رسالة ابن فضلان (ت. سامي الدهان) /فاتحة الكتاب


[فاتحة الكتاب]

بسم الله الرحمن الرحيم
١

قال أحمد بن فضلان:

لمَّا وَصَل كتاب١ أَلمش٢ بن يلطوار ملك الصقالبة٣ إلى أَمير المؤمنين المقتدر٤، يسأَلهُ فيه البعثةَ إليه ممَّن يفقِهُهُ في الدّين٥، ويعرِِّفُهُ ٦ شرائع الإسلام، ويَبْنِي له مسجدًا، ويَنْصِبُ له مِنبرًا ليقيم عليه الدعوة له في بلده وجميع مملكته٧، ويسأله بناء حصنٍ يتحصن فيه من الملوك المخالفين له: فأُجِيبَ٨ إلى ما سَأَلَ من ذلك.

وكان السّفير له٩ نذير الحرمي١٠ فنُدِبْتُ أنا١١ لقراءة الكتاب عليه وتسليم ما أُهْدِيَ إليه، والإشراف على الفقهاء والمعلمين١٢. وسُبِّبَ له بالمال المحمول إليه، لبناء ما ذكرناه وللجراية على الفقهاء والمعلمين، على الضَّيعة المعروفة «بأَرْثَخُشْمِثَينْ»١٣ من أرض خوارزم ١٤، من ضياع ابن الفرات.١٥ ١٦ وكان الرسول إلى المقتدر من صاحب الصقالبة رجل يقال له عبد الله ابن باشتو الخزري١٧ . والرسول من جهة السلطان سوسن الرسي١٨ مولى نذير الحربي ، وتسكين التركي ، وبـارس الصقلابي١٩ وأنا معهم على ما ذكرتُ - فسلمتُ إليه الهدايا ، له ولامرأته ولأولاده ، وإخوته ، وقواده٢٠ ، وأدوية كان كتب إلى « نذير » يطلبها .


  1. لم يقع الغربيون على كتاب ملك الصقالبة ، ولم يعرفوا فحواه ، والتواريخ العربية لم تشر إليه بشيء ، ولو وصل إلينا لكان وثيقة هامة في السياسة لذلك الزمان .
  2. في الأصل بالمخطوطة هنا : « الحسن بن بلطوار » - وفي الورقة ٢٠٢ ظ بعد قليل : « المش بن شلكي الأتراك وفي يا قوت ۱ / ۷۲۳ :
    كتاب المس بن شلكي يلطوار » وقد ناقش
    المستشرقون أصل هذا الاسم الذي صحف على الزمان ، فرأى بعضهم أنه المش بن يلطوار ، ورأى آخرون أن يلطوار ربما كانت فلاديمير أي أمير فولاذ ، والتفصيل انظر مادة « بلغار » في دائرة المعارف الاسلامية للمستشرقين ، وقد اخترنا رواية المخطوطة في الموقع الثاني فجعلنا الاسم « المشابن يلطوار » .
  3. الصقالبة أو الصقلبية ، هم السلاف أو السكلاف ، كان العرب يجلبون من بلادهم الرقيق ، وأرضهم فيما يرى الاصطخري ( ص 9 طبعة ليدن ۱۹۲۷ ) عريضة طويلة نحوا من شهرين في مثلها وبلغار الخارجة هي مدينة صغيرة ليس فيها أعمال كثيرة ، واشتهارها لأنها فرضة لهذه المالك . والروس قوم بناحيــة بلغار ، فيا بينها وبين الصقالبة . وأما الغربيون فلم يستطيعوا تحديد مملكة الصقالبة ، ولكنهم يرون أن البلغار هم الصقالبة انفسهم
  4. المقتدر بالله هو أبو الفضل جعفر ابن المعتضد تولى الخلافة سنة ٢٩٠ ه ، وقال سنة ٣٢٠ ه ـ. انظر والفخري طبعة أوربة ، ص ٣٠٥ وما يليها وقال المسعودي إن الجهشياري عنه مصادر التاريخ ألف في المقتدر كتاباً نحو ألف ورقة
  5. يرى بعض المؤرخين أن الصقالبة دخلوا الاسلام قبل هذا ، ولكن شيخ الربوة ، في نخبة الدهر ط . ليبتسك ١٩٢٣ ص ٢٦٣ ، يوافق ما جاء في رواية ابن فضلان فيقول : « وأما البلغار فمنسوبون إلى الصقيع ، وهم مسفون أسفوا أيام المقتدر ، وبعث ملكهم إلى المقتدر يطلب فقيهاً يعرفه قواعد الاسلام -
  6. فأجابه إلى ذلك . ثم وصل جماعة من البلغار إلى بغداد يريدون الحج... » - وباقوت ۱ / ۷۲۳ يذكر اسلامهم في عهد المقتدر ويقول إنه لم يقف على السبب في اسلامهم .
  7. في يا قوت ۱ / ۷۲۳ : « في جميع بلده وأقطار مملكته »
  8. في الأصل المخطوط : « أحبب إلى ، بغير فاه العطف ، وفي ياقوت ۱ / ۷۲۳ : « فأجيب إلى ذلك » ولهذا أضفنا الفاء
  9. في الأصل : «وكان السفير فيه» - وفي باقوت ، بالصفحة المذكورة : «وكان السفير له ، فأخذنا برواية ياقوت.
  10. في ياقوت : « نذير الحزمي » بالراء المعجمة ، وفي ابن تغري بردي ط . أوربة ٢ / ١٨٤ : « نذير الحرمي » بالراء المهملة - انظر ابن جرير الطبري طبعة مصر ١٢ / ٣٠ وقد جاءت في بعض المصادر الخزمي بالحاء المعجمة .
  11. في الأصل : « فندت أنا ، ولا معنى لها : فلعلها : « فندبت أنا » - وفي ياقوت : « فبدأت أنا بقراءة » ولكنها لا تفي بما يريد الكاتب ، والمستشرقون يقترحون صوراً كثيرة ، لانرى اثباتها هنا
  12. يضيف ياقوت هنا ٤٦٨/١ : « ليفيض عليهم الخلع ويعلمهم الشرائع الاسلامية » وهي من عندياقوت بغيرشك
  13. في الأصل : « بارنخسميثن » وهي مصدفة .. وصوابها كما في ياقوت 1/1 ۱۹۱ : « أرتخشميين : بالفتح ثم السكون وثاء مفتوحة ، مكسورة وثاء مفتوحة وخاء معجمة مضمومة وشين ساكنة معجمة وميم ونون : – مدينة كبيرة ذات أسواق عامرة ، في قدر نصيبين ، وهي من أعمال خوارزم من أعاليها، بينها وبين الجرجانية مدينة خوارزم ثلاثة أيام ، فيها برد شديد » ولعلها أصبحت مدينة في عهد ياقوت ، بعد ثلاثة قرون ، وقد زارها بنفسه ، ويرى المستشرق فرأي أنها : «Artahusmitan» .
  14. انظر في خوارزم معجم ياقوت ٢ / ٤٨١ ، و خوار معناها اللحم ورزم معناها الخبز .
  15. ابن الفرات هو أبو الحسن علي بن الفرات ، من أجل الناس وأعظمهم كرما لزمانه ، كان وزيراً –
  16. للمقتدر خلال الفتنة بينه و بين ابن المعتز ، ثم قبض عليه المقتدر ، وصادر ضياعه، وهذه بينها، فجعلها هنا جرابة للبعثة - انظر تاريخ الرسل والملوك للطبري، طبعة مصر ٥٦/١٢ ، والفخري طبعة أوربة ص ٣١٤ .
  17. في الأصل : «باشتوا» ، ولم نقف على ترجمة له .
  18. في الأصل : « سوسن الروسي » - وفي المصادر : « الرسي » ، ولعله حاجب المكتفى ، سمي نسبة إلى نهر الرس ، وهو عند الإدريسي نهر ائل أي الفولغا عند الروس .
  19. هو بارس الحاجب غلام اسماعيل بن أحمد صاحب خراسان، جاء ذكره في ابن حوقل ٢ / ٤٧١ قال إنه هرب من ولاه أحمد بن اسماعيل ، فنزل العراق بعدة هالت السلطان ، والخليفة إذ ذاك المقتدر ، فلم يكن بحضرة السلطان جيش مثله يوازيه - انظر كذلك تجارب الأمم ٥ / ٤ .
  20. سترى فيا بعد أنه ذكر تسليم الهدايا من الطيب والثياب واللؤلؤ ، ولم يذكر الأدوية ، وهو هنا يروى في البدء ما فعله خلال الرحلة ، فقد كتب تقريره هذا أو رسالته بعد عودته من مهمته وقيامه بما كاف به .