النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية/المقدمة



مقدمة المؤلف


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي فضل دين الإسلام على سائر الأديان وجعله دينا قيما لا نسخ يعتريه إلى آخر الزمان، وأرشدنا فيه لما يرضيه من أعمال البدن والجنان، وجلى فيه وحدانيته بأوضح تبيان وأقوم برهان، فشهدت العقول السليمة والأفئدة المستقيمة أنه واحد وأحد، ليس له ثان، وأنه الحي القيوم الدائم، و { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ }. يهدي من يشاء للتوحيد والعرفان، ويضل من يشاء فيجعله من ذوي الجحود والكفران. وهو العادل في أقضيته { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ } و { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ }، أحمده على نعمة الإسلام والإيمان وأشكره وأسأله من كرمه الإيمان. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، المنزه عن الضد والند والشريك والأعوان، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله رحمه للعالمين وجعله خاتم النبيين وسيد المرسلين وناسخا لشرائع الأنبياء المتقدمين بأوضح الحجج وأعظم البراهين، وأنزل عليه القرآن وهداه للإيمان واختار له أشرف الأديان، فظهرت بذلك معجزاته واتضحت بالحق بيناته، فبين السنن والأحكام وقدر قواعد دين الإسلام، فطوبى لمن وفق لاتباع شريعته والاقتداء بدينه وسننه.

والعبد الضعيف الفقير إلى رحمه ربه المستغفر من ذنبه اللائذ بكرم الله، نصر بن يحيى بن عيسى أبي سعيد المتطبب، عفا الله عنه، كان كما قال النبي : « كل مولود يولد على فطرة الإسلام، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه ». 1

وإنني نشأت على ملة أبوي متبعا لدينهما ومقتفيا لطريقهما إلى أن شملتني ألطاف الله تعالى ورحمته وعمتني أياديه ورأفته، فوفقني الله للإخلاص في توحيده والخلاص من غضبه ووعيده، وأرشدني إلى ما ينجي من هول يوم الميعاد، وصرفني عن طريق الشك والإلحاد ودلني على الهدى فقصدته وهداني إلى الصواب فاتبعته: { مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا } فعدلت عن الضلال ونبذت ذلك المحال ونزهت الله تعالى عما يقول المبطلون ويعتقده المحلدون، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا: { مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ }، وشهدت بما الله شهد جل جلاله وتقدست أسماؤه، حيث قال عز من قائل: { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ }، { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }، وأقررت أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت أبدا، بيده الخير وهو على كل شيء قدير. { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } { وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } { قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ } { أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } { سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا } { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا } { آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ } { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه ونبييه الذي أنقذ به من الضلالة وخلص به من الجهالة، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

وحيث أنقذني الله من الشريعة التي نسخت والملة التي طمست وشرفني بدين الإسلام واتباع شريعة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم وعلى آله الكرام وأصحابه مصابيح الظلام؛ أحببت أن أذكر نبذا من أحوال النصارى واختلاف مذاهبهم وآرائهم واعتقاداتهم وضلالهم، أو ما أورد كل صاحب مذهب منهم في معنى الاتحاد والأب والابن والروح القدس، وما تضمنته أناجيلهم عن حال المسيح ابن مريم من حين ولد إلى أن أخذته اليهود وما فعلوا به، وكم كانت الأناجيل وكم هي الآن، وأذكر اتخاذهم الصلبان وتعظيمهم لها وسجودهم للصور وحال قرابينهم وكيف اتخذوها.

وسميت هذه الرسالة: ( النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية ). وجعلتها مختصرة توضح عقيدتهم وتكشف سريرتهم وتظهر أمرهم وتثبيت كفرهم، إذا وقف عليها منهم من عرف أخبار القدماء وفهم أقوال العلماء وما نقل عن الماضين من شرح أصول الدين ومذاهب المسلمين علم أنه قد سلك مناهج الأغرار وتبع آثار الأغيار. { أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } { لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }. ليس لاعتقادهم أصل يعوّل عليه ولا برهان يستند إليه، قد اقتدوا بقوم لا يعقلون واغتروا بجهال لا يفقهون. { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ }.

فمن أراد تحقيق أحوالهم وكشف أفعالهم فلينظر إلى علمائهم الموجودين ومشائخهم المتزهدين ورهبانهم المتعبدين ومن حبس نفسه عن اللذات ومنعها من الشهوات، وليجعل ما يشاهده منهم قياسا على ما سمعه عنهم، فإنه دليل على الذي لا نراهم [ من ] الذي نرى، فإنه يجدهم أضعف تأويلا وأضل سبيلا، كلهم قد ضل وأضل كما قال الله عز وجل: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا }

وأنا أستغفر الله عز وجل وأتوب إليه مما كنت أعتقده، وأعتمد عليه وأسأله أن يسبل علي رداء عفوه ورحمته ويشملني بلطفه ورأفته، وأن يقيل عثرتي ويقبل توبتي، فإنه مجيب الدعوات ومقيل العثرات { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } فلقد عمت في تيار بحر الضلالة وركضت في ميدان الجهالة وشاركت الجاحدين في أفعالهم والمشركين في أقوالهم والكافرين في ضلالهم ووافقت الملحدين في إلحادهم والمجرمين في كفرهم وعنادهم، واعتمدت ما يعتمدونه من شد الزنار 2 والشرك بالله الواحد القهار والوقوف بين يدي الصور والصلبان واتباع أوامر الأساقفة والرهبان والشمامسة ذوي الإفك والبهتان، وتلاوة الأناجيل بالألحان وتناول البرسان 3 والقربان، والدخول إلى بيت المذبح في كل أوان، وموافقتهم في فساد توحيد الله عز وجل من القول بالأقانيم الثلاثة وغيرها مما تضمنته الشريعة النصرانية، ووضع الاحتجاجات التي لا يليق ذكرها، تعالى الله عما يقول الكافرون ويعتقده المشركون علوا كبيرا، { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا }

وقد جعلت هذه الرسالة مشتملة على أربعة فصول:

  • الفصل الأول في مذاهب النصارى واعتقادهم.
  • الفصل الثاني في دعاويهم وتناقض كلامهم واختلاف أقوالهم.
  • الفصل الثالث فيما ذكروه من معجزات المسيح عليه السلام وادعائهم فيه الألوهية، وذكر ما كان لغيره من الأنبياء من المعجزات.
  • الفصل الرابع في الدلائل على نبوة سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين – من التوراة والإنجيل


هامش

  1. رواه أحمد والبخاري ولفظه عنده: « ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ...»
  2. ما يلبسه المجوسي والنصراني ويشده على وسطه.
  3. «أقراص تخبز وتحمل إلى البيعة وتثرد في الخمر وتؤكل تقربا»


النصيحة الإيمانية في فضيحة الملة النصرانية
مقدمة المؤلف | الفصل الأول في مذاهب النصارى واعتقادهم | الفصل الثاني في دعاويهم وتناقض كلامهم واختلاف أقوالهم | الفصل الثالث فيما ذكروه من معجزات المسيح عليه السلام وادعائهم فيه الألوهية، وذكر ما كان لغيره من الأنبياء من المعجزات | الفصل الرابع في الدلائل على نبوة سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد من التوراة والإنجيل