رسالة في فضل الخلفاء الراشدين

رسالة في
فضل الخلفاء الراشدين
  ► طبعت مفردة، وتوجد نسخة مختصرة في الفتاوى ◄  
بسم الله الرحمن الرحيم

سئل الشيخ الإمام العالم العلامة البحر الفهامة وحيد عصره وفريد دهره أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن الشيخ مجد الدين عبد السلام ابن تيمية رحمهم الله تعالى:

عن رجل شريف متمسك بالسنة، لكن يحصل له أحيانا ريبة في تفضيل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، فيغلب على ظنه أن عليا رضي الله عنه أفضل منهم، ويستدل بقوله : «أنت مني وأنا منك»، وبقوله : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى»، وهارون كان من موسى بمنزلة رفيعة ولم يكن عنده أعز منه، وبقوله يوم خيبر: «لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه» فأعطاها لعلي، وبقوله : «من كنت مولاه فعلي مولاه» "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأدر الحق معه كيف ما دار"، وبقوله يوم غدير خم: «أذكركم الله في أهل بيتي»، وبقوله تعالى: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية، وبقوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} وبقوله سبحانه وتعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا} ويزعم أن هذه السورة نزلت في علي رضي الله عنه. أفتونا مأجورين.

الجواب:

الحمد لله رب العالمين. يجب أن تعلم أولا أن التفضيل يكون إذا ثبت للفاضل من الخصائص ما لا يوجد للمفضول، فإذا استويا في أسباب الفضل وانفرد أحدهما بخصائص لم يشركه فيها الآخر كان أفضل منه. وأما ما كان مشتركا بين الرجل وغيره من المحاسن، فتلك مناقب وفضائل ومآثر، لكن لا توجب تفضيله على غيره. وإذا كانت مشتركة فليست من خصائصه.

وإذا كان كذلك، ففضائل الصديق رضي الله عنه التي ميز بها خصائص لم يشركه فيها أحد، وأما فضائل علي رضي الله عنه فمشتركة بينه وبين غيره. وذلك أن قوله: «لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر، إن أمنّ الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر» وهذا الحديث فيه ثلاث خصائص لم يشرك أبا بكر فيها غيره:

[الأولى]: قوله : «إن أمنّ الناس علينا في صحبته وذات يده أبو بكر» بيّن فيه أنه ليس لأحد من الصحابة عليه من حق في صحبته وماله مثل ما لأبي بكر رضي الله عنه.

الثانية: قوله: «لا تبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر»، وهذا تخصيص له دون سائر الصحابة. وقد أراد بعض الكذابين أن يروي لعلي رضي الله عنه مثل ذلك، لكن الصحيح والثابت لا يعارض بالضعيف الموضوع.

الثالثة: قوله: «لو كنت متخذا خليلا من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلا» فإنه نص في أنه لا أحد من البشر يستحق الخلة لو كانت ممكنة إلا أبا بكر، ولو كان غيره أفضل منه لكان أحق بها لو كانت واقعة.

وكذلك أمره لأبي بكر أن يصلي بالناس مدة مرضه من خصائصه التي لم يشركه فيها أحد. ولم يأمر النبي أمته أن تصلي خلف أحد في حياته بحضرته إلا خلف أبي بكر.

وكذلك تأميره له من المدينة على الحج ليقيم السنة ويمحو أثر الجاهلية، فإن هذا من خصائصه.

وكذلك قوله في الحديث الصحيح: «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي» ثم قال عليه الصلاة والسلام: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر»

وأمثال هذه الأحاديث كثيرة تبين أنه لم يكن في الصحابة من يساويه.

وأما قوله : «أنت مني وأنا منك»، فهذه العبارة قد قالها لغيره من المؤمنين، كما قالها عليه السلام لجُلَبيب الذي قتل عدة من الكفار: «هذا مني وأنا منه». وفي الصحيحين: «إن الأشعريين إذا كانوا في السفر أو نقصت نفقة عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد ثم قسموه بينهم بالسوية، هم مني وأنا منهم». فقد جعل الأشعريين أبا موسى وأبا عامر وغيرهما منه وهو منهم، كما قال لعلي: «أنت مني وأنا منك».

وقال تعالى: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} وقال تعالى: {ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم} وقال تعالى: {ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم}.

وقال : «من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا» ونحو ذلك. وهذه العبارة تستعمل في النوع الواحد فيقال: "هذا من هذا" إذا كان من نوعه، فكل من كان من المؤمنين الكاملي الإيمان فهو من النبي والنبي منه.

وقوله في قصة بنت حمزة: «أنت مني وأنا منك» وكقوله لزيد بن حارثة: «أنت أخونا ومولانا» ومعلوم أن هذا ليس مختصا بزيد، بل كل من كان من مواليه يطلق عليه هذا الكلام لقوله تعالى: {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم}. فكذلك قوله لعلي: «أنت مني وأنا منك»، وليس ذلك من خصائصه، بل من كان موافقا للنبي في كمال الإيمان كان من النبي والنبي منه.

وكذلك قوله: «لأعطين الراية رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله» هو من أصح الأحاديث وهو أصح حديث روي في فضائل علي رضي الله عنه، أخرجاه في الصحيحين. وقد زاد فيه بعض الكذابين أن الراية أخذها أبو بكر وعمر فهربا. وفي الصحيح أنه لما قال : «لأعطين الراية رجلا» قال عمر: "ما أحببت الإمارة إلا يومئذ" واستشرف لها عمر وغيره. ولو جاء منهزما لما استشرف لها، فهذا الحديث رد على الناصبة الواقعين في علي رضي الله عنه، تبًّا لهم فإنه مؤمن تقي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. ولكن ليس هذا من خصائصه، بل كل مؤمن كامل الإيمان يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله. وقد قال تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه}، وهؤلاء الذين قاتلوا أهل الردة، وإمامهم أبو بكر.

وفي الصحيح أنه قال للأنصار: «والله إني لأحبكم».

وفي الصحيح أن عمرو بن العاص سأله: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة». قال: فمن الرجال؟ قال: «أبوها». وهذا فيه أن أبا بكر أحب الرجال إليه؛ وهذا من خصائصه رضي الله عنه.

وكان أسامة بن زيد يسمى الحِب بن الحب، لحب النبي له ولأبيه. وأمثال هذه النصوص التي تبين أنه ليس كل شخص عرف أنه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يجب أن يكون أفضل الخلق، فإن هذا الوصف ثابت لخلائق كثيرين، فليس هذا من خصائص الشخص المعين.

وأما قوله: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» فحديث صحيح، وهذا قاله في غزوة تبوك لما استخلفه على المدينة، فطعن بعض الناس فيه وقالوا: إنما استخلفه لأنه يبغضه، وكان النبي إذا خرج من المدينة استخلف رجلا من أمته، وكان يكون بها رجال من المؤمنين القادرين يستخلفه عليهم. فلما كان عام تبوك لم يأذن لأحد من المؤمنين القادرين في التخلف، فلم يتخلف أحد بلا عذر إلا عاص لله ورسوله. فكان ذلك استخلافا ضعيفا، فطعن فيه المنافقون بهذا السبب. فبين له النبي أني لم أستخلفك لنقص قدرك عندي، فإن موسى استخلف هارون وهو شريكه في الرسالة، أفما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى فتخلفني في أهلي كما خلف هارون أخاه موسى؟ ومعلوم أنه استخلف غيره قبله، وكان أولئك منه بهذه المنزلة، فلم يكن هذا من خصائصه. ولو كان هذا الاستخلاف أفضل من غيره لم يخف ذلك على علي رضي الله عنه ولم يخرج إليه وهو يبكي ويقول: "أتخلفني في النساء والصبيان؟"

ومما بين ذلك أنه بعد هذا الاستخلاف أمّر عليه أبا بكر عام تسع. فإن هذا الاستخلاف كان في غزوة تبوك - في أوائلها - فلما رجع من الغزو أمر أبا بكر على الحج ثم أردفه بعلي، فلما لحقه قال: "أمير أو مأمور؟" قال: "بل مأمور"، فكان أبو بكر يصلي بعلي وغيره ويأمر على علي، وعلي وغيره من الصحابة يطيعون أبا بكر. وعلي على نبذ العهود التي كانت بين النبي وبين المشركين. لأن العادة كانت جارية أنه لا يعقد العهود ولا يحلها إلا رجل من أهل بيته، ولهذا قال : "لا يبلغ عني العهد إلا رجل من أهل بيتي"، للعادة الجارية. ولم يكن هذا من خصائص علي رضي الله عنه، بل أي رجل من عترته نبذ العهد حصل به المقصود، لكن علي رضي الله عنه أفضل بني هاشم بعد رسول الله ، فكان أحق الناس بالتقدم من سائر الأقارب. فلما أمر أبا بكر بعد قوله: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى» علمنا أنه لا دلالة فيه على أنه بمنزلة هارون من كل وجه، إذ لو كان كذلك لم يقدم عليه أبو بكر لا في الحج ولا في الصلاة، كما أن هارون لم يكن موسى يقدم عليه غيره. وإنما شبهه به في الاستخلاف خاصة، وهذا أمر مشترك بينه وبين غيره.

وقد شبه النبي في الصحيح أبا بكر بإبراهيم وعيسى، وشبه عمر بنوح وموسى لما أشارا عليه في أسرى بدر هذا بالفدى وهذا بالقتل، وهذا أعظم من تشبيه علي بهارون، ولم يوجب ذلك أن يكونا بمنزلة أولئك الرسل مطلقا، ولكن تشابها بالرسل هذا في شدته في الله وهذا في لينه في الله، وتشبيه الشيء بالشيء لمشابهته به من بعض الوجوه كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب.

وأما قوله: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث دار" فهذا الحديث ليس في شيء من الأمهات؛ إلا في الترمذي وليس فيه إلا: «من كنت مولاه فعلي مولاه». وأما الزيادة فليست في الحديث. وقد سئل عنها الإمام أحمد فقال: الزيادة كوفية. ولا ريب أنها كذب لوجوه. أحدها أن الحق لا يدور مع شخص معين بعد النبي ، لا مع أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي رضي الله عنهم، لأنه لو كان كذلك لكان بمنزلة النبي يجب اتباعه في كل ما يقوله، ومعلوم أن عليا كان ينازعه أصحابه وأتباعه في مسائل كثيرة ولا يرجعون فيها إلى قوله، بل فيها مسائل وجد فيها نصوص عن النبي توافق قول من نازعه، كالمتوفى عنها زوجها وهي حامل. فإن عليا رضي الله عنه أفتى بأنها تعتد أبعد الأجلين، وعمر وابن مسعود رضي الله عنهما وغيرهما أفتوا بأنها تعتد بوضع الحمل، وبهذا جاءت سنة النبي . وكان أبو السنابل يفتي بمثل قول علي رضي الله عنه فقال رسول الله : «كذب أبو السنابل، قد حللت فانحكي» قاله لسبيعة الأسلمية لما سألته عن ذلك.

وقوله: " اللهم انصر من نصره واخذل من خذله" خلاف الواقع، فإن الواقع ليس كذلك. بل قاتل معه أقوام يوم صفين فما انتصروا، وأقوام لم يقاتلوا فما خُذلوا، كسعد بن أبي وقاص الذي فتح العراق، لم يقاتل معه، وكذلك أصحاب معاوية وبني أمية الذين قاتلوه فتحوا كثيرا من بلاد الكفار ونصرهم الله تعالى.

وكذلك قوله: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" مخالف لأصول الإسلام ؛ فإن القرآن قد بيّن أن المؤمنين إخوة مع اقتتالهم وبغي بعضهم على بعض، هم إخوة مؤمنون كما قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين * إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم}. فكيف يجوز أن يقول النبي للواحد من أمته: "اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" والله تعالى قد أخبر أنه ولي المؤمنين والمؤمنون أولياؤه وأن بعضهم أولياء بعض وأنهم إخوة وإن اقتتلوا أو بغى بعضهم على بعض.

وأما قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فمن علماء الحديث من طعن فيه كالبخاري وغيره، ومنهم من حسنه كأحمد بن حنبل والترمذي وغيرهما، فإن كان النبي قال ذلك [فما] أراد به ولاية يختص بها، [بل] لم يرد به إلا الولاية المشتركة، وهي ولاية الإيمان التي جعلها الله بين المؤمنين. وتبين بهذا أن عليا رضي الله عنه من المؤمنين المتقين الذين يجب موالاتهم، ليس كما تقول النواصب أنه لا يستحق الموالاة. والموالاة ضد المعاداة. ولا ريب أنه يجب موالاة جميع المؤمنين، وعلي من سادات المؤمنين، كما يجب موالاة أبي بكر وعمر وعثمان وسائر المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، ونقص إيمانه بقدر ما ترك من موالاتهم الواجبة، وقد قال تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون * ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} وهذه موجبة لموالاة جميع المؤمنين.

وحديث التصدق بالخاتم في الصلاة كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة. وذلك مبين بوجوه كثيرة مبسوطة في غير هذا الموضع.

وأما قوله: يوم غدير خم: «أذكركم الله في أهل بيتي» وهذا حديث رواه مسلم، وليس هذا من خصائص علي، بل هو مساو لجميع أهل البيت، آل علي وجعفر وعقيل وآل العباس. وأبعد الناس عن هذه الوصية الرافضة، فإنهم من شؤمهم يعادون العباس وذريته، بل يعادون جمهور أهل بيت النبي ويعينون الكفار عليهم، كما أعانوا التتار على الخلفاء من بني العباس، فهم يعاونون الكفار ويعادون أهل البيت. وأما أهل السنة فيعرفون حقوق أهل البيت ويحبونهم ويوالونهم ويلعنون من ينصب لهم العداوة.

وأما آية المباهلة فليست أيضا من خصائصه رضي الله عنه، بل قد دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين كما رواه مسلم، ودعوتهم لم تكن لأنهم أفضل الأمة، بل لأنهم أخص أهل بيته، كما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي أدى زكاة علي وفاطمة والحسن والحسين وقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا». فدعا لهم دعوة خصهم بها. ولما كانت المباهلة بالنساء والأبناء والأنفس دعا هؤلاء.

ولفظ "الأنفس" يعبر بها عن النوع الواحد، كما قال تعالى: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا}، وقال تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} أي: يقتل بعضكم بعضا، وقوله: «أنت مني وأنا منك» ليس المراد أنه من ذاته، ولا ريب أن أعظم الناس قدرا من الأقارب هو علي رضي الله عنه، فله من مزية القرابة والإيمان ما لا يوجد لبقية القرابة والصحابة، فدخل بذلك في المباهلة. وذلك لا يمنع أن يكون في غير الأقارب من هو أفضل منه؛ لأن المباهلة وقعت بالأقارب، فلهذا لم يباهل بأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ونحوهم.

وأما قوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم}، ففي الصحيح عن أبي ذر رضي الله عنه أنها نزلت في المختصمين يوم بدر، وأول من برز من المؤمنين علي وحمزة وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، برزوا لعتبة وشيبة والوليد بن عتبة. وهذه فضيلة مشتركة بين علي وحمزة وعبيدة، بل سائر البدريين يشاركونهم في هذه الخصومة. ولو قدر أنها نزلت في الستة المبارزين فلا يدل على أنهم أفضل من غيرهم، بدليل أن النبي والحسن والحسين وأبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم ممن هو أفضل من عبيدة بن الحارث باتفاق أهل السنة منقبة لهم وفضيلة، وليست من الخصائص التي توجب كون صاحبها أفضل من غيره.

وأما سورة: {هل أتى} وقول من يقول إنها نزلت لما تصدقوا على مسكين ويتيم وأسير، ويذكرون أن ذلك كان لما تصدقت فاطمة رضي الله عنها بقوت الحسن والحسين، وهذا كذب لأن سورة {هل أتى} مكية بالإجماع، والحسنين إنما ولدا في المدينة بعد غزوة بدر باتفاق أهل العلم. وبتقدير صحتها فليس في هذا ما يدل على أن من أطعم مسكينا ويتيما وأسيرا كان أفضل الأمة وأفضل الصحابة، بل الآية عامة مشتركة بين كل من فعل هذا الفعل، وتدل على استحقاقه لثواب الله تعالى على هذا العمل، [مع أن] غيره من الأعمال كالإيمان بالله والصلوات في مواقيتها والجهاد في سبيل الله تعالى أفضل من هذا العمل بالإجماع.

وهذا جواب هذه المسائل والله أعلم.

واعلم أن كل ما يظن أن فيه دلالة على فضيلة غير أبي بكر إما أن يكون كذبا على رسول الله وإما أن يكون لفظا محتملا لا دلالة فيه. وأما النصوص المفضلة لأبي بكر فصحيحة صريحة، مع دلائل أخرى من القرآن والإجماع والاعتبار والاستدلال. والله أعلم.