تهذيب الكمال

(حولت الصفحة من تهذيب المزي)
تهذيب الكمال المؤلف المزي




تصدير

كتاب شعب الإيمان هو من أواخر ما طبع من مكتوبات الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، مع أنه من أوائل الكتب التي خطها بيمينه، فقد ألفه بعد كتابه «الإسلام غدا»1، حيث ابتدأ تصنيفه يوم الجمعة 30 صفر 1395هـ الموافق لـ 13 مارس 1975، وانتهى من خطّه يوم السبت 2 رجب من السنة نفسها الموافق لـ 10 يوليوز 1975.(1)

جمع رحمه الله أحاديث الكتاب ورتبها وهو في سجنه بعد كتابته لرسالة «الإسلام أو الطوفان» التي اعتقل على إثرها سنة (1394هـ - 1974م)، وأفرج عنه سنة (1398هـ - 1978م)، فاعتمد ابتداء في تأليفه على ما كان بحوزته من مصنفات الحديث مما وصل إليه وهو في معتقله، وكانت خمسة كتب وهي: «رياض الصالحين» للنووي، و«الترغيب والترهيب» للمنذري، و«الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية» للمناوي، و«التاج الجامع للأصول» لمنصور علي ناصف، و«حياة الصحابة» للكاندهلوي. وبعد خروجه من سجنه واطلاعه على متون السنة من مظانها ومن بينها ما صنف في شعب الإيمان، أضاف إلى الشعب أحاديث أخرى.

ولقد جاء ذكر اسم كتاب «شعب الإيمان» في «المنهاج النبوي» مرتين حيث قال فيه: «وقسمنا السبع والسبعين شعبة عشر فئات سميناها الخصال العشر، وجمعناها في كتاب يضم أكثر من ألفي حديث نبوي يسر الله تحقيقه وطبعه»،(2) وقال في موضع آخر منه: «نذكر شعب الإيمان كما صنفناها بإيجاز، ويرجع لكتابنا «شعب الإيمان» يسر الله تحقيقه وطبعه، ففيه من الأحاديث المفصلة ما يعطي لكل شعبة دلالتها مبنية على كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم»(1)، وكان هذا هو المادة الخام لعدد من مصنفات الإمام وعلى رأسها «المنهاج النبوي» وكتاب «الإحسان».

المقصود بشعب الإيمان عند الإمام

إن شعب الإيمان عند الإمام هي روافد يتألف منها نهر الإيمان(2)، وهي «ركائز سلوكية لا يمكن لطامح في مقامات الإحسان وسلوك طريق العرفان أن يتجاوزها أو أن يتنكبها، وإلا كان كمن يبني على غير أساس»(3)، وهي إما أعمال تنتج الإيمان كقول الكلمة الطيبة، أو أعمال ناتجة عن الإيمان كإماطة الأذى عن الطريق، أو مواقف قلبية موجهة لعمل المؤمن كالحياء(4). وزاد الإمام الأمر تفصيلا حين تحدث عن هذه الشعب وما يلزم المؤمن من أعمالها حيث قال: «من أعمال شعب الإيمان ما يلزم المؤمن مرة في العمر كالحج، ومنها ما يلزم مرة في السنة كصوم رمضان، ومنها ما هو موقوت مضبوط كالصلاة والزكاة، ومنها ما يسنح في أوانه وبمناسبته كعيادة المريض وتشييع الجنازة، ومنها ما هو فرصة دائمة كإماطة الأذى عن الطريق، ومنها ما هو صفة نفسيه مصاحبة كالحياء، ومنها ما ينبغي أن يصبح عادة راسخة كقول لا إله إلا الله»(5).

تصنيف العلماء في شعب الإيمان وطرائقهم في ذلك

لقد اهتم العلماء بالتأليف في شعب الإيمان جمعا وترتيبا للأحاديث المتعلقة بها، وكذا الآيات البينات، وبخاصة علماء الحديث، وكان الدافع لهم إلى ذلك تحديد وتفصيل ما أجمله الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اَللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ اَلأَذَى عَنِ اَلطَّرِيقِ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ»(1)، حيث إنه صلى الله عليه وسلم لم يحصر هذه الشعب، ولا ذكرها على جهة التفصيل والتعيين، وإنما ذكر طرفين منها وواسطة، ذكرَ الأعلَى وَالْأَدْنَى مِنَ الشُّعب وواسطة بينهما، فأعلى هذه الشعب وأفضلها قول (لا إله إلا الله)، وأدناها (إماطة الأذى عن الطريق)، وذكر من بين الشعب الحياء، وترك الباب مفتوحا للاجتهاد في تحديد عدد هذه الشعب وتسميتها حسب الأزمنة والأمكنة والأشخاص.

فمنهم من استنطق آيات الذكر الحكيم، واستقرأ متون السنة المشرفة، فَعَدَّ الشعبَ تسعا وسبعين شعبة كابن حبان البستي (354هـ) حيث قال رحمه الله: « وَقَدْ تَتَبَّعْتُ مَعْنَى الْخَبَرِ مُدَّةً، وَذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِلَّا بِفَائِدَةٍ، وَلَا مِنْ سُنَنِهِ شَيْءٌ لَا يُعْلَمُ مَعْنَاهُ، فَجَعَلْتُ أَعُدُّ الطَّاعَاتِ مِنَ الْإِيمَانِ فَإِذَا هِيَ تَزِيدُ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ شَيْئًا كَثِيرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى السُّنَنِ، فَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْإِيمَانِ، فَإِذَا هِيَ تَنْقُصُ مِنَ الْبِضْعِ وَالسَّبْعِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَى مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ مِنْ كَلَامِ رَبِّنَا وَتَلَوْتُهُ آيَةً آيَةً بِالتَّدَبُّرِ، وَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا مِنَ الْإِيمَانِ، فَإِذَا هِيَ تَنْقُصُ عَنِ الْبِضْعِ وَالسَّبْعِينَ، فَضَمَمْتُ الْكِتَابَ إِلَى السُّنَنِ، وَأَسْقَطْتُ الْمُعَادَ مِنْهَا، فَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ عَدَّهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا مِنَ الْإِيمَانِ فِي كِتَابِهِ، وَكُلُّ طَاعَةٍ جَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْإِيمَانِ فِي سُنَنِهِ، تِسْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْءٌ، فَعَلِمْتُ أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ الْإِيمَانَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَنِ»(2)، ومنهم من جعلها سبعا وسبعين كصنيع أبي عبد الله الحَلِيمِيِّ (403هـ) في كتابه: «المنهاج في شعب الإيمان»، وتبعه على ذلك أبو بكر البيهقي (458هـ)، فصنف «الجامع المصنف في شعب الإيمان»، وجاء أبو القاسم عمر بن عبد الرحمن القزويني (699هـ) فاختصر كتاب البيهقي، وألف أبو محمد عبد الجليل القَصْرِيُّ (608هـ) كتابه شعب الإيمان وجعلها أربعا وسبعين. وهذه الأعداد يحتملها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شعبة» على اختلاف الروايات، وتحتملها اللغة، إذ البِضْع ما بين الثلاث إلى العشر، وقيل: من ثلاث إلى تسع، وقال الخليل: البضع سبع، وقيل غير ذلك. وكل أولئك لهم طرائق في تسمية هذه الشعب، ومناهج في ترتيبها والتنسيق فيما بينها، مع الإلماع إلى أن هذه الشُّعَبَ التي ذكروها قَدْ جاءت في القرآنِ وَالسُّنة فِي مواضعَ متفرقةٍ.

ولا شك أن الإمام استفاد من هؤلاء حيث قال: «وقد ألف في شعب الإيمان الإمام الحافظ أبو عبد الله الحليمي والإمام الحافظ عبد الله البيهقي وغيرهما كثير، رضي الله عن الجميع، ورضي الله عنا إذ نلتمس على أثرهم المنهاج النبوي للتربية والتنظيم والجهاد في جمع شعب الإيمان وترتيبها وتنسيقها»(1)، لكنه لم يَنْحُ نحوهم في الترتيب والتبويب والتنسيق.

طريقة الإمام في تأليف شعب الإيمان

إنّ الإمام نظر في آي الذكر الحكيم، وخَبر سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة، واستحضر أعمال القلوب والجوارح وما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة، فوضع ترتيبا لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم راعى فيها المراحل التي ينبغي أن يسلكها الفرد والجماعة تربية وتنظيما وجهادا، قال رحمه الله: «تكون شُعب الإيمان مضمون الإسلام ومحتوى الإيمان، ويكون ترتيبها معراجا إحسانيا يرتفع عليه المومن وجماعة المومنين من نقطة البداية في الحياة، في حضن الوالدين، إلى مقام الشهادة في سبيل اللّه في ساحة الجهاد»(2)، وقال بعد حديثه عن البيهقي والحليمي اللذين ألفا في الموضوع نفسه: «ألفوا شعب الإيمان وهم رجال الحديث والفقه على نسق وافق قصدهم من جمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقديمه -كما فعل الحليمي في كتابه الذي طبع أخيرا(3) والذي نقل عنه علماؤنا كثيرا عبر الأجيال- ككل متمسك يصور حياة الإيمان في قلب المؤمن وقالبه وفي المجتمع، ولنا اهتمامات لعصرنا وما بعده، ونواجه جهل الناس بإسلامهم فنؤلف تأليفا غير تأليفهم. لا نأتي بجديد بدعي، لكن نرتب مراحل التربية والتنظيم والجهاد، ونحسب سبعا وسبعين شعبة متدرجة ما فيها حرف واحد خارج عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أتينا بالترتيب فقط لمقاصد تربوية تنظيمية، فهي سياسة شرعية لا غبار عليها»(1)، وقال في مقدمة الشعب: «لم ألتزم في تصنيفها ما التزمه العلماء المحدثون الذين صنفوا شعب الإيمان كالإمام البيهقي رضي الله عنه، إنما اجتهدت في تأليف الأحاديث وتنسيقها بما يسهل سلوك المسلم في جماعة المسلمين، وقد ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الباب مفتوحا؛ لأنه لم يعين من شعب الإيمان إلا أمهاتها»(2).

لقد حصر المرشد الإمام شعب الإيمان في سبع وسبعين كما ذهب إلى ذلك الحليمي والبيهقي، وجعلها عشر فئات، سمى كل فئة خَصْلةً، وضمّن كل خصلة عددا من الشعب، وكل شعبة موضوعات وعناوين على شاكلة أبواب كتب المحدثين، وكل عنوان أدرج فيه عددا من الأحاديث. وبَيْنَ الخصال والشعب والعناوين علاقات دلالية.

فنجد مثلا خصلة «الصحبة والجماعة» بها إحدى عشرة شعبة، أولاها محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبهذه الشعبة ستة عناوين، كل عنوان من الستة به جملة من الأخبار والآثار، وهكذا باقي الخصال والشعب والعناوين.

ورُتِّبَتِ العناوين داخل شعبها، والشعب داخل خصالها، ووُضِع ترقيمٌ متسلسل للأحاديث، فبلغ عدد أحاديث الشعب واحدا وخمسمائة وألفي حديث (2501).

شرح غريب أحاديث شعب الإيمان

إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، وهو أفصح من نطق بالضاد، وكان الصحب الكرام رضي الله عنهم يفهمون منطق الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، إذ هم أرباب الفصاحة والبيان. ومع بعد الناس عن زمن النبوة وعصر البلاغة والبيان، بدؤوا يستبهمون عددا من ألفاظ السنة المشرفة وأساليبها، فانبرى أهل اللغة لشرح ما غمض منها، وللإبانة عما غَرُب من أساليبها.

والأخبار والآثار الكامنة في شعب الإيمان فيها ما يُعَدُّ من هذا القبيل مما يحتاج معه إلى إبانة ما استعجم.

إن الأستاذ الإمام شرح جملة من هذه الألفاظ، وأماط اللثام عن عدد من التراكيب الغامضة، وبقيت عبارات أخرى لم يَتَصَدَّ لها بالشرح لكونها واضحة عنده، وهو الآخذ بناصية اللغة، العالِمُ بمواقع الخطاب، فاقتضى النظر إيلاءها بالشرح والإبانة.

وقد نحونا في الشرح نحو الإمام وجازة وقصدا، دون الإطالة أو الإيغال في التصريف والاشتقاق، أو شرح معاني الآثار، إذ الغرض من تصنيف هذا الكتاب ليس هو شرح الحديث، إنما جمع وترتيب ما يتعلق بشعب الإيمان وفق منهج ارتضاه الإمام، مع التعليق عليها بما لا يخرج الكتاب عن غرضه.

وشُرِحت الألفاظ في سياقاتها، وغضضنا الطرف عن معانيها غير المرادة في الحديث، مستعينين في ذلك بمصنفات غريب الحديث ومعاجم اللغة، فضلا عن شروح متون السنة.

تخريج أحاديث شعب الإيمان

اتبعنا في تخريج أحاديث الكتاب الخطوات الآتية:

- إذا كان الحديث في الصحيحين اكتفينا بعزوه إليهما أو إلى أحدهما.

- إن لم يكن في أحد الصحيحين عُزِيَ إلى من خرَّجَه من بقية الكتب الستة: سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

- إِنْ وُجِد الحديث في السنن الأربعة: سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ولم يكن صحيحا ووجد في غيرها، عزوناه إلى من صححه ممن التزم مخرجهالصحة، كصحيح ابن حبان وابن خزيمة ومستدرك الحاكم، مع الأخذ بعين الاعتبار تساهل الحاكم في التصحيح حتى وإن وافقه على ذلك الذهبي، ومع تقديم صحيح ابن خزيمة على صحيح ابن حبان، وهذا الأخير على مستدرك الحاكم.

- قد يُعزَى الحديث إلى مسند الإمام أحمد أو مسند أبي يعلى أو مسند البزار أو معاجم الطبراني الثلاثة، مع ذكر تعليق الهيثمي على هذا التخريج في مجمع الزوائد له.

- قد يخرج الحديث من غير هذه المظان التي ذكرت، كالجوامع والمستدركات والمستخرجات والمسانيد والأجزاء وكتب الأطراف والأمالي والمصنفات وغيرها.

- تم التنصيص -في الغالب- على درجة الحديث: صحة وحسنا وضعفا، وللإشارة فإن أغلب أحاديث الشعب هي من قبيل الصحيح والحسن، ومنها ما قصر عن هاتين الرتبتين، فكان ضعفه خفيفا، وليس فيه بحمد الله ما اشتد ضعفه أو رواه كذاب أو متروك أو منكر الحديث.

ولقد كان العلماء يعملون بالحديث الضعيف في غير صفات الله تعالى والحلال والحرام، فيعملون بها في القصص وفضائل الأعمال والمواعظ، روي عن أحمد بن حَنبلٍ وابن مَهديٍّ وابن المبارك أنهم قَالُوا: «إِذَا روينَا فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ شَدَّدْنَا، وَإِذَا روينَا فِي الْفَضَائِلِ وَنَحْوِهَا تَسَاهَلْنَا»(1)، وقال الخطيب البغدادي: «بَابُ التَّشَدُّدِ فِي أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ، وَالتَّجَوُّزِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ. قَدْ وَرَدَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ إِلَّا عَمَّنْ كَانَ بَرِيئًا مِنَ التُّهْمَةِ، بَعِيدًا مِنَ الظِّنَّةِ، وَأَمَّا أَحَادِيثُ التَّرْغِيبِ وَالْمَوَاعِظِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَتْبُهَا عَنْ سَائِرِ الْمَشَايِخِ»(2)، وقال النووي: «قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً، وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك؛ فلا يُعْمَل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياطٍ في شيء من ذلك، كما إذا وردَ حديثٌ ضعيفٌ بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة، فإن المستحبَّ أن يتنزّه عنه، ولكن لا يجب»(1).

ونصوا على أنه يعمل بالضعيف إذا لم يوجد في الباب غيره، ولم يوجد ما يدفعه، ولم يشتد ضعفه. ولقد كان هذا صنيع أبي داود في سننه، واحتج الشَّافِعِيّ بالحديث المرسل إِذَا لم يجد غيرَه.

وأحاديث الشُّعَبِ هي في الفضائل والترغيب والترهيب وليست في الأحكام الفقهية، وقد صرح الأستاذ الإمام رحمه الله بذلك في قوله في مقدمة كتابه هذا: «وقد جمعت أمهات الحديث في ترتيب على الخصال العشر، لم أورد فيها الأحاديث الفقهية»(2).

ولم يقتصر الإمام في الشعب على إيراد الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل أضاف إليها الأحاديث الموقوفة، وهي المروية عن الصحابة قولا كانت أو فعلا، وهو المسمى في اصطلاح أهل خراسان بالأثر، ويسمون المرفوع بالخبر، كما وجد فيه المقطوع، وهو ما أضيف إلى التابعين قولا كان أو فعلا، وقد خرجنا الموقوفات والمقطوعات من مظانها، ونصصنا على درجتها، معتمدين في ذلك على مصنف ابن أبي شيبة، ومصنف عبد الرزاق، وسنن سعيد بن منصور، وتفسير ابن جرير الطبري، وعلى كتب الجرح والتعديل وغيرها.

لقد انبرى جلة من الباحثين الفضلاء لخدمة هذه الدُّرة التي تركها الأستاذ الإمام: تخريجا لأحاديثها، وشرحا لغريبها، ومراجعة لمتونها، وأخص بالذكر والتبجيل فضيلة الأستاذ القدير الدكتور عبد اللطيف أيت عمي الذي استفرغ جهدا استثنائيا في تخريج أحاديث شعب الإيمان والتنصيص على درجتها، فله وللإخوة الباحثين على ما نقحوا وحققوا وشرحوا جزيل الشكر، ولهم من الله الثواب والأجر، والحمد لله رب العالمين.

صبيحة الأربعاء 7 رجب 1438هـ /5 أبريل 2017 م عبد العلي المسئول

مقدمة

عرف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان وطرائقه في منصرفه ومصادره حيث قال فيما رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن رحمهم الله عن أبي هريرة رضي الله عنه: «الإيمان بضع وسبعون شعبة -وفي رواية البخاري: بضع وستون شعبة-؛ أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان».(1)

بهذا الحديث النبوي الشريف فصل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بضع وسبعين فصلا منها الأعمال المنتجة للإيمان أمها قول الكلمة الطيبة، ومنها أعمال ناتجة عن الإيمان وهي خدمة المسلمين، مثال لها إماطة الأذى عن الطريق، ومنها مواقف قلبية باطنية موجهة لعمل المومن أمها الحياء من الله والناس. وكتم عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية الشعب، لم يذكر منها إلا ثلاثة لينكب كل مومن على كتاب الله ففيه جماع الإيمان وشعبه، وليبحث ويتعلم ويتخلق ليستجمع إيمانه. وما يعلمنا الله عز وجل في محكم كتابه معنى الإيمان، ولا يصف لنا المومنين إلا ضبط لنا الإيمان في التوحيد والجهاد. والآيات كثيرة في حصر الإيمان على الذين آمنوا ولم يرتابوا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.

وفي القرآن ترتيب نجده في الحديث الشريف لبدء الإيمان ونتائجه، الإيمان يبدأ بقول لا إله إلا الله وينتج عنه حياء، والحياء حياة قلبية باطنية، وأدنى ما ينتظر من مومن حي أن يميط الأذى عن الطريق، أي أن يبذل من جهده في صالح الآخرين، خاصة إخوانه المسلمين. ولننتبه إلى أن الحديث يعلمنا أن أعلى مصادر الإيمان هي قول، أي عمل باللسان، أي ذكر الله عز وجل. ثم لنتذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدأ تبليغ رسالة ربه كان يرغب إلى الناس أن يقولوا الكلمة الطيبة ليفلحوا. كان يسير في الأسواق يقول: «أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا»(1)، فكانوا لا يقولونها فيبقون على كفرهم، حتى إذا غلبوا على أمرهم بصدق الدعوة أولا فقالوها تحولوا من أمة همج إلى خير أمة أخرجت للناس.

قالوا الكلمة الطيبة كلمة التوحيد استجابة لدعوة داع فنتج عن تصديقهم وقولهم بالاتباع والتقليد إيمان وجهاد، أعني أن في اجتماع صدق الداعي وتصديق المدعو وترديد الكلمة الطيبة خاصية إلهية تفعل في القلوب فعلا غيبيا، هو ترسيخ الإيمان، وتسريح الطاقات الإنسانية، وتنوير الحالك من جنبات النفس البشرية.

ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحياء شعبة من شعب الإيمان، ومعنى الحياء في الحديث النبوي ليس المعنى النفسي الذي يشترك فيه البشر كفارهم ومومنهم، بل هو حياة قلبية خاصة كما يفسر ذلك الحديث النبوي التالي، روى الترمذي رحمه الله عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ. قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ المَوْتَ وَالبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ»(2).

بالكلمة الطيبة يتأسَّس الإيمان، قولا باللسان على تصديق صادق، ثم تتفاعل الكلمة الطيبة في قلب المصدق فتنتج له حياة. وبالكلمة الطيبة يتجدد الإيمان كما تأسس أول مرة لدى البعثة المحمدية. ولنحتفظ هنا بأن هذه الحياة التي هي حق الحياء حافز قوي يدفع المومن للسيطرة على غرائزه (البطن وما حوى) والسيطرة على جوارحه وعقله (الرأس وما وعى) والسيطرة على غروره وأنانيته (ترك زينة الحياة الدنيا). وهذه ثلاثة جوانب جامعة للحياة الإنسانية من حيث جذورها الغرزية البيولوجية، ومن حيث علاقات الناس بعضهم وعلاقاتهم بالكون. كان الأولون رضي الله عنهم يعرفون الإيمان بأنه قول وعمل، ولعلهم يقصدون بالعمل عمل القلب والجوارح معا، ونحن نقول: الإيمان رحمة وحكمة فنفتح بذلك واجهتين للفكر والعمل: واجهة الحوافز وواجهة الإنجاز.

الإيمان وشعبه يكون دائرة بين العبد وربه؛ ما من الله إلى العبد رحمة، وما من العبد إلى الله حكمة بشرط الجماعة. فما هي حكمة إلا الأعمال التي تحكم روابط المومن بالجماعة، وما تبلغ رحمة الله عبده غايتها إلا عندما يجاهد العبد في سبيل الله. فإن الله فضل المجاهدين على القاعدين درجات.

شعب الإيمان كما فصلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكمنها إكمانا تربويا في عدد محصور أعمال تكيف منشأ الإيمان وتصريفه إلى حكمة. وتتضمن التزكية القلبية والفرض والنفل اللذين يقربان العبد إلى ربه فيحقق فردانيته داخل الجماعة. ولو لم يكن أمامنا نموذج بشري لحياة الإيمان لكان اجتهادنا في البحث عن شعب الإيمان عويصا بل محالا.

وإن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته الطاهرة بين صحابته نقرأها فلا نجد وساطة فكرية ولا تعقيدا ولا اصطلاحات، بل نجد بساطة الدعوة وبساطة التصديق ويسر العمل. ومن هذه البساطة يتألف نموذج يبهرنا بمنجزاته وأخلاقيته وسمو مبادئه ومقاصده. نموذج مشخص في رجال ونساء بشر مثلنا، فلماذا انغلقت السنة عن الهمم والإرادات، ثم لماذا نقرأها منذ قرون ونعجز عن اللحاق بالركب النوراني؟ ثم هل يمكن أن يتجدد لنا جيل على نسق الجيل الأول؟

وإذا أردنا أن نستنتج الإيمان ابتداء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شعب الإيمان نقول:

1 - الإيمان كلمة التوحيد على دعوة صادق وتلبية مصدق.

2 - يتبع ذلك حياء بمعناه النبوي، وهو حياة قلبية بها يسيطر المرء على غرائزه وعقله وعادات نفسه. 3 - يتبع ذلك مشاركة في بناء الجماعة ولو بإماطة الأذى عن طريقها.

ولا يخرج هذا التدرج المستنتج عن مبادئ المنهاج كما استقرأناه من كتاب الله وسنة نبيه.

ويزيدنا هذا الاستنتاج بيانا لعملية بناء المومن وبناء جماعة المومنين بما يدلنا عليه من تدرج، وما يدلنا عليه من أسبقية الحافز على الإنجاز، أي بأسبقية الرحمة على الحكمة حسب استعمالنا للمفهومين القرآنيين. وإن كانت الرحمة والحكمة جميعا من الله عز وجل ربنا خالقنا ورازقنا.

أجمع في هذا الكتاب ما تيسر من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبة في سبع وسبعين شعبة إيمانية، ثم أرتب كل طائفة من هذه الشعب تحت خصلة من الخصال العشر التي أذكرها فيما يلي، وهي الخصال العضوية الثلاث يليها سبع خصال(1) عملية تطبيقية يحدد عشرتها مجال البناء الخلقي والعملي الإيماني لإسلام متجدد.

ولم أجعل الكلمة الطيبة أول شعب الإيمان ولا أول الخصال، بل أدمجتها تحت الخصلة الثانية وهي الذكر لما ذكر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم من أسبقية الداعي الذي نجالسه ونخالِلُه، ولما دلتنا عليه السيرة النبوية المجددة للفطرة المشرعة لدين الله المرتضى من أن الإيمان يسري من قلب لقلب بتشرب روحي يورث كما يورث الجسم، هذا بخلق الله وتسويته وتقديره وهديه، وذاك أيضا بخلق الله وتسويته وتقديره وهديه، هذا بلقاء زوجين ذكر وأنثى وذاك بلقاء صدق الداعي والمدعو على توحيد الله.

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخبرنا أن الكلمة الطيبة أول شعب الإيمان بل ذكر أنها أعلاها. لهذا تكون الشعب التي أدرجناها تحت خصلة الصحبة والجماعة تدريجا للتخلق بلا إله إلا الله وسكون لا إله إلا الله في القلب، وإن كان قولها وترديدها فاعلا «كيماويا» في خلق الإيمان إذا حصلت الشروط المخبرية الثلاثة. ولم نجعل إماطة الأذى عن الطريق في آخر قائمة الشعب، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنها أدناها فإنه ما رتب لنا الشعب ولا حددها لنا بأدق من كلمة البضع وهي تمتد من ثلاثة إلى تسعة. وذكرت مع أحاديث إماطة الأذى عن الطريق الأحاديث التي يرخص فيها الدين للمسلم أن يعتزل إذا فسدت الجماعة وحلت الفتنة، والأحاديث التي تأمر الضعيف الذي لا يقدر على صبر ومرحمة أن ينعزل. مثال لذلك أمره صلى الله عليه وسلم أبا ذر الغفاري أن لا يلي أمرا لضعفه.

وصنفت شعبة الحياء مع الأحاديث الآمرة بالتعفف والكف عن السؤال، لما في الاعتزاز بالكسب المغني عن ذل المسألة من مناسبة مع الحياة القلبية التي هي المعنى النبوي للحياء؛ فالقاعد عن العمل ذليل ميت قلبه وإن كان يسعى بين الناس.

وأسرد الآن الخصال العشر سردا سريعا موجزا، وهي:

1 - الصحبة والجماعة: صاحب داع من أبوين ومرب، وجماعة حاضنة. يتسرب الإيمان من قلب لقلب، من القلب النير الحي إلى القلب المتعطش الصادق من جيل لجيل تسربا يحافظ على الفطرة ويحددها. لا يكون المومن مومنا حقا، مومنا أساسا، إلا ببلاغ مبلغ، بلاغ تربوي يتم بالمعاشرة والمخاللة. ولا يقوى إيمان المومن إلا في حضن جماعة المومنين. والمنعزل قد يكون مومنا لكنه مومن ضعيف.

2 - الذكر: يتفتح القلب للإيمان بالصحبة والجماعة، فيستعد لتلقي القرآن، ويقتبس عندئذ من ذكر الله كما يقتبس من الصحبة والجماعة. والذكر عندنا كلمة جامعة لكل العبادات والقربات، ابتداء من الكلمة الطيبة إلى أدنى شعب الإيمان إذا خلصت النية، أي إذا صفا القلب من النفاق فصدق القصد.

3 - الصدق: صدق الطلب، وصدق الهمة، وصدق الذمة، والصدق بمعنى القوة في الحق، وصدق في الصف، وتصديق بالغيب، وصدق في الهجرة، وصدق البذل. ولا يعرف الصادق إلا عند الاختبار، عند إعطائه برهان صدقه؛ لا تعرف الرحمة إلا بالحكمة، لا تعرف النيات عند الناس إلا بالأعمال. 4 - البذل: هو العطاء المتدرج حتى يبذل المومن ماله ونفسه لله في صفقة يشتري الله فيها مال المومن ونفسه ثمنا لبضاعة الله وهي الجنة. والبذل برهان الصدق، ومن شح بمتاعه أو جهده عن الجماعة فهو لبنة لا تصلح لبناء الجماعة. وكما يختبر البناء لبنه وحجارته بالمطرقة يتحسس صلابتها كذلك يُختبر المسلم بمعيار البذل ليُدرى أهو حي صادق يصلح لعضوية الجماعة أم هو ميت بشحه متقلص واه.

5 - العلم: العلم النافع ما سلك بنا منهاج الإيمان، وما قوانا على بناء جماعة المومنين. والعلم هو القرآن والحديث، وأهل العلم هم أهل القرآن وأهل الحديث العاملون بعلمهم، وهم العلماء، وما عدا هذا من علوم آلية ضرورية لاكتساب الأمة منعة وقوة واكتفاء اقتصاديا فَلَاحِقٌ بذلك العلم ما دام يخدم مشروع الأمة ومشروع المومن في اقتحام العقبة إلى الله.

6 - العمل: الجسم وما يتضمنه من طاقات أمانة استودعها الله أرواحنا المدبرة بالعقل، المستنيرة لدى المومنين بنور الحق وعلم الحق. فعامل بهذه الطاقات عملا يوصله إلى ربه، ومكابد على نجد الشقاء يرديه عمله. ولا يقبل الله عملا إلا بنية مومنة، ويحبط كل عمل لا يراد به وجهه. والعمل للكسب والقوة واجب وعبادة في حق المومن، والتعاون عليه عبادة في حق الأمة تلحق بالعبادات الفردية من دعائم الإسلام الخمسة فما دونها من نفل.

7 - السمت: أسلوب العمل ووجهه واتجاهه ونظامه، فكما يجب على الأمة أن تكون لها نيات غير نيات الجاهلية، يجب أن يكون لها أسلوب عمل وشكل عمل ونظام عمل يخالف الجاهلية. وقد نهينا عن التشبه بالكفار. وسمت الإسلام جمال وبشر وطهارة قلبية تنبئ عنها نظافة ظاهرة. وسمت الإسلام سفارة للعالم ودعوة بالحال إلى الحق مع دعوة المقال.

8 - التؤدة: صبر ومصابرة، كف عن الحرام ومثابرة على الطاعات، أناة وحلم يحبهما الله تعالى. وكل بناء عجل يوشك أن ينهار. فلا بد من ردع العجلة التي جبل عليها الإنسان. ولا بد لمن يريد تجديد الإسلام أن يخترع نظاما إسلاميا وسمتا إسلاميا في كل الميادين. ولا بد لمن يريد تجديد الإسلام أن يربي جيلا طاهرا قويا يربي أجيالا من بعده قوية. وكل هذا لا يتم مع العجلة بل يطلب مثابرة وصبرا طويلين.

9 - الاقتصاد: كل خطوة يخطوها المومن وجماعة المومنين والأمة الإسلامية كلها يخاف أن يحيد بهم عن القصد والغاية وأن يستهلكوا قواهم في الأهداف الجزئية أو الأهداف الأرضية. فلا بد من تسديد الخطى وتعديلها. ولا بد من تقديم الوجهة وتصحيح النية على طول المسافة. وهذه وظيفة النصيحة بمعنى التواصي بالصبر والمرحمة. والاقتصاد الإسلامي بالمعنى العصري للاقتصاد التماس للغاية بوسيلة تضمن الكفاية والقوة. ولا ينتهي الجهاد الإسلامي في بناء الاقتصاد بل يبتدئ منه.

10 - الجهاد: جمع لكل الجهود الفردية في نشاط جماعي، وجمع لكل الطاقات في اتجاه واحد، اتجاه الغاية عبر الأهداف الاقتصادية والمقاصد الجزئية. الجهاد تحقيق لكل الخصال الإيمانية العشر، لكل شعب الإيمان البضع والسبعين، في واقع أمة ناهضة للحياة من موت، وللحق من باطل، ولاقتحام العقبة من فتنة القرون. والجهاد بمعناه الخاص وهو القتال في سبيل الله جزء من هذا الجهاد الأكبر جهاد التربية والدعوة إلى الله في وجه العالم.

وقد جمعت أمهات الحديث في ترتيب على الخصال العشر، لم أورد فيها الأحاديث الفقهية، وصنفتها سبعا وسبعين شعبة من شعب الإيمان، لم ألتزم في تصنيفها ما التزمه العلماء المحدثون الذين صنفوا شعب الإيمان كالإمام البيهقي رضي الله عنه، إنما اجتهدت في تأليف الأحاديث وتنسيقها بما يسهل سلوك المسلم في جماعة المسلمين، وقد ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الباب مفتوحا؛ لأنه لم يعين من شعب الإيمان إلا أمهاتها. وجعلت للأحاديث القدسية مكانا بارزا لأنها خطاب مباشر من الله عز وجل لعبده. واعتمدت في جمع الأحاديث على الكتب التالية التي وصلت إليها في سجني:

1 - رياض الصالحين للإمام النووي.

2 - الترغيب والترهيب للحافظ المنذري.

3 - الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية للحافظ المناوي.

4 - التاج الجامع للأصول للشيخ منصور علي ناصف.

5 - حياة الصحابة للشيخ محمد يوسف الكندهلوي.

والكتاب الأخير كتاب نفيس فريد في بابه.

تخلق أخي بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخصص وقتا لقراءة الحديث وحفظه كما تخصص أوقاتا لتلاوة القرآن وحفظه، فما ملأت جوفك بشيء أنفع لك عند الله من كلام الله، ولا قرأت علما أنفع لك في سيرك إلى الله وبنائك للجماعة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

جزى الله عنا من سبقونا بإيمان ورحمنا ورحمهم، وغفر لنا ولهم. ورحم الله من استغفر واسترحم لأسير ذنبه الراجي عفو ربه.

مراكش 2 رجب 1395 عبد السلام ياسين

الخصال العشر

خاتمة

اللهم هذه نعمتك علي أن جمعت من أحاديث رسولك وحبيبك ورحمتك للعالمين، اللهم ما أصبح بي وأمسى من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر. اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. اللهم فبمحمد حبيبك اجعله علما موروثا مبثوثا جاريا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولمن دعا لنا واسترحم، واغفر لنا، وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم صل على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عدد خلقه، ورضى نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


مراكش، الجمعة 30 صفر-السبت 2 رجب، سنة 1395هـ(1) عبد السلام ياسيـــن