الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مغامرات حاجي بابا الإصفهاني/39»

تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
إضافة ترجمة فصل جديد
(لا فرق)

نسخة 16:08، 18 ديسمبر 2020

خطأ لوا في وحدة:Header على السطر 208: attempt to concatenate a nil value.


الفصل التاسع والثلاثون. يوسف الأرمني يثبت جدارته بالثقة

مضينا نحو الحدود الجورجية متخذين مسالك في الجبال بمساعدة يوسف الذي كان يعرف ‏كل بقعة من البلاد وجميع الاتجاهات بدقة أذهلتنا حقاً. ما بدا تواقاً لزيارة قريته بل أكد لي أنه لا ‏يستطيع ذلك حتى لو أذنت له لأنه أقسم ساعة غادرها ألا يعود إليها إلا مع زوجته مريم.‏

تبين أن الخبر المبلغ إلى السردار عن تقدم الموسكوفيين كاذب، إذ وجدناهم معسكرين على ‏ضفاف نهر بمباكي يحتلون قرية حماملو ويبنون التحصينات في قره كليسه. كنا قريبين من ‏حماملو، ومع تقدمنا نحوها أحببت أن أجمع معلومات عن أعداد العدو ومواقعه، فخطرت لي فكرة ‏عن صاحبي الأرمني، فقلت لنفسي: «إما أكسبه أو أخسره، ولكنه خير فرصة لنا. فليذهب إلى ‏حماملو؛ فإذا أحضر لي المعلومات التي أبتغيها لن يمنعني شيء من التوسط بالعفو له ولزوجته، ‏وإذا ثبت أنه خائن أتخلص منه وأطلب مكافأة من السردار على إعادة جاريته الهاربة. والله يا ‏حاجي بابا، أنت جدير بموطنك إصفهان!»‏

فاستدعيته وشرحت له المطلوب، ففهم فوراً كل تفاصيل القضية وأبدى بلا تردد استعداده ‏لتنفيذ المهمة. فأعاد ربط نطاقه ودس أطراف ردائه تحته وضبط قبعته وعلق بندقيته الطويلة ‏على ظهره وانطلق نازلاً سفح الجبل حتى اختفى بين الأشجار.‏

فقال الشاب: «لقد ذهب إلى غير رجعة، ولن نراه ثانيةً.»‏

فأجبته: «ولم لا يعود؟ أليس لدينا رهينة؟ فمع أنه أرمني، لن يترك زوجته.»‏

فقال: «صحيح أنه أرمني، ولكنه عيسوي (أي مسيحي) أيضاً، والروس مسيحيون كذلك، ‏ونعرف أن هؤلاء الكافرين متى اجتمعوا يموتون ولا يعودون إلى أهل الإسلام. والله لو كان ‏يوسفاً عليه السلام وكانت هي زليخة بعينها، أراهن بحصاني أننا لن نراه بعد اليوم.»‏

فأجابه فارسٌ مسن مفتول العضلات ذو وجه سفعته الشمس كله تجاعيد مؤطر بلحية شعثاء ‏وشارب كث وحاجبين كثيفين: «لا تلفظ الأكاذيب يا ولد ولا تأكل القاذورات! هذا الحصان للشاه ‏وليس لك، فكيف تراهن عليه؟»‏

فرد الشاب: «ما للشاه فهو لي، وما هو لي فليس للشاه.»‏

تراشقنا لفترة من الزمان مثل هذا الكلام الفارغ ثم قررنا الاستقرار، فوجدنا بقعة خضراء ‏توجهنا إليها وترجلنا عن خيولنا وأطلقناها ترعى، وانتشرنا في المرج وفرشنا على الأرض ‏معاطفنا وأغطية الخيل. أعلنت نيتي بالمكث هنا حتى الصباح في حال لم يرجع يوسف طوال ‏الليل، ومن ثم انطلق اثنان من خيرة سارقينا بحثاً عن غنم أو دجاج أو أي شيء نصنع منه وجبة ‏عشاء، وبعد ساعة عادا ومعهما نعجة خطفاها من قطيع يرعى قرب النهر، فذبحناها وبدأنا ‏بالتحضير لصنع الشواء. قطعنا غصنين متفرعين من الغابة وغرزناهما في الأرض، وعلقنا ‏النعجة على غصن مستقيم ثبتناه بالعرض على الغصنين المغروزين وأضرمنا النار تحتها، وبقي ‏أحد الرجال مناوباً ليفتلها حتى تستوي. ولم يمض وقت طويل حتى جهز العشاء. واقتُطِعت بعض ‏أفضل القطع مع اللية وشُوِيت على مدك بندقية، وقدموها لي بصفتي رئيسهم، وهجمنا على اللحم ‏بنهم وأكلنا حتى شبعنا.‏

في هذه الأثناء هبط الليل ولم يظهر يوسف، فحضّرنا للنوم وتركنا رجلين للحراسة والانتباه ‏على الخيول. وبعد أن مضت ساعة بعد منتصف الليل وبدأ القمر يهبط نحو المغرب سمعنا صيحة ‏بعيدة، ثم أخرى، فنهضنا فوراً. ومع تكرر الصيحات واقترابها تأكدنا أنه الأرمني فأجبناه وبعد ‏قليل مثل أمامنا. كان مرهقاً تماماً، ولكنه استطاع أن يحكي لنا ما حدث له منذ افترقنا.‏

أخبرني أنه عندما وصل إلى حماملو عرفه بعض الجنود الروس الذين نجوا من هجوم ‏الفرس على قريته، فعاملوه بلطف بالغ وعرّفوه على المعسكر وأخذوه إلى آمرهم الذي استجوبه ‏بدقة حول الغرض من زيارته، فكان في جعبته حجة أنه يبحث عن زوجته، واقتنع الآمر بها. ‏وفضلاً عن ذلك، قدمت أخبار الهجوم والخراب الذي لحق بقريته والأضرار بأملاك عائلته ‏موضوعاً للأحاديث بلا إثارة أية شبهات. وقد سمحوا له بالتجول في أرجاء المعسكر المحصن ‏وأن يطرح أسئلته بحذر وأن يلاحظ التفاصيل ما سمح له بتجميع المعلومات التي كنت أحتاجها ‏عن قوة العدو ومواقعه وترتيباته للعمليات المحتملة. ثم استطاع أن ينسل من الحصن قبل إغلاق ‏أبوابه ووصل إلى الجبال بلا أية صعوبات أو عراقيل.‏

أطعمنا يوسفاً وتركناه يأخذ قسطاً من الراحة، وبعد أن تأكدنا من أن قصته صادقة وأنه أهل ‏للثقة أمرت رجالي بالتحضير للعودة إلى يريفان. وكان يوسف يمشي راجلاً، ومتى تعب كنا ‏نركبه وراء ظهر واحد منا. وقريباً وصلنا من أقرب الطرق إلى قرية أشتاراك توقفنا فيها لنرتاح ‏ونريح خيولنا ولنعرف تحركات السردار ورئيس الجلادين، وسمحت للشاب بزيارة زوجته، فعاد ‏فرحاً إذ وجدها قد تعافت تقريباً من رضوضها ولا تكف عن شكر أهل القرية على لطفهم وحسن ‏ضيافتهم.‏

تحرك السردار ونسقجي باشي من يريفان وتعسكرا قرب مقر البطريرك الأرمني، وإلى ‏هناك توجهنا برفقة يوسف.‏