دمعة وابتسامة (1914)/حديث الحب
في بيت منفرد جلس فتىً في صبح الحياة ينظر آناً
من النافذة إلى السماء المزدانة بالكواكب، وآونةً الى رسم
صبية بين يديه. رسمٌ تنعكس خطوطه والوانه عَلَى وجههِ،
فتظهر علته اسرار هذا العالم وخفايا الابدية، صورة ملامح
امرأة تناجيه جاعلة عينيهِ آذاناً تفقه لغة الارواح السابحة
في فضاء تلك الغرفة ومبتدعة من مجموعه قلوباً انارها الحب
وافعمها الشوق
كذا مرت ساعة، كانها دقيقة احلام مستحبة او عام
من حياة البقاء، ثم وضع الفتى الرسم امامه واخذ قلماً وورقة
وكتب: «يا حبيبة نفسي!
ان الحقائق العظيمة الفائقة الطبيعة لا تنتقل من
بشريٍّ الى آخر بواسطة الكلام البشري المتعارف، لكنها
تختار السكينة سبيلاً بين النفوس. وانا اشعر بان سكينة
هذا الليل تسعى بين نفسينا حاملة رسائل ارق من تلك
التي يكتبها النسيم عَلَى وجه الماء، تالية كتاب قلبينا عَلَى قلبينا -
ولكن مثلما شاء الله وجعل النفوس في اسر الاجسام
شاء الحب وجعلني اسير الكلام... يقولون يا حبيبتي ان
الحب ينقلب بالعباد ناراً اكلة. وانا وجدت ان ساعة الفراق،
لم تقوَ عَلَى فصل ذاتينا المعنويتين، مثلما علمت عند اول لقاء
ان نفسي تعرفك منذ دهور، وان اول نظرة اليك لم تكن
بالحقيقة اول نظرة..... يا حبيبتي ان تلك الساعة التي
جمعت قلبينا المنفيين عن العالم العلوي هي من ساعات قليلة
تدعم اعتقادي بازلية النفس وخلودها - في مثل تلك الساعة تكشف الطبيعة القناع عن وجه عدلها المتناهي
والمظنون بهِ ظلماً...
هل تذكرين يا حبيبتي ذاك الروض، حيث وقفنا
وكلانا ناظر وجه حيببه؟ وهل تعلمين ان نظراتك كانت
تقول لي ان محبتك لي لم تنبثق من الشفقة عليَّ؟ تلك
النظرات التي علمتني ان اقول لذاتي وللعالمين ان العطاء
الذي يكون مصدره العدل لهو اعظم من الذي يبتدئ من
الحسنة؟ وان المحبة التي تبتدعها الظروف تشابه مياه
المستنقعات
امامي يا حبيبتي حياة اريدها ان تكون عظيمة وجميلة.
حياة تؤاخي ذكرى الانسان الآتي وتستدعي اعتباره
ومحبته. حياة قد ابتدأت عندما لقيتك وانا واثق بخلودها،
لاني مؤمن بكونك قادرة عَلَى اظهار القوة التي اود عني الله
اياها متجسمة باقوال واعمال كبيرة، مثلما تستنبت الشمس ازهار الحقل ذات العرف الطيب، وكذا تظل محبتي لي
وللاجيال، وتبقى منزهة عن الانانية لتعميمها، ومتعالية عن
الابتذال لتخصيصها بكِ»
وقام الفتى ومشى بتمهل في تلك الغرفة ثم نظر من
النافذة ورأى القمر قد طلع من ورآء الافق وملأ الفضاء
اشعة لطيفة، فرجع وكتب في تلك الرسالة:
«سامحيني يا حبيبتي فقـد ناجيتك بضمير المخاطب
وانت نصفي الجميل الذي فقدتهُ عندما خرجنا من يد الله
في آنٍ واحد - سامحيني يا حبيبتي.»