رسالة ابن فضلان (ت. سامي الدهان) /فصول من الرسالة

ملاحظات: مطبوعات المجمع العلمي العربي - دمشق (1959)، الصفحات 42–47


 

فصول من الرسالة

قال ياقوت في كتابه ١ : « وقصة ابن فضلان وانفاذ المقتدر له إلى بلغـار مدونة معروفة مشهورة بأيدي الناس. رأيت منها عدة نسخ، وبذلك نعرف أن نسخ الرسالة كانت متوفرة في القرن السابع، يعرفها الناس ويتداولونها، ولاشك في أن يا قوت رأى بعض هذه النسخ خلال رحلاته وأسفاره في بلاد العجم والأتراك، فنقل من إحداها فصولاً عدة، وجعلها في كتابه مادة يستنير بها ويستشهد على الأقاليم والبلدان التي أراد أن يصفها على عادته، وهذا بيان بالفصول التي نقلها مرتبة وفاق صفحات الرسالة وإلى جانبها ما يقابلها من الأوراق في هذه المخطوطة التي ننشرها :

۱ — خوارزم٢ : ۱۹۸ و + ۱۹۸ ظ.

۲ — باشغرد٣ : ۲۰۳ و.

٣ — بلغار٤ : ۲۰۳ ظ — ٢٠٦ ظ.

٤ — اتل٥ : ۲۰۸ و — ۲۰۹ و.

ه — روس٦ : ۲۰۹ ظ — ۲۱۲ ظ.

٦ — خزر٧ : ۲۱۲ ظ. فهو قد أثبت قرابة عشرين صفحة من هذه الرسالة، وترك خمس عشرة صفحة منها، فكأنه نقل ثلثيها، وبقي ثلث واحد – على الأقل – مجهولاً لم يظهر في مصدر أو كتاب. وطريقة نقله واضحة بينة، فهو يفتتح غالباً بقوله : «قرأتُ في كتاب٨ أحمد بن فضلان... ويختتم : «هذا ما حكاه»، أو يفتتح بقوله : «قال أحمد بن فضلان رسول المقتدر إلى الصقالبة في رسالة أحمد بن فضلان... حكى فيها ما عاينه منذ انفصل عن بغداد إلى أن عاد إليها، فحكيتُ ما ذكره على وجهه استعجاباً به».

وتعليقاته على ما ينقل من ابن فضلان تحمل طابعه في الصراحة والنقد والشدة فيقول بعد أن يروي الوصف في إتل : «قال المؤلف رحمه الله : هذا وامثاله هو الذي قدمتُ البراءة منه، ولم أضمن صحته». ويقول معلقاً على وصفه للخزر : قال عبد الله الفقير : وهذا كذب منه فان أكثر ما يجمد خمسة أشبار وهذا ما يكون نادراً، فأما العادة فهو شبران أو ثلاثة شاهدته وسألت عنه أهل تلك البلاد، ولعله ظن أن النهر يجمد كله وليس الأمر كذلك». ويعلق بعد سطور : « قلت : وهذا أيضاً كذب لأن العجلة أكثر ما تجر على ما اختبرته وحملت قماشاً لي عليه ألف رطل لأن عجلتهم جميعها لا تجرها إلا رأس واحد إما بقر أو حمار أو فرس. وأما رخص الحطب فيحتمل أن كان في زمانه بذلك الرخص فأما وقت كوني بها فان مائة مَنٍّ كان بثلاثة دينار ركني » ثم يقول معلقاً بعــــــد سطور : « قلت أنا : وهذا من رسمهم صحيح إلا أنه في الرستاق دون المدينة شاهدت ذلك ».

ونلاحظ أن ياقوت الحموي لا يكتفي برواية الخبر و نقله، وانما يقلبه على وجوهه، فان كان قد زار البلاد، كما وقع في الخزر، فهو يناقش الرواية ويذكر ما كان لزمانه، وبينها ثلاثة قرون على الأقل٩ . وإن كان لم يزرها أبدى استعجابه مما يقرأ كما فعل في وصف الروس، أو تبرأ سلفاً مما ينقل كما فعل في وصف نهر إتل ويوافق ابن فضلان حين يتأكد صحة روايته . وهو فيما عدا ذلك أمين صادق ثبت، شديد الفهم لما يقرأ، قوي التتبع لما ينقل، إلا حين يحذف من الأخبار والأحداث مالا يدخل في كتابه . ولذلك كان كتابه معجم البلدان أحسن كتاب يعرض فصول ابن فضلان ويمثلها تمثيلاً صحيحاً بالجملة.

والمستشرقون هم أول من تنبه إلى خطو هذه الرسالة، فبحثوا عنها في المراجع العربية، ورأوا أن فصولاً منها أثبتها ياقوت وحده مشيراً إلى صاحبها، فراحوا منذ أهل القرن التاسع عشر يعنون بها دراسة وتعليقاً، وترجمة، فنشر بعضهم سنة ١٨٠٠ ما قاله الجغرافيون العرب عن الروس وفيهم الادريسي والمسعودي و ابن فضلان.

وفي سنة ١٨١٤ جمع المستشرق راسموسن Rasmussen مقاطع من هذه الفصول وترجمها إلى الروسية ، ونقلها عنه إلى الانكليزية نيكلسون بعد أربع سنوات.

وفي سنة ۱۸۱٩ راح المستشرق الألماني فرءن١٠ Fraehn يجمع مخطوطات ياقوت ليستخرج منها ما نقله عن ابن فضلان ، وينشرها تباعاً فنشر سنة ١٨٢٢ الفصل الخاص بالخزر إلى اللاتينية ، ومعه ماقال ابن حوقل فيهم . وفي سنة ١٨٢٣ نشر الفصل الخاص بالروس إلى اللغة الألمانية مع شيء كثير من التفصيلات والتعليقات فكان مؤلفه كتاباً ضخماً كبيراً بلغ ٣٦٨ صفحة من القطع الكبير . مع العلم بأن الفصل عن الروس لا يتجاوز إحدى عشرة صفحة ، ترجمها في إحدى عشرة صفحة مقابلة إلى الألمانية ، وعلق عليها في ١١٥ صفحة زخرت بالنقول عن اليونانية والفرنسية والانكليزية والعربية ، وأتبعها بالفهارس والملاحق على نفقة المجمع العلمي القيصري آنذاك١١ .

وهذا الكتاب على قدمه جدير بالترجمة والنقد والدراسة لمن يعنون بما قال العرب عن روسية ، وما وقع لعلماء الآثار من النقود والأقمشة مما يلّم بتاريخ تلك البلاد منذ عصر المقتدر ، فقد ذكر الرجلُ أن نقوداً عربية ما تزال محفوظة ٤٦ مقدمة المحقق فصول من الرسالة في متحف لننغراد ضربت في عهد المقتدر ، ولعلها جاءت منذ زيارة ابن فضلان و بعثته إلى البلغار . وذكر الرجل خلال هذه التعليقات ماقال الجغرافيون والمؤرخون العرب عن هذه الأصقاع وبحث عن البلدان الروسية كويابة ( كييف) وبحر ورنك (اهر نك) كما ذكره العرب وغيرهما من البلدان والمواقع. وفي سنة ۱۸۳۲ نشر فرهن نفسه الفصل الخاص بالبلغار ونهر الفولغا ( إتل ) في منشورات الجمعية الآسيوية بلننغراد (سان بطرسبرغ ) . وهكذا نشر الرجل أكثر فصول الكتاب عن ياقوت وعني به عناية فائقة ، وتمنى أن يحصل على مخطوطة الرسالة كاملة ، ولكنه قضى قبل أن يصل إلى أمنيته الغالية . وفي سنة ١٨٦٣ نشر « وستنفلد » عن الرحلات عند ياقوت وفيها رحلة ابن فضلان ، دراسة بالألمانية ، وكان يجمع مخطوطات ياقوت لنشر معجم البلدان ) . وفي سنة ۱۸۹۹ نشر فستبرغ Weatherg دراسة كذلك عن ابن فضلان . وفي سنة ١٩٠٢ نشر المستشرق فون روزن Rosom مقالاً بالروسية عن ابن فضلان وأوصافه لاتل ، وخوارزم ، والروسية ) . وفي سنة ۱۹۱۱ ، كتب المستشرق التشكي دفورجاك Dvorak در اسة عن رحلة ابن فضلان نشرها في براغ . وبعد عامين نشر برتولد Barthold بالروسية دراسة عن موضوع الرحلات إلى روسية عند العرب (٣) . (1) مجلة ) ، المجلد ۱۸ ( ۲ ) 0 13 2 ، بالمجلد ۱۰ ، ص ۳۹ - ۰۷۳ (3) 730 ، المجلد ٢١ ، سنة ١٠١٣ ، فيها عن الاصطخري وابن رسته والبكري وفي سنة ١٩٢٤، أصدر ماركوارت Markwart، دراسة عن الرحالة في ليبتسك. وفي هذه السنة وقع الحدث الخضير في المعلومات عن ابن فضلان، اذ تسلم المعهد الآسيوي للاستشراق في بطرسبورغ ورقتين مصورتين من النسخة الخطية التي اكتشفت في مدينة مشهد طوس من ايران، ووصلت بقية الأوراق مصورة بعد عشر سنوات إلى هذا المعهد، فتغير سير الدراسات عن الرحلة بعد الحصول على النسخة وسنرى ما يكون من ذلك.



  1. معجم البلدان     ، الطبعة الأوربية، ١ / ١١٣
  2. معجم البلدان     ،    »      »      ، ٤٨٤/٢ - ٤٨٠.
  3. المصدر المذكور،    »      »      ، ٤٦٨/١ — ٤٦٩.
  4.      »      »      ،    »      »      ، ٧٢٢/١ — ٧٢٥
  5.      »      »      ،    »      »      ، ١١٢/١ — ١١٣.
  6.      »      »      ،    »      »      ، ٨٣٤/٢ — ٨٤٠.
  7.      »      »      ،    »      »      ، ٤٣٨/٢ — ٤٣٩
  8. نلاحظ أن ياقوت يسمي الرسالة تارة «كتاب أحمد» ۱ / ۱۱۲ وطوراً «قصة ابن فضلان» وأحياناً «رسالة».
  9. ولد ياقوت الحموي في آسية الصغرى سنة ٥٧٤ هـ، وتوفي بحلب سنة ٦٢٦ هـ، وطاف أصقاعاً كثيرة مما رأى ابن فضلان، وكان ثقة صادقاً فيما ينقل.
  10. ولد فر من الألماني في مدينة روستوك سنة ١٧٨٢ ، وتوفي في روسية سنة ١٨٥١ ، وكان من كبار المستشرقين الألمان، واشتهر خصوصا بالنقود الشرقية ، وله من التأليف ما يزيد على مائتي كتاب ، وكان عضواً في مجامع عدة بان بطرسبورغ و استوكهلم و كوبنهاغ وباريس وغيرها ...
  11. عنوان الكتاب بالألمانية : رسالة ابن فضلان ، والجغرافيين العرب الآخرين عن الروس في أقدم الأزمان. نص وترجمة مع نقد لغوي وملاحظات وثلاثة ملاحق ، بطرسبورغ ۱۸۲۳ و تفضgت دار الكتب المصرية فأعارته لنا مشكورة .