تاج العروس/الجزء الأول


﴿الجزء الأول من تاج العروس﴾


﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾

أَحْمَدُ مَنْ قَلَّدَنَا مِنْ عِقْد صِحاح جَوْهرِ آلائه، وأَوْلاَنا من سَيْب لُباب مُجْمَل إحسانه وإِعطائه، وأَفاض علينا من قَامُوس بِرِّه المُحيط فائقَ كَرَمِه وباهرَ إسدائه، وَأشْهد أَن لَا إِله إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ شَهَادَة يُورِدنَا صدقُ قولِها المأْنوسِ مَوْرِدَ أَحبابِه ومَشَارِبَ أَصفيائه وأَشهد أَن سيّدنا ومولانا مُحَمَّدًا السيِّدَ المُرتضَى، والسَّنَد المُرتَجَى، والرسولَ المُنتَقَى، والحبِيبَ المجتَبَى، المصباحُ المضيءُ المزهِر بمِشكاة السرِّ اللامع المَعْلَمِ العُجاب، والصُّبحُ اللامع المُسفِرُ عَن خَبايا أَسرارِ ناموسِ الصِّدق والصَّواب، مُستقْصَى مَجمَعِ أَمثال الحِكَم بل سِرّ أَلِفْ بَا فِي كلِّ بابٍ وكتَاب، والأَساس المُحكم بتهذيب مَجدِه المتلاطِم العُباب، صلى الله عَلَيْهِ وعَلى آلِه وأَصحابه خير صحْبٍ وَآل، مَطالعِ العزّ الأَبديّ من موارٍ د الفخْر والكمال، ومشارِقِ المجدِ والجَلال، مَا أَعرَب المُعرِب عَن كلِّ مُغْرِب، وسَحَب ذيْلَ إِعجازِه على كُل مُسْهِب، ونطقَ لسانُ الفصيحِ فِي نِهَايَة جمهرةِ مَجدِهم الصرِيحِ المُرقِص المُطرِب، وسلّم تَسْلِيمًا كثيرا كثيرا.(وَبعد) فَإِن التصنِيف مِضمارٌ تنَصبُّ إِليه خَيلُ السِّباق من كلّ أَوْب ثمَّ تَتجارى، فمِن شَاطٍ بَعيد الشأْوِ،1 وَسَاعِ الخَطْو، تَشخَص الخيلُ وراءَه إِلَى مُطهَّم سَبَّاقٍ فِي الحَلْبَة مِيفاءٍ على القَصَبة، وَمن لاحقٍ بالأُخريات، مُطَّرَح خلْف الأَعقاب، مَلطومٍ عَن شَقِّ الغُبارِ، مَوْسُوم بالسُّكَّيت المخلَّف، وَمن آخذٍ فِي القَصْدِ، مُتنزّل سِطَةَ مَا بَينهمَا، قد انحرف عَن الرَّجَوَيْنِ، وجَال بَين القُطرَيْن، فَلَيْسَ بالسَّبَّاق المُفرِط، وَلَا اللَّاحِق المُفرِّط.وَقد تصدَّيتُ للانصباب فِي هَذَا المِضمار تَصَدِّىَ القاصِد بِذَرْعِه، الرّابِع على ظَلْعِه، فتدبَّرتُ فُنونَ العِلم الَّتِي أَنا كائنٌ بصَدَدِ تكمِيلِها، وقائمٌ بإِزاء خِدْمَتِها وتَحصيلها، فصادفتُ أَصْلَها الأَعظم الَّذِي هُوَ اللغةُ العربيَّةُ خَلِيقَة بالمَيْلِ فِي صَغْو الاعتناءِ بهَا، والكدْح فِي تقويمِ عِنادِها، وإعطاءِ بَداهةِ الوَكْدِ وعُلالَته إِيَّاهَا.وَكَانَ فِيهَا كتابُ الْقَامُوس الْمُحِيط، للْإِمَام مَجْدِ الدّين الشِّيرازي أجلَّ مَا أُلّف فِي الْفَنّ، لاشْتِمَاله على كلِّ مُستحسَن، من قُصارَى فصاحة العَرَبِ العَرْبَاء، وبيضةِ منطِقها وزُبدة حِوارِها، والرُّكْنَ البديع إِلَى ذَرابة اللِّسَان، وغَرابَةِ اللَّسَن، حَيْثُ أَوْجَزَ لفظَه وأشْبَعَ مَعْنَاهُ، وقَصَّرَ عِبارَته وَأطَال مَغْزاه، لَوَّح فأَغرَقَ فِي التَّصْرِيح، وكَنى فأغنى عَن الإفصاح، وقَيَّدَ مِن الأوابد مَا أَعرض، واقتنصَ من الشوارد مَا أكثب، إِذْ ارْتبط فِي قَرَنِ تَرتيب حُرُوف المعجم ارتباطاً جنحَ فِيهِ إِلَى وَطْءِ مِنهاجٍ أَبْيَنَ من عَمود الصُّبح، غيرَ مُتجانِفٍ للتطويل عَن الإيجاز، وَذَلِكَ أَنه بَوَّبَه فأَورَد فِي كلِّ بابٍ من الحروفِ مَا فِي أوّله الْهَمْز، ثمَّ قَفَّى على أثرِه بِمَا فِي أَوّله الْبَاء، وهَلُمّ جَرًّا، إِلَى مُنْتَهى أبوابِ الْكتاب، فَقدم فِي بَاب الْهمزَة إيّاها مَعَ الْألف عَلَيْهَا مع الباء، وفي كل باب إياها مع الألف على الباءين، وهلم جرا، إلى منتهى فصول الأبواب، وكذلك راعى النمط في أوساط الكلم وأواخرها، وقدم اللاحق فاللاحق.(ولعمري) هذا الكتاب إذا حوضر به في المحافل فهو بهاء، وللأفاضل متى وردوه أبهة، قد اخترق الآفاق مشرقا ومغربا، وتدارك سيره في البلاد مصعدا ومصوبا، وانتظم في سلك التذاكر، وإفاضة أزلام التناظر، ومد بحره الكامل البسيط، وفاض عبابه الزاخر المحيط، وجلت مننه عند أهل الفن وبسطت أياديه، واشتهر في المدارس اشتهار أبى دلف بين محتضره وباديه، وخف على المدرسين أمره إذ تناولوه، وقرب عليهم مأخذه فتداولوه، وتناقلوه.(ولما) كان إبرازه في غاية الإيجاز، وإيجازه عن حد الإعجاز، تصدى لكشف غوامضه ودقائقه رجال من أهل العلم، شكر الله سعيهم،وأدام نفعهم، فمنهم من اقتصر على شرح خطبته التي ضربت بها الأمثال، وتداولها بالقبول أهل الكمال، كالمحب ابن الشحنة، والقاضي أبي الروح عيسى ابن عبد الرحيم الكجراتي، والعلامة ميرزا علي الشيرازي، ومنهم من تقيد بسائر الكتاب، وغرد على أفنانه طائره المستطاب، كالنور علي بن غانم المقدسي، والعلامة سعدي أفندي، والشيخ أبي محمد عبد الرءوف المناوي، وسماه " القول المأنوس " وصل فيه إلى حرف السين المهملة، وأحيا رفات دارس رسومه المهملة، كما أخبرني بعض شيوخ الأوان، وكم وجهت إليه رائد الطلب، ولم أقف عليه إلى الآن، والسيد العلامة فخر الإسلام عبد الله، ابن الإمام شرف الدين الحسني ملك اليمن، شارح " نظام الغريب " المتوفى بحصن ثلا، سنة 973، وسماه " كسر الناموس ". والبدر محمد بن يحيى القرافي، وسماه " بهجة النفوس، في المحاكمة بين الصحاح والقاموس " جمعها من خطوط عبد الباسط البلقيني وسعدي أفندي، والإمام اللغوي أبي العباس أحمد بن عبد العزيز الفيلالي، المتشرف بخلعة الحياة حينئذ، شرحه شرحا حسنا، رقى به بين المحققين المقام الأسنى، وقد حدثنا عنه بعض شيوخنا.ومن أجمع ما كتب عليه مما سمعت ورأيت شرح شيخنا الإمام اللغوي أبي عبد الله محمد بن الطيب بن محمد الفاسي، المتولد بفاس سنة 1110، والمتوفى بالمدينة المنورة سنة 1170، وهو عمدتي في هذا الفن، والمقلد جيدي العاطل بحلى تقريره المستحسن، وشرحه هذا عندي في مجلدين ضخمين.ومنهم كالمستدرك لما فات، والمعترض عليه بالتعرض لما لم يأت، كالسيد العلامة علي بن محمد معصوم الحسيني الفارسي، والسيد العلامة محمد بن رسول البرزنجي، وسماه " رجل الطاووس "، والشيخ المناوي في مجلد لطيف، والإمام اللغوي عبد الله بن المهدي بن إبراهيم بن محمد بن مسعود الحوالي الحميري، الملقب بالبحر، من علماء اليمن، المتوفى بالظهرين من بلاد حجة سنة 1061، استدرك عليه وعلى الجوهري في مجلد، وأتهم صيته وأنجد، وقد أدركه بعض شيوخ مشايخنا، واقتبس من ضوء مشكاته السنا، والعلامة ملا علي بن سلطان الهروي وسماه " الناموس "، وقد تكفل شيخنا بالرد عليه، في الغالب، كما سنوضحه في أثناء تحرير المطالب، ولشيخ مشايخنا الإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد المسناوي عليه كتابة حسنة، وكذا الشيخ ابن حجر المكي له في التحفة مناقشات معه وإيرادات مستحسنة، وللشهاب الخفاجي في العناية محاورات معه ومطارحات، ينقل عنها شيخنا كثيرا في المناقشات، وبلغني أن البرهان إبراهيم بن محمد الحلبي المتوفى سنة 900 قد لخص القاموس في جزء لطيف.

وآيم الله إنه لمدحضه الأرجل، ومخبرة الرجال، به يتخلص الخبيث من الإبريز، ويمتاز الناكصون عن ذوي التبريز.

فلما آنست من تناهي فاقة الأفاضل إلى استكشاف غوامضه، والغوص على مشكلاته، ولا سيما من انتدب منهم لتدريس علم غريب الحديث، وإقراء الكتب الكبار من قوانين العربية في القديم والحديث، فناط به الرغبة كل طالب، وعشا ضوء ناره كل مقتبس، ووجه إليه النجعة كل رائد، وكم يتلقاك في هذا العصر الذي قرع فيه فناء الأدب، وصفر إناؤه، اللهم إلا عن صرمة لا يسئر منها القابض، وصبابة لا تفضل عن المتبرض من دهماء المنتحلين بما لم يحسنوه، المتشبعين بما لم يملكوه، من لو رجعت إليه في كشف إبهام معضلة لفتل أصابعه شزرا، ولاحمرت ديباجتاه تشررا، أو توقح فأساء جابة، فافتضح وتكشف عواره، قرعت ظنبوب اجتهادي، واستسعيت يعبوب اعتنائي، في وضع شرح عليه، ممزوج العبارة، جامع لمواده بالتصريح في بعض وفي البعض بالإشارة، واف ببيان ما اختلف من نسخه، والتصويب لما صح منها من صحيح الأصول، حاو لذكر نكته ونوادره،

والكشف عن معانيه والإنباه عن مضاربه ومآخذه بصريح النقول، والتقاط أبيات الشواهد له، مستمدا ذلك من الكتب التي يسر الله تعالى بفضله وقوفي عليها، وحصل الاستمداد عليه منها، ونقلت بالمباشرة لا بالوسائط عنها، لكن على نقصان في بعضها نقصا متفاوتا بالنسبة إلى القلة والكثرة، وأرجو منه سبحانه الزيادة عليها.فأول هذه المصنفات وأعلاها عند ذوي البراعة وأغلاها كتاب الصحاح للإمام الحجة أبي نصر الجوهري، وهو عندي في ثماني مجلدات، بخط ياقوت الرومي، وعلى هوامشه التقييدات النافعة لأبي محمد بن بري، وأبي زكريا التبريزي، ظفرت به في خزانة الأمير أزبك.والتهذيب للإمام أبي منصور الأزهري في ستة عشر مجلدا.والمحكم لابن سيده في ثمان مجلدات.

وتهذيب الأبنية والأفعال لأبي القاسم ابن القطاع، في مجلدين ولسان العرب للإمام جمال الدين محمد بن مكرم بن علي الإفريقي، ثمان وعشرون مجلدا، وهي النسخة المنقولة من مسودة المصنف في حياته، التزم فيه الصحاح، والتهذيب، والمحكم، والنهاية، وحواشي ابن بري، والجمهرة لابن دريد. وقد حدث عنه الحافظان الذهبي والسبكي، ولد سنة 630 وتوفي سنة 711.وتهذيب التهذيب لأبي الثناء محمود ابن أبي بكر بن حامد التنوخي الأرموي الدمشقي الشافعي، في خمس مجلدات، وهي مسودة المصنف، من وقف السميساطية بدمشق، ظفرت بها خزانة الأشرف بالعنبرانيين، التزم فيه: الصحاح والتهذيب والمحكم مع غاية التحرير والضبط المحكم وقد حدث عنه الحافظ الذهبي وترجمه في معجم شيوخه ولد سنة 647 وتوفي سنة 723 وكتاب الغريبين لأبي عبيد الهروي والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير الجزري وكفاية المتحفظ لابن الأجدابي وشروحها وفصيح ثعلب وشروحه الثلاثة: لأبي جعفر اللبلي وابن درستويه والتدميري وفقه اللغة والمضاف والمنسوب كلاهما لأبي منصور الثعالبي والعباب والتكملة على الصحاح كلاهما للرضي الصاغاني ظفرت بهما في خزانة الأمير صرغتمش والمصباح المنير في غريب الشرح الكبير والتقريب لولده المعروف بابن خطيب الدهشة ومختار الصحاح للرازي والأساس والفائق والمستقصى في الأمثال الثلاثة للزمخشري والجمهرة لابن دريد في أربع مجلدات ظفرت بها في خزانة المؤيد وإصلاح المنطق لابن السكيت والخصائص لابن جني وسر الصناعة له أيضا والمجمل لابن فارس وإصلاح الألفاظ للخطابي ومشارق الأنوار للقاضي عياض والمطالع لتلميذه ابن قرقول الأخير من خزانة الديري وكتاب أنساب الخيل وأنساب العرب واستدراك الغلط الثلاثة لأبي عبيد القاسم بن سلام وكتاب السرج واللجام والبيضة والدرع لمحمد بن قاسم بن عزرة الأزدي وكتاب الحمام والهدى له أيضا وكتاب المعرب للجواليقي مجلد لطيف ظفرت به في خزانة الملك الأشرف قايتباي رحمه الله تعالى والمفردات للراغب الأصبهاني في مجلد ضخم ومشكل القرآن لابن قتيبة وكتاب المقصور والممدود وزوائد الأمالي كلاهما لأبي علي القالي وكتاب الأضداد لأبي الطيب عبد الواحد اللغوي والروض الأنف لأبي القاسم السهيلي في أربع مجلدات وبغية الآمال في مستقبلات الأفعال لأبي جعفر اللبلي والحجة في قراآت الأئمة السبعة لابن خالويه والوجوه والنظائر لأبي عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني وبصائر ذوي التمييز في لطائف كتاب الله العزيز والبلغة في أئمة اللغة وترقيق الأسل في تصفيق العسل والروض المسلوف فيما له اسمان إلى الألوف والمثلثات الأربعة للمصنف والمزهر ونظام اللسد في أسماء الأسد وطبقات أئمة النحو واللغة الثلاثة للحافظ السيوطي ومجمع الأنساب لأبي الفداء إسماعيل ابن إبراهيم البلبيسي الحنفي جمع فيه بين كتابي الرشاطي وابن الأثير والجزء الثاني والثالث من لباب الأنساب للسمعاني والتوقيف على مهمات التعريف للمناوي وألف با للألبا لأبي الحجاج القضاعي البلوي وكتاب المعاليم للبلاذري ثلاثون مجلدا وتبصير المنتبه بتحرير المشتبه للحافظ ابن حجر العسقلاني بخط سبطه يوسف بن شاهين وشرح ديوان الهذليين لأبي سعيد السكري وعليه خط ابن فارس صاحب المجمل والأول والثاني والعاشر من معجم ياقوت ظفرت به في الخزانة المحمودية ومعجم البلدان لأبي عبيد البكري والتجريد في الصحابة والمغنى وديوان الضعفاء الثلاثة للحافظ الذهبي ومعجم الصحابة للحافظ تقي الدين ابن فهد بخطه والذيل على إكمال الإكمال لأبي حامد الصابوني وتاريخ دمشق لابن عساكر خمس وخمسون مجلدا وبعض أجزاء من تاريخ بغداد للحافظ أبي بكر الخطيب والذيل عليه للبنداري وبعض أجزاء من تاريخ ابن النجار وكتاب الفرق للحكيم الترمذي وأسماء رجال الصحيحين للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي ولابن رسلان أيضا وطبقات المفسرين للداودي وطبقات الشافعية للتاج السبكي وللقطب الخيضري والتكملة لوفيات النقلة للحافظ زكي الدين المنذري وكتاب الثقات لابن حبان وكتاب الإرشاد للخليلي والجواهر المضية في طبقات الحنفية للحافظ عبد القادر القرشي ولباب الأنساب للسيوطي والذيل عليه للداودي ومجمع الأقوال في معاني الأمثال لمحمد بن عبد الرحمن أبي البقاء العكبري ونزهة الأنفس في الأمثال لمحمد بن علي العراقي وشرح المقامات الحريرية للشريشي والوافي بالوفيات للصلاح الصفدي ومن تاريخ الإسلام للذهبي عشرون مجلدا وشرح المعلقات السبعة لابن الأنباري والحماسة لأبي تمام حبيب بن أوس الطائي المشتملة على عشرة أبواب وبعض أجزاء من البداية والنهاية للحافظ عماد الدين بن كثير والراموز لبعض عصريي المصنف والمثلثات لابن مالك وطرح التثريب للحافظ ولي الدين العراقي والطالع السعيد للأدفوي والأنس الجليل لابن الحنبلي والكامل لابن عدي في ثمان مجلدات من خزانة المؤيد وحياة الحيوان للكمال الدميري وذيل السيوطي عليه ومستدركاته والإتقان في علوم القرآن له أيضا والإحسان في علوم القرآن لشيخ مشايخنا محمد بن أحمد بن عقيلة وشرح الشفاء للشهاب الخفاجي وشفاء الغليل له أيضا وشرح المواهب اللدنية لشيخ مشايخنا سيدي محمد الزرقاني وقوانين الدواوين للأسعد بن مماتي ومختصره لابن الجيعان والخطط للمقريزي والبيان والإعراب عمن بمصر من قبائل الأعراب له أيضا والمقدمة الفاضلية لابن الجواني نسابة مصر وجمهرة الأنساب لابن حزم وعمدة الطالب لابن عتبة نسابة العراق والتذكرة في الطب للحكيم داود الأنطاكي والمنهاج والتبيان كلاهما في بيان العقاقير وكتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري وتحفة الأحباب للملك الغساني وغير ذلك من الكتب والأجزاء في الفنون المختلفة مما يطول على الناظر استقصاؤها ويصعب على العاد إحصاؤها ولم آل جهدا في تحري الاختصار وسلوك سبيل التنقية والاختيار وتجريد الألفاظ عن الفضلات التي يستغنى عنها في حط اللثام عن وجه المعنى عند ذوي الأفكار فجاء بحمد الله تعالى هذا الشرح واضح المنهج كثير الفائدة سهل السلوك موصول العائدة آمنا بمنة الله من أن يصبح مثل غيره وهو مطروح متروك عظم إن شاء الله تعالى نفعه بما اشتمل عليه وغني ما فيه عن غيره وافتقر غيره إليه وجمع من الشواهد والأدلة ما لم يجمع مثله مثله لأن كل واحد من العلماء انفرد بقول رواه أو سماع أداه فصارت الفوائد في كتبهم مفرقة وسارت أنجم الفضائل في أفلاكها هذه مغربة وهذه مشرقة، فجمعت منها في هذا الشرح ما تفرق، وقرنت بين ما غرب منها وبين ما شرق، فانتظم شمل تلك الأصول والمواد كلها في هذا المجموع، وصار هذا بمنزلة الأصل وأولئك بمنزلة الفروع، فجاء بحمد الله تعالى وفق البغية، وفوق المنية، بديع الإتقان، صحيح الأركان، سليما من لفظة لو كان، حللت بوضعه ذروة الحفاظ، وحللت بجمعه عقدة الألفاظ، وأنا مع ذلك لا أدعي فيه دعوى فأقول: شافهت، أو سمعت، أو شددت، أو رحلت، أو أخطأ فلان أو أصاب، أو غلط القائل في الخطاب، فكل هذه الدعاوى لم يترك فيها شيخنا لقائل مقالا، ولم يخل لأحد فيها مجالا، فإنه عني في شرحه عمن روى، وبرهن عما حوى، ويسر في خطبه فادعى، ولعمري لقد جمع فأوعى، وأتى بالمقاصد ووفى، وليس لي في هذا الشرح فضيلة أمت بها، ولا وسيلة أتمسك بها، سوى أنني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب من منطوق ومفهوم، وبسطت القول فيه ولم أشبع باليسير وطالب العلم منهوم، فمن وقف فيه على صواب أو زلل، أو صحة أو خلل، فعهدته على المصنف الأول، وحمده وذمه لأصله الذي عليه المعول، لأني عن كل كتاب نقلت مضمونه، فلم أبدل شيئا فيقال {فإنما إثمه على الذين يبدلونه} بل أديت الأمانة في شرح العبارة بالفص، وأوردت ما زدت على المؤلف بالنص، وراعيت مناسبات ما ضمنه من لطف الإشارة، فليعد من ينقل عن شرحي هذا عن تلك الأصول والفروع، وليستغن بالاستضواء بدري بيانه الملموع، فالناقل عنه يمد باعه ويطلق لسانه، ويتنوع في نقله عنه لأنه ينقل عن خزانة، والله تعالى يشكر من له بإلهام جمعه من منة، ويجعل بينه وبين محرفي كلمه عن مواضعه واقية وجنة، وهو المسئول أن يعاملني فيه بفضله وإحسانه، ويعينني على إتمامه بكرمه وامتنانه، فإنني لم أقصد سوى حفظ هذه اللغة الشريفة، إذ عليها مدار أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية، ولأن العالم بغوامضها يعلم ما يوافق فيه النية اللسان ويخالف فيه اللسان النية، وقد جمعته في زمن أهله بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوح عليه السلام الفلك وقومه منه يسخرون.

﴿وسميته تاج العروس من جواهر القاموس﴾.

وكأني بالعالم المنصف قد اطلع عليه فارتضاه، وأجال فيه نظرة ذي علق فاجتباه، ولم يلتفت إلى حدوث عهده وقرب ميلاده، لأنه إنما يستجاد الشيء ويسترذل لجودته ورداءته في ذاته، لا لقدمه وحدوثه، وبالجاهل المشط قد سمع به فسارع إلى تمزيق فروته، وتوجيه المعاب إليه، ولما يعرف نبعه من غربه ولا عجم عوده، ولا نفض تهائمه ونجوده، والذي غره منه أنه عمل محدث ولا عمل قديم، وحسبك أن الأشياء تنتقد أو تبهرج لأنها تليدة أو طارفة، ولله در من يقول:

إذا رضيت عني كرام شيرتي
فلا زال غضبانا علي لئامها

وأرجو من الله تعالى أن يرفع قدر هذا الشرح بمنه وفضله، وأن ينفع به كما نفع بأصله، وأنا أبرأ إلى الله عز وجل من القوة والحول، وإياه أستغفر من الزلل في العمل والقول، لا إله غيره، ولا خير إلا خيره، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا



  1. وساع كسحاب بمعنى الواسع كما في القاموس

قالب:ملكية عامة - مؤلف قديم