حوادث دمشق اليومية/سنة 1155

​حوادث دمشق اليومية​ المؤلف أحمد البديري
سنة 1155


ثم دخلت سنة 1155 وأولها يوم الخميس وهو أول المحرم. وبعد خمسة أيام كان أول آذار. وفي تلك الأيام ظهر كوكب وصار يطلع كل ليلة من جهة الشرق من نصف الليل إلى طلوع الفجر، وله ذنب طويل، ومكث أياماً ثم غاب. وقد عمل بعضهم تاريخاً يتضمن تاريخاً لدخول هذه السنة وهي:

نحمد الله الذي أوهبنا
حسن عام وحبانا بالكرم
هلّ هذا العام يا قوم انظروا
لفظة التاريخ فألاّ يغتنم
فاضرعوا لله في إتمامه
بنجاح إنكم خير أمم
وابشروا يا أمة الهادي الذي
خصه الله بفضل وحكم
فضل ربي عمّنا تكرمة
ليس يحصى شكر هاتيك النعم
وكذا كل الورى قد عمهم
لطفه سبحانه باري النسم
وخصوصا عصبة الشام التي
هي للأبدال مأوى ملتزم
كيف والسادات قد حلّوا بها
سرّهم عمّ لسهل وأكم
فاشكروا الله على عام أتى
أظهر التاريخ حفظاً ونعم

وكان دخول جوقدار سليمان باشا الوزير ابن العظم سنة 1155 في يوم السبت الواقع في رابع وعشرين من شهر محرم من السنة المذكورة. وفي يوم الثلاثاء السابع والعشرين من المحرم أقبل كتّاب الحج الشريف. وثارت في اليوم المذكور ريح شديد يومين وليلتين قلعت أشجاراً كثيرة وهدمت أماكن لا تحصى، ووقع فرع عظيم من شجرة الخرنوبة التي في الحضرة على رأس غلام مراهق فمات لوقته ورجلين آخرين فهشّمهم، وسكن الريح بوقته. وفي عاشر ذي القعدة دخل مصطفى باشا متولي طرابلس الشام نهار الاثنين إلى دمشق، عينته الدولة العلية سرداراً على الجردة. والمذكور كان سفاكاً للدماء ظلوماً غشوماً أهرق دماء كثيرة حينما كان في طرابلس، وكان غالب قتله بالكلاب والشنكل، يترك الرجل حتى يموت جوعاً وعطشاً، فهربت غالب أهالي طرابلس من ظلمه وتفرقوا في البلاد، وأرسل أعوانه في طلب الهاربين، فالذي قبضوا عليه كان من الهالكين. وبعد مجيئه لدمشق وقعت فتنة بين الدالاتية التي للمتسلم وبين لاوند الأكراد، وقتل من الفريقين جماعة، وكانت تلك الفتنة في يوم الجمعة، حتى بطلت صلاة الجمعة في كثير من الجوامع.

وفي غرة ذي الحجة ختام السنة المذكورة توفي الشيخ محمد الكيال وكان من رؤساء المؤذنين في جامع الأموي، وكان رجلاً صالحاً، وكان ينسخ كتباً وغيرها بخط مقبول، وكان ينام والقلم بيده ويفيق ويكتب من غير نظر للكتابة، وقد عُدّت له كرامة.

وفي ذلك اليوم جاء خبر قتل متسلم دمشق، قتله عرب الزبيد وقتلوا من جنده جماعة كثيرة، وذلك لما كانت هذه العرب عاصية على الدولة خرج المتسلم المذكور ومعه جماعة من العسكر، فساروا حتى وصلوا للعرب المذكورة، ففاجأهم المتسلم وجنوده على حين غفلة بالقتل وغيره، وأرادوا أخذ أموالهم ومواشيهم، فردوا عليهم رد غيور صبور فقتلوا المتسلم المذكور وجماعة من عسكره، فحين بلغ هذا الأمر أكابر دمشق عملوا ديواناً ثم أمروا منادياً ينادي: من أراد طاعة الله والسلطان ممن له قدرة وقوة على الركوب فلا يتخلف، فالغارة الغارة على عرب الزبيد الذين قتلوا المتسلم وعسكره، فخرجت الإنكشارية والسباهية والزعماء، عينوا نائباً بدمشق حسين آغا بن القطيفاني، المتولي على وقف المرحوم سنان باشا، ثم ساروا للعرب، ورجعوا ومعهم جسد المتسلم المقتول، وهو في حالة عبرة لمن اعتبر، ثم غسلوه في سراية الحكم ودفنوه في باب الصغير. وكان اسمه إبراهيم، وهو مملوك سليمان باشا بن العظم حاكم الشام، وكان مع عدل مولاه، له ظلم وعدوان وجرأة على الخاص والعام، وكان يأمر بالقبض على كل من رآه بعد العشاء، ويأمر بتقييده في الحال بالحديد، إلى أن يأخذ منه مال كثير، وإذا أذنب أحد ذنباً، ولم يقدر على قبضه يقبض من يقدر عليه من أهله وقرابته، ويلزمه بمال عظيم، وإذا نهاه أحد عن تلك الأحوال يحرد، ويطلب الارتحال، ولا زال بظلمه وعتوه، إلى أن أخذه الله. وقيل سبب تدميره أنه جاءه شيخ الجبلة، الفحيلي، وقال له سراً: قم حتى أكسبك كثيراً من الغنائم، ولم يعلم أحد من كبراء الشام، سوى قومه الطغاة، فذهب هو وقومه حتى وصل إلى اللجاة، فلما وصل إلى تلك القبيلة ساق أموالهم والحريم، فارتدت عليه العرب، وأخذ عليه واحد منهم نيشاناً فضربه ولم يخطئه، وتركه ملقى قتيلاً وقتلوا جماعة من قومه، ذلك بما قدمت يداه.

وفي نهار السبت منتصف ذي الحجة، توفي أبونا ووالدنا وأستاذنا ومربينا سليمان بن الحشيش الحكواتي رحمه لله. كان فريد عصره ووحيداً في أوانه. وكان يحكي سيرة الظاهر وعنترة وسيف، ونوادر غريبة في التركي والعربي، ومع ذلك فهو أمي لا يقرأ ولا يكتب. وكان أشقر أبرص، شديد البياض إلاّ أنه بحر خضم لا يخاض رحمه الله.

وفي يوم السبت خامس عشر ذي الحجة توفي المرحوم عبد العزيز أفندي السفرجلاني، وكان فقيهاً محباً للعلماء، مقبولاً عند الحكام مهاباً وقوراً، وأعطي جاهاً لن ينله أحد من بني السفرجلاني، محباً لفعل الخير، ولهذا حصل له القبول عند الخاص والعام.

وفي أوائل الشتاء من آخر هذه السنة قلت الأمطار، ويئست الخلق ونهض الغلاء على قدم وساق، فأغاث الله عباده بالأمطار كالبحار، وذلك في ابتداء كانون الثاني، واستمر ليلاً مع نهار لا يفتر، وأثلجت الدنيا سبع مرات، واستمر ذلك خمسة وأربعين يوماً، وتهدمت أماكن كثيرة بحيث ما بقي محل ولا جهة في الشام إلا ووقع الهدم فيها، ثم بعد ذلك طلعت الشمس، وأحيا الله الأرض بعد موتها.

حوادث دمشق اليومية أحمد البديري
المقدمة | سنة 1154 | سنة 1155| سنة 1156 | سنة 1157 | سنة 1158 | سنة 1159 | سنة 1160 | سنة 1161 | سنة 1162 | سنة 1163 | سنة 1164 | سنة 1165 | سنة 1166 | سنة 1167 | سنة 1168 | سنة 1169 | سنة 1170 | سنة 1171 | سنة 1172 | سنة 1173 | سنة 1174 | سنة 1175 |