سر النجاح (1922)/الفصل الثامن


الفصل الثامن

في النشاط والشجاعة

قال جاكس كر لا مستحيل على القلب الشجاع.
وقال المثل الألماني الأرض للنشيطين.
وقيل عن الملك حزقيا إنَّ كل عمل ابتدأ به إنما عمله بكل قلبه وأفلح ٢ أي ٣١: ٢١.

رُوي أنَّ أحد جاهلية الألمان قال إني لا أركن إلى الأصنام ولا أخاف من الشياطين بل إنما ثقتي بقوة جسدي وعقلي. وقيل إنَّ أهالي أسوج ونروج كان لهم إلهٌ يحمل مطرقة وهذا دليل على نشاطهم لأن حمل المطرقة من علامات الهمة والنشاط. وقد يُستدل على أخلاق الإنسان وأحوالهِ من أعمال طفيفة يعملها. حُكي أنَّ رجلًا فرنساويًّا قال لصاحب لهُ وهو عازم على الانتقال إلى ما بين قوم والسكنى في بلادهم «إياك وهؤلاء الناس لأني رأيت ضربة مطرقة أولادهم الذين يدخلون مدارس البيطرة ضعيفة فهم ليسوا من ذوي النشاط فإذا سكنت بلادهم خسرْتَ ولم تربح». ولقد أصاب فيما قال لأنهُ كما يكون الآحاد يكون الشعب وكما يكون الشعب تكون البلاد.

والنشاط والهمة أساس لكل نجاح وما أحسن ما قالهُ بعض بلغاءِ العرب قال «الارتكاض باب الإفلاح والنشاط جلبابهُ والفطنة مصباحهُ والقحة سلاحهُ. ويجب على طالبهِ أنْ يقرع باب رعيه بسعيهِ وأنْ يجوب كل فج ويلج كل لج وينتجع كل روض ويلقي دلوهُ في كل حوض وألَّا يسأم الطلب ولا يمل الدأَب لأن من طلب جَلَب ومن جال نال والكسل عنوان النحوس ولبوس ذوي البوس ومفتاح المتربة ولقاح المتعبة وشيمة العجزة الجَهلة وشنشنة الوكلة النكلة وما اشتار العسل مَن اختار الكسل ولا ملأ الراحة مَن استوطأ الراحة. والخور صنو الكسل وسبب الفشل ومبطأة للعمل ومخيَبة للأمل»

والنشاط يوصل الإنسان إلى أعلى مراقي النجاح مهما حال دونهُ من الموانع ومن اتَّصف بهِ سبق المتكلين على مواهبهم غير معرِّض نفسهُ للفشل مثلهم. والموهبة من النشاط كالأهلية من الإرادة. فإذا كان الإنسان أهلًا لأن يعمل عملًا ما فلا يعملهُ ما لم يكن مريداً. وكما أنَّ الإرادة هي التي تعمل كذلك النشاط هو العامل فينا وهو الإنسان الأدبي. والأمل الحقيقي مبني على النشاط. قال الشاعر ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل وقال ابن سيراخ «ويل لخائر العزم». فلا بركة تضاهي ثبات العزم وحسن الرجاءِ فإنهُ وإنْ خابت أكثر مساعي الإنسان يبقى باله مطمئناً بأنهُ قد فعل ما في طاقتهِ. ومَن يضع ملاك الأمل نصب عينيهِ يحتمل المتاعب بالصبر الجميل ويلقَ المحن متهللًا مسروراً. وأتعب الناس وأكثرهم شقاءً من قصرت مقدرتهُ واتسعت مطامعهُ

وأتعب خلق الله من زاد همُّهُ
وقصَّر عمَّا تشتهي النفسُ وجدُهُ

ومن كان غذاؤهُ الأماني عاش خائر القوى. وأكثر الناس تعرضاً لهذا الداء العضال هم الشبان فيجب أنْ يُدرَّبوا من صغرهم على إخراج كل شيءِ من حيز الأمل إلى حيز العمل

قال أري شفر لا شيء يثمر إلا بتعب العقل والجسد. والحياة جهاد مستمر كما أرى بنفسي وما فخري إلا بنشاطي فإن عزيز النفس شريف المطالب يستطيع أنْ يفعل كل ما يشاءُ. وقال هيو ملر «إنَّ المدرسة الوحيدة التي تعلمتُ فيها العلم الحقيقي هي مدرسة العالم التي يُعلِّم فيها التعب والعناءُ معلمان صارمان ولكن شريفان». ومن يتردد في عملهِ ولا يقتحم المصاعب بقدم راسخة وعزيمة ماضية تحبط مساعيهِ ويعود بالفشل وأمَّا إذا نهض لعملهِ بهمة وحزم انقشعت غيوم مصاعبه كما ينقشع الضباب بحرِّ الشمس. قال الشاعر

وإني إذا باشرتُ أمرًا أريده
تدانت أقاصيه وهان أشده

والإكباب على الأعمال عادة كبقية العادات والمواظبة تجعله ملكة. وكل من أكب على عمله بجدٍّ أفلح فيهِ ولو كان معتدل القوى. قيل إنَّ فول بكستن اتَّكل على الوسائط الاعتيادية والإكباب الشديد جارياً على قول الحكيم كل ما تجدهُ يدك لتفعلهُ فافعلهُ بقوتك. ونسب نجاحهُ إلى إكبابهِ بكليتهِ على أمرٍ واحد في وقت واحد. ولا يبلغ الإنسان أمراً ذا طائل إلا بالعمل المقرون بالشجاعة. والإنسان يقوى باقتحام المصاعب وهذا هو الجهاد ونتائج هذا الجهاد تدهش كل من ينظر فيها حتى إنَّ توقُّع المستحيل يصيِّر المستحيل ممكناً. والآمال طلائع الأعمال. وأمَّا ضعيف الهمة والمتردد في أمورهٍ فيرى الممكن محالًا

حُكي أنَّ جنديًّا فرنساويًّا كان يمشي في غرفته ويقول لا بُدَّ من أنْ أصير مرشالًا. وما به من شدة الأمل هوَّن عليهِ كل أمر عسير فنال بغيتهُ وصار مرشالًا. وقيل إنَّ واحداً مرض مرة فعزم أنْ يُشفَى فشُفِي من تلقاءِ عزمهِ. وإنَّ المولى مولك القائد المراكشي كان مصاباً بمرض عضال حين انتشبت الحرب بين جيوشهِ والجيوش البرتوغالية فلما سمع صرخات الحرب نهض من عن سريرهِ واقتاد جيشهُ وبقي حيًّا حتى فاز بالغلبة على العدو

والإرادة هي التي تُمكّن الإنسان على عمل ما يريد عملهُ. قال بعض الأفاضل الإنسان كما يريد. وحكى بعضهم أنهُ رأى نجاراً يصلح كرسيًّا من الكراسي التي يجلس عليها القضاة وكان يعتني بإصلاحهِ أكثر من المعتاد فقال لهُ ما لك تعتني بإصلاح هذا الكرسي اعتناءً شديداً قال لأني أريد أنْ أجلس عليهِ يوماً ما. وهكذا كان لأن ذلك النجار درس علم الحقوق وجلس على ذلك الكرسي. ولا داعي لما أقامهُ المنطقيون من الأدلة على أنَّ الإنسان حر الإرادة لأن كل إنسان يحس بأنه متروك إلى حريتهِ ولهُ أنْ يختار الخير أو الشر. وليس الإنسان ورقة تُرمَى في النهر لتدل على سرعة مجراه بل هو سبَّاح نشيط يقاوم المجاري ويصارع الأمواج ويسير إلى حيث أراد بقوة ذراعيهِ. نعم إننا أحرار ولنا حرية أدبية لنعمل ما أردنا ولسنا مرتبطين بطلسم أو سحر يربطنا بعمل من الأعمال. ومن لا يشعر هذا الشعور لا يُرجَى منه كبير فائدة

ومهام الحياة وعلاقات البشر العائلية والمدنية والعلمية تصرِّح بلسان واحد أنَّ الإنسان حرُّ الإرادة ولولا ذلك ما كان الإنسان مطالباً ولا كانت فائدة من التعليم ولا من النصح ولا من الوعظ ولا من الحث. ولولا حرية الإرادة ما وُجدت الشرائع لأن وجودها يستلزم كون الإنسان حرًّا أنَّ يطيعها أو يعصاها حسب رؤيتهِ لها صالحة أو غير صالحة. ونحن نحس في كل دقيقة من حياتنا أنَّ لنا إرادة حرة سواءٌ استعملناها في المليح أو في القبيح. وليس الإنسان عبداً لعاداتهِ وتجاربهِ بل سيد عليها ويرى في نفسهِ ما يحثهُ على مقاومتها ولو أطاعها فلا يصعب عليهِ قهرها إذا أراد. قال لامنيس لأحد الشبان قد بلغتَ السن الذي يجب أن تنهج فيه منهجاً لا تحيد عنهُ وإلا فستئنُّ داخل القبر الذي تحتفره لنفسك غير قادر أنْ تزحزح غطاءه عنهُ. والإرادة أسهل القوى انقياداً وأسرعها تملكًا لذلك تعلَّم من الآن أنْ تكون قوي الإرادة شديد العزم لئلَّا تبقى

كريشة بمهب الريح ساقطةٍ
لا تستقرُّ على حال من القلق

وكان بكستون يرى أنَّ الشاب يستطيع أنْ يكون كما يريد على شرط أنْ يكون حازماً. وكتب مرةً إلى أحد بنيهِ يقول لهُ «قد حان لك أنْ تميل يمنةً أو يسرةً فعليك أن تظهر حزمك وإقدامك وإلَّا فستكون خامل الذكر ضعيف الهمة وتتملك منك صفات الكسل والتواني وإذا سقطت في مثل ذلك لا سمح الله صعب عليك النهوض. وإني لمتيقن أنَّ كل شاب يقدر أنْ يكون كما يشاءُ. وأنا جريت هذا المجرى فنتجت كل سعادتي ونجاحي من المنهج الذي نهجتهُ لنفسي وأنا في سنك. فإذا عزمتَ الآن أنْ تكون مجدًّا ومجتهداً فتسرّ كل حياتك بأنك عزمت هذا العزم». والإرادة هي الدأب والمزاولة والمواظبة والثبات فلذلك لا تحتاج إلَّا إلى التدريب فإذا دُرِّبت على الشر كانت شيطاناً مريداً وكان العقل لها عبداً ذليلًا وإذا دُرِّبت على الخير كانت ملكاً عادلًا وكان العقل لها وزيراً فاضلًا وعكفا كلاهما على خير الإنسان

والإرادة لغةً نزوع النفس وميلها إلى الفعل بحيث يحملها ذلك الميل عليهِ فمن أراد أمراً فإرادتهُ تحملهُ على عمله بل تسهّل لهُ العمل وتهوِّن عليهِ المصاعب حتى إنَّ «من أطاق التماس شيء غلاباً واغتصاباً لم يلتمسهُ سؤالًا». والعزم لغةً عقد القلب على الشيءِ فمن عقد قلبهُ على أمر وأرادهُ عمله قدر عليهِ ألا ترى أنَّ رشليه ونبوليون الأول طلبا أنْ تُلغى كلمة مستحيل من كتب اللغة. أمَّا نبوليون فكان أكره شيء إليهِ هذه الكلمات «لا أقدر. لا أعرف. مستحيل» فكان جوابه للأولى حاول وعن الثانية تعلم وعن الثالثة جرِّب. وكاتبو سيرة حياتهِ يقولون إنها مثال للنشاط في استعمال القوى التي لا يخلو قلب من جراثيمها. ومن أمثالهِ إنَّ من الحزم لحكمة. ولا يمكن أنْ يظهر مقدار ما تفعلهُ الإرادة أكثر مما ظهر في حياة هذا الرجل العجيب لأنهُ صبَّ كلَّ قوى عقلهِ وجسدهِ على عملهِ فأخضع أمماً وقهر ممالك وقيل لهُ يوماً إن جبال الألب الشاهقة تمنعك عن التقدم فقال يجب أنْ تُلغَى من الأرض. وهو الذي قال إنَّ كلمة مستحيل لا توجد إلا في قاموس المجانين. وكانت أشغالهُ تفوق الوصف فكان يشغل أربعة كتبة وينهكهم من التعب. وقد ألقى النخوة في قلوب كثيرين. وقال مرة إنني صنعت قوادي من الطين. لكن يسؤُنا أنْ نقول إنَّ حبهُ لنفسهِ أضرَّه وأضرَّ قومهُ معهُ بعد أنْ تركهم فى فوْضى. ويظهر من حياتهِ أنَّ القوة التي لم تؤسس على المبادئ الصحيحة تضر بأصحابها وأن الفطنة بلا صلاح مبدأ شيطاني.

وأمَّا ولنتون الشهير فلم يكن أقل من نبوليون عزماً وإقداماً ولكنه كان منكراً نفسه عفيفاً محبًّا لوطنهِ كان غرض نبوليون الأقصى المجد وغرض ولنتون القيام بالواجب حتى قيل إنَّ كلمة «المجد» لم ترد في كلِّ كتاباتهِ وأمَّا كلمة «واجبات» فكثيراً ما وردت ولكن ليس بالعُجب والافتخار. وأقوى الصعوبات لم توهن عزم هذا البطل بل كانت قوتهُ تعظم بتعاظم المصاعب المحيطة بهِ. وما أظهرهُ من الصبر والثبات والحزم في حرب إسبانيا يفوق وصف الواصفين لأنهُ أقام هناك قائداً وحاكماً وكان غاية في حدة الطبع إلا أنَّ عقلهُ حكم على طبعهِ فظهر لمن حولهُ غايةً في الصبر والجلد ولم يشب أخلاقهُ الحميدة شيءٌ من الطمع أو الحسد أو الهوى فاجتمعت فيهِ مهارة نبوليون القياة وجسارة كليڤ وحكمة كرمول وعفة وشنطون وخلَّد اسمهُ في سجل الحكمة والإقدام.

وأول ظواهر النشاط السرعة. قال الشاعر

وربما فات قوماً جل أمرهم
من التأني وكان الحزم لو عجلوا

قيل سألت اللجنة الأفريقية لديرد السائح متى تسافر إلى أفريقية (بعد أنْ عينته للذهاب إليها) فأجاب غداً. ولما سُئل جون جرفيس (وهو الذي لُقِّب بعدئذٍ أرل سنت ڤِنْسنت) متى تكون مستعدًّا للنزول في سفينتك أجاب «الآن». ولما عُيِّن السر كولن كمبل قائد للجيش الهندي سُئل متى تكون مستعدًّا للسفر فأجاب غداً. وبالسرعة وانتهاز الفرص يُكتسَب الظفر قال نبوليون إنني انتصرت في واقعة أركولا بخمسة وعشرين فارساً وذلك أنني انتهزت فرصة تعب العدو واقتحمتهُ بهم بعد أن اعطيت كلا منهم بوقاً فتغلبت عليهِ. والجيوش المتحاربة شبه رجلين يتصارعان وكل منهما يحاول إرهاب الآخر فإذا ارتعب أحدهما واغتنم الآخر فرصة رعبته قهره. وقال مرة أخرى إنه كسر النمساويين لأنهم لم يعتبروا وقتهم.

والعرب تقول الحرب خدعة أي تنقضي بخدعة ويقال إنَّ معنى كون الحرب خدعة أنَّ الظفر بها يكون بحسن التدبير والحزم لا بمجرد الشجاعة والإقدام كما قال أبو الطيب المتنبي

ولربما طعن الفتى أقرانهُ
بالرأي قبل تطاعن الأقرانٍ

ومن هذا القبيل ما حُكي عن عنترة العبسي أنهُ قيل له أنت أشجع العرب وأشدهم بطشاً فقال لا فقيل لهُ كيف شاع لك هذا الاسم بين الناس قال إني أقدم إذا رأيت الإقدام عزماً وأحجم إذا رأيت الإحجام حزماً ولا أدخل مدخلًا إلا إذا رأيت لي منه مخرجاً وأعتمد الضعيف الساقط فأضربهُ ضربة يطير منها قلب الشجاع فأنثني عليهِ فآخذهُ والحرب خدعة.

ولقد كانت بلاد الهند في القرن الماضي ميداناً للنشاط الإنكليزي فإنهُ قام من كليڤ إلى هڤلوك وكليد حكامٌ وقواد طارت شهرتهم في الآفاق كولسلي ومتكلف وأُترَم وإدواردس ولورنس وهستنس. وهستنس هذا من عائلة قديمة شهيرة دهمها الفقر لتبذيرها وانتصارها لآل ستورت فانحط شأنها وساءَت حالها فألجأها الفقر إلى بيع دالسفرد بعدما ملكتها مئات من السنين. ولما وُلِد هستنس كانت العائلة قد افتقرت فتعلم في مدرسة القرية مع أولاد الفلاحين وكان يلعب في الأملاك التي كانت تخص أسلافهُ إلا أنهُ لم يبرح من بالهِ ما كان لهم من المجد والسودد. قيل إنهُ وهو في السابعة اتَّكأ على ضفة غدير جارٍ في أملاك أسلافهِ وجعل يتأمل في ما كانوا عليه فحتَّم على نفسهِ أنْ يسترجع أملاكهم واسمهم. فكرُ صبيُّ غر ولكنهُ عاش حتى أخرجه من حيز الفكر إلى حيز الفعل لأنهُ رُبي معهُ وأصبح جزءًا من حياتهِ. وبعزمهِ وإقدامهِ صار من أعظم رجال عصرهِ فاستردَّ أملاك أجدادهِ وبنى بيت اسرتهِ. قال فيهِ ماكولي إنهُ بينما كان يتسلَّط على خمسين مليوناً من أهالي آسيا ويقوم بإدارة أمورهم كانت آمالهُ موجهة إلى رددالسفرد ولما انتهت أعمالهُ اعتزل إليها ليموت فيها

والسر تشارلس نبير قائد آخر من قواد الهند يُضرَب بهِ المثل في الشجاعة والحزم. قال مرةً عن الشدائد الكثيرة التي كان تحيط بهِ في إحدى المواقع إنها لا تزيدني إلَّا ثباتاً ورسوخاً. وواقعة مياني التي انتصر فيها من أعجب الوقائع لأنهُ تغلب فيها على خمسة وثلاثين ألف بلوخي شاكي السلاح بألفي رجل وذلك أنهُ كان يثق بنفسهِ وبقوة جنودهِ فاقتحم بهم الأعداء بقلب أشد من الحديد ودام القتال ثلاث ساعات متواصلة فقهرهم واضطرهم إلى الهزيمة بعد أنْ أهلك منهم خلقاً كثيراً. ولم يفز إلَّا بثباتهِ وبما بثه في صدور رجالهِ من الحمية والبسالة. وكثيراً ما يكون بين الغالب والمغلوب فرق يسير وقد لا يوجد فرق سوى أنَّ الغالب يثبت بضع دقائق أكثر من المغلوب وثبات خمس دقائق كافٍ للظفر كما أنَّ السابق من خيل الرهان لا يفوت المصلي إلَّا بمسافة يسيرة جدًّا. قال شاب إسبرطي لأبيهِ وقد قلدهُ سيفاً يا أبتِ هذا السيف قصير فقال لهُ تقدم بهِ خطوة فيصير طويلًا

وما من وسيلة استخدمها نبير لبث الحماسة في قلب جنودهِ إلا شجاعتهُ الشخصية فكان يتعب كما يتعب كل جندي ويقول إنَّ القيادة لا تقوم إلا بمقاسمة الجنود أتعابها ولا ينجح القائد ما لم يصبَّ كل قوة عقلهِ وجسدهِ على عملهِ ويحتمل كل المتاعب، ويعرّض نفسهُ لكل الأخطار. قال بعض الشبان في واقعة كتشي وكان تحت قيادتهِ «كيف يمكنني أنْ أتكاسل وأنا أرى هذا الشيخ (يريد بهِ نبير) على ظهر جوادهِ دائماً فلو أمرني أنْ أزج بنفسي في فم مدفع محشو لفعلت» وبلغ نبير هذا الكلام فقال إنَّ هذا جزاءٌ كافٍ على كل ما عانيت من المشاق. ومما يظهر شجاعة هذا البطل وإنصافهُ الحادثة التي وقعت لهُ مع المشعوذ الهندي وهي أنَّ مشعوذاً هنديًّا شهيراً لعب أمامهُ وأمام عائلتهِ وحاشيتهِ ألعاباً كثيرة ومنها أنهُ وضع ليمونة صغيرة كالجوزة في كف رفيقهِ وضربها بالسيف فقطعها شطرين فارتاب الجنرال نبير في صحة ذلك ونسبهُ إلى مواطأة بين السيَّاف ورفيقهِ ودفعاً للريب طلب أنْ يمسك الليمونة بيدهِ ومد يمينهُ فنظر إليها السياف وقال لا يمكني أنْ أضربها هنا فقال نبير هكذا ظننت. فقال السياف مدَّ شمالك فمدها فقال له إذا كنت قادراً أنْ تثبتها فأنا أضرب الليمونة فيها فقال ولمَ لا تضربها في اليمنى فأجاب لأن كفك اليمنى مقعرة فأخاف أنْ أقطع إبهامك وأمَّا الشمال فليست كذلك فيكون الخطر أقل. قال نبير وحينئذٍ ارتعدت فرائصي لأنني تأكدت أنه يضرب الليمونة حقيقة ولو لم أكن قد نسبته إلى الخداع أمام حشمي لعدلت عن المخاطرة بيدي فمددت شمالي ووضعت الليمونة في كفها فاستل سيفهُ وضربها فقطعها شطرين فشعرت كأن خيطاً بارداً مرَّ على يدي. إلى أنْ قال انظروا إلى مهارة فرسان الهند الذين غلبهم رجالنا في واقعة مياني

والحوادث الأخيرة التي حدثت في الهند أظهرت جليّاً همة الأمة الإنكليزية وتعويلها على نفسها ففي شهر أيار سنة ١٨٥٧ ثارت الفتنة في كل بلاد الهند وكانت الجيوش الإنكليزية حينئذٍ على أقلها وكانت مشتتة في كل أنحاءِ البلاد والجنود البنغالية عصت رؤساءَها وانطلقت إلى دلهي. وانتشرت الثورة في كل الولايات وأُلقِي النفير في كل البلاد وقام جميع الأهالي على الإنكليز حتى خُيِّل لِعَيْن الرائي أنَّ الدولة الإنكليزية قد فقدت بلاد الهند وفقدت رجالها الذين فيها. وقبلما امتدت الثورة استشار أحد أمراءِ الهند المنجمين فقالوا لهُ إذا لم يبقَ من الأوروبيين إلا رجل واحد فلا بد من أنْ يتغلب علينا أخيراً. وكان في لكنو قليلون من الإنكليز فتحصنوا هم ونساؤهم وبقوا أشهراً ولا اتصال بينهم وبين الإنكليز الذين في باقي الجهات وهم لا يعلمون هل البلاد باقية في حوزة دولتهم أو تحررت إلَّا أنه لم يخُر عزمهم ولم تضعف ثقتهم بابناءِ وطنهم بل كانوا متأكدين أنه ما دام في الهند رجل إنكليزي فهو يفكر فيهم. ولم يخطر على بالهم إلا الثبات إلى آخر نسمة من حياتهم فأظهر الجميع شجاعة تفوق الوصف من قواد العساكر حتى النساءِ والأولاد. ولم يكن هؤلاء الناس منتخبين من بين قومهم ممتازين عنهم بل كانوا كغيرهم ممن يقع نظرنا عليهم كل يوم في الشوارع والمعامل والحقول والمزارع ولكن لما داهمتهم المخاطر أظهر كل منهم من البسالة والإقدام ما يفوق التصديق قال منتالنبر ما من أحد منهم خاف أو ارتعب بل الجميع من القواد العظام حتى الأولاد الصغار دافعوا عن نفوسهم إلى آخر نسمة من حياتهم. ففي مثل هذه الأحوال تظهر فائدة التربية الإنكليزية التي تدعو كل إنكليزي لكي يستخدم قوتهُ ومقدرتهُ في كل حال من أحوال الحياة

ويقال إنَّ دهلي أُخذت والهند أُنقذت بمناقب السر جون لورنس لأن اسمهُ في الولايات الشمالية الغربية كان رمزاً للقوة ومناقبهُ تساوي قوة جيش جرار. وما قيل فيهِ يقال في أخيهِ السر هنري لورنس. وكان الجميع يحبون هذين الأخوين محبة شديدة ويثقون بهما ثقة قوية لما رأوهُ فيهما من الشفقة والصلاح. قال الكولونل إدوردس «إنهما طبعا في عقول الشبان من الأخلاق والمحامد ما فعل فعْل الديانة فكأنهما أنشأا ديانة جديدة» وكان مع السر جون لورنس منتغمري ونكلصن وكُتن وإدوردس وكلهم من النبلاء الحاذقين الحازمين ونكلصن كان من أشجع الناس وأكملهم خَلقاً وخُلُقاً حتى لقبه الأهالي حكيماً ودعاه اللورد دلهوسي برج قوة. وكانت كل أعمالهِ من الطراز الأول لأنهُ ما عمل شيئاً إلا انصب عليه بكليتهِ ولذلك قام قوم من الدراويش وعبدوهُ فقاصَّ بعضهم لجهلهم إلَّا أنهُ لم يقدر أنْ يردعهم عن عبادتهِ أمَّا حصار دلهي والضيقة التي صارت على الجنود الإنكليزية الذين لم يكونوا أكثر من ثلاثة آلاف وسبع مئة وعدد جنود العدو المحصور أكثر من ٧٥٠٠٠ فمن الأمور النادرة المثال لأن هذه الشرذمة من الإنكليز غلبت أخيراً كل قوات الهند وفتحت دلهي ورفعت فوقها الراية الإنكليزية بعد أنْ هاجمهم الهنود ثلاثين مرةً فردتهم. وقد أظهر كل جندي من الجنود الإنكليزية بسالة يعجز القلم عن وصفها. ولا ننكر أنَّ هذا الفصل من تاريخ الأمة الإنكليزية قد كلفها كلفة باهظة ولكن إذا اعتبرنا العبر الجزيلة الفائدة التي يراها مَنْ يطَّلع عليه من أولادها رأينا أنَّ المُثمَّن ليس دون الثمن

وقد ذهب إلى الهند وبلاد المشرق أناس من أمم مختلفة وأظهروا همة وإقداماً في أمور أكثر نفع للجنس البشري من الحرب. وإذا ذكرنا أبطال السيف وَجَب أن لا ننسى أبطال الدين فإننا إذا تتبعنا حياة هؤلاءِ الأفاضل من زڤير حتى مرتين ووليمس رأينا عدداً من الدعاة الذين ضحوا حياتهم مصالحهم على مذبح محبة الجنس البشري غير مفتشين عن شيءِ من الفخر والشرف العالمين وغير قاصدين سوى خلاص البشر. كيف لا وقد احتملوا كل نوع من المتاعب والبلايا وكانوا عرضة لكل نوع من المخاطر حتى الاستشهاد ومع ذلك لم ينثنوا عن عزمهم ولا خارت عزائمهم. ومن أوَّل هؤلاءِ الدعاة وأشهرهم فرنسيس زڤير فإنهُ وُلِد من عائلة شريفة وكان محفوفاً من صغرهِ بالغنى والشرف إلا أنهُ برهن بحياتهِ وجود أمور أشرف من أمجاد العالم أمور تستحق الاقتناءَ أكثر من كل مقتنياتهِ. وكان من أفضل الرجال مناقب وأشجعهم قلباً وألينهم عريكة وأصدقهم فعالًا وأفحمهم حجة وأكثرهم جلداً

ولما عزم الملك يوحنا الثالث ملك البرتوغال على نشر الديانة المسيحية في الولايات الهندية الخاضعة لهُ اختار زڤير لهذا العمل فقام ورفأ جُبَّته الخَلَق وأخذ معه كتاب الصلوات وانطلق إلى لسبون وأقلع منها إلى المشرق وكان ذاهباً في السفينة التي ذهب فيها حاكم غوى ومعهُ كتيبة من ألف جندي فعُيِّنت لزڤير قمرة لينام فيها فاختار المنام على ظهر السفينة ووسادتهُ لفَّة حبال وكان يأكل مع الملاحين ويسليهم ويعتني بهم إذا أصابهم الدوار فأحبوهُ وأكرموهُ اكراماً جزيلاً

ولما وصل إلى غوى دهش من فساد السكان من أوروبيين ووطنيين لأن الأوروبيين جلبوا معهم كلَّ معايب أوربا والوطنيين لم يقتدوا بهم إلا في القبيح فجال في الشوارع وكان يدعو الناس ويستعطفهم ليرسلوا إليه أولادهم لكي يعلمهم ولم يمضِ إلَّا مدة قصيرة حتى صار عندهُ كثيرون من التلامذة فبذل جهده في تعليمهم وكان مواظباً على افتقاد المرضى والمجذومين والبئسين من كلِّ صفٍّ ورتبة لكي يخفف مصائبهم ولم يسمع بإنسان مصاب إلا زارهُ وفرَّج كربهُ بقدر إمكانه. وسمع مرة أنَّ الغوَّاصين في منار في حالة يُرثَى لها فمضى إليهم حالًا وجعل يعمِّدهم ويعلمهم بواسطة الترجمان. وأمَّا تعليمهُ الأعظم فكان بواسطة أعمال الرحمة التي عملها لهم. وأقام ثلاثين كنيسة في رأس كومورن وعين لها ثلاثين معلماً. ومن ثمَّ انتقل إلى تراڤنكور وجال في قراها وهو يعمِّد ويعلم حتى كَلَّتْ يداهُ وبُح صوتهُ. ولقد قال إنَّ نجاحهُ فاق انتظارهُ كثيرًا جدًّا. وكثيرون اعتنقوا الديانة المسيحية من نظرهم إلى طهارة سيرتهِ

ثم مضى إلى ملقَّا واليابان فوجد نفسهُ بين أقوام يجهل لغاتهم كلَّ الجهل فكان يصلي ويبكي ويعود المرضى والمصابين وكان مفعماً من الإيمان والاجتهاد راجياً كل شيءِ. ومن جملة ما قالهُ إنني مستعد أنْ أحتمل كلَّ نوع من الموت والعذاب لأجل خلاص نفس واحدة. وما من أحد يقدر أنْ يصف مقدار الأتعاب التي كابدها والمخاطر التي وقع فيها مدة إحدى عشرة سنة. وفيما كان عازماً على الدخول إلى الصين أصابتهُ حمى شديدة في جزيرة سنكيان أنهت حياته السعيدة وتوجتهُ بتاج المجد. ولعلهُ لم يدس دنيانا رجل أشجع منهُ ولا أنبل غاية

وحذا حَذْوَ زڤير مبشرون آخرون منهم شورنس وكاري ومرثمن وكتزلف ومريصن ووليمس وكمبل ومُفات ولڤنستون. أمَّا وليمس فكان في صباهُ صانعاً عند رجل يبيع الأدوات الحديدية. وكان ماهراً في الحدادة ومغرماً بتعليق الأجراس وبكلِّ عمل يبعدهُ عن دكان معلمهِ. وحدث أنهُ سمع عظة مؤثرة أثَّرت فيهِ تأثيراً عميقاً فصار معلماً في مدرسة من مدارس الأحد ثم طرق أذنيهِ أمر التبشير في الأصقاع البعيدة فعزم أنْ يُوقِف نفسهُ على هذا العمل خدمتهُ على جمعية التبشير الإنكليزية فأرسلتهُ إلى جزائر الأوقيانوس الباسيفيكي وكان يعمل بيديهِ في الحدادة والحراثة وبناءِ السفن واجتهد في تعليم الأهالي هذه الصنائع وهو يبشرهم بالديانة. وبينما هو في وسط عملهِ هجم عليهِ البرابرة في أرومنكا وقتلوهُ وإنه لجدير بلبس إكليل الاستشهاد

أمَّا الدكتور لڤنستون فكان أسلافهُ فقراءَ ولكنهم كانوا مشهورين بالصدق والأمانة وأن واحداً منهم مشهوداً له بالحكمة والفطنة دعا أولادهُ عندما حضرتهُ الوفاة وقال لهم إنني قد نظرت في كلِّ أخبار اسرتنا التي وصلتُ إليها فلم أجد بين كلِّ أسلافنا رجلًا عديم الاستقامة فلذلك إذا سار أحدكم أو أحد أولادكم في طرق معوجة فلا يكون ذلك لأصل وراثي. ووصيتي الأخيرة لكم أنْ تسيروا بالاستقامة

ولما بلغ لڤنستون العاشرة من عمرهِ وُضِع في معمل قطن بالقرب من غلاسكو فأخذ أجرة الأسبوع الأوَّل واشترى بقسم منها كتاب نحو لاتيني وعكف على درس هذه اللغة في مدرسة ليلية وكان يُحْيي أكثر من نصف الليل في الدرس فقرأ فرجيل وهوراس وكلَّ كتاب وصلت إليهِ يدهُ إلا القصص والروايات. وكان مغرماً بقراءة الكتب العلمية والرحلات وعكف أيضاً على درس علم النبات مع ضيق وقتهِ وطاف أراضي كثيرة ليجمع منها النباتات وكان يأخذ كتبهُ معهُ إلى المعمل ويضع الكتب أمامهُ وهو آخذ في عملهِ فارتشف قدراً جزيلًا من بحار المعارف. ولما تقدم في السن قام فيهِ ميل شديد لتبشير الوثنيين فعزم على درس الطب لكي يصير أهلًا لهذا العمل وأخذ يقتصد في نفقتهِ حتى صار معه ما يكفيهِ لدرس هذا الفن فدخل مدرسة غلاسكو وكان يدرس الطب واليونانية واللاهوت ويعمل مدة الفرص في معمل القطن ولم يقبل مساعدةً من أحد بل كان يحصِّل كلَّ ما يكفيهِ ويكفي لدفع أجرة المدرسة بتعب يديهِ. وقال بعد ذلك بسنين عديدة إنني حينما التفت إلى حياتي الماضية حياة التعب أشكر الله لأنني حَصَّلتُ ما حصلتهُ بتعبي واجتهادي وأود أنْ أبتدئ بحياتي جديداً على المنهج الأول من التعب والاجتهاد. وكان في نيتهِ أنْ يذهب إلى الصين ولكن كانت الحرب ناشبة فيها فعدل عن الذهاب إليها وعرض نفسهُ على جمعية التبشير الإنكليزية فأرسلتهُ إلى أفريقية فوصلها سنة ١٨٤٠ ولم يكن شيءٌ يزعجهُ في ذهابهِ إلى أفريقية أو يكدر صفاءَ عيشهِ إلا ذهابهُ إليها على نفقة غيره لأنهُ قال لا يليق بشخص اعتاد فتح طريقهِ بيدهِ أنْ يعتمد على غيرهِ. ولما وصل إلى أفريقية لم يرد أنْ يبشِّر حيث بشَّر غيره بل اختط لنفسهِ قسماً من البلاد لم يبشِّر فيهِ أحد قبلهُ وكان يبشِّر ويعلِّم ويعمل بيديه كلَّ الأعمال الفلاحة والنجارة والبناءِ وحفر الترع وتربية المواشي وعَلَّم الأهالي هذهِ الصنائع أيضاً ولم يدع دقيقة من الوقت تذهب سدًى وذات يوم سافر مع نفر من الأهالي ماشياً فسمع البعض منهم يقولون إنهُ ليس قوي البنية ولكن تظهر لهُ مهابة لأنهُ لابس كيسين (يعني بنطلوناً) وهو دوننا قوة فحرك فيهِ هذا الكلام النخوة الأسكتسية فواصل السير أياماً عديدة وهو دائماً أمامهم إلى أن أعياهم التعب وسمعهم يتعجبون من استطاعتهِ على السير.

ومن الرجال العظام يوحنا هَوَرْد الذي دلَّت حياتهُ على أنَّ الضعف الطبيعي يقدر أنْ يزحزح جبالًا من المصاعب. كان كل اهتمام هذا الرجل موجهاً إلى إصلاح شأن المسجونين وقد تمكَّن فيهِ هذا الاهتمام حتى صار ملكة ولم يثنِه عنهُ تعب ولا خطر ولا مرض ولا أمر من الأمور. وكان خالياً من المواهب الفائقة ومعتدلًا في قواه العقلية إلَّا أنه كان ذا عزيمة ثابتة وقلب رحب فحاز شهرة عظيمة وأثَّر تأثيراً عظيماً في المحاكم الإنكليزية وغير الإنكليزية ولم يزل تأثيره حتى يومنا هذا.

ويونس هنوي رجل آخر من الرجال العظام الذين أوصلوا إنكلترا إلى ما هي عليه بجدهم ودأبهم وتركوا بعدهم ذكراً جميلًا وأيادي لا تُنسَى. ولد هذا الرجل سنة ١٧١٢ ويُتِّم من أبيهِ وهو صغير فانتقلت أمهُ إلى لندن لكي تعلم أولادها واجتهدت كثيراً في تربيتهم وتهذيبهم. ولما بلغ السابعة عشرة أُرسل إلى لسبون ليكون صانعاً عند تاجر من تجارها وبذكائه وتدقيقهِ واستقامتهِ اكتسب محبة كلَّ من تعرَّف بهِ. ثم رجع إلى لندن سنة ١٧٤٣ ودخل في شركة تجار مركزهم في بطرسبرج وتجارتهم في بحر قزبين فمضى إلى هناك ولم يلبث أنْ وصل حتى انطلق إلى بلاد فارس ومعه حمل عشرين مركبة من الأنسجة الإنكليزية فوصل إلى أستراخان وأقلع إلى أستراباذ في الجنوب الشرقي من بحر قزبين وحالما وصل إلى الشاطئ اعترضهُ قوم من العصاة ونهبوا بعض ما معهُ. ثم علم أنهم كانوا قاصدين القبض عليهِ وعلى الرجال الذين معهُ فحذر الخطر قبل وقوعهِ ووصل إلى غيلان بعد ملاقاة أخطار كثيرة. ونجاتهُ العجيبة في هذه النوبة جعلتهُ أنْ يقول الكلام الذي صيَّره دستوراً لحياتهِ وهو «لا تيأس قط» ثم رجع إلى بطرسبرج صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/181 صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/182 صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/183 صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/184 صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/185 صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/186 صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/187 صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/188 صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/189 صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/190 صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/191 صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/192 صفحة:سر النجاح (1922) - صموئيل سمايلز.djvu/193 وفي السنة التالية عاد إلى غربي آسيا وفتح حلب وحماه وحمص وبعلبك ودمشق وحارب السلطان بيازيد العثماني بقرب أنقرة وتغلب عليهِ واسيرهُ وفتح آسيا الصغرى كلها وطرد فرسان مار يوحنا من أزمير وضرب الجزية على إمبراطور القسطنطينية. ثم عاد إلى بلاد الكرج وأقام فيها فصل الشتاء وعاد منها بطريق مرو وبلخ وبلغ سمرقند سنة ١٤٠٤ واستعد لغزوة بلاد الصين وزحف عليها بجيش جرار ولكنهُ مرض في أثناءِ الطريق بالحمى ومات في السابع عشر من ففريه (شباط) سنة ١٤٠٥ وكان مع ما اشتُهر عنهُ من الفتك ليِّن العريكة محبًّا للعلم والعلماءِ ولهُ مؤلفات كثيرة باللغة الفارسية.

وإبرهيم باشا المشهور ابن محمد علي باشا عزيز مصر ولَّاه أبوه قيادة قسم من الجيش وهو ابن ست عشرة سنة وسيَّره سنة ١٨١٦ لمحاربة الوهابيَّة في بلاد العرب، وكانوا قد خرجوا على الدولة العلية فذهب إليهم وقاتلهم وهزمهم وفتح مدنهم وقبض على أميرهم عبد الله بن سعود. وكان يؤدي للعرب ثمن ما يعوزهُ من الميرة كما فعل ولنتن في إسبانيا فاستمال إليه قلوبهم. ولمَّا قطع شأفة العصيان وقتل شيوخ الوهابية صرف عنايتهُ إلى إصلاح البلاد وتأمين السابلة فانفتحت أبواب التجارة ونُشِرت راية العدل بين الأهالي فدانوا لهُ واجتمعت قلوبهم على ولائهِ فبنى قلاعاً منيعة لتأمين البلاد واحتفر آباراً كثيرة وعاد إلى مصر ظافراً غانماً. ووقائعه في بلاد الشام مشهورة ومآثرهُ فيها مبرورة فإنهُ قصدها بثلاثين ألفاً واستولى على كلِّ مدن الساحل من غزة إلى طرابلس ثم استولى على دمشق وحمص وحلب وقونية ولبث في سورية يدبر أمورها أحسن تدبير إلى أنْ اتفقت الدولة العلية مع دول أوربا على إخراجه منها فعاد إلى مصر وتولَّاها سنة ١٨٤٧ وتُوفِّي فيها في السنة التالية وكان عالي الهمة ثابت العزم يُعَد من أفراد هذا الزمان في النشاط والشجاعة.