العقد الفريد (1953)/الجزء الأول/كتاب اللؤلؤة في السلطان/التعرض للسلطان والرد عليه


التعرض للسلطان والرد عليه

للحكماء

قالت الحكماء: من تعرّض للسلطان أراده، ومن تطامن «2» له تخطاه. وشبهوه في ذلك بالريح العاصفة التي لا تضر بما لان لها من الشجر ومال معها من الحشيش. وما استهدف لها من الدوح العظام قصفته. قال الشاعر:

إنّ الرياح إذا ما أعصفت قصفت
عيدان نبع ولا يعبأن بالرّتم1

وقال حبيب بن أوس، وهو أحسن ما قيل في السلطان:

هو السّيل إن واجهته انقدت طوعه
وتقتاده من جانبيه فيتبع

وقال آخر:

هو السّيف إن لا ينته لان متنه
وحدّاه إن خاشنته خشنان

بين معاوية وأبي الجهم

وقال معاوية لأبي الجهم العدويّ: أنا أكبر أم أنت؟ فقال: لقد أكلت في عرس أمّك يا أمير المؤمنين. قال: عند أيّ أزواجها؟ قال: عند حفص بن المغيرة. قال: يا أبا الجهم، إيّاك والسلطان، فإنه يغضب غضب الصبيّ ويأخذ أخذ الأسد.

وأبو الجهم هو القائل في معاوية:

ونغضبه لنخبر حالته
فنخبر منهما كرما ولينا
نميل على جوانبه كأنّا
نميل إذا نميل على أبينا

معاوية وعقيبة الأسدي

وقدم عقيبة الأسدي على معاوية ودفع إليه رقعة فيها هذه الأبيات:

معاوي إنّنا بشر فأسجح
فلسنا بالجبال ولا الحديد
أكلتم أرضنا فجردتموها
فهل من قائم أو من حصيد
أتطمع بالخلود إذا هلكنا
وليس لنا ولا لك من خلود
فهبنا أمة هلكت ضياعا
يزيد أميرها وأبو يزيد

فدعا به معاوية فقال: ما جرّأك عليّ؟ قال: نصحتك إذا غشوك؛ وصدقتك إذ كذبوك. فقال: ما أظنك إلا صادقا، وقضى حوائجه.

ومن حديث زياد عن مالك بن أنس قال: خطب أبو جعفر المنصور، فحمد الله وأنثى عليه ثم قال: أيها الناس، اتقوا الله. فقال إليه رجل من عرض الناس فقال: أذكرك الله الذي ذكّرتنا به يا أمير المؤمنين. فأجابه أبو جعفر بلا فكرة ولا رويّة: سمعا وطاعة لمن ذكّر بالله، وأعوذ بالله أن اذكّر به وأنساه فتأخذني العزة بالإثم ل ﴿قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ. وأما أنت، فو الله ما الله أردت بها، ولكن ليقال: قال فعوقب فصبر! وأهون بها لو كانت، وأنا أحذّركم أيها الناس أختها؛ فإن الموعظة علينا نزلت، ومنا أخذت. ثم رجع إلى موضعه من الخطبة.

الرشيد ومعترض عليه في خطبته

وقام رجل إلى هارون الرشيد وهو يخطب بمكة، فقال: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ فأمر به فضرب مائة سوط، فكان يئنّ الليل كله ويقول: الموت! الموت. فأخبر هارون أنه رجل صالح، فأرسل إليه فاستحلّه، فأحلّه.

الوليد ومعترض عليه في خطبته

المدائني قال: جلس الوليد بن عبد الملك على المنبر يوم الجمعة حتى اصفرّت الشمس، فقام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إن الوقت لا ينتظرك، وإنّ الرب لا يعذرك. قال: صدقت، ومن قال مثل مقالتك فلا ينبغي له أن يقوم مثل مقامك. من ها هنا من أقرب الحرس يقوم إليه فيضرب عنقه؟

مخاطر بين معاوية وزياد

الرياشيّ عن الأصمعي قال: خاطر رجل رجلا أن يقوم إلى معاوية إذا سجد فيضع يده على كفله ويقول: سبحان الله يا أمير المؤمنين! ما أشبه عجيزتك بعجيزة أمّك هند! ففعل ذلك. فلما انفتل معاوية عن صلاته قال:

يا بن أخي، إن أبا سفيان كان إلى ذلك منها أميل؛ فخذ ما جعلوا لك. فأخذه.

ثم خاطر أيضا أن يقوم إلى زياد وهو في الخطبة فيقول له: أيها الأمير، من أبوك؟ ففعل. فقال له زياد: هذا يخبرك- وأشار إلى صاحب الشّرطة- فقدّمه فضرب عنقه. فلما بلغ ذلك معاوية قال: ما قتله غيري، ولو أدبته على الأولى ما عاد إلى الثانية.

ابن العاص ومخاطر سأله عن أمه

وخاطر رجل أن يقوم إلى عمرو بن العاص وهو في الخطبة فيقول: أيها الأمير، من أمك؟ ففعل. فقال له: النابغة بنت عبد الله، أصابتها رماح العرب فبيعت بعكاظ، فاشتراها عبد الله بن جدعان للعاص بن وائل، فولدت فأنجبت، فإن كانوا جعلوا لك شيئا فخذه.

بين معاوية وخريم

دخل خريم الناعم على معاوية بن أبي سفيان: فنظر معاوية إلى ساقيه فقال: أيّ ساقين! لو أنهما على جارية! فقال له خريم: في مثل عجيزتك يا أمير المؤمنين! قال: واحدة بأخرى والبادىء أظلم.


  1. سبقت هذه العبارة في ص ۱۳ مع تغير يسير.