الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/30»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
إضافة ترجمة فصل جديد
(لا فرق)

نسخة 13:18، 29 سبتمبر 2019

خطأ لوا في وحدة:Header على السطر 208: attempt to concatenate a nil value.

الفصل الثلاثون. حاجي بابا يصبح غريم الشاه نفسه ويفقد معشوقته

لم يشكل الجدار الذي اختبأت وراءه عائقاً بيننا، وما كدت أحكي لها عن آلامي وشقائي ‏وتعاستي حتى نبهتني إلى الخطر المحدق بنا بسبب لقائنا، وأوضحت أن لقاءنا هذا يجب أن يكون ‏الأخير، فبما أنها صارت من حريم الشاه سيكون الموت مصيرنا لو ضبطونا معاً. كنت أتوق إلى ‏سماع تفاصيل زيارة الشاه لأندرون الطبيب وكيف طلبها لنفسه، وماذا سيكون مصيرها الآن، ‏ولكن بكائي ونشيجي خنقا السؤال في حلقي. وبدا أن زينب لم تتأثر بفراقنا مثلي إما لأنها كانت ‏مبهورة بمستقبلها في قصر الشاه أو لأنها باتت مقهورة بما عانت منه بين حريم الحكيم، فلم ‏تستجب بقوة الانفعال التي كنت أتوقعها منها.‏

 
اصطفاف الجواري أمام الشاه.

وحكت لي أن الشاه، حين دخل الأندرون، استقبلته جوقة من المغنيات تنشدن أغاني المديح ‏له على وقع الدفوف، ومتى جلس في الصالة الكبيرة أكرم على الخانم بأن سمح لها بتقبيل ركبته. ‏وفُرِش الطريق أمامه بالحرير المطرز، وحالما مرت أقدام الشاه فوقه استولى الطواشية على قطع ‏الحرير وتقاسموا هذا البقشيش بين بعضهم. وكانت رئيسة المراسم الملكية موجودة، وقدمت للشاه ‏هدية الخانم، وكانت على صينية من الفضة، وهي ستة غطاءات رأس طرزتها السيدة بيديها، ‏وستة غطاءات صدر من الشال تلبس في أيام البرد فوق القميص، وسروالان من الشال الكشميري ‏وثلاثة قمصان حرير وستة أزواج من الجوارب حاكتها نساء بيت الطبيب. قبل جلالته الهدية ‏وفاض لسانه بالثناء والمديح بمهارة السيدة وبراعتها، واصطفت النساء في صفين على جانبيه. ‏وقالت زينب: «أما أنا فوضعوني في النسق الأخير إمعاناً في إهانتي، حتى دون نور جهان الأمة ‏الزنجية. وليتك ترى ما بذلته كل واحدة منا من جهد لجذب انتباه الشاه، حتى ليلى العجوز! ‏فالبعض أظهرن الخجل والحشمة، والبعض الآخر الجرأة وبحلقن في وجه الشاه. وبعد أن تأمل ‏كل واحدة توقف أمامي وتسمرت عيناه علي، ثم التفت إلى الطبيب وقال: ”ما هذا؟ إنها بضاعة ‏متميزة. أقسم بتاج الشاه، إنها حيوانة لذيذة! ما شاء الله يا حكيم! ذوقك رفيع: وجه القمر وعين ‏المها وخصر السرو، فقد اجتمعت فيها كل الخصال.“ وعندها انحنى الطبيب أعمق انحناءة قائلاً: ‏‏”حياتي فداك، مع أن الجارية لا تستأهل انتباهكم الكريم، أنا وكل أموالي في يد ملك الملوك ‏فاسمح لي أن أطرحها تقدمةً أمام عرش جلالتك.“ فقال الملك: ”قبول!“ ثم استدعى كبير ‏الطواشية وأمره بأن أتلقى تدريب «بازيگر»، أي فنانة رقاصة مطربة، وأن تؤمن لي ملابس ‏وغيرها تليق بمهنتي القادمة كي أكون جاهزة للمثول أمامه بعد عودته من رحلة الصيف.»‏

وأضافت زينب: «آه، لن أنسى نظرات زوجة الطبيب وهي تسمع هذا الكلام. التفتت إلى ‏الشاه وهي غاية في التواضع، وتظهر الإذعان التام لكل ما يقوله، ثم ألقت نظرات علي تعبر عن ‏آلاف الأهواء الغاضبة التي تختلج في صدرها. أما الجورجية فكانت نظراتها زرنيخاً وخناجر، ‏بينما وجه نور جهان البشوش يسطع بالسعادة لحسن حظي. أما أنا فارتميت على الأرض أمام ‏الشاه الذي كان لا يزال ينظر إلي بلطف.‏

وحالما انصرف جلالته، ليتك ترى التغير الذي طرأ في موقف الخانم نحوي، فلم تعد تسميني ‏‏”ابنة الشيطان“ ولا ”البنت الملعونة“، بل أصبحت تناديني ”يا حبي، يا روحي، يا نور عيني، يا ‏قلبي، يا ابنتي ويا كبدي“. وهي من كانت تمنعني من التدخين في حضرتها دعتني لأشاركها ‏نركيلتها ووضعت قطعاً من الحلوى بيدها في فمي. أما الجورجية فلم تتحمل منظري فانسحبت ‏إلى غرفة بعيدة لتهضم حسدها. تلقيت التهانئ من النساء الأخريات اللاتي بقين ترددن قائمة لا ‏تنتهي من المتع التي تنتظرني: الحب والنبيذ والموسيقا والمجوهرات والملابس الرفيعة ‏والحمامات والوقوف في حضرة الشاه، كل هذا سيكون من نصيبي قريباً. نصحتني بعضهن ‏بأفضل التعويذات لضمان حب الملك وتدمير حظوة الأخريات؛ وبعضهن الآخر أعطينني خيرة ‏النصائح لابتزاز الهدايا وكيفية الرد على الشاه متى بادرني بالحديث. وصارت زينب المسكينة ‏التي كانت أحقر ما خلق الله فجأة محل انتباه الجميع وإعجابهم.»‏

انتهى حديث زينب، وكان الفرح الظاهر على وجهها للتغير المرتقب في وضعها عفوياً، فلم ‏تسول لي نفسي أن أشاطرها مخاوفي حول الخطر المحدق بها. لم يكن لها علم بالعواقب الفظيعة ‏لو تبين عندما تدعى لتمثل بين يدي الشاه أنها غير جديرة بجلالته. فمن المعروف أن في مثل هذه ‏الحالات الموت الفظيع الرهيب يلحق بالمذنبة دونما الرجوع إلى أي قضاء أو تحكيم. ولهذا ‏تظاهرت بأنني أشاطرها فرحها، ومع أننا كنا نشعر أننا نفترق، إلا أننا واسينا نفسنا بأن تسنح لنا ‏فرص لنعرف عن أخبار بعضنا.‏

وأخبرتني أن أحد خصيان الشاه سيمر في الصباح القادم ليأخذها إلى بيت حريم القصر، وبعد ‏الاستحمام واللباس ستنقل إلى قسم الفنانات ليبدأ تدريبها فوراً.‏

وهنا سمعنا صوتاً يناديها، فخافت أن تجازف بالمكوث معي، فافترقنا بعد آلاف التعابير عن ‏الحب المتبادل ونحن نعرف أننا قد لا نلتقي بعد اليوم.‏