رسالة ابن فضلان (ت. سامي الدهان) /في الجرجانية


٥

[في الجرجانية]

فأقمنا « بِالجُرْجانية ، أياماً ، وجمد « نهر جيحون ، من أوله الجرجانية الجرجانية إلى آخره . وكان سمك الحمد سبعة عشر شبراً١، وكانت الخيل والبغال والحمير والعجل تجتاز عليه كما تجتاز على الطرق . وهو ثابت لا يتخلخل . فأَقامَ على ذلك ثلاثة أشهر . فرأينا بلداً ما ظننا إلا أَنَّ بابا من الزمهرير قَدْ فُتِحَ عَلينا منه ، ولا يسقط فيه الثلج إلا ومعه عاصف شديدة٢. وإذا أتحف الرجل مِنْ أَهْلِهِ صاحِبَهُ ، وأَراد برَّه قال له : « تعال إلى حتى نتحدث٣ فإنَّ عندي ناراً طيبة » . هذا إذا بالغ٤ في بره وَصِلَتِهِ . إلا أن الله تعالى قد لطف بهم في الخطب وأرخصه عليهم: حمل عجلة من حطب الطاغ٥ ٨٤ 12:0 88803 1 . : : رحلة ابن فضلان - في الجرجانية بدرهمين من دراهمهم (۱) تكون زهاء ثلاثة آلاف رطل . (۲) ورسم سؤالهم أن لا يقف السائل على الباب ، بل يدخل إلى دار الواحد منهم فيقعد ساعة عند ناره يصطلي ، ثم يقول : « بكند » يعني الخبز (٣) . [ فإن أعطوه شيئًا أخذ وإلا خَرَج ] ) . (۳) وتطاول متمامنا « بالجرجانية ، وذاك أنا أقمنا بها أياماً من رجب وشعبان وشهر رمضان وشوال وكان طول مقامنا من جهة (٥) البرد وشدته . ولقد بلغني أن رجلين ساقا ] ) اثنى عشر جملاً ليحملا عليها حطباً من بعض الغياض فنسيا أن يأخذا معهما قداحة وخرافة ) ، وأنهما باتا بغير نار ، فأصبحا والجمال موتى لشدة البرد . (1) في الأصل : « من دارهم » وصوابها كما في ولبدي : « من در اهمهم » . (۲) في مخطوطتنا : « الدار الواحد » فصو بنا ما أفسده الناسخ . (۳) يعلق ياقوت كذلك فيقول : « قلت أنا : وهذا من رسمهم صحيح إلا أنه في الرستاق دون المدينة ، شاهدت ذلك » - ثم يختصر ياقوت ما عند ابن فضلان من وصف البرد ، وقال إنه نفسه اراد ان يكتب هناك فجمد المداد ، ووضع الشربة على شفتيه فالتصقت لجمودها - انظر ص ٩٩ حيث يقول أن «بكند» بلغة خوارزم . (٤) هذه الزيادة من ياقوت لتمام العبارة والسياق . (0) في مخطوطتنا : « من جهت » بالتاء المفتوحة ، ذكرناها لنصور ضمن الناسخ وسوء إلمامه بالعربية . (٦) في مخطوطتنا : بلغني أن اثناعشر جملا » ولا معنى لها ، فأضفنا ما بين المعقوفتين تتمة للسباق وصححنا العدد. (۷) الحراقة : بالضم - ما يقع فيه السقط عند القدح من خوفة أو نبج أو نحوهما ، والنيج أصول البردى إذا جن ، وهي : الخراف - والفداحة : حجر القدح ، وقيل الحديدة التي يقدح بها . 10 رحلة ابن فضلان - في الجرجانية ولقد رأيتُ لهواء بردها (1) بأن السوق بها والشوارع لتخلو ) حتى يطوف الإنسانُ أكثر الشوارع والأسواق ، فلا يجد أحداً ولا يستقبله إنسان . ولقد كنت أخرجُ مِن الحمام ، فإذا دخلت إلى البيت نظرتُ إلى لحيتي وهي قطعة واحدة من الثلج حتى كنت أدنبها () إلى النار . ولقد كنت أنام ) في بيت جوف (0) بيت ، وفيه قبة البود) تركية (V) (°) وأنا مدرّر بالأكسية والفرى ) ، فربما التصق خَدِّي عَلى المخدة . ولقد رأيتُ الجباب بها تكسي البوستينات من جلود الغنم لئلا ) [١٩٩ و] تتشقق وتنكسر، فلا يعني ذلك شيئاً (۱) اقترح احد المستشرقين هنا رواية : « رأيت لاهرائها » ولا ترى رأيه . (۲) في مخطوطتنا : « ليخلوا » أثبتتاها صورة لاملاء الناسخ وخطه ، ومنها كثير (۳) في طبعة وليدي : « كنت أذيبها » ولا تستقيم به العبارة . (٤) في الأصل : ( ولقد كنت أيام » وقد جعلها وليدي في طبعته كذلك (0) الجوف من البيت وغيره : داخله ، جمعه أجواف (1) اللبد : كل شعر أو صوف متلبد ، سمي به للصوق بعضه ببعض جممه الباد را نبود بساط من صوف . ، وهو كذلك (۷) كذا في الأصل ، ولعلها القراء جمع قروة ، وهي شيء نحو الجبة ، بطانته يبطن من جلود بعض الحيوانات كالأرانب والثعالب والسمور . وقيل هي كاء يتخذ من أوبار الأبل (۸) يرى ده خويه أنها بوست» ، و دوزی : « بوستين » وهي من الجلد الغليظ ، كالعباءة أو المعطف الكبير (۹) في طبعة وليدي : « لئلا تنشق و تنكسر » . ٨٦ رحلة ابن فضلات - في الجرجانية 13:00 : ولقد رأيتُ الأرض تنشق فيها أودية عظام لشدة البرد ، وأن الشجرة العظيمة العادية لتنفلق بنصفين لذلك . فلما انتصف شوال من سنة تسع وثلاثمائة ، أَخَذَ الزَّمانُ في التغيّر ، مِنْ والحل « نهر جيحون ) ، وأخذنا نحن فيها نحتاج إليه من آلة السَّفَر » واشترينا الجمال التركية ، واستعملنا الشفر (۱) من جلود الجمال العبور الأنهار التي نحتاج أن نميرها في بلد الترك ، وتزودنا الخبز والجاورس (٤) والنمكسوذ (4) لثلاثة أشهر (۲) (r)- وَأَمَرَنَا مَنْ كُنا نأنس به مِنْ أَهْل البلد بالاستظهار ) في النياب والاستكثار منها . وهولوا علينا الأمر وعظموا القصة ، فلما شاهدنا ذلك كان أضعاف ما وصف لنا . فكان كل رجل منا عليهِ قُرْطَق ، (1) الشقر

جمع سفرة ، وهي المركب أو السفينة .

(۲) في مخطوطتنا : « من الحلو والجمال لميون : - وهي مصحفة قطعاً ، فلا تستقيم بها عبارة ولا يقوم لها معني ، فرأينا أن تكون الفن من جلود الجمال العبور الأنهار ، وصوبناها محافظين على رسم الحروف. وفي طبعة وليدي : « لعيون الأنهار » وهو خطأ . (۳) الجاورس حب معروف يؤكل مثل الدهن ، معرب كاورس ، وهو ثلاثة أصناف أجودها الأصفر وهو يشبه بالأرز ، ويدر البول ويمسك الطبيعة ، وذلك كما جاء في تاج العروس (٤) النمكسوذ : بفتح النون والميم وسكون الكاف - لحم مجفف من غير تقديد ، انظر تكملة المعاجم لدوزي ٢ / ٧٢٦ ، وده خوبة في المكتبة الجغرافية ٤ / ١٦٨ (ه) استظهر الرجل : احتاط . (1) قرطق : بالفم والفتح ثم فتح الطاء - معرب كرته ، وهو قميص أو معطف قصير يصل إلى منتصف الجسم كما في معجم دوزي للملابس ٣٦٢ . AV BURMEN EPITEV رحلة ابن فضلان - في الجرجانية HELE MIND KAHUEYP وفوقه خفتان (۱) ، وفَوْقَهُ بوستين ، وفوقه لبادة (۳) وبرنس (۳) ، لا تبدو (٤) (ه) منه إلا عيناه (1) ، وسراويل (9) طاق ، وآخر مبطن ، وَران ، وخُفْ کی مخت ) ، وفوق الخف خُفْ آخر . فكان الواحد منا إذا ركب الجمل لم يقدر أن يتحرك لما عليه من التياب (A) وتأخر عنا الفقيه والمعلم والعلمانُ الذين خرجوا معنا من مدينة السلام، فزعاً من الدخول إلى ذلك البلد . وسرت أنا والرسول وسلف له ، . والغلامان تكين و بارس (۹) (۱) خفتان : استعمله القدماء بما تستعمل اليوم القفطان « أي الجاكيت » ، وهو صدرية تحت الثياب ، وقد حل محل الملابس العربية ، انظر معجم الملابس الدوزی ١٦٣ ، و فرای ۳۲ . (۲) اللبادة : بالضم وتشديد الباء ، ما يلبس من اللبود وقاية من المطر والبرد . (۳) برنس : هو في القاموس كل ثوب رأسه منه ، دراعة كان أو جبة أو معطراً ، وهو معطف طويل له قلنسوة تلتصق به وتغطى الرأس ، كما في معجم الملابس لدوزي : ٧ . ( ٤ ) في مخطوطتنا : « عصبناه » ولم نجد لها موضعاً ، فلعلها كما رسمنا ، لأن البرنس يغطي الوجه والرأس ولا تبدو إلا العينان . (٥) السراويل : لباس يستر النصف الأسفل من الجسم ، فارسي معرب ، وهي مؤنثة وقد تذكر ، جمهـا سراویلات ، وقيل السراويل جمع سروال أو سروالة - انظر الحضارة الاسلامية لمتز ٢ / ١٨٦ - والطاق : ضرب من الثياب بغير جيب ، يلبسه المولود غالباً ، وقيل هو الطيلسان ، ولكنه هنا فيما ترى أنه يغير بطانة (٦) ران : نوع من الأحذية ، جمعه وانات . (۷) کیمخت : بكسر الكاف وسكون الياء وضم الميم - فارسي تكملة المعاجم الدوزي ٢ / ٥٠٦ . ، نوع من الجلد لعله من جلد الخيل كما في (۸) لم يذكر أسماء هؤلاء في بدء الرحلة ، ولا نعرف من هم وما مهمتهم ، وهل في البعثة فقيه غير ابن فضلان ؟ ! (۹) في مخطوطة الأصل : ( فارس » وصحيحها ما مر بنا من قبل وشرحناه « بارس الصقلابي » - - ولكن طبعة وليدي ترسه « فارس » . ^^ رحلة ابن فضلات - في الجرجانية فلما كان في اليوم الذي عزمنا فيه على المسير قلت لهم : « ياقوم ، معكم غلام الملك ، وقد وقف على أمركم كله ، ومعكم كتب (۳) السلطان ، ولا أشك [ أَنَّ ] فيها ذكر توجيه أربعة آلاف دينار المسيبية (٣) له . وتصيرون إلى ملك أعجمي فيطالبكم بذلك فقالوا : و لا تخش من هذا فإنه غير مطالب لَنَا . فحذرتهم ، وقلتُ : . أنا أعلم أنه يطالبكم». فلم يقبلوا . وأستدف) أمر القافلة ، وأكترينا دليلاً ، يقال له «فلواس () من أهل « الجرجانية » . ثم توكلنا على الله – عز وجل – وفوضنا أمرنا إليه . (1) أضفناها تجلية للنص وبدونها يصح الكلام كذلك . (۲) في الأصل

« دينار المسيبة » وصوابها بالياء الثانية بعد الباء وفي ياقوت ١ / ٥١٩ عن بخارا :

وكانت سكتها تصاوير وهي من ضرب الاسلام. وكانت لهم دراهم اخر تسمى المسبية والمحمدية . (۳) في المخطوطة : « ويصيرون » وصوابها ما وضعنا ولم يشرح ابن فضلان في تفصيل نية القوم في أخفاء الدراهم أو في اقتسامها وحجبها عن الملك ، ولكن السياق بدل على ذلك . (٤) استدف الأمر : أي استنب واستقام ، وهي بالدال والذال ، واستدف هنا تهيأ ، وأمكن وتسهل . (ه) في مخطوطتنا : «فلوس » - ويرى المستشرق فراي أن نكون «فلواس ، لما رأى من نصوص شبيهة و اسماء قريبة في المنطقة ، ولملها كلمة فارسية -- وفي طبعة وليدي : « فلوس » . رحلة ابن فضلان - عند الترك ٨٩ ورحلنا من الجرجانية من ذي القعدة سنة الاثنين لليلتين خلتا يوم تسع وثلاثمائة . فننرلنا رباطاً يقال لـه « زمجان (۱) وهو بياب الترك ، [١٩٩ظ] من الغد فنزلنا منزلاً يقال له « جيت » (۲) ، وجاءنا الثلج ثم وحلنا مَشَت الجمال إلى ركبها فيه . فأقمنا بهذا المنزل يومين ثم أوغلنا في بلد الترك لا نلوى على شيء ، ولا يلقانا أحد ، في برية قفر ، بغير جَبَل . فَسِرْنا فيها عشرة أيام ، ولقد لقينا مِنَ الضر والجهد ، والبرد الشديد ، وتواصل الثلوج الذي كان برد « خوارزم » عنده مثل أيام الصيف ، ونسينا كل ما مر بنا ، وأشرفنا على تلف الأنفس . ولقد أصابنا في بعض الأَيَّام بَرْد شديد ؛ وكان « تكين » يُساير ني) وإلى جانبه رجل من الأتراك ، يكلمه بالتركية ، فضحك « تكين » وقال : « إن هذا التركي يقول لك : أَي شيء يريد ربنا منا ، هو ذا (1) الرباطات كثيرة ، ولم نقع على اسم هذا الرباط ، وأصلحنا كلمة « باب » فجعلناها و بياب » . (۲) في الأصل : « جنب » - و ويقترح وليدي أن تكون (۳) سایره : جاراه وسار معه . رحلة ابن فضلان - عند الترك يقتلنا بالبرد ، ولو علمنا ما يريد لرفعناه (1) إليه ، . فقلت له : « قُل له يريد منكم أن تقولوا : ( لا إلهَ إلا الله ) » .فضحك وقال : « لو عامنا لفعلنا » ثم صرنا بعد ذلك إلى موضع فيه مِنْ حَطَبِ الطَّاعَ شيء عظيم : تم منزلناه ، وأوقدت القافلة وأصطلوا ، ونزعوا ثيابهم وشررُوها . رحلنا ، فما زلنا ) نسير في كل ليلة من نصف الليل إلى وقت العصر أو [ إلى ] ) الظهر ، بأشد سير يكون وأعظيه ، ثم ننزل . فلَمَّا سرنا خَمْسَ عَشْرَة " ليلة وصلنا إلى جبل عظيم ، كثير الحجارة ، وفيه عيون تنجرف عبره و بالحفرة [ تستقر ] الماء (1) (۱) في الأصل : « لرفعناه » - وأملها كما يرى أحد المعلقين : « لدفعناه » . (۲) في الأصل : « فما زلتنا ، وهو تصحيف من الناسخ . (۳) في المخطوطة : « أول الظهر » ولا معنى لها وهي كما رسمنا . (٤) وهو تصحيف آخر في المخطوطة : « تنزل » ونحن ترسم هذا لبيان حال الناسخ . - (ه) وهنا جهل بالنحو حيث يرسم الناسخ : « خمسة عشر ليلة » نصو بناها (1) هذا عبارة غامضة رسمت كما يلي : « وفيه عيون الحرف عمر وبالحفرة الماء » - وهي بغير نقط ، فحام المستشرقون حول تصحيحها فرأى الروسي ٩٧ أن تكون : « وفيه عيون تنخرق عين وبالحفرة الماء » ويرى المجري ٢٣٨ : « عيون تخرق غدير وبالحفرة » - ونحن نرى أن تكون : « وفيه عيون تنجرف عبره وتستقر بالحفرة الماء » - وفي طبعة وليدي : « وفيه عيون تنحرف عنه وبالحفرة الماء . وهذا التعبير استعمله الجغرافيون لوصف العيون التي تنحدر الى البحيرة ، انظر خريدة العجائب لابن الوردي ص ٨٥


  1. وصف ياقوت نهر جيجون ؛ ٤/۱۷۱ ، وذكر تجمده فقال : «حتى يصير ثخته نحو خمسة أشبار».
    ولذلك كذب ابن فضلان هنا وقال : ٢/٤٨٤ «وهذا كتب منه فان أكثر ما يجمد خمسة أشبار، وهذا يكون نادراً، فأما العادة فهو شيران أو ثلاثة، شاهدته وسألت عنه اهل تلك البلاد – والعجيب ان السمك عند ابن فضلان هنا هو « سبعة عشر شبراً»، وينقل ياقوت فيقول : « تسعة عشر شيراً » .
  2. ويعلق ياقوت على هذا الكلام كذلك فيقول ٢/ ٤٨٥ : «قلت : وهذا ايضاً كذب ، فانه لولا ركود الهواء في الشتاء في بلادهم لما عاش فيها أحد » .
  3. في الأصل المخطوط : «حتى يتحدث» وصوابها مارسمنا.
  4. في الأصل : « بلغ في بره » ولعل صوابها ما وضعناه .
  5. فسّر ياقوت الكلمة فقال : « الطاغ وهو الغضا » ، وهي تركية معربة ، ولكن ياقوت بضيف ٤٨٠/٢ «قلت : وهذا ايضاً كذب، لأن العجلة اكثر ما تجر عليها ما اختبرته وحملت قماشاً لي عليه ألف رطل »