تاريخ الفلسفة اليونانية (1936)/الباب الثاني/الوجود

الوجود أفلاطون
المؤلف: يوسف كرم


[98]

الفصل الثالث

الوجود

٣٤ – الله

أ – نظرية أفلاطون في الوجود مماثلة لنظريته في المعرفة بمعنى أنها تصعد من المحسوس إلى المعقول وتخضع الأول للثاني، وقد قص حكاية حاله بإزاء العلم الطبيعي فقال ما خلاصته (بلسان سقراط): لما كنت شابًّا كثيرًا ما قاسيت الأمرَّيْنِ في معالجة المسائل الطبيعية بالمادة وحدها على طريقة القدماء. وسمعت ذات يوم قارئًا يقرأ في كتاب لأنكساغورس «هو العقل الذي رتب الكل وهو علة الأشياء جميعًا» ففرحت لمثل هذه العلة وتناولت الكتاب بشغف، ولكني ألفيت صاحبه لا يضيف للعقل أي شأن في العلل الجزئية لنظام الأشياء، بل بالضد يذكر في هذا الصدد أفعال الهواء والأثير والماء وما إليها، مثله مثل رجل يبدأ بأن يقول إن سقراط في جميع أفعاله يفعل بعقله ثم يعلل جلوسي هنا (في السجن) بحركات عظامي وعضلاتي، ويعلل حديثي بفعل الأصوات والهواء والسمع وما أشبه، ولا يعنى بذكر العلل الحقة وهي: لما كان الأثينيون قد رأوا أحسن أن يحكموا عليَّ، ورأيت أنا أحسن؛ أي أقرب إلى العدالة أن أتحمل القصاص الذي فرضوا عليَّ، فقد بقيت في هذا المكان، ولولا ذلك لكانت عظامي وعضلاتي منذ زمن طويل في ميغاري أو في بويتيا حيث كان قد حملها تصور آخر للأحسن، فتسمية مثل هذه الأشياء عللًا منتهى الضلالة. أما إن قيل: لولا العضلات والعظام فلست أستطيع تحقيق أغراضي فهذا صحيح، وعلى ذلك فما هو [99]علة حقًّا شيء، وما بدونه لا تصير العلة علة شيء آخر.١ والعلة الحقة عاقلة تلحظ معلولها قبل وقوعه وترتب الوسائل إليه، فإن شيئًا لا يفعل إلا إذا قصد — أو قُصد به — إلى غاية، والغاية لا تتمثل إلا في العقل، وعند هذه الصخرة يتحطم كل مذهب آلي، ولما كان «الموجود الوحيد الكفء للحصول على العقل هو النفس،٢ كانت العلل العاقلة نفوسًا تتحرك حركة ذاتية، وكانت المادة شرطًا لفعلها أو علة ثانوية خلوًا من العقل تتحرك حركة قسرية وتعمل اتفافًا، إلا أن تستخدمها العلل العاقلة وسيلة وموضوعًا وتوجهها إلى أغراضها،٣ والنفس غير منظورة بينما العناصر والأجسام جميعًا منظورة،٤ فيبلغ أفلاطون من هذا الطريق إلى عالم معقول يصفه بأنه إلهي؛ لاشتراكه في الروحية والعقل، ولكنه يعين فيه مراتب ويضع في قمته الله.

(ب) يبرهن أفلاطون على وجود الله من الوجهتين المتقدمتين: وجهة الحركة ووجهة النظام، فمن الوجهة الأولى يقرر أن الحركات سبع: حركة دائرية، وحركة من يمين إلى يسار، ومن يسار إلى يمين، ومن أمام إلى خلف، ومن خلف إلى أمام، ومن أعلى إلى أسفل، ومن أسفل إلى أعلى، وحركة العالم دائرية منظمة لا يستطيعها العالم بذاته، فهي معلولة لعلة عاقلة، وهذه العلة هي الله أعطى العالم حركة دائرية على نفسه وحرمه الحركات الست الأخرى وهي طبيعية، فمنعه من أن يجري بها على غير هدى.٥ ومن الوجهة الثانية يقول: إن العالم آية فنية غاية في الجمال، ولا يمكن أن يكون النظام البادي فيما بين الأشياء بالإجمال [100]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/106 [101]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/107 [102]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/108 [103]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/109 [104]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/110 [105]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/111 [106]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/112 [107]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/113 [108]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/114 [109]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/115 [110]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/116 [111]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/117 [112]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/118 [113]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/119 [114]صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/120