتب " ورد " جارية الماهاني على عصابتها وكانت تجيد الغناء مع فصاحتها وبراعتها: تمت وتم الحسن في وجهها فكل شيء ما سواها محال للناس في الشهر هلال ولي في وجهها كل صباح هلال يا رامياً ليس يدري ما الذي فعلا عليك عقلي فإن السهم قد قتلا أجريته في مجاري الروح من بدني فالنفس في تعب والقلب قد شغلا وقال علي بن الجهم: خرجت علينا " عالج " جارية خالصة كأنها خوط بان وهي تميس في روقة وعلى طرتها مكتوب بالغالية وكانت من مجان أهل بغداد مع علمها بالغناء: يا هلالاً من القصور تجلى صام قلبي لمقلتيه وصلى لست أدري أطال ليلي أم لا كيف يدري بذاك من يتقلى لو تفرغت لاستطالة ليلي ولرعى النجوم كنت مخلا قال: وخرجت إلينا " منال " وعليها درع خام على جانبها الأيمن مكتوب: كتب الطرف في فؤادي كتاباً هو بالشوق والهوى مختوم وعلى الأيسر مكتوب: كان طرفي على فؤادي بلاء إن طرفي على فؤادي مشوم قال: وكان على عصابة " ظبي " جارية سعيد الفارسي مكتوب بالذهب: العين قارئة لما كتبت في وجنتي أنامل الشجن قال: وحدثني الحسن بن وهب قال: كتبت " شعب " على قلنسوة جاريتها " شكل ": حذراً عليك وإنني بك واثق أن لا ينال سواي منك نصيباً وكتب " شفيع " خادم المتوكل على عاتق قبائه الأيمن: بدر على غصن نضير شرق الترائب بالعبير وعلى عاتقه الأيسر: خطت محاسن وجهه في صفحة القمر المنير وكتبت " وصيف " جارية الطائي على عصابتها: الكفر والسحر في عيني إذا نظرت فاغرب بعينك يا مغرور عن عيني فإن لي سيف لحظ لست أغمده من صنعة الله لا من صنعة القين وكان على عصابة " مزاج " وهي من مواجن أهل بغداد وفتاكها: قالوا عليك دروع الصبر قلت لهم هيهات إن سبيل الصبر قد ضاقا ما يرجع الطرف عنها حين يبصرها حتى يعود إليها الطرف مشتاقا وكتبت " عنان " جارية الناطفي على عصابتها من قولها: فما زال يشكو الحب حتى حسبته تنفس في أحشائه وتكلما فأبكي لديه رحمة لبكائه إذا ما بكى دمعاً بكيت له دما ليس حسن الخضاب زين كفي حسن كفي زين لكل خضاب قال: وخرجت علينا جارية حمدان وقد تقلدت سيفاً محلى وعلى رأسها قلنسوة مكتوب عليها: تأمل حسن جارية يحار بوجهها البصر مؤنثة مذكرة فهي أنثى وهي ذكر وعلى حمائل سيفها مكتوب الذهب: لم يكفه سيف بعينيه يقتل من يشاء بحديه حتى تردى مرهفاً صارماً فكيف أبقى بين سيفيه فلو تراه لابساً درعه يخطر فيها بين صفيه علمت أن السيف من طرفه أقتل من سيف بكفيه وكتب " واجد " على منطقة جاريتها " منصف " الكوفية: تكتي من غمزة العي ن إذا ما مست تنحل وفؤادي رق حتى كاد من صدري ينسل اشرب على منظر أنيق وامزج بريق الحبيب ريقي واحلل وشاح الكعاب رفقاً واحذر على خصرها الدقيق وقل لمن لام التصابي إليك خل عن الطريق وقف صريع الغواني بباب محمد بن منصور فاستسقى فأمر وصيفاً له فأخرج إليه خمراً في كأس مذهبة فلما نظر إليها في راحته قال: ذهب في ذهب را ح بها غصن لجين فأتت قرة عين من يدي قرة عين لا جرى بيني ولا بي نهما طائر بين وبقينا ما بقينا أبداً ملتقين في غبوق وصبوح لم نبع نقداً بدين محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن عبد الله قال: رأيت على مروحة مكتوباً: الحمد لله وحده وللخليفة بعده وللمحب إذا ما حبيبه بات عنده تضم إحداهما أحشاء صاحبه حتى كأنهما للقرب في عقد هذا يبوح بما لاقاه من حرق وذاك يظهر ما يخفي من الوجد وفي عصابة أخرى: فإن يحجبوها بالنهار فما لهم بأن يحجبوا بالليل عني خيالها قال أبو عبيدة: ورأيت على " عصابة " حسناء مكتوباً: كتبت في جبينها بعبير على قمر في سطور ثلاثة: لعن الله من غدر وتناولت كفها ثم قلت اسمعي الخبر كل شيء سوى الخيا نة في الحب يغتفر فإذا خانك الحبي ب فذره إلى سقر قال الأصمعي: رأيت على باب الرشيد وصائف على عصابة كل واحدة منهن مكتوب: نحن حور نواعم من أراض مقدسه أحسن الله رزقنا ليس فينا منحسه وقال أبو جعفر الكرماني يوماً للمأمون: أتأذن لي في دعابة قال: هاتها ويحك فما العيش إلا فيها قال: يا أمير المؤمنين إنك ظلمتني وظلمت غسان بن عباد. قال: وكيف ذلك ويلك قال: رفعت غسان فوق قدره ووضعتني دون قدري إلا أنك لغسان أشد ظلماً. قال: وكيف قالت: لأنك أقمته مقام هر وأقمتني مقام رخمة. فاستظرف ذلك منه ورفع درجته. أبو زيد قال: كان عطاء بن أبي رباح مع ابن الزبير وكان أملح الناس جواباً فلما قتل ابن الزبير أمنه عبد الملك بن مروان فقدم عليه فسأل الإذن فقال عبد الملك: لا أريده يضحكني قد أمنته فلينصرف. قال أصحابه: فنحن نتقدم إليه أن لا يفعل. فأذن له عبد الملك فدخل وسلم عليه وبايعه ثم ولى فلم يصبر عبد الملك أن صاح به: يا عطاء أما وجدت أمك اسماً إلا عطاءً قال: وقد والله استنكرت من ذلك ما استنكرته يا أمير المؤمنين لو كانت سمتني بأمي المباركة صلوات الله عليها مريم. فضحك عبد الملك وقال: اخرج. لعب رجل بين يدي هارون بالشطرنج فلما رآه قد استجاد لعبه وفاوضه الكلام قال له: ولني نهر بوق. قال: بل أوليك نصفه اكتبوا عهده على بوق. قال: فولني على أرمينية. قال: أخشى أن يبطئ علي خبرك. قال: فغيرها. قال: لا أريد أن أبعدك من نفسي. واختصم إلى زيادة بنو راسب وبنو طفارة في غلام ادعوه وأقاموا جميعاً البينة عند زياد. فأشكل على زياد أمره فقال سعد الرابية من بني عمرو بن يربوع: أصلح الله الأمير قد تبين لي في هذا الغلام القضاء ولقد شهدت البينة لبني راسب والطفاوة فولني الحكم بنيهم. قال: وما عندك في ذلك قال: أرى أن يلقى في النهر فإن رسب فهو لبني راسب وإن طفا فهو للطفاوة. فأخذ زيادة نعليه وقام وقد غلبه الضحك ثم أرسل إليه فقال: ألم أنهك عن المزاح في مجلسي قال: أصلح الله الأمير حضرني أمر خفت أن أنساه. فضحك زياد وقال: لا تعودن. أبو زيد قال: لم يكن بالبصرة أفصح لساناً ولا أظهر جمالاً من الحسن بن أبي الحسن البصري وزرعة بن أبي حمزة الهلالي. قال: وأخبرني الوليد بن عبيد البحتري الشاعر قال: كنا عند المتوكل على الله يوماً وبين يديه عبادة المخنت فأمر به فألقي في بعض البرك في أيام الشتاء فابتل وكاد يموت برداً قال: ثم أخرج من البركة وكسي وجعل في ناحية من المجلس. فقيل له: يا عبادة كيف أنت وما حالك قال: يا أمير المؤمنين جئت من الآخرة. فقال له: كيف تركت أخي الواثق قال: لم أجز بجهنم. فضحك المتوكل وأمر له بصلة. نوادر أشعب قال أشعب: في وفي أبي الزناد عجب كنت أنا وهو في كفالة عائشة بنت عثمان فما زال يعلو وأسفل حتى بلغنا غايتنا هذه. قيل لأشعب: لو أنك حفظت الحديث حفظك هذه النوادر لكان أولى بك. قال: قد فعلت. قالوا: فما حفظت من الحديث قال: حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال: " من كان فيه خصلتان كتب عن الله خالصاً مخلصاً ". قالوا: إن هذا حديث حسن فما هاتان الخصلتان قال: نسي نافع واحدة ونسيت أنا الأخرى. وقال أشعب: رأيت رؤيا نصفها حق ونصفها باطل. قالوا له: كيف ذلك قال: رأيتني أحمل بدرة فمن شدة ثقلها علي كنت أسلح في ثيابي ثم انتبهت فإذا أنا بالسلح ولا بدرة. ساوم أشعب رجلاً بقوس فقال له: أقل ثمنها دينار. قال أشعب: والله أنك رميت بها طائراً في جو السماء فوقع مشوياً بين رغيفين ما اشتريتها منك بدينار أبداً. وقيل لأشعب: خففت صلاتك. قال: إن لم يخالطها رياء. وضرب الحجاج أعرابياً سبعمائة سوط وهو يقول عند كل سوط. شكراً لك يا رب. فلقيه أشعب فقال: أتدري لم ضربك الحجاج سبعمائة سوط قال: ما أدري. قال: لكثرة شكرك الله. يقول الله: " لئن شكرتم لأزيدنكم " فقال الأعرابي: يا رب لا شكراً فلا تزدني أسأت في شكرك فاعف عني باعد ثواب الشاكرين مني وسأل رجل من أشعب أن يسلفه ويؤخره فقال: هاتان حاجتان فإذا قضيت إحداهما فقد أنصفت. قال له الرجل: رضيت قال: فأنا أؤخرك ما شئت ولا أسلفك. أبو حاتم عن الأصمعي عن أبي القعقاع. قال: رأيت أشعب في السوق يبيع قطيفة ويقول للمشتري: أريد أن أبرأ إليك من عيب. قال: وما ذاك قال: يحترق تحتها من دفن فيها. قال أشعب: من بال ولم يضرط كتب من الكاظمين الغيظ. وقيل لأشعب: هل خلق أطمع منك قال: بلى أمي فإني كنت إذا جئتها بفائدة قد أعطيتها قالت: ما جئت به فأتهجى لها الشيء حرفاً حرفاً. ولقد أهدي لنا مرة غلام قالت: ما جئت به قلت: غين. قالت: ثم ماذا قلت: لام ألف ميم. فأغمي عليها وجعلت تضرط. ولو أخبرتها به جملة لطار قلبها فرحاً. وقيل له: ما بلغ من طمعك قال: لم أنظر إلى اثنين يتساران إلا حسبت أنهما يأمران لي بشيء. ومر أشعب برجل نجار يعمل طبقاً فقال له: زد فيه طوقاً واحداً تتفضل به علي. قال: وما يدخل عليك من ذلك قال: لعل يوماً يهدى إلي فيه شيء. قال الأصمعي: أخبرني هارون بن زكريا عن أشعب قال: أدركت الناس يقولون: قتل عثمان. قال الأصمعي: وعاش أشعب إلى زمان المهدي ورأيته. دخل رجل على الأعمش يسأله عن مسألة فرد عليه فلم يسمع قال له: زدني في السماع يرحمك الله. قال ما ذلك لك ولا كرامة. قال: فبيني وبينك رجل من المسلمين. قال: فخرجا إلى الطريق فمر بهما شريك القاضي فقال: إني حدثت هذا بحديث فلم يسمع فسألني أن أزيده في السماع لأنه ثقيل السمع وزعم أن ذلك واجب له فأبيت. قال له شريك: عليك أن تزيده لأنك تقدر أن تزيد في صوتك ولا يقدر أن يزيد في سمعه. أتت ليلة الشك من رمضان فكثر الناس على الأعمش يسألونه عن الصوم فضجر ثم بعث إلى بيته في رمانة فشقها ووضعها بين يديه فكان إذا نظر إلى رجل قد أقبل يريد أن يسأله تناول حبة فأكلها فكفى الرجل السؤال ونفسه الرد. قال رقبة بن مصقلة: سفه علينا الأعمش يوماً فقالت امرأته من وراء الستر: احملوا عنه فوالله ما يمنعه من الحج منذ ثلاثة سنة إلا مخافة أن يلطم كريه أو يشتم رفيقه. طلبت بنت الأعمش من الأعمش حاجة فحجبها بالرد فقالت: والله ما أعجب منك ولكني أعجب من قوم زوجوك. ودخل رقبة بن مصقلة على الأعمش فقال: إنا والله لنأتينك فما تنفعنا ونتخلف عنك فما تضرنا وإن الوقوف إليك لذل وإن تركك لحسرة تسأل الحكمة فكأنما تسعط الخردل وما أشبهك إلا بالصماخيقون فإنه كريه الشربة نافع للمعدة. فرفع رأسه الأعمش وقال: من هذا المتكلم فقيل له: رقبة بن مصقلة. فنكس رأسه. وقال رجل من تلاميذ الأعمش: صنعت للأعمش طعاماً ثم دعوته فمضى معي وأنا أقوده حتى سقطت رجله في حفرة يعملها الصبيان للكرة فقال: ما هذا قلت: حفرة يعملها الصبيان للكرة. قال: لا ولكنك حفرتها لتقع رجلي فيها. والله لا أكلت عندك يومي هذا طعاماً. قال: فحملت الطعام إليه ثم صنعت له بعد ذلك طعاماً ودعوته إليه فقال: ادخل بنا الحمام قبل ذلك فأدخلته الحمام فلما جئت أن أصب الماء الحار على رأسه قال: ما دعاك إلى هذا أردت أن تسلق قفاي والله لا أكلت عندك يومي هذا طعاماً! قال: فحملت الطعام إليه. وكثر الشعر على الأعمش فقلنا له: لو أخذت من شعرك قال: لا جد حجاماً يسكت حتى يفرغ. قلنا له: فإنا نأتيك بحجام ونتقدم إليه أن يسكت حتى يفرغ. قال: فافعلوا. قال: فأتيناه بحجام وأعذرنا إليه أن لا يتكلم حتى ينقضي أمره فبدأ الحجام بحلقه فلما أمعن في حلقه سأله عن مسألة فنفض ثيابه وقام بنصف رأسه محلوقاً حتى دخل بيته ثم جئناه بغيره فقال: لا والله لا أخرج إليه حتى تصوموه أو تحلفوه. فحلفناه ألا يسأله عن شيء. فخرج إليه. ولمحمد بن مطروح الأعرج من التبرم المليح والضجر الموقع ما هو أحسن من هذا وأوقع. وسأله رجل يوماً: ما تقول يرحمك الله في رجل مات يوم الجمعة أيعذب عذاب القبر قال: يعذب يوم السبت. وقال له آخر: أتجد في بعض الحديث أن جهنم تخرب قال: ما أشقاك إن اتكلت على خرابها. واستسقى بالناس يوماً فأسرع بالصلاة قبل أن يتوافى الناس فلما انصرف تلقاه بعض الوزراء فقال له: أسرعت أبا عبد الله. قال: ليس علينا أن ننتظر حتى تشربوا وتأكلوا. وكانت لقومس الكاتب منه منزلة وجوار وكان يتحفه بما أمكنه من الهدايا وكانت صلاته معه في الجامع والأعرج صاحب الصلاة فإذا حضرت الصلاة ولم يحضر قومس قال بعض القومة: أنت يا شيطان كلم هؤلاء الكلاب لا يقيموا الصلاة حتى يأتي ذا الخنزير. فكان بره في حبس الصلاة عليه براً العقوق خير منه. وكان يجلس إليه خصي لزرياب وقد حج وتنسك ولزم الجامع فيتحدث في مجلسه بأخبار زرياب ويقول: كان أبو الحسن رحمه الله يقول كذا وكذا. فقال له الأعرج: من أبو الحسن هذا قال: زرياب. قال: بلغني عنه أنه كان أخرق الناس لاست خصي. وسأله مرة وقال له: ما تقول في الكبش الأعرج. أيجوز في الأضحية قال: نعم والخصي أيضاً مثلك. وسمع أبو يعقوب الخريمي منصور بن عمار صاحب المجالس يقول في دعائه: " اللهم اغفر لأعظمنا ذنباً وأقساناً قلباً وأقربنا بالخطيئة عهداً وأشدنا على الدنيا حرصاً ". فقال له: امرأتي طالق إن كنت دعوت إلا لإبليس. الأصمعي قال: حدثنا بعض شيوخنا عن ابن طاوس قال: أقبلت إلى عبد الله بن الحسن فأدخلني بيتاً قد نجد بالرهاوي والميساني وكل فرشة شريفة. قال: فبسطت نطعاً وجلست عليه وابناه محمد وإبراهيم صبيان يلعبان فلما نظرا إلي قال أحدهما لصاحبه: ميم. فقال الآخر: جيم. فقلت أنا: نون واو نون. فاستغرا ضحكا وخرجا إلى أبيهما. أبو زيد قال: سكر حائك من الزط فحلف بالطلاق ليغنينه أبو علي الأشرس فمضى معه جماعة إلى أبي علي فأخبروه وقالوا: سكر وامتلأ وحلف بالطلاق لتغنينه. فأقبل على الحائك فقال: يا مرد سبز يا مرد خش يا مرد تر إياك أن تعود. وكان شيخ من البخلاء يأتي إلى ابن المقفع فألح عليه يسأله الغداء عنده وفي كل ذلك يقول له: أترى أنك تراني أتكلف لك شيئاً لا والله لا أقدم لك إلا ما عندي. فأجابه يوماً فلما أتاه إذا ليس عند ولا في منزله إلا كسرة يابسة وملح جريش. ووقف سائل بالباب فقال له: بورك فيك. فألح عليه في السؤال فقال له: لئن خرجت إليك لأدقن ساقيك! فقال ابن المقفع للسائل: أنك والله لو علمت من صدق وعيده ما علمت من صدق وعده لم تراده كلمة ولا وقفت طرفة عين. مر برقبة بن مصقلة رجل زاهد غليظ الرقبة فقال: هذا رجل زاهد والعلامات فيه بخلاف ذلك. فقال له رجل: أكلمه بذلك أصلحك الله لئلا تكون غيبة قال: كلمه حتى تكون نميمة. قال شريك بن عبد الله القاضي: سبع من العجائب: عمياء منتقبة وسوداء مختصبة وخصي له امرأة ومخنث يؤم قوماً وأموي شيعي ومخعي مرجي وعربي أشقر. ثم قال شريك: من المحال عربي أشقر. قالوا: كانت في أبي عمرو ضرار بن عمرو ثلاثة من المحال: كان كوفياً معتزلاً وكان من بني عبد الله بن غطفان ويرى رأي الشعوبية ومحال أن يكون عربي شعوبياً. ومات وهو ابن سبعين سنة. وسأل رجل عمر بن قيس عن الحصاة من حصى المسجد يجدها الإنسان في ثوبه أو خفه أو جبهته فقال له: ارم بها. قال الرجل: زعموا أنها تصيح حتى ترد إلى المسجد. قال: دعها تصيح حتى ينشق حلقها. قال الرجل: أولها حلق قال: فمن أين تصيح. وسئل عامر الشعبي عن المسجد الخرب أيجامع فيه قال: نعم ويخرأ فيه. الأصمعي قال: ولي رجل مقل قضاء الأهواز فأبطأت عليه أرزاقه وحضر الأضحى ليس عنده ما يضحي به ولا ما ينفق فشكا ذلك إلى امرأته وأخبرها بما هو فيه من الضيق وأنه لا يقدر على الأضحية. فقالت له: لا تغتم فإن عندي ديكاً جليلاً قد سمنته فإذا كان يوم الأضحى ذبحناه. فبلغ جيرانه الخبر فأهدوا له ثلاثين كبشاً وهو في المصلى لا يعلم فلما صار إلى منزله ورأى ما فيه من الأضاحي قال لا مرأته: من أين هذا قالت: أهدى لنا فلان وفلان وفلان. حتى سمت جماعتهم. فقال لها: يا هذه تحفظي بديكنا هذا فهلو أكرم على الله من إسحاق بن إبراهيم إنه فدي بكبش واحد قد فدي ديكنا هذا بثلاثين كبشاً. خرج أبو دلامة مع المهدي في مصاد لهم فعن لهم ظبي فرماه المهدي فأصابه ورمى علي بن سليمان فأخطأ وأصاب الكلب فضحك المهدي وقال لأبي دلامة: قل. فقال: قد رمى المهدي ظبياً شك بالسهم فؤاده فهنيئاً لهما ك ل امرئ يأكل زاده وكتب أبو دلامة إلى عيسى بن موسى وهو والي الكوفة رقعة فيها هذه الأبيات: إذا جئت الأمير فقل سلام عليك ورحمة الله الرحيم وأما بعد ذاك فلي غريم من الأنصار قبح من غريم لزوم ما علمت بباب داري لزوم الكلب أصحاب الرقيم له مائة علي ونصف أخرى ونصف النصف في صك قديم دراهم ما انتفعت بها ولكن حبوت بها شيوخ بني تميم ودخل أبو دلامة على المهدي وعنده محمد بن الجهم وزيره وكان المهدي يستثقله فقال له: أبا دلامة والله لا تبرح مكانك حتى تهجو أحد الثلاثة. فهم أبو دلامة بهجاء ابن الجهم خاف شره فرأى أن هجاء نفسه أقل ضرراً عليه فقال: ألا أبلغ لديك أبا دلامه فليس من الكرام ولا كرامه إذا لبس العمامة كان قرداً وخنزيراً إذا وضع العمامه وإن لزم العمامة كان فيها كقرد ما تفارقه الدمامه لتصلين على النبي محمد ولتملأن دراهماً حجري فقال له: أما الصلاة على النبي فﷺ وأما الدراهم فإلى أن أرجع إن شاء الله. فقال له: لا تفرق بينهما لا فرق الله بينك وبين محمد في الجنة! فاستسلفها من أصحابه وصبها في حجره حتى أثقله. ودخل أبو دلامة على المهدي فأسمعه مديحاً له فيه فأعجبه وقال له: سل حاجتك. قال: كلب صيد أصطاد به. قال: قد أمران لك بكلب تصطاد به. قال: وغلام يقود الكلب. قال: وغلام يقود الكلب. قال: وخادم تطبخ لنا الصيد. قال: وخادم. قال: ودار نسكنها. قال: وداراً تسكنها. قال: وجارية آوي إليها. قال: وجارية. قال: بقي الآن المعاش. قال: قد أقطعناك ألف جريب عامر وألف جريب غامرة. قال: وما الغامرة قال: التي لا تعمر. قال: فأنا أقطع أمير المؤمنين خمسين ألفاً من فيافي بني أسد. قال: فإنا نجعلها عامرة كلها. قال: فيأذن أمير المؤمنين في تقبيل يده. قال: أما هذه فدعها. قال: ما منعتني شيئاً أيسر على أم عيالي فقداً منه. المضحكات أبو الحسن المدائني قال: خطب رجل من بني كلاب امرأة فقالت أمها: دعني حتى أسأل عنك. فانصرف الرجل فسأل عن أكرم الحي عليها فدل على شيخ منهم كان يحسن المحضر في الأمر فسأله عنه فأتاه فسأل أن يحسن عليه الثناء وانتسب له فعرفه. ثم إن العجوز غدت عليه فسألته عن الرجل فقال: أنا أعرف الناس به. قالت له: فكيف لسانه قال: مدره قومه وخطيبهم. قالت: فكيف شجاعته قال: منيع الجار حامي الذمار. قالت: فكيف سماحته قال: ثمال قوم وربيعهم. وأقبل الفتى فقال الشيخ: ما أحسن والله ما أقبل ما انثنى ولا انحنى. ودنا الفتى فسلم فقال الشيخ ما أحسن والله ما سلم ما فار ولا ثار. ثم جلس فقال الشيخ: ما أحسن والله ما جلس ما دنا ولا نأى. ثم ذهب الفتى ليتحرك فضرك فقال الشيخ: ما أحسن والله ما ضرط ما أطنها ولا أغنها ولا بربرها ولا قرقرها. ونهض الفتى خجلاً فقال: ما أحسن والله ما نهض ما ارقد ولا اقطوطى. فقالت العجوز: حسبك يا هذا وجه إليه من يرده فوالله ولو سلح في ثيابه لزوجناه. وخطب رجل امرأة فجعل يخطبها وينعظ فضرب رأس ذكره بيده وقال: مه إليك يساق أبو سويد قال: كان لحبيب بن أوس حمار حصان وغلام مؤنث فإذا نزل أخذ الحمار ينهق والغلام يمجن في كلامه. قلنا له: إنما أنت فضيحة فهل قلت فيهما شيئاً فقال: لي حمار وغلام وهما مختلفان أير ذا ينعظ للني ك وذا رخو العنان لو بهذا عف هذا لاستراح الثقلان محمد بن الحجاج البزار وكان راوية بشار قال: قال بشار ذات يوم يعبث وكان مات له حمار قبل ذلك قال: رأيت حماري البارحة في النوم فقلت له: ويلك ما لك مت قال: إنك ركبتني يوم كذا وكذا فمررنا على باب الأصبهاني فرأيت أتاناً عند بابه فعشقتها فمت. وأنشدني: سيدي مل بعناني نحو باب الأصبهاني تيمتني يوم رحنا بثناياها الحسان وبغنج ودلال سل جسمي وبراني ولها خد أسيل مثل خد الشيقران فبها مت ولو عش ت إذاً طال هواني فقال له رجل من القوم: يا أبا معاذ. ما الشيقران قال: هذا من غريب الحمير. فإذا لقيتم وقيل لأعرابي وهو واقف على ركية مالحة: كيف هذا الماء قال: يخطئ القلب ويصيب الاست. وأخذ رجل شرب فأتي به الوالي فقال: استنكهوه. فقالوا: إن نكته لا تبين عنه. قال: فقيئوه. فقال الشارب: فإن لم أقئ نبيذاً فمن يضمن لي عشائي ورافق رجل أعرابياً في سفر فقال له: أنا والله أشتي كشكية! ومد بها صوته فضرط. فقال له صاحبه: ما أسرع ما نفختك يا ابن أم. أبو الخطاب قال: كان عندنا رجل أحدب فسقط في بئر فذهبت حدبته وصار آدر فدخلوا يهنئونه فقال: الذي جاء شر من الذي ذهب!. أبو حاتم قال: رمي رجل أعور بنشابة فأصابت عينه الصحيحة فقال: أمسينا وأمس الملك لله. وقال رجل للجماز: ولدت امرأتي لستة أشهر. فقال: لقد كان أناؤها ضارباً. قالوا: أتي الحجاج بسقط قد أصيب في بعض خزائن كسري مقفل فأمر بالقفل فكسر فإذا فيه سقط آخر مقفل فقال الحجاج: من يشتري مني هذا السقط بما فيه ولا أدري ما فيه فتزايد به أصحابه حتى بلغ خمسة آلاف دينار فأخذه الحجاج ونظر فيه فقال: ما عسى أن يكون فيه إلا حماقة من حماقات العجم! ثم أنفذ البيع وعزم المشتري أن يفتحه ويريه ما فيه ففتحه بين يديه فإذا فيه رقعة مكتوب فيها: من أراد أن تطول ليحته فليمشطها من أسفل. الزبير بن بكار قال: جاءت امرأة إلى ابن الزبير تستعدي على زوجها وتزعم أنه يصيب جاريتها فأمر به فأحضر فسأله عما ادعت فقال: هي سوداء وخادمها سوداء وفي بصري ضعف ويضرب الليل برواقه وإنما آخذ من دنا مني. قال: وخطب رجل خطبة نكاح وأعرابي حاضر فقال: الحمد الله أحمده وأستعينه وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله حي على الصلاة حي على الفلاح. فقال الأعرابي: لا تقم الصلاة فإني على غير وضوء. وقال: سمعت أبا موسى عيسى الضمري يقول: دخلت الحمام فإذا بأعمى قد ركب أعمى فقال له: ما هذا قال: ظلمات بعضها فوق بعض. وقال العوام بن حوشي: قال لي عيسى بن موسى: من أرضعتك قلت: ما أرضعني خلق سوى أمي. قال: قد علمت أن ذلك الوجه القبيح لا يصبر عليه سوى أمك. كان رجل مقيت قد تنسك وتشبه بالحسن البصري فشهد جنازة فوقف على القبر وإلى جنبه رجل مليح فضحك فقال له الناسك: ما أعددت لهذه الحفرة يا فلان قال: قذفك فيها ودخل أعرابي الحمام فضرط فقال نبطي كان في الحمام: جبحان الله! فقال له الأعرابي: يا ابن اللخناء لكن ضرطتي أفصح من تسبيحك. وقيل لأعرابي: مالك لا تجاهد قال: والله إني لأبغض الموت على فراشي فكيف أن أسعى إليه راكضاً. واستشهدوا أعرابياً على رجل وامرأة زنياً فقيل له: أرأيته داخلاً وخارجاً كالمرود في المكحلة فقال: والله ما كنت أرى هذا لو كنت جلدة استه. وجد منبوذ بضفة العراق وعند رأسه مائة دينار ورقعة مكتوب فيها: " أنا الشقي ابن الشقية وابن القدح والرطلية وابن البغي والبغية وابن الأبقال الطرية من كفلني فله هذه المائة ". السندي بن شاهك قائد الخليفة قال: بعث إلي المأمون بريداً وأنا بخراسان فطويت المراحل حتى أتيت باب أمير المؤمنين وقد هاج بي الدم وانصرفت إلى منزلي فقلت: أحضروا إلي الحجام. قالوا: هو محموم. قلت: فهاتوا حجاماً غيره ولا يكون فضولياً. فأتوني به فما هو إلا أن دارت يداه على وجهي حتى قال: جعلت فداك هذا وجه ما أعرفه فمن أنت قلت: السندي بن شاهك. قال: قال: ومن أين قدمت فإني أرى أثر السفر عليك قلت: من خراسان. قال: وأي شيء أقدمك قلت: وجه إلي أمير المؤمنين بريداً ولكن إذا فرغت سأخبرك بالقصة على وجهها. قلت: وتعرفني بالمنازل والسكك التي جئت عليها قلت: نعم. قال: فما كان إلا أن فرغ ودخل رسول أمير المؤمنين ومعه كركي فقال: إن أمير المؤمنين يقرئك السلام وهو يعذرك فيما هاج بك من الدم وقد أمرك بالتخلف في منزلك هذا إلى أن تغدوا عليه إن شاء الله. ويقول: ما أهدي إلينا اليوم غير هذا الكركي شأنك به. قال: فالتفت السندي إلى جلسائه فقال: ما يصنع بهذا الكركي فقال الحجام: يطبخ سكباجا. قال السندي: يصنع كما قال. وحلف على الحجام أن لا يبرح فحضر الغداء فتغدينا وهو ينظر ثم قدم الشراب فلما دارت الأقداح قلت: يعلق الحجام في العقابين. ثم قلت: جعلت فداك إنك سألتني عن المنازل والسكك التي قدمت عليها وأنا مشغول في ذلك الوقت وأنا أقصها عليك فاسمع: خرجت من خراسان وقت كذا فنزلت بمكان كذا يا غلام: اضرب. فضربه عشرة أسواط ثم قلت: وخرجت منه إلى مكان كذا يا غلام أوجع. فضربه عشرة أسواط أخرى ولم يزل يضربه لكل سكة عشرة حتى انتهى إلى سبعين سوطاً فالتفت إلي الحجام وقال: يا سيدي: سألتك بالله إلى أين تريد أن تبلغ قلت: إلى بغداد. قال: لست تبلغ بغداد حتى تقتلني قلت: فأتركك على ألا تعود قال: والله لا عدت أبداً. قال: فتركته وأمرت له بسبعين ديناراً فلما دخلت على المأمون أخبرته الخبر فقال: وددت أنك بلغت به إلى أن تأتي على نفسه. أتت جارية أبا ضمضم فقالت: إن هذا قبلني. قال لها: قبليه فإن الله يقول: " والجروح قصاص ". وارتفع رجلان إلى أبي ضمضم فقال أحدهما: أبقاك الله إن هذا قتل ابني. قال: هل لابنك أم قال: نعم قال: ادفعها إليه حتى يولدها لك ولداً مثل ولدك ويربيه حتى يبلغ ولدك ويبرأ به إليك. وكان بالمدينة أعمى يكنى أبا عبد الله أتى يوماً يغتسل من عين فدخل بثيابه فقيل له: بللت ثيابك. قال: تبتل علي أحب إلي من أن تجف على غيري. وفي كتاب للهند أن ناسكاً كان له سمن في جرة معلقة على سريره ففكر يوماً وهو مضطجع على السرير وبيده عكاز فقال: أبيع الجرة بعشرة دراهم وأشتري بها خمسة أعنز فأولدهن في كل سنة مرتين فيبلغ النتاج في عشر سنين مائتين وأبيعهن فأبتاع بكل عشرة بقرة ثم ينمى المال بيدي فأبتاع العبيد والإماء ويولد لي ولد فآخذ به في الأدب. فإن عصاني ضربته بهذه العصا. وأشار بالعصا فأصاب الجرة فانكسرت وصب السمن على وجهه ورأسه. الزبير قال: حدثنا بكار بن رباح قال: وكان بمكة رجل يجمع بين الرجال والنساء ويحمل لهم الشراب فشكي إلى عامل مكة فغربه إلى عرفات فبني بها منزلاً وأرسل إلى إخوانه فقال: ما يمنعكم أن تعاودوا ما كنتم فيه قالوا: وأين بك وأنت في عرفات فقال: حمار بدرهم وقد صرتم على الأمن والنزهة. ففعلوا فكانوا يركبون إليه حتى فسدت أحداث مكة فعادوا بشكايته إلى والي مكة فأرسل فيه فأتي به فقال: يا عدو الله طردتك من حرم الله فصرت بفسادك إلى المشعر الأعظم. فقال: يكذبون علي أصلح الله الأمير. فقال: دليلنا أصلحك على ما نقول أن تأمر بحمير مكة فتجمع وترسل بها أمناء إلى عرفات ويرسلونها فإن لم تقصد لمنزلة من بين المنازل كعادتها إذ ركبها السفهاء فنحن غير مبطلين. فقال الوالي: إن في هذا دليلاً وشاهداً عدلاً. فأمر بحمير من حمير الكراء فجمعت ثم أرسلت فصارت إلى منزله كما هي من غير دليل فأعلمه بذلك أمناؤه فقال: ما بعد هذا شيء جردوه. فلما نظر إلى السياط قال: لا بد أصلحك الله من ضربي قال: نعم يا عدو الله. قال: والله ما في ذلك من شيء هو أشد علي من أن يشمت بنا أهل العراق ويضحكوا منا ويقولوا: أهل مكة يجيزون شهادة الحمير. قال: فضحك الوالي وخلى سبيله. ولقي رجل امرأة جميلة فجعل يتعرضها وألح عليها فدخلت درباً وكشفت عن وجه قد شاكر البدر حسنه وقالت له: انظر ما يسخن عينك ويقوم له أيرك وينيكه غيرك. وهنأ رجل رجلاً في عرسه فقال: باليمن والبركة وشدة الحركة والظفر في المعركة. الهيثم بن عدي قال: بينا أنا بكناسة الكوفة إذا برجل مكفوف البصر قد وقف على نخاس من نخاسي الدواب فقال له: أبغي حماراً ليس بالصغير المحتقر ولا بالكبير المشتهر إذا خلا له الطريق تدفق وإذا كثر الزحام ترفق وإن أقللت علفه صبر وإن أكثرته شكر وإذا ركبته هام وإن ركبه غيري نام. قال له النخاس يا عبد الله اصبر فإذا مسخ الله القاضي حماراً أصبت به حاجتك إن شاء الله. قال: ودخل رجل السوق في شراء فرس فقال له النخاس: صفه لي. فقال: أريده حسن القميص جيد الفصوص وثيق العصب نقي القصب يشير بأذنيه ويتشوف برأسه ويخطر بيديه ويدحو برجليه كأنه موج في لجة أو سيل في حدور أو منحط من جبل. فقال له النخاس: نعم كذلك كان صلوات الله عليه.