عبقرية عمر (المكتبة العصرية)/عمر والحكومة العصرية
عُمَر والحكومة العصْريّة
من الحقائق التي لا يحسن أن تغيب عنا ونحن نقدر الأبطال من ولاة العصور الغابرة أنهم أبناء عصورهم وليسوا أبناء عمورنا، وانا مطالبون بأن نفهمهم في زمانهم وليسوا هم مطالبين بأن يشبهونا في زماننا، وان الرجل الذي يصنع في عصره خير ما يصنع فيه هو القدوة التي يقتدى بها أبناء كل جيل، ولا حاجة به إلى اقتداء بنا. ولا أن بشق حجاب الغيب لينظر إلينا ويعمل ما يوافقنا ويرضينا
ويحسن بنا أن نذكر مع هذا أن أشكال الحكومات بمرتبة دون مرتبة المبادئ التي تقوم عليها، وان المبادئ التي تقوم عليها بمرتبة دون مرتبة الروح الإنساني الذي ينبغي أن يعمها ويتخللها، لأن المبدأ أن يخلو من الروح الإنساني ولا يعيب الروح الإنساني أن يخالف المبدأ في بعض الأحايين .. فالملكية والجمهورية شكلان أشكال الحكومة قد يقومان على مبدأ واحد، هو مبدأ، الحكومة الشعبية أو الديمقراطية، ولكن العدل والحرية هما الروح الإنساني المقدم على المبدأ وعلى الشكل معا، لأن فقد المبدأ والشكل لا يضيرنا اذا وجدنا العدل والحرية ... أما فقدان العدل والحرية فهو الذي يضير ولو توافرت المبادئ والأشكال فاذا عرفنا العدل بروحه ولبابه، فلا ضير عليه أن تكره مبادئ النورة الفرنسية أو مبادئ الوثيقة الكبرى في البلاد الإنجليزية، أو مبادئ الدستور الأمريكي في أيام آباء الدستور هناك، أو مبدا من المبادئ التي لا تني١ تتجدد وتتغير كائنا ما كان
ويحسن بنا أن نسأل أنفسنا كلما أعجبنا بعظيم من عظماء العصور الحديثة : ماذا كان هذا العظيم صانعا لو نشأ في القرن الأول للهجرة مثلا أو القرن الأول للميلاد ؟ .. أكان يصنع فيه ما هو «عصري»، في زماننا أو يصنع فيه ما هو عصري في ذلك الزمان.. فمما لا مراء٢ فيه أنه يخالف عمله في زماننا، ولا يخالف عمله في زمانه الذي نشأ فيه، ولا ملامة عليه فيما خالف وفيما وافق. بل اللوم علينا نحن إذ ننتظر ما لا ينتظر ونقيس على غير قياس.
والى جانب هذا كله ينبغي أن نذكر ولا تنسى أن عصرنا ليس بخير العصور !.. وانا لو ملكنا تبديله في كثير من الامور لبدلناه، واننا لا تنفق على استحسان الحسن ولا استقباح القبيح فيه، وان الفارق الأكبر بينه وبين العصور الأخرى انما هو فرق الألفة والاستغراب، فصرنا مألوف لنا وسائر العصور مستغربة في أنظارنا، وكثيرا مایکون الاستغراب عرضيا سخيفا متعلقا بالمظاهر والأزياء دون الجواهر وحقائق الأشياء..
أذكر من الصور التي رأيتها في الصحف الأوربية - ولا أنساها - صورة جامعة لبعض المشهورين والمشهورات في أزياء عصرنا وأزياء العصور السابقة على اختلافها، عرضتها الصحيفة وأحسبها كتبت تحتها : هل تعرف هؤلاء لو مروا بك في الطريق؟..
فاذا تأملت الصورة رأيت فيها يوليوس قيصر في القبعة الطويلة وكسوة السهرة السوداء، ورأيت كليوباترة في زي الباريسية العصرية، ثم رأيت أميرا من أمراء هذا الزمن وحكيما من حكمائه على نمط٣ التماثيل التي حفظت لقياصرة الرومان وحكماء اليونان. فاذا بك تستغرب ما تألف وتألف ما تستغرب وكأنك على استعداد أن تحادث يوليوس قيصر حديثك للرجل الذي يفهمك وتفهمه من الكلمة الأولى وعلى حذر أن تقارب الرجل الذي مثلته لك الصورة في زي الأقدمين المخالفين لك في العقيدة والشارة والذوق ونمط التفكير والنظر إلى الأشياء..
هذه صورة نشرت يومئذ للتسلية والفكاهة، ولكنها خليقة أن تعلمنا الكثير وأن تصحح لنا مقاييس المقابلة والتقدير من كل عصر سابق و عصر أخير..
ونحن — اذ ننظر الى أعمال عمر بن الخطاب تقيسها إلى نظام الحكم في زماننا — واجدون فيها كثيرا من المستغربات التي تحول بيننا وبين تقديرها الصحيح للوهلة الأولى، ولكننا لا تلبث أن ترفع القشرة وتنفذ الى اللباب حتى تزول الغرابة ونرى في مكانها الحق الخالد الذي تتغير العصور ولا يتغير، بل نرى في مكانها أحيانا ما يصلح كل الصلاحية للتفسير حتى بمبادئ هذا العصر الأخير
خذ مثلا انه — وهو أقدر المالكين في عصره — كان يقنع بالكفاف ويلبس الكساء الغليظ، ويهنأ٤ ابل الصدقة، أي يداويها بالقطران، ويراه رسل الملوك وهو نائم على الأرض لومة الفقير المدقع٥، وتعرض له المخاضة٦ وهو داخل الى الشام فينزل عن بعيره ويخلع خفيه ويخوض الماء ومعه بعيره، ويسافر مع خادمه فيساوي بينهما في المأكل والمركب والكساء..
حاكم من حكام العصر الحديث لا يصنع هذا ولا يطالب بأن يصنعه، وهو وأبناء العصر الحديث على حق فيما ارتسموه لأنفسهم من السمت٧ والشارة٨، لأن حاكم الأمة يحتاج الى المهابة بين قومه وغيرهم الأقوام، وهذا حسن مشكور
ولكن هذه وجهتنا نحن في هذا، فما هي وجهة عمر فيه ؟..
وهذه حجتنا نحن فيما ارتسمنا.. فما هي حجة عمر فيما أرتسم ؟..
اننا اذا عقدنا المقارنة بين الوجهتين والحجتين ألفيناه في غني عن وجهتنا وحجتنا، وأنه كان يصل الى الغاية التي نرومها نحن من طريق أقوم وأنفذ من الطريق الذى توخيناه
فكان يعيش عيشة الفقراء، وأمته وأمم أعدائه أهيب له مما تهاب التيجان في القصور..
وكان يدين وطعام مكفولا له مع عمر وكان عمل الرجل تثبيت سلطان وتثبيت عفيدة هي أساس الحكم قبل كل أساسي ، فكانت عيشته الفقيرة أعون له على تثبيت العقيدة ، ثم لا غضاضة فيها على السلطان نفسه بهذه العيشة ولا أبي على غيره أن يخالفها ، ويقنع باليسير ونعطي الحق الكثير لمن يستحقه على تفاوت في المآثر والأعمال فلما ندب أبا عبيدة لتوزيع الطعام في عام المجاعة أعطاه ألف دينار وألح عليه في قبولها ولما قسم الولايات جعل لكل وال كفاء"عمله أجر عطائه الذي يعطاه كسائر المسلمين ، وهو الذي خالف أبا بكر في التسوية بين الأعطية لعلمه بتفاوت الحقوق ، فقال له : أتسوى بين من هاجر الهجرتين وصلى الى القبلتين وبين من أسلم عام الفتح خوف السيف ? .. أتجعل من قاتل رسول الله كمن قاتل معه ? .. ولقد ظلل كلاهما على رأيه حتى قام بالخلافة فأخذ بمذهب التفضيل وتوفية العطاء حسب الحقوق أما المهابة فمن افتقر من الولاة إلى المظهر فيها لم يمنعه عمر ولم يوجب عليه أن يقتدي به في خصاصته وشظفة" ذاك ما تقضي به مصلحة الدولة حيث كان وبهذا يكون الحاكم عمر بن الخطاب قد أدي « الواجب الحكومي » على الوجه الأقوم فلا سبيل لأحد إلى أن يؤاخذه فيه بقياس حدیث أو بقياس قدیم فاذا بقي أن نستدل بتشديده في المعيشة على تفكيره أو خلقه فما هي الدلالة التي يدل عليها .. هل يدل هذا التشديد في محاسبة النفس على شيء يعاب ? .. هل هو أدنى الى النقص أو هو أدنى إلى الرجحان 7 .. ان أناسا يشددون على أنفسهم کزازة في الطبع وضيق في الحظيرة وعجز عن ملابسة الدنيا . وهذه نقائص تعاب في مقياس الفكر والاخلاق ولكن هل كانت خليقة عمر بن الخطاب خليقة المرعب المتوجس العاجز الذي الشظف عنده إلى العجز عن ملابسة الدنيا } فله عن (۱): الذلة والنقصة . (۲) : العادة والشان : (۳) أي جزاء او فار • (4) أي مضمونا ۰ (۰) :يبس العيش وخشونته • (6) : الانقباص واليبس به ۱۲ + عمر من أعجل الناس بالاتهام ، لا تهم . بهذا ولا بما يشبهه و يدانيه وانما تدل جملة أخلاته على ان الخلق الذي ألزمه حياة الشظف انما هو خلق توی پروض صاحبه على ما يريد، وليس بخلق ضعيف ، يجفل من التصرف والتكليف ، اجفال العجز والرهبة والوسواس وفي « طبيعة الجندي » التي قدمنا الكلام فيها بعض التفسير لنظرته في حساب نفسه وفي الموقف الذي اختار أن يقفه بين يدي الله . فهو يعلم ان الله شديد الحساب وان الله رحيم ، ولكن الجندي القوى اذا وقف بين بدي مولاه جعل تعويله على الوفاء بالأمر وقضاء الواجب في أدق تفاصيله ، ولم يجعل معوله الوحيد على طلب الرحمة والصفح عن الخطيئة ، فان جاءه الصفح من مولاه فليس هذا بمعفية أمام نفسه من استقصاء الحساب ولو جار عليها . فأكرم لطبيعته الجادة القوية أن يجور على أن يترخص في اعطائها ثم يتعرض للصفح والغفران وكان وفاؤه لحق الصداقة ، كوفائه لحق الله ، سببا من أسباب هذا الشظف الذي عاش عليه بعد النبي وخليفته الأول . فقد أبي له وفاؤه أن يعيش خيرا مما عاشا ، وأن يستبيح - وقد صار الأمر اليه - حظا لم . يستبيحاه ، وكثيرا ما توسل اليه خاصته أن يشفق على نفسه وأقنعوه بما علموا أنه أدنى الى اقناعه ، وهو أن يتوسع في العيش ليكون ذلك أقوى له على الحق ، فكان يقول لهم : « قد علمت نصحكم . ولكني تركت صاحبي على جادة ، فان ترکت جادتهما لم أدركهما في المنزل ، ، وكلما نصح له ذووه ومنهم بنته حفصة أن يستكثر من الطعام الطيب والنعمة السائغة سألها : كم كان نصيب النبي من ذاك وأنت تعرفين نصية ? فيكون السؤال هو الجواب ثم كانت رغبته في اقامة الحجة على ولاته وعماله سببا آخر من أسباب شظفه وقناعته بالقليل ، فقد يستحي أحدهم أن يكون ليغني وخليعته قانع لا يطمع في اكثر من وما كان عمر بالذي يجهل ما عرفه الناس من مروءة « الأبهة والوجاهة (۱) : المنزعج . (۲) ساغ الشراب : سهل مدخله في الخلق ، وساغ له ما فعل : جاز ۰ (۳) أي القوة الضروري = هذا أو من الكفاف") ۱۳ 6 بخس" ولا 4 (۴). هو الذي يعلم ما جهلوه ، ولكنه كان غنيا عنها اینارا لغيرها مما هو أرفع منها وأدل على المروءة في حقيقتها. فكان يقول : « المروءة مروءتان : مروءة ظاهرة ومروءة باطنة. فالمروعة الظاهرة الرياش، والمروءة الباطنة العفاف » فهو في جملة أحواله يفرض الشظف على نفسه لأن قوته الخلقية تستطيع أن تريد فتفعل ، وتستهل الجد الذي يصعب على غيرها . ففيها رجحان يكبره العقل والخلق ، وليس فيها نقص يعاب بمقياس التفكير أو مقياس الأخلاق انما كان الرجل يحاسب غيره فيعطيه حقه في غير خرج ويحاسب نفسه فيؤثر الشدة ليقطع الشك ويدرا الشبهة ويقتدی بصاحبيه ، ويترك القدوة المثلى لمن يليه فلا سبيل عليه الباحث في نظم الحكم ولا الباحث في معاني الأخلاق على ان عصورنا الحديثة تستغرب الشظف من عمر ، وهي تهلل لملوكها وتكبر لهم حين يستنون لأنفسهم سنته في بعض أوقات الضيق والمحنة ، الأوقات التي يتنبه فيها شعور الرعية للفارق بينها وبين راعيها في المعيشة والتكليف ، وأكثر ما يكون ذلك في أوقات المجاعات والحروب وشح المؤونة على الاجمال ففي الحروب الأخيرة تجاوبت الصحف بالثناء على الملوك الذين راضوا أنفسهم وراضوا أسرهم وحاشيتهم معهم على جراية الحرب التي توجبها ضرورات التموين ، وعدوا من مفاخر الملوك أنهم لا يأكلون الا ما تأكله شعوبهم وأنهم لا يرون لهم عزة في الترف الذي يعز على رعيتهم ، فيما أوجبه على نفسه عام القحط ، وعلمتهم الشدة كيف ينفذون الى الواجب الإنساني من وراء زخارف الحضارة الحديثة وشيء آخر يستغربه المصريون في نظام حكومة عمر وان كانوا ليتمنون مثله لو استطاعوه ، ونعني به طريقته في محاسبة الولاة والعمال سواء لتحقيق العدل أو لتحقق الأمانة (1) : اللباس الفاخر ، وقيل : المال ، والخصب ، والمعاش (۲) : النقصان ۰ (۳) : يدفع • (4) أي طريقته وهي فاقتدوا بعمر ب-۱۳۷- فكان يجزي الوالى جزاء المثل عن كل مظلمة وقعت على أحد رعاياه ، ويأخذ الوالي بسيئات أبنائه وذويه ان أساءوا و مستطيلون بما للولاية من حول" وجاه .. (۲).. وكان يحمى أموال الولاة ، ثم يستصفي ما زاد عليها كلما فشت ت لهم فاشية من النعمة لا يخبرونه بمصدرها وفي هذا وذاك ضمان للعدل والأمانة ، يستغربه المصريون لأنهم لا يألفونه في طرائق الحكومات العمرية ولكن أتراهم يستغربونه لأنه غير حسن أو لأنه غير مستطاع ؟ .. بل لأنه غير مستطاع ولا ريب ، أو لأن الحكومات العصرية لا تملك ان تتحراه وتنصف في تنفيذه اما انه حسن فلا شك في حسينه ولا في انه أحسن من نظائره بین النظم العصرية ، لأن حكومات العصر الحديث قد تحمي الوالي وان للم واعتدى فلا بمقاضاته الا باذن منها !.. وقد تحميه مرة أخرى بالاحالة الى الثقة بالوزارة ومنع المناقشة في عمله ، لأنها هي بمناقشته فيه . وتعتذر في الحالتين بعذر المحافظة على نظام الدولة أن يهدده يهدد مراكز الحكام ولم يكن عمر يخشى هذا الخطر لأنه أقوى منه ، فله هو الحق وعلى النظم العصرية الملام أما الطريقة العصرية في ضمان أمانة الحكام فهي أن تحرم عليهم الدساتير مباشرة الأعمال في الشركات وما اليها ، درهما ولو دخلوا الخدمة صفر اليدين وخرجوا منها بالضياع والقصور والأموال فمن استغرب الطرائق العمرية في هذا الباب فلیستغربها ما شاء وهو يعلم أن الغرابة ليست بعيب ، وان المألوف هو المعيب ان قصر عن الغرض المطلوب (۱) : الحيلة ، والقوة ، والمراد : القوة • (۲) جمعها ، فراشي ، وهي : كل شيء منتشر من المال كالغنم السائية والابل وغيرهما ما . ثم هي لا أخذ منهم و و اسه و 4 د عمر وما عدا هذا اختلاف بين العهدين فقلما يعلو اختلاف الاسماء وتغيير العناوين ، وقل أن ينفذ الى ما وراء القشور . وهذه بعض الشواهد التي تقرب أسباب النظر إلى حقيقة هذا الاختلاف في سوق المدينة ، فرأی ایاسا سلمة معترضا في طريق ضيق فخفقه بالدرة وقال له : « امط" عن الطريق يا ابن مسلمة !.. ) ثم دار الحول ولقيه في السوق فسأله : أردت الحج هذا العام } قال : نعم يا أمير المؤمنين ، فأخذ بيده حتى دخل البيت وأعطاه ستمائة درهم وقال له : يا ابن سلمة ! .. استعن بهذه ، واعلم انها من الخفية التي خلقتك بها عام أول؟! .. قال اياس : يا أمير المؤمنين ما ذكرتها حتى ذكرتينيها ... فأجابه عمر : أنا والله ما نسيتها فالنظم العصرية تحار في وضع هذه الحادثة في باب من أبوابها المرتبة حسب الوظائف والأوامر والمراجعات ولكن ماذا يصنع جندي المرور في عصرنا اذا شاء أن يميط عن الطريق ويفض الزحام ? وماذا تصنع المحاكم في تعويض من أصابه الضرب غير ضرورة ? ان جندى المرور ليضرب بالدرة وبما هو أقسى منها ، وان المحاكم التعرض المضروب بشیء من خطأ الجند والموظفين ، وعمر قد عوض الرجل من ماله كما يؤخذ من قول ابن سلمة : أنه ذهب به الى بيته ، فان لم يكن هذا المبلغ من مال وكان خزانة الدولة فقد فرم عمر كل دين عليه قبل موته ، ولم يفارق الدنيا الا على ضمان وثیق أن يعاد کلی دينه إلى ذويه . وقد يكون الخطأ يومئذ في الحساب لافي تصرف عمر بن الخطاب ورأى عمر امرأة في زي استغربه فسأل عنها فقيل له بأنها الأمة فلانة ! فضربها بالدرة ضربات وهو يقول لها : يا لكعاء .. أتشبهين بالحرائر : وهنا مجال واسع للحذلقة العصرية في الكلام على «الحرية الشخصية (1) اي ضربه . (۲) أي تنح وابعد • (۳) يعني : العام الماضي • (4) : أي لئيمة ، (5) : أظهر الحذق .. مال الدولة عن شم درهم من (0) . . ۱۳۹ وعلى حق من يشاء أن يلبس ما يشاء ويسير حيث يشاء ولكن ماذا تصنع الحضارة العصرية بالنساء المريات اللاتي يتنكرن ازياء الحرائر وأوين إلى البيوت في أحيائهن ويخرجن معهن الى الطريقة وبماذا يختلف شأن النساء المريبات من شان الاماء في كن فيه متهمات الاعراض ? .. زمن 6 . - - عمر و رأی عمر رجلا يتبختر ويمشي مشية قبيحة لا تليق بالرجال فأمره أن يتركها فأبى ، وزعم أنه لا يطيق ترکها .. فجلده ، وعاد بعد جلده إلى التبختر فجلده مرة أخرى . ثم مضت أيام وجاءه الرجل وقد ترك تلك المشية القبيحة ودعا له : جزاك الله خيرا يا أمير المؤمنين . ان كان الا شیطانا أذهبه الله بك . الحرية الشخصية مرة أخرى ! .. غير أن في عقوبته هذه انما كان يعاقب على أمر نهی عنه القرآن وليس له أن يبيحه بحال ، فهو قانون يعرفه من أوقع العقاب ومن وقع عليه ، ومن شهدوه وأقرأوه .. وكلهم يأبى أن يمشي في الأرض مرحا) وبعدها من قبائح الآداب ولكننا في العصر الحديث تقسم النواهي والأوامر الى قسم يحاسب عليه القانون وقسم يحاسب عليه العرف المأثور . وعقاب العرف حق الامة وليس بحق الحكومة والقضاء وحجة العصر الحديث أن العقاب القانوني هنا غیر منصوص عليه وليس النص عليه بمستطاع ، وربما فتح الباب للاغراض والأهواء واستبداد الحاكمين اذا استطيع وعندنا ان حجة العصر الحديث في هذا ناهضة لا شك في صدقها ، ولكنها ان نهضت فانما تنهض على العصر الحديث ولا تنهض على عمر ولا على من وثقوا بعدله واسلموه زمام العرف والقضاء على السواء (۱) أي يتصنع الحس أو التكسر في مشيته: (۲) : شدة الفرح (3) المراد بالزمام هنا : المقود . ... . ب- ا فماذا لو استطاع العرف في عصرنا أن يحاسب الناس بالحبس والجلد والغرامة على رذائل الذوق وقبائح الآداب دون أن يخطيء أو يجوز ?.. أبي الاصلاح وهو آمن عقباه .. أن أباه فليس صوابه في آبائه بأكبر من صواب عمر في تقريره ، وليس على ولا على رعيته جناح أن يطمئنوا إلى عدل يعبينا أن نطمئن الى مثله مي
- * *
أحدا فضرع 4 . وقد تقدم أن عمر غضب على الحطيئة لهجائه الناس ، ونهاه أن هجو عاليه الرجل وقال : اذن أموت ويموت عيالي من الجوع ، فأنذره ليقطعن لسانه ! ثم عطف عليه فساومه على ترك الهجاء بثلاثة آلاف درهم ، فسلم الناس من لسانه واستغني عن هذه الصناعة ما عاش عمر .. ثم عاد اليها بعد موته ان أمين الحساب في خزائن الدول الحديثة يحار في أي باب من أبواب المصروفات يضع هذه الدراهم التي اشترى بها هجاء الحطيئة ، ولكنه لا يحار طويلا حتى يذكر باب الدعوة وما تنفقة الدول من الملايين ثمنا الثناء والهجاء. فيضعها هنالك وهو أهدأ ضميرا مما وضع في الباب کله ، لأنه مال تنتفع به الرعية وتنتفع به الأخلاق ، ولا نفع فيه لذوات الحاكمين ولنضربه أمثلة من طراز آخر على الطريقة العمرية التي يستغربها المصريون وهم مخطئون في استغرابها أو قادرون على النظر اليها كما ينظرون الى المألوفات ، لو أطلقوا عقولهم من عقال الصيغ والاشكال ونفذوا من ورائها الى الجواهر والأصول كان عمر يعمل في المدينة فسمع صوت رجل وامرأة في بيت ، فتسو الحائط فاذا رجل وامرأة عندهما زق خمر ، فقال : يا عدو الله !.. أكتت ترى أن الله يسترك وأنت على معصية ?.. فقال الرجل : يا أمير المؤمنين أنا عصیت الله في واحدة وأنت في ثلاث ، فالله يقول : « ولا تجسسوا % وأنت تجسست علينا . والله يقول : « وأتوا البيوت من أبوابها وأنت (1) أي خضع وقال في مذلة ومسكنة : (؟) : القيد . (۳) : تسلقه . (4) وعاء من الجلد غير المنتوف . (5) من الآية : ۱۲ من سورة الحجرات (1) من الآية : ۱۸۹ من سورة البقرة !
(1) 6 ۱۱- معدت { عمر : هل 6 او . الجدار ونزلت منه . والله يقول : « لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها وأنت لم تفعل ذلك .. فقال عندك ان عفوت عنك ؟ قال : نعم ، والله لا أعود . فقال : اذهب فقد عفوت عنك ما أسرع ما تقول الحذلقة العصرية وهي مستريحة البال : هذه بدوان البادية في حكمها تجسس ثم محاجة جدلية ثم تزول عن عقاب . وهي د طريقة تعوزها الاجراءات الرسمية » التي تحن عليها حريصون وبها جد فخورين ! .. لكن ما القول في مطابقة هذه الطريقة كل المطابقة لما يجري عليه النظام الحديث في اجراءاته الرسمية بغير استثناء ? .. فالدساتير الحرة ، تمنع الرقابة وفض الرسائل واستباحة الأسرار والحكومات ۔ مع هذا المنع الدستوری - تضطر الى استطلاع الأحوال و اتقاء الجرائم بمراقبة المتهمين وذوى الشبهات . فاذا اتفق في حادث من الحوادث انها استباحت سرا يدل على جريمة محظورة فماذا يكون من مير الاجراءات الرسمية .. يكون ما كان من عمر في الحادث الذي وويناه بغير اختلاف .. فالقضاء لا يأخذ بدليل يمنعه الدستور ولا تثبت عنده الجريمة الا بدليل مشروع ، والحكومة تضطر هنا إلى السكوت ومتابعة الحالة حتى تسفر عن بينة يجوز لها أن تعتمد عليها أمام القضاء فيما تصنع من هذا القبيل أعجز من عمر فيما صنع ، لأنه جعل الاستطلاع سبيلا إلى العظة والتوبة . واستغني عن الإجراءات الرسمية التي نحن عليها حريصون وبها جد فخورين ! .. .. وهي 1 ونقترب من حادث تطول فيه الالسنة العصرية أبعد مما طالت في شتى الحوادث التي قدمناها ، ونعني به كتابه الذي خاطب به النيل يوم قيل له انه أمسك الفيضان وقد زعم المؤرخون أن أهل مصر ذهبوا إلى عمرو بن العاص في شهر (۱) من الآية : ۲۷ من سورة النور عن -۱۲
في الاسلام بؤونة فأخبروه أن للنيل عندهم سنة قديمة لا يجرى الا بها ، وهي : د انهم اذا كانت ليلة ثلاث عشرة من هذا الشهر عمدوا إلى جارية بكر بين أبويها فحملوا عليها من الحلى والثياب أفضل ما يكون ثم ألقوا بها في النيل ، .. فلم يجبهم عمرو إلى ما سألوه وقال لهم : هذا لا يكون ، وان الاسلام يهدم ما كان قبله . فأقاموا بؤونة ، وأبيب ، ومسرى ، لا يجري فيها النيل قليلا ولا كثيرا ، ثم رفع عمرو الخبر الى عمر فاستصوب ما صنع وكتب له : اني بعثت اليك بورقة مع كتابي هذا وألقها في النيل . وفي الورقة كتاب يخاطب به التي يقول فيه : « من الى نيل مصر . . أما بعد: فان كنت تجري من قبلك فلا تجر وان كنت تجري من قبل الله فنسأل الله أن يجريك » قال رواة هذه القصة : ان عمر القي بالورقة في النيل قبل يوم بشهر وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج الصليب وقد راه الله ستة عشر ذراعا واستراحوا من ضحاياه في ذلك العام وفيما من الأعوام . والرواية على علاتها قابلة للشك في غير موضع عند مضاهاتها على التاريخ .. وقد يكون الواقع منها ان وقعت - دون ما رواه الرواة عبد الله عمر الصليب فأصبحوا أجراه بعده - بكثير هی ان عمر ولتكن على هذا صحيحة بحذافيرها فما الغضاضة فيها على العلم الحديث ولا تقول على العقل « البدوى » قبل نيف وألف سنة ? .. لم يجد أهل مصر معولين في فيضانهم على القناطر والسدود و فنون الهندسة و فأبى عليهم أن يعولوا عليها ، ولكنه وجدهم معولين على خرافة يعافها العقل والشعور فأنكرها وحق له أن ينكرها ، ولم يقل لهم ان ورقته الملقاة في النيل هي التي تجريه ، بل قال لهم : أن النيل البجری بغير تلك السنة التي استنوها له .. بغير القربان الذي يتقربون به اليه ، وليس في هذه القصة كلها ما يستغرب من حاكم عصري مؤمن بالله منکر للخرافات ، فورقة عمر أقرب الى العقل في زماننا هذا (1) أي طريقة • (۲) يقال : عول علي بما شئت : أي استعن بي (3) يكرها .. الكورس . والقوارير التي تكسو في الأنهار عند فتح قناطرها وجسورها ، وأقرب الى العقل من البخور الذي يحترق في البيع والهياكل جلبا للفيضان واستغاثة بالسماء
عمر هی ونحن لا نعرض لهذه الأشتات طريقة . في حكومته لأنها هنات تلجىء المعجب به إلى دفاع وتسوي"، وليس في كل هذه الأشتات وأشباهها ما يلجىء عمر ولا المعجبين به الى دفاع أو تسويغ وانما عرضنا لها توسعة الأفق النظر العظمة الانسانية في مختلف از مائها ، واستخفافا بالغرائب التي تخلقها العادة العارضة لعبادها ، ثم لا تستحق من هوانها أن نخسر من أجلها شعورنا بعظمة الانسان وانها لأنفس ما نعتز به في الأزمان عدل عمر نخسره لأنه كان يقضي فيه بغير « استمارة » مدموغة بنص عليها قانون المرافعات ! .. أو لأنه كان يقضي فيه على غير ذ الاجراءات العصرية » في مواجهة الحقوق الشخصية ! .. أو لأنه كان يقضي فيه قضاء يختلف الفقهاء في عنوانه وفي الرف الذي يضعونه عليه بين رفوف الأضابير ، يا لها من حماقة تخجل العصر الحديث ، خجله وهو واقف بين العصور يتطاول عليها بتخيف الحماقات وادحاض الخرافات ق (1) . (۱) : الكنائس • (۲) : تجویز ۰ (۳) أي : استمارة ، ۰ (4) : الحزم من الصحف . (5): قلة العقل " (1) : ابطال