عبقرية عمر (المكتبة العصرية)/عمر والنبي
6 و بندر أن يظفر الباحثون في طبائع الانسان بمغنم نفسي هو أوفر" ثمرة وأنفس محصولا من دراسة عمر بن الخطاب ، لأن الظواهر المختلفة التي تتجلى في هذه النفس العظيمة ليست من ظواهر كل يوم ولا ظواهر كل دراسة ، ولأن اتفاقها البسيط مع تركيبها العجيب مما تعذر جدا في النفوس التي نعهدها ، ومما يتعذر جدا حتى في نفوس الأفذاذ العظماء بيد أن المغنم الأكبر في هذه الدراسة انما هو مغنم علم الأخلاق لأن علم الأخلاق أحوج الى الاستدلال بالظواهر الطبيعية ، وأفقر الى الاسناد والدعائم التي تقيمها أمثال هذه الدراسات فكل نفس . عظمت أو صغرت - فدراستها مغنم العلم النفس لاشك فيه ، کائنة ما كانت النتيجة التي تتأدى اليها من بحث خفاياها وتنظيم شواهدها لكن الوصول إلى نتائج علم الأخلاق هو الصعب الجديد الذي ان يزال اليوم وبعد اليوم صعبا وجديدا الى أمد بعيد فالمفروض أن تتائج علم الأخلاق « فكرية تكليفية » يستنبطها الفكر الذي يختلف في صوابه كما يختلف في خطئه ، ويمليها التكليف الذي يطاع ولا يطاع ، ويراض عليه الانسان رياضته على الأمر الغريب و الاجنبي » عن نوازع الطباع . تلك فاذا أهتدينا الى نفس مزز ، النتائج الفكرية التكليفية التي هي أقرب الى الآمال المنشودة منها الى الوقائع الموجودة فقد ظفرنا بمغنم
الصرح تقریب ، از هو € واذا ظفرنا بحقيقة نفسية، هي في الوقت نفسه حقيقة فكرية وحقيقة خلقية فذلك هو المغنم المضاعف الذي قلما ينال ونفس عمر بن الخطاب هي تلك النفس التي تدعم علم الأخلاق من الأساس ، ومی ذلك الشامخ الذي تنظر الى اساسه فاننا تسلفنا النظر الى ذروته العليا ، لأنه قرب بين الآمال والقواعد أوجز التقريب الملموس آمال كثيرة من آمال محبي الخير ودعاة الاصلاح هي في نفس عمر بن الخطاب وقائع مفروغ منها ، كأنها وقائع المرئيات والمسموعات فمنها فيما أسلفناه : أن القوة لا تناقض العدل في طبيعة الإنسان بل يكون العدل هو القوة التي تخيف فيخافها الظالمون ومنها فيما نحن بصدده الآن ، أن القوة لا تناقض الاعجاب ، على خلاف ما يتبادر إلى الأكثرين فان الاكثرين يحسبون أن الرجل الذي يعجب به الناس لا يعجب هو بأحد ، وأن البطل الذي يقدسه عشاق البطولة لا يعشق البطولة في غيره ، وأن التطلع إلى الأعلى صفة ينطبع عليها الصغار ليرتفعوا بعض الارتفاع ويحسنوا الخدمة والعون للكبار ، ولكنها صفة ينفر منها الكبير ويحس فيها الغضاضة أن يصغر الى جانب المتفوقين عليه ، ممن هم أكبر قدرا وأحق بالاعجاب . لكن البطل الذي ندرسه هذه الدراسة ينقض ذلك الحسبان أقوى نقض مستطاع ، لأنه بطل يروع ويعرف روعة البطولة . ويستحق الاعجاب غاية استحقاقه ، ثم ينخيل اليك من فرط ولائه لمن يفوقونه انه خلق للاعجاب بغيره ، ولم يخلق ليكون هو موضع اعجاب . حب اعجاب ، ويؤمن به ایمان اعجاب ، ويستصغر نفسه اذا نظر إلى عظمة محمد ، وما هو فيما خلا ذلك بصغير في نظر نفسه ولا في نظر الناس كان محمد عليه السلام كما نعلم قدوة في الدعة وحسن المعاملة 6 ب - { .و . فمر كان بها محمدا (1) : القصر ، وكل بناء عال . م۱۱ وحسن عمر محبه وتابعيه ، وكان يعاملهم جميعا معاملة الاخوان والزملاء فلا يغمرهم برهبة التفاوت الشاسع والتفوق البعيد ، فلو جاز أن ينسى أحد فارقا بينه وبين عظيم ننسى أصحاب النبي هذا الفارق بما يلقونه من مساواته معاملته ، ولو نسيانا إلى حين الا أن العظيم » سمع مرة من صديقه محمد عليه السلام كلمة د يا أخي » فظل يذكرها مدى الحياة - استأذنه في العمرة فأذن له وقال : يا أخي لا تنسنا فما زال عمر يقول بعدها كلما ذكرها : « ما أحب أن لى بها ما طلعت عليه الشمس لقوله يا أخي ! .. ) شهادة لعظمة محمد أنه يؤاخي الناس كبارا وصغارا وان الناس كبارا وصغارا لا ينسون ما في مؤاخاته من فخر وغبطة وما بينهم وبينه من من دعاك »
فارق بعید .. عمر عمر عمر وشهادة لعظمة إنه أهل لذلك الاخاء ، لأنه يدرك ما فيه من عظمة ، ويشعر بما فيه من رضوان وما يدريك ما الذي يشيع في قلبه الفرح بهذا الاخاء ؟ .. ليس بالرجل الذي يحب تواضع المرائين ، وليس بالرجل الذي يجهل مقداره أو يهاب مخلوقا بغير الحق ، وبغير الاعجاب هذا هو الذي تولى الخلافة ، وحجته الأولى في ولايتها أنه أكفأ المسلمين لها غير مدافع ، وانه كما قال : « لو علمت ان أحدا أقوى مني على هذا الأمر لكان أن أقدم فتضرب عنقي أحب الى من نعم ، هو عمر أقدر المسلمين كما يعلم ، وهو عمر الذي يستصغر نفسه اذا نظر إلى المثل الأعلى والقدوة الفضلى ، وهو اذن أكبر ما يكون بهذا الاستصغار لقد كان ، وهو خليفة ، يقول كالساخر وما هو بساخر : د بح بخ يا ابن الخطاب . أصبحت أمير المؤمنين ! .. أكان يقولها لأنه كان يجهل أنه أكفها العرب للخلافة بعد صاحبيه ? .. (۱) من معاني الغبطة : المسرة • (۲) : كلمة تقال عند المدح والرضا بالشيء ، وتكرر للمبالغة ، واذا وصت مكررة كسرت الخاء : بخ بخ 0 أن اليه » ) . (1) (1) وانما كان عمر . کلا .. بل كان يقولها لأنه يعرف النظر إلى المثل الأعلى .. يعرف الاعجاب بما فوقه ، يعرف محمدا ويعرف أن اللحاق به أمل لا يعلال . بعرف الاعجاب بطلا معجبا يطل ، ويشاء فضله ان تحصى له هذه بين أصدق شواهد البطولة فيه . ون الخطأ أن يتوهم المتوهم أن عمر كان يتصاغر لأنه يشعر بصغره ، ويتواضع لأنه يشعر بضعة فيه ان الصغير لا حاجة به الى تصاغر لأنه صغير ، وربما كانت حاجته الكبرى الى مداراة شعوره الدخيل بتفخيم الرواء" وتزويق الطلاء ، والتخايل بالمسكن والكساء . تصاغر لأنه يشعر بعظمته ويكبح "ما يخامره من اعتداد بنفسه ، ومحال أن تمتلىء نفس بمثل هذه القوة ثم تخلو من شعور بقوتها واعتداد بقيمتها ، فليس ذلك من معهود الطباع في حي من الأحياء ، ولا قصر القول على الانسان ولهذا كان عمر . يتصاغر على قدر ما يراه من بواعث الكبرياء ، لا على قدر ما يراه من بواعث الصغر ، فأبى أن يركب البرذون وهو يغالب عزة الفتح داخلا الى الشام دخول المنتصر ، وقيل له في ذلك فصاح بهم : خلوا سبیل جملي ... انما الأمر من ها هنا ، وأشار الى السماء وكلما اعتز متن حوله ، من خاصة أهله وخلصاء رعاياه ، بما يرونه فيه من بسطة السلطان وعلو الكلمة غض من اعتزاز هم وأحضر في أذهانهم ما بنسيم السلطان المبسوط والكلمة العالية ، فقال لأصحابه يوما وقد مر ببعض الشعاب على مقربة من مكة : « لقد رأيتني في هذه الشعاب أرعی ابل الخطاب ، وكان غليظا يتعبني ، ثم أصبحت وليس فوقي أحد ! » وضايقت هذه الكلمة ابنه فقال له : « ما حملك على ما قلت يا أمير المؤمنين » قال : { أباك أعجبته نفسه فأصبه أن يضعها » وانظر هنا الى كلمة د أمير المؤمنين ، يقولها الابن ، ثم انظر الى كلمة د اباك » يموله امير المؤمنين (۱) وضع الرجل ضيعة : أي صار وضيعا ، والوضيع : الدني. سن الناس ۱ (۲) : المنظر ۰(۲) أي تحسين : (4) : جذبها باللجام لتنن . ( أي يخالطه 6 و و من ومن قبيل هذا رکوعه له ذليلا خاشعا يوم أمر أبا سفيان أن ينقل الحجر . مكانه فنقله ، فخشع لله الذي جعله يأمر أبا سفيان في شعاب مكة فيستمع لما أمر وليس هذا وأشباهه تصاغرا يكشفه الصغر ، انما هو تصاغر يكشف القوة والاعتداد بها ويكبحها بعنان متين هو نفسه دليل القوة والاعتداد بل يشاء بأس هذا البطل أن تتمادى فيه الصفات الى غايتها وهي متناقضة في النظرة الأولى ، فاذا بهذا التمادي يردها إلى الوفاق والتكاف ما بينها من ظواهر الاختلاف. فمما رأيناه أنه عادل يفوق العدول ، وقوى يفوق الأقوياء .. فاذا . العدل والقوة فيه وفقان متساندان لا يختصمان ولا يتناقضان ومما رأيناه انه بطل تعجب بطولته الأصدقاء والخصوم ، ثم هو في اعجابه بالبطولة كأنه خلو من دواشي الاعجاب وبقى من موافقاته النادرة أن الاعجاب عنده لا ينقض الاستقلال ، ولا يهدد « الشخصية » بالفناء والزوال ، فيعجب بمن يفوقه غاية الاعجاب ويحتفظ معه باستقلال رأيه غاية الاحتفاظ ، ولا يتناقض الأمران . فلم يكن أحد يعجب بمحمد أكبر من اعجاب عم ولم يكن أحد مستقلا برايه في مشورة محمد أكبر من استقلال فهو آية الآيات على أن فضيلة الاعجاب لا تغض من صراحة الرأي عند ذي الرأي الصريح مصارحة النبي عليه السلام برای يراه ، ولو كان ذلك الرأي من أخص الخصائص التي يقف عندها الاستقلال فيحمد في بيته وهو صاحبه ، ومحمد في شريعته وهو صاحبها ، كان يستمع إلى عمر حين يقترح ، وحين يستنزل الأحكام ، وحين يستدعي الوحي في أمر من الأمور فكان يشير على النبي عليه السلام أن نساءه ، ويبلغ ذلك عمر . فما أحجم عمر قط عن 6 لحجب أ- احدى امهات المسلمين زينب فتقول له : انك علينا ! ابن الخطاب والوحی ينزل علينا في بيوتنا ... وتخرج احداهن سودة وهي تحسب أن أحدا لا يعرفها لاستتارها بالظلام فيعرفها بطول قامتها ويناديها : ( عرفتك با سودة ! .. و ليؤكد ضرورة الحجاب . فيؤمر المسلمون بعد ذلك إلا يسالوهن الا من وراء حجاب !!!
(۱) دننه ولما النبي عليه السلام بالصلاة علي عبد الله بن أبي كبير المنافقين وفاته ، تحول عمر حتى قام في صدره ، وأخذ يذكره مساوی عبد الله وأقاويله في النكاية بالاسلام وحكم القرآن فيه وفي أمثاله أن و استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ، أن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " وألح في التذكير حتى أكثر على النبي عليه السلام وهو يبتسم ويقول له : « أخر عنى يا عمر ، لو أعلم أني ان زدت على السبعين غفر له زدت » . ثم صلى عليه ومشى معه حتى فرغ من . ثم . ما كان الا يسيرا كما قال عمر حتى نزلت هاتان الآيتان : د ولا تمل على أحد . منهم مات أبدا ولا تقم على قبره وروى أبو هريرة عن النبي عليه السلام أنه أنفذه إلى رهط من المسلمين فقال له : « اذهب اليهم فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا اله الا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة ، فكان أول من نقي عمر ، فصده وعاد به إلى النبي يسأله : « يارسول الله بأبي أنت وأمي ، أبعثت أبا هريرة من لقي يشهد أن لا اله الا الله مستیقنا بها قلبه بشره بالجنة ؟ .. قال النبي : نعم .. فلم يتريث عمر أن قال : فلا تفعل يا رسول فاني أخشى أن يتكل الناس عليها . فخلهم يعملون » فوافقه عليه السلام وقال : « فخلهم !» أو التحليل والتحريم كان عمر لا يقنع حتى يصل الى القول الفصل فيما يستفسر عنه ويتردد في حكمه ، فما زال يسال عن الخمر حتى حرمت وبطل فيها الخلاف . وهو هو الذي كانت الخمر شهوة له في الجاهلية يحبها ويكثر منها ، ولو شاء لالتمس الرخصة فيها ولم (۱) الآية : ۸۰ من سورة التوبة ۰ (۲) الآية : 84 من سورة التوبة . وفي التشريع
- 15 .
شخصي
.. الله بيننا وبينهم .. وق يكثر من السؤال عن تحریمها ، ففي سؤاله عنها وحذره منها فضل اكبر من فضل الاستقلال بالرأي والإخلاص في المراجعة ، وهو فصل الغلبة على النفس والتحصن من الغواية بالأمر الذي لا هوادة فيه وجرى صلح الحديبية الذي كان ظاهر الغبن فيه على المسلمين وظاهر الفوز فيه للمشركين . فيستطيع قارىء التاريخ قبل أن أسماء المعارضين للصلح والصابرين عليه أن يعلم أين كان عمر بين الفريقين فقد غمته هذا الصلح غما شديدا وذهب الى أبي بكر يراجعه ويناجيه : علام نعطى الدنية في ديننا .. فأجابه أبو بكر : يا عمر الزم غرزك ( أي رحلك ) فاني أشهد أنه رسول الله . وردد عمر انه ليشهد أنه رسول الله ثم ذهب في بعضن الروايات اليه عليه السلام فسأله : السنا یا رسول الله على الحق وهم على الباطل ? .. أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟ ورسول الله يجيبه : بلى !.. فيعود فيسأل : علام نعطى الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم فلما ناداه : ابن الخطاب ! .. اني رسول الله ! ولن يضيعني الله أبدا ، ثم علم أنه الفتح المنتظر ، ثاب الى الرضى وكئ عن السؤال والمحنة على ما صبر عمر وتسكن إليه سورة طبعه ، فمن شروط الصلح أن يرجع المسلمون عامهم ذاك فيردوا من جاءهم من قريش ولا ترد اليهم قريش أحدا ممن يجيئون اليها ، وان يكتب النبي اسمه في عقد الصلح فلا يكتبه فيه أنه رسول الله ، وهذه محنة وردت على حمية عمر بالوارد الجلل الذي ليس . أقسى منه ولا أمر على هذه الحمية العزوف . ولكن الصلح لم ينته حتى تفاقمت المحنة وادلهمت الغاشية كأن ما ابتلاه منها لا يكفيه . فبينما هم يكتبون اذ جاء أبو جندل بن سهیل پرسف في الحديد قد انتقلت إلى رسول الله . فقام اليه سهیل - وكان وكيل المشركين في عقد الصلح - فضرب وجهه وأخذ بتلابيبه ليدفع به الى قريش ، وأبوجندل يصيح : يا معشر المسلمين ، أرد الى المشركين يفتنونتي في ديني ?.. فواساه النبي ودعاه الى الصبر (۱) غبنه في البيع : حدعه . (۲) انسورة : الحدة . (۳) ادلهم الظلام : كثف واسود (4) من معاني الغاشية : القيامة والنار . (۲) هی عليه أعظم مما يطيقه . ماها به أباه U. 1 و 11) والاحتساب ، ووثب عمر اليه يمشي الي جنبه ويدنى منه قائم السيف ويقول له : اصبر يا أبا جندل فانما المشركون . وانما دم أحدهم دم کلب ، ورجا - كما قال بعد ذلك - أن يأخذ أبو جندل سيفه فيضرب قال : ولكن الرجل ضن بابيه ونفذت القضية فالمحنة أعظم مما تطبقه الحمية العمرية بغير وازع من هداية نبوية . ولا ياما سكنت نفسه واطمأنت إلى حكمة سيده ومعلمه وهاديه . ولا سيما حين ناداه : ابن الخطاب ؛ .. ان رسول الله ولن يضيعني الله أبدا . هذه المراجعة كانت من خلائق عمر التي لا يحيد عنها ولا يأباها النبي عليه السلام ، وكثيرا ما جاراه واستحب ما أشار به وعارض فيه . فلا جرم يراجع النبي في كل عمل أو رأي لم يفهم مأتاه و مرماه ما أمكنته المراجعة وما قلقت خواطره حتى تثوب الى قرار اللهم الا أن تستعصى المراجعة ويعظم الخطر ، فهناك تأتي الخليفة العمرية باية الآيات من الاستقلال والحب والحزم الذي يضطلع بجلائل المهمات . فلما دخل النبي عليه السلام في غمرة الموت ، ودعا بطرس يملي على المسلمين كتابا يسترشدون به بعده أشفق عمر من مرا راجعته فيما سيكتب وهو جد خطير ، وقال : أن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا . ومال النبي إلى رأيه فلم يعد إلى طلب الطرس واملاء الكتاب ، ولو قد علم النبي أن الكتاب ضرورة لا محيص عنها لكان عمر يومئذ أول انجيين وكانت هذه سنته في حياة النبي وبعد موته في كل عمل لا يستريح اليه ، فلم يحجم عن مراجعة أمره حيا وميتا في مسألة ليست من مسائل الذي فيه فصل الخطاب ، وما كانت المسألة مسألة رأي فهو ناهض بها برأيه حتى يؤمن بخطئه أو يرده عن المعارضة أمر مطاع ، كذلك صنع بن زيد قائد الجيش إلى البلقاء وفيه جلة الصحابة من كبار السن والمقام . فقد ولام النبي القيادة ومات عليه السلام وهو في أول الطريق . فقال أسامة لعمر : ارجع الى خليفة رسول (۱) أي استقرار ۰ (۲) : الشدة (3) : الصحيفة . الوحي في قيادة أسامة ۱۰۲ أسامة ) الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه بأذن لي أن أرجع بالناس ، فان معی وجوه الناس ، ولا آمن على خليفة رسول الله وثقل ) رسول الله وثقل المسلمين أن يتخطفهم المشركون ، وقالت الأنصار : فان أبي الا أن نمضي فأبلغه عنا واطلب اليه أن يولي أمرنا رجلا أقدم سنا وغضب أبو بكر وكان جالسا فوتب وأخذ بلحية خمر وهو يهتف به : ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب ! استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه . فوجبت الطاعة ، لأنه أبرأ ذمته بالمراجعة وسمع أمر الرئيس الذي لا رجعة فيه ، وعمر جندي متي صرح له الأمر من صاحب الأمر لم يبق وه له الا أن يطيع. اذا البحث عن وختمت سنة النبي بوفاته فلم يكن بين الصحابة أحد أحرص على هذه السنة وألزم لها وأكثر رجوعا اليها من عمر ، ولم تكن له وصية مفدمة على الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله ، الا أنه هذا مع لم يكن يغفل عن العلل | العلة التي وراء السنة النبوية ، فخالف أبا بكر وجا رضي الله عنه في اقطاعه الأرض لعيينة بن حصن والاقرع بن حابس وقال لهما : أن رسول الله كان يتألفكما على الإسلام وهو يومئذ ذليل ، وان الله قد أعز الإسلام .. فاذهبا فاجهدا جهدكما فقد علم سنة النبي مع « المؤلفة قلوبهم » ولم يغفل عن سببها وموقنها فهي سنة تطاع الحكمتها ولا توضع في غير موضعها ، وليس على المسلمين حرج أن يختاروا للمؤلفة قلوبهم معاملة غير التي ألفوها من صاحب الرسالة ، اذا تغيرت الحكمة واختلفت العلة ، واستغنى الاسلام عن ناصرين تتألفهم العطايا والأنفال) ولمثل هذا السبب و نهی عن التحلل من بعض مناسك الحج ولم يكن منهيا عنهما كل النهي في حياة النبي عليه السلام . فكان الرجل يتزوج بالمرأة الأجل معلوم ثم يتركها ، وكان منهم ولا شك . . نهی عن زواج المتعة ة (1) من معاني المقل : كل شيء نفیس مصون ۰ (۲) الا بفال : الغنائم .
- لا
من ينوى الحج ثم يتحلل من بعض مناسکه، فنهى عنها عمر في أيام خلافته وقال : « متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما وأضرب عليهما . وموافقات عمر للقرآن والسنة كثيرة لايدعونا المقام هنا الى احصائها واستيفائها ، وكذلك مراجعاته ومناقشاته فيما يرد عليه أحكام تتجلى له ما تيها ومراميها " فحسبنا منها دلائل استقلاله وصراحة عقله فيما سردناه ، وحسب الاسلام فخرا أن يؤمن به الانسان ایمان عمر .ثم يستقل برأيه وطبعة استقلال عمر . فالايمان في أقصاه لا يعطل الرأي المستقل في أقصاه ، وكل صفة في عمر فهي صفة مستعصية لا وسط فيها . اذا آمن فذلك غاية الايمان ، واذا استقل فذاك غاية الاستقلال ، واذا أعجب فذلك غاية الاعجاب وان الظفر الذي يظفره علم الأخلاق من دراسته لمبعثه هذا الشاهد الصفات التي تتناقض في ظاهرها وهي على عهدنا بها في عشر ، متفقات متاندات لا تستغني واحدة منها عن سائرها 6 ... من ..
- * *
فان لم يكن في دراسة عمر الا أن نرى رجلا عادلا بالغا في عدله ، قويا بالغا في قوته ، معجبا بالبطولة بالغا في اعجابه ، مستقلا بالرأي بالغا في استقلاله ، لكفى بذلك ظفرا لعلم الأخلاق ، وكفى بسيرة واحدة أن تقرر لنا هذه الحقائق التي تستكثر على عشرات السير ، وهي أن القوة لا تناقض العدل ، وان البطولة لا تناقض الاعجاب ، وان الاعجاب لايناقض الاستقلال ، وتلك الحقائق أثبت في عمر من معارف بدنه وملامح سیماه وكانت مودة النبي لعمر کودة عمر للنبي شرفا له من جانبيه ، وشهادة لعظمته وعظمة معلمه ومؤدبه وهاديه كانت نظرة محمد اليه نظرة عالية لا تعلوها نظرة أحد من أصحابه فلم يكن أحد يكبر كما كان يكبره عارفيه ، ولم يكن رضاه عن (1) أي تظهر : (۲) أي مصادرها أو أسبابها والغاية منها عمر . - هاست ويروضه مخالفاته ومراجعاته بأقل من رضاه عن موافقاته وتسليماته .. لأنه كان ينظر الى بواعث هذه وتلك فيحمدها و يرجو للاسلام خيرا منها ، بل یادخر للاسلام سورته كما يدخر له تسليمه وطاعته ، ويسوسه في رفق وكرامة سياسة المعلم لتلميذه الذي يعينه ويستعين بغيرته رياضة الامام لمريده الذي يهيئه للامامة بعد حين ، وشجعه بقبول الحسن من رأيه تشجيع سمح شيت فيه حسن الرأي وسنزيده منه . ولا يتأتی أن ينظر النبي الملهم الى عمر دون أن يرى فيه أولى مشابهاته للطبائع النبوية وهي الالهام الديني والبصيرة الروحية . فكان عليه السلام يقول فيه : « قد كان قبلكم من بني اسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء. فأن يكن في أمتي أحد فعمر » و من قوله في بعض ما نقل عنه عليه السلام : « لو كان بعدی نبی لكان عمر بن الخطاب » وقوله : « ان الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه » ... وقوله : « عمر بن الخطاب معي حيث أحب ، وأنا معه حيث يحب ، والحق بعدی الخطاب حيث كان ) . وتلك لمحات نبي ملهم الى بصيرة ملهمة تقارب بصيره الأنبياء وان في هذه اللمحات لمعرفة بالنفس ونفاذا الى الضمير ، من أجلها كان محمد مصلح نفوس وهادي ضمائر ، وفاتح عهد في تاريخ الإنسان ومن تحصيل الحاصل أن نقول ان محمدا أحاط بكل فضيلة من فضائل عمر وكل خليفة من خلائق طباعه . وراقبه قبل اسلامه وبعد اسلامه فلم تفته كبيرة ولا صغيرة من مواطن العظمة فيه ، الا أنه لم يحمد منه شيئا كما حمد حبه للحق وكراهته للباطل ، فهي الخصلة التي تلاقيا فيها وتقاريا قبلها ، وان كان محمد الأرحبا صدرا وأعلم بالناس من أن يكلف صاحبه أن يشبهه كل الشبه في علاج الحق والباطل ، فلا بد من فارق بين الرجلين هو الفارق الذي لابد منه بين المعلم والمريد ، وبين الامام والمأموم . ولا نخالنا نلمس هذا الفارق كما نلمسه من قصة الأسود بن شريع عمر بن 6 روحی من سوهام هذا الذي هذا رجل لا يحب عمر ... . . اپ ذلك الشاعر الذي كان ينشد النبي بعض الأماديح فاستنصته مرتين اذ دخل عليهما عمر والشاعر لايعرفه . فصاح : وا ثكلاه ! .. من أمسكت له عند النبي ?.. فقال النبي : « هذا . الباطل » وتلك قصة تكبر عمر مرة وتكبر النبي مرات ، فلا يسمعها السامع فيخطر له أن محمدا كان يقبل الباطل الذي يأباه عمر . أو كان يهوى اللغو الذي يعرض عمر عن سماعه وانما يسمعها فيعلم أي الرجلين يهدى صاحبه في مناهج الحق ويدربه على كراهة الباطل ويعلم أن الأمام بطيق ما لا يطيقه المريد ويتسع صدره لما تضيق به صدور تابعيه ، وان محمدا أراد أن يعود الناس مهابة عمر ، وأن يستبقى لعمر سورته في محاربة الضلال ، والأيام كفيلة بترويض تلك السورة فيما ينبغي أن تراض عليه وهنا يتجلى مذهبان في كراهة الباطل ، ويتجلى فارق واضح بين مذهب المعلم ومذهب المريد : فعمر كان ينكر الباطل انکار المحارب ويرفع له سلاحه حيثما رآه ، ومحمد كان ينكره ولا يرفع له سلاحه حيثما رآه لأنه يعلم ضروبا من الباطل وضروبا من الانکار ومن الانكار أحيانا أن يتجاوز عنه ، وأن يشفق عليه اشفاق الرجل علی سخف الطفل الصغير ، وأن يتربص" به الأيام حتى يزول وأن يعالجه بسلاح المحارب وبغير سلاح المحارب ، وهو بذلك قد أعد له ضروبا من الانكار ، وكان أكمل عدة له من الراصدين له في ميدان واحد أنقول:ان الفارق بين محمد وعمر في هذا هو الفارق بين نبي وخليفة ! ? ان قلنا ذلك فقد قلنا حقا جامعا لا شبهة فيه ، ولكنا لا نعدو به تحصيل الحاصل وتكرير الأسماء ... فمحمد نبي وعمر خليفة بما في ذلك خلاف ولا بد بينهما من فارق ما في ذلك خبر جدید . فما الفارق الذي لا يعدو تكرير الأسماء أو تكرير الصفات { .. (1) اي طلب منه أن ينصت ویسکت (۲) : الانتظار ۰ (۳) الضرب
- الصنف . (4) الراصد للشيء : الراتب له •
(1) . هو وو هنا بمعنی ۱۰۹ الأدوائها 1 6 الفارق فيما نرى هو الفارق بين انسان عظیم ورجل عظيم فالنبي لايكون رجلا عظيما وكفي ، بل لابد أن يكون انسانا عظيما فيه كل خصائص الانسانية الشاملة التي تعم الرجولة والأنوثة والأقوياء والضعفاء ، وتهيئه للفهم عن كل جانب من جوانب بنی آدم . فيكون عارفا بها وان لم يكن متصفا بها ، قادرا على علاجها وان لم يكن معرضا " شاملا لها بعطفه وان كان ينكرها بفكره وروحه . لأنه أكبر أن يلقاها لقاء الأنداد ، وأعذر من أن يلقاها لقاء القضاة ، وأخبر بسعة آفاق الدنيا التي تتسع لكل شيء بين الأرض والسماء ، لأنه يملك مثلها آفاقا كافاقها ، هي آفاق الروح ومن الصغائر الآدمية التي كثيرا ما يطيقها الانسان العظيم ، ويبرم بها الرجل العظيم كل غرور صبياني يحي بنفوس الناس ، وهو ضروب ليست لها نهاية . غرور الشاعر بأماديحه ، وغرور الفنان بصنعته ، وغرور المرأة بجمالها ، وغرور الشيخ بتراثه ، وغرور الأحمق بخيلائه ، وغرور الجاهل بعلمه وفي كل ضرب من هذه الضروب كان بين محمد وعمر فارق واضح و تفاوت محسوس، وكانت بينهما دروس تجري بها الحوادث تعليما وهدي كما تجرى عرضا غير ظاهر فيه قصد التعليم والتلقين وعمر رضي الله عنه قد استفاد من دروس معلمه وهاديه في هذه الضروب شتى الفوائد ، كما ظهر من سياسته في أيام خلافته ومن مراجعة نفسه والنبي عليه السلام بقيد الحياة فقد أشار على النبي بقتل عبد الله بن أبي بن سلول حين مشي بالفتنة بين المسلمين . فأبى النبي وترك عبد الله يمضي في شططه حتی أنكره قومه وعنفوه ، وتصدی صلبه من يريد له الموت ، فقال النبي لعمر من شأنهم : كيف ترى یا عمر .. أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له أنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ، قال عمر : قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة أمري وكان عمر يستكثر صلاة النبي على عبد الله بن أبي بعد موته (1) أي لامراضها (۲) جمع ند ، وهو : المثل والنظير (۳) حالك الشيء في صدري : رسخ (4) : مجاوزة القدر في كل شيء من حين بلغه ذلك 6 من . ويستعظم أن له من بلسانه کما قميصه وأن يكفنه أهله في ذلك القميص ، وكان النبي يرعى في ذلك حق ابنه الذي أخلص في اسلامه وبلغ من اخلاصه أنه اقترح على النبي قتل أبيه ، وسئل النبي كما جاء في بعض الروايات : لم وجهت اليه بقميصك وهو كافر ? . فقال : إن قميصي لن يغني عنه الله شيئا ، وانني اؤمل من الله أن يدخل في الاسلام كثيرا بهذا السبب ! .. فقيل: أن ألفا من الخزرج أسلموا لما رأوا زعيمهم يطلب الاستشفاء بثوب الرسول ، وخرجت الصحابة وعمر في طليعتها بعبرة باقية هذا الدرس النبوي الحكيم . وشبية بدرس عبد الله بن أبي درس الخطيب المنوه : سهيل بن عمرو الذي أسر في بدر فأشار عمر على النبي بکسر ثنيتيه السفليين ليعجز عن الكلام ، اذ كان مشقوق الشفة السفلى ... فأبى النبي لا عسى أن يقوم مقاما لا تذمه ) فما زال وما زال عمر حتى رآه في حروب الردة يقطع يقطع السيف ، فحمد له ذلك المقام . وجاء الفتح بعد صلح الحديبية ، فرأي كما رأى المعارضون معه أن قريشا خسرت ولم تربح بالصلح الذي عارضوه ، وان المسلمين ربحوا ولم يخسروا بقبوله . وانهم زادوا عددا وزادوا حلفاء من غير المسلمين ، وان الذين رفضهم النبي من تابعيه عملا بالصلح لم ينفعوا قريشا بل كانوا بلاء القتال . وبدا ذلك مبدأ الأمر لعمر فاعتبر به وقال : « ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيرا » وتجتمع خلاصة هذه الدروس كلها في خبر واحد من أخبار عمر بعد ولايته الخلافة : وذلك حين بلغوه فتح « تستر » وذكروا له أن رجلا ارتد عن الإسلام فقتلوه ، فلامهم على قتله وقال لهم : « هلا أدخلتموه بیتا وأغلقتم عليه وأطعمتموه كل يوم رغيفا فاستتبتموه .. اللهم اني لم أشهد ولم آمر ولم أرض اذ بلغني » تلميذ محمد في الاسلام ، وهذا عمر شاهده دروس ابن سلول عمر بلاء عليها أشد . يومئذ من
4 فهذا عمر ۱۰۸ ومن على شاكلته المنافقين والمشركين ، وهذا عمر المستفيد بما وعی تلك الدروس ، ومعنید ذلك جميعه أن محمدا أعظم من عمر ، وليس لم يكن بعظيم معناه أن عمر
- * *
ما ). ("). .. ومن تحصيل الحاصل أن نقول أن النبي عليه السلام کان يعلم يحتاج اليه صاحبه وما يستغني عنه من الدروس . فسر لم يعوزه قط درس قوي يعلمه حب الحق وكراهة الباطل لأنها خليقة متمكنة منه أصيلة فيه موشوجة بطبعه ، ولكنه قد يعوزه حينا بعد حين أن يتعلم الصبر على الباطل ولا سيما في فوعة الشباب ، وألا يأسي على الحق ان تفوته معركة زائلة في صراعه الدائم مع خصمه القديم ، فهي معركة لا تضيع بصدمة ولا تؤخذ بهجمة . ولا تزال سجالا منظورة العواقب في ساعة النصر وساعة الهزيمة على السواء ! .. وربما أعوزه ما يعوز الأقوياء في معظم الأحايين ، وهو أن يذكروا أن الناس جميعا ليسوا بأقوياء ، وأن الناس جميعا ليسوا بعمر بن الخطاب . فاذا استطاع عمر أن يمنع الخمر مرة واحدة ، فقد يشق ذلك على آخرين واذا استطاع أن يتصدى للموت في كل لحظة فليس ذلك في وسع كل مسلم ، وقلما يستحضر الأقوياء هذه الحقيقة الا بعد تذكير وروية . أما على البداهة فهم يقيسون الناس على أنفسهم ويحسبونهم أهلا لا هم أهل له وكفؤا لما هم قادرون عليه ، ولهم من الشرف في نسيان هذه الحقيقة فوق ما لهم من الشرف في تذكارها ودوام استحضارها . وقد كان تفكير كله على البداهة في عهد النبي عليه السلام ، فكان يفضي إليه بما يوحیه عفو خاطره وتمليه بادرة فكره ، مطمئنا الى مرجع الرأي ومقطع القول بين يديه ، شاعرا بواجبه الأول أحسن شعور في هذا المقام : ، لأنه شعور الرجل الكريم الذي لا يضن بشيء من عونه فهو يعرض أقصى ما عنده لصاحب الأمر أن يكتفي باليسير منه اذا شاء ، ولكن ليس عليه هو أن يعرض اليسير ويترك لصاحب الأمر (1) أي موصولة (۲) أي أول الشباب عمر 6 ۵ من البأس ويدع . اهم .. (1) مثل عمر أن يطلب الكثير في هذه المواقف مثل صاحب المال : تنزل الضائقة الحازبة فيبسط ما عنده من المال جميعا ويدع للوالي القائم بالتدبير أن يختار ماله مقدار ما يريد ، وذلك أفضل الحسنيين وأكرم الواجبين ، وهو الواجب الذي يليق بثمر في صحبة الرسول .. ولا يحسبن قاریء اننا نعتسن التأويل والتخريج لننظر الى عمر في أجمل الصور ونوجه أعماله أحسن توجیه . فما نقوله هنا لا يعدو تفسير عمر نفسه لما اتصف به من الشدة في عهد رسول الله وتفسيره ، كما قال غير مرة أنه كان سينا للرسول ان شاء ضرب به وان شاء أغمده في قرابه ، وانه كان جلو از القائم بين يديه ، وليس من شأن الجلو از أن يمسك كثيرا أو قليلا من بأسه حتى يؤمر بامساکه ، ويرد الى الهوادة واللين بل هدا الذي نقوله هو الذي قاله أبو بكر رضي الله عنه في شدة عمر ولينه ، فكلما تحدثوا اليه بغلظته قال : انما يشتد لأنه پرانی لینا ، ولا غلظة على الضعفاء فيه . فكان جميلا أن تلك الحقيقة ، وأن يحتاج فيها الى تذكير واستحضار ، و كان أفضل واجبيه لا مراء أن يعرض البأس حتى یوبی"، ثم يتوب إلى اللين ولا جناح عليه وهو اليقين الذي لا يخامرنا الشك فيه أن كان خليقا ان يفهم تلك الحقيقة بتفصيلاتها لو جعل باله اليها ولم يجعل باله الى تقديم ما عنده « والجود بأقصى جوده » في انتظار القول الفاصل من رأی النبي عليه السلام ، ولولا استعداده لفهم تلك الحقيقة وما شابهها لما انتفع بالقدرة ولا أغنت معه المثل والتجاريب ومهما يكن من حاجته الى دروس معلمه وهاديه فالذي نعتقده أن مكانه الخلافة لم تقرره الحاجة الى تلك الدروس ، لأن الصحابة كلهم على حكم واحد في هذا الاعتبار سواء منهم الخلفاء الراشدون وغير الخلفاء الراشدين . فما من رجل كان بين أصحاب محمد عليه السلام الا (۱) حزبه الامر : نا به واشتد عليه . (۲) المسف : الأخذ على غير الطريق • (۳) الجلواز : الشرطی • (4) يرفض بعمر لسهو عن . عمر -۱۹۰ وواضح مع كان مفتقرا الى جانب من جوانب هدیه وتهذيبه وتقويمه ، وما كان عمر على التخصيص بأشد افتقارا إلى ذلك من رفاقه وتابعيه وان اختلف ما يعوزهم من مو مواضع الهدى ، والتهذيب ، والتقويم هذا أن دعوة النبي عليه السلام أبا بكر للصلاة بالناس في مرض وفاته لم تكن بالمصادفة ولا بالاختيار الذي يتساوى فيه أبو ، فقد دعاه ثم دعاه حتى وصل الأمر اليه رضي الله عنه فلباه ، وتفصيل ذلك كما جاء في رواية البخاري أن النبي اشتد عليه المرض فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس . قالت عائشة رضي الله عنها : أن أبا بكر رجل رقیق القلب اذا قام في مقامك لا يكاد يسمع الناس من البكاء .. فلو أمرت عمر ?.. فعاد النبي يقول : مروا أبا بكر فليصل ! .. فعاودته ، فقال مرة أخرى : مروه فليصل .. انكن صواحب يوسف ! ».. بكر وعمر في ذلك المقام : .. . شهری عمر عمر وحدث عبد الله زمعة أن بلالا دعا النبي إلى الصلاة فقال : مروا من يصلي بالناس , فخرجت فاذا في الناس ، وكان أبو بكر غائبا فقلت : قم يا عمر فصل بالناس ، فقام ، فلما كبر سمع رم رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتا وته ، وكان رجلا مجهرا. فقال : فأين أبو بكر ? يأبى الله ذلك والمسلمون . فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلی تلك الصلاة فصلي بالناس » قال عبد الله بن زمعة أن عمر لقيني فقال لي : ويحك ! .. ماذا صنعت بی یا ابن أبي زمعة ? .. والله ما ظننت حين أمرتني الا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك ، ولولا ذلك ما صليت بالناس ... قلت : والله ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ! .. ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة كلتا الروايتين أن النبي عليه السلام قصد الى اختيار أبي بكر للقيام في مقامه امامة المسلمين وضمن ذلك ما ضمنه من معنی (۱) مجهرا : اي عالي الصوت والواضح من أننا لا الاستخلاف والتقديم فعلى أي وجه تفهم هذا الاختيار الذي صدر عن قصد وروية ولم يصدر عن مصادفة وأتفاق ؟ .. وعلى أي وجه تساءل النبي عليه السلام حين سمع صوت عمر ولم يسمع صوت أبي بكر فقال : « يأبى الله ذلك و المسلمون » ? ذلك إلا على وجه واحد يجمل بمحمد ويجمل بأبي بكر ويجمل بعمر ويجمل بالمسلمين فمن البديه أن ينظر النبي في اختيار خليفته الى جميع الاعتبارات التي تدخل في الحسبان ، ولا يقنع بالنظر إلى اعتبار واحد فاذا نظر النبي الى جميع الاعتبارات فأي غضاضة على عمر أن يقع الاختيار على أبي بكر ولا يقع عليه ? .. أن اختيار أبي بكر يجمع للاسلام فضائل الرجلين ، ولا غضاضة فيه على أحدهما ولا على المسلمين . ولكن الغضاضة أن يتأخر أبو بكر وهو سن وأسبق الى الاسلام وثاني اثنين في الغار ، وأقمن أن تبطل حوله منافسة الأنداد ، وله الرأي الصائب والشجاعة المأثورة والايمان الثابت والمسالمة المرضية والحق الظاهر في الايثار كلما قوبل بغيره من الحقوق ومع هذا الرجحان الذي انفرد به أبو بكر ترجيح آخر لاستخلافه في الموقف الذي كان منظورا بعد موت النبي عليه السلام ، وهو موقف رضى ومسالمة بين المسلمين يغنيان اذا جرت الأمور في مجراها الطيب المأمون . فاذا تأزمت واضطريت وتقدت حيلة اللين حتی نبذه أبو بكر في رفقه وهوادته فذلك اذن موطن الإجماع ، واذا صلب غيره واجتمعت كلمتهم على الصلابة ولم يبق من يلين في الأمر سواه فصلابتهم أقمن اذن أن تنعطف بلينه الى الاجماع الذي لا شذوذ فيه فالنبي عليه السلام قد حسب للعواقب كل حساب ، وقد نظر في استخلافه الى كل اعتبار ، وقد وازن بين أمور كثيرة ولم يوازن بين صاحيين ليس بينهما محل للتنافس والملاحاة (1) أي أجدر ۰ (۲) : ألقاه . 4 6 (). . ۱۹۲ 6 4 عمر حسین ومما نظر إليه عليه السلام أن عمر أصغر من أبي بكر بعشر سنوات أو نحو ذلك ، فدور أبي بكر لا يحجب دور عمر ، واذا اتنفع الاسلام بمزايا أبي بكر في حينها الذي هو أحوج اليها فسينتفع الاسلام بمزايا في الحين الذي يتولاه فيه ، يوم تغني الصلابة في مدافعة الأعداء ما أغناه الرفق في تأليف الأوداء. ولا قارىء هنا أيضا أننا نستخلص النتائج من التاريخ وندرك ما كان أن كان ، فالواقع المنصوص عليه أن الذي رأيناه بعد وقوعه قد كان منظورا اليه قبل أن ينكشف عنه الغيبا . وقد نظر اليه النبي عليه السلام فقال : أريت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قلبي فجاء أبو بكر فنزع ذنوبا أو ذنوبين نزءا ضعيفا ، والله يغفر له ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت غربا فلم أر عبقريا يفرى فرية حتى روى الناس
- وضربوا بعطن ». ولم يخف معنى هذه الرؤيا على معبريها لأنها
لا تحتمل غير تعبير واحد ، وهو الذي أشار اليه الشافعي رحمه الله فمسر ضعف النزع بقصر المدة وعجلة الموت والاشتغال بحرب أهل الردة عن « الافتتاح والازدياد الذي بلغه عمر في طول مدته » (4) (1) ويجوز أن النبي عليه السلام قد أدخل في حسابه تقديرات أخرى من هذا القبيل لا يحيط بها أبناء عصره ولا نراها نحن في عصرنا . فلهذه المسائل في العصور نواحيها الموضعية ونواحيها الخاصة التي لا يدركها كل من عاش بينها ولا يتأتي نقلها بالكتابة والتدوين . ومتى كانت هذه التقديرات التي فصلت في مسألة الترشيح للخلافة ، فأي غضاضة فيها على عمر .. انها شيء لا يتناوله وحدد وليس لكفاءة أبي بكر ولا لكفاءته هو كل اليد فيه ، وان الذي حدث لا يعدو أن يكون موازنة بين أحوال ثم تقديما للصالح في تلك الأحوال ، أو هو موعد ومناسبة وليس، بتأخير حق وكفاءة ، فأبو بكر كفو للخلافة وعمر تأخير (۱): المحبين . (۲) أي بئر ۰ (۳) : الدلو المملوء . (4) انقلبت من حالها . (5) : الدلو العظيمة ، وعرق في العين يسقي لا ينقطع (6) : أتی بالعجب . (۷) ، المكان الذي تبرد فيه الابل حول الماء کو للخلافة ، ولكن تقديم أبي بكر أصلح وأولى وأوفق لأحوال الزمن والكرامة الصحابة والمسلمين أجمعين وانك لتكونن على ثقة من حقيقة واحدة في رهط محمد تجزم بها وأنت آمن أن تخالف التاريخ فيما بطن وفيما ظهر وذلك أنه عليه السلام لم يبرم قط أمرا فيه غضاضة على أحد من أصحابه ، ولا سيما في مسألة الاستخلاف أو التقديم للامامة والصلاة بالناس ، فكل الذي حدث فيها فهو الذي يجمل بالنبي من تقدير وتدبير ، ويجمل بصاحبيه من ایثار وتوقير ، ويجمل بالاسلام من تمكين وتعمير ، وانتفاع بعمل كل عامل و اقتدار کل قدير
هذه العلاقة ويمثلون عمر بقی جانب من جوانب العلاقة بين النبي وعمر، لانسكت عنه لكثرة ما قيل فيه ، فضلا عن وجوب النظر فيه لأنه يتم العلم بتلك العلاقة ويزيدنا فهما لها واستقصاء المداها و اطلاعا على طريقة عمر في الموازنة بين الواجبات والشئون حيثما اشتجرت بين يديه ، ونريد به جانب العلاقة بين عمر وآل البيت وبين عمر وابني عم النبي الكبيرين على وابن عباس بعد انتقال النبي الى الرفيق الأعلى فالذين أولعوا في التاريخ بخلق القضايا والمخاصمات يقولون كثيرا في على صورة الرجل الذي كان يتحدى بني هاشم ويناجزهم مناجز لعصبية فيه عليهم . ولكنهم لايذكرون من الوقائع ما يعزز شبهة أو يرجح بظن في هذه الوجهة . وكل ما حفظته لنا أنباء العصر فانما تخلص بنا الى الخلاصة التي تجمل بعمر وتحمد منه . وهي الوفاء المحفل الذكرى النبي عليه السلام في آله وخاصة بيته ، والأمانة المحض لمصلحة العرب والاسلام مقدمة على كل مصلحة خاصة أو عامة ، وكل ما عدا ذلك لغو وباطل فعند تقسيم الأعطية كان لآل النبي النصيب الأوفي والمكان المقدم بين الصحابة . وكان لهم التفضيل في كل حق من حقوق المسلمين حسبما (۲) شجر بين القوم : اختلف الأمر بينهم ، واشتجر القوم : تنازعوا ۰ (۳) : المقاتلة • (4) أي يقری . (5) : الخالص (۱): أحكيه . -۱۹سم بن عمر كان بينهم وبينه عليه السلام من رحم وقرابة ، وفضلهم عمر على أقرب الناس اليه في اللقاء والحفاوة ، فكان في بعض الأيام ينتظر الحسين بن علي رضي الله عنه فذهب اليه الحسين فلقى عبد الله في الطريق فسأله : من أين جئت ? .. قال : استأذنت على عمر فلم يأذن لي . فرجع الحسين ولم يذهب اليه ... ثم معاتبا وسأله : ما منعك تأتيني ؟ .. قال : قد أتيتك ولكن أخبرني عبد بره أنه لم يؤذن عليك فرجعت فعن ذلك على عمر وقال له : وأنت عندي مثله ? .. وأنت عندي مثله ? وهل أنبت الشعر على الرأس غيركم ? .. لقيه عمر حسين أن عمر بن اله ?
عمر وکسا أصحاب النبي فلم يكن في الاكسية ما يصلح للحسن والحسين رضي الله عنهما . فبعث إلى اليمن فأنى لهما بكسوة تصلح لهما وقال حين رآها : الآن طابت نفسي ! .. وسافر إلى الشام فاستخلف عليا رضي الله عنه على المدينة وأخذ نفسه باستفتائه والرجوع اليه في قضائه متحرجا من دعوته اليه حين يحتاج الى سؤاله : استفتاه بعضهم في مجلسه فقال : اتبعونی ، وأخذهم الى على فذكر له المسألة فقال على : الا أرسلت الى ?.. قال عمر : أنا أحق باتیانك وكذلك كان يستفتى ابن عباس في الدين والأدب ولا يلقاه باحثا مسترسلا في الحديث الا قال له معجبا متبسطا : غص غواص ! .. وقلما سئل في أمر وابن عباس حاضر الا قال يشير اليه : شليكم بالخبير بها ولم يحجم عن توليتهم الولايات الا كما أحجم عن تولية الجلة من الصحابة ورؤوس قريش الذين أبقاهم عنده للمشورة وصانهم محاسبته وعتابه . وفي ذلك يقول لابن عباس . اني رأيت رسول الله صلی الله عليه وسلم استعمل الناس وترككم والله ما أدري أصرفكم العمل أو رفعكم عنه وأنتم أهل ذلك ؟ .. أم خشي أن تعاونوا لمكانكم فيقع العتاب علیكم ، ولا بد عتاب ؟ (1) حفی ، حفاوة ، فهو حفي : أي بالغ من اكرامه ، والطافه ، والعناية بأمره • (۲) أي يكف ويمتنع • (۳) قوم جلة : أي سادة عظماء ذوو اخطار 0
عن عن منه من . ۱۹۰ 6 أما مسألة الخلافة فالذي يزعمه فيها الذين يخوضون في القضايا والمخاصمات أن عمر رضي الله عنه تعمد أن يحول بين على الخلافة بصرفه النبي عن كتابة الكتاب الذي أراد أن يسط فيه وصاياه فلا يضل المسلمون بعده ، ويزعمون انه هو قد حال بين على والخلافة مرة أخرى يوم تركها للشورى ولم يستخلفه باسمه لولايتها واستكثروا من عمر صرامته في دعوة على الى مبايعة أبي بكر كما جاء في بعض الروايات التي ترجح صحتها ، وخلاصتها، أن عمر أتى منزل على وبه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : والله لأحرقن علیکم الدار أو لتخرجن إلى البيعة ، فخرج الزبير مصلتا بالسيف فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه ... » أو قال لهما في رواية أخرى : « والله التايعان وأتما طائمان أو لتبايعان وأنتما کارهان » فاستكثر المستكثرون هذه الصرامة ، وعدوها من اصرار عمر على الاجحاف بعلى واقصاء بنی هاشم عن الخلافة أما القول بأن . عمر هو الذي حال بين النبي عليه السلام والتوصية باختيار على الخلافة بعده ، فهو قول من السخف بحيث يسيء الى كل ذي شأن في هذه المسألة ، ولا تقتصر مساءته على عمر ومن رأى في المسألة مثل رأيه فالنبي عليه السلام لم يدع بالكتاب الذي طلبه ليوصى بخلافة على أو خلافة غيره . لأن الوصية بالخلافة لا تحتاج إلى أكثر من أو اشارة كالاشارة التي فهم المسلمون منها ایثار أبي بكر بالتقديم ، وهي اشارته اليه أن يصلي بالناس وقد عاش النبي بعد طلب الكتاب فلم يكرر طلبه ، ولم يكن بين على وبين لقائه حائل ، وكانت السيدة فاطمة زوج على عنده إلى أن فاضت تفسة الشريفة . فلو شاء لدعا به وعهد اليه ... هذا السكوت الذي لا اکراه فيه نرجع إلى كل سابقة من سنن النبي في تولية الولاة فنرى انه كان يجنب « (۱) فاضت نفسه : خرجت روحه .. كلمة تقال ، 6 وفضلا عن آله الولاية ويمنع ۱۹۹ (۲) من ہ وراثة الأنبياء » وهذه السنة هذا السكوت لايدلان على أن محمدا صلوات الله علبه أراد خلافة على فحيل بينه وبين الجهر بما أراد ولم يعتمد عمر على الشورى في اختيار الخليفة بعده وله مندوحة عنها . فقد رأی أصحابه كما قال ۔ حرصا سيئا وخلافا لايحسمه رأی واحد ، وكانت حيرته عظيمة ، بين الاستخلاف وترك الاستخلاف ، فلما قيل له وهو طعين يودع الحياة : ماذا تقول الله عز وجل اذا لقيته ولم تستخلف على عباده ، أصابته کابة .. ثم نكس رأسه طويلا ثم رفع رأسه وقال : « أن الله تعالی حافظ الدين . وأى ذلك أفعل فقد سن لی. ان لم أستخلف فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف ، وان استخلفت فقد استخلف أبو بكر » . واختار للشورى في أمر الخلافة أناسا ليس بين المسلمين أولى منهم بالاختيار ، وكأنهم كانوا مسمين بأسمائهم لهذه المهمة لو لم يرشحهم هو، الرشحهم لها كل مختار ولم يكن الفكاك من التبعة هو الذي أوحى اليه أن ينفض يديه ويلقي بالعبء على عواتق غيره .. فعمر لاينجو بنفسه ليوقع أحدا فيما يحاول النجاة منه ، ولكنه قدر أن الرجل الذي تختاره كثرة المحكمين هو أولى أن ينعقد عليه الاجماع وينحسم بترجیحه النزاع . فمن خرج عليه فهو باغي فتنة يتبعها الإقلون ويردعها الأكثرون وكان هذا يود لو اجتمع الرأي على اختيار على بعد المشاورة ، فقال لابنه : لو ولوها الأجلح « أي المنحمر الشعر ا لسلك بهم فسأله ابنه : فما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تقدم عليا ? .. قال أكره أن أحملها حيا وميتا وفيما عدا الاستخلاف بعد النبي ، والاستخلاف بعد عمر، فالسياسة التي جرى عليها عمر كانت كلها سياسة عامة قائمة على أساس عام لا تفرقة فيها بين بني هاشم وغيرهم ولا بين على وغيره (۱) أي سعة . (۲) أي بقطعه • (۳) أي التخلص الطريق .. ۱۹۷ ولم يكره ذلك . (۲) کان 6 6 6 فكان يكره أن تستأثر بالأمر عصبة دون غيرها بالغة ما بلغت منزلتها ، من بيت هاشم دون سائر البيوت بحجر على وجوه وقريش أن يخرجوا إلى البلدان الا باذن والى أجل ، وبلغه أنهم يشكونه فأعلن في الناس : « أن قريشا يريدون أن يتخذوا مال الله معونة على ما في أنفسهم ، الا أن في قريش من بضمر الفرقة ويروم"خلع الربقة ، أما وابن الخطاب حي فلا . إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة اتتشاركم في البلاد » وكان يزجر قومه بنی عدی كلما أحس منهم الطمع في خلافته لأنه واحد منهم ، فيصارحهم قائلا : « بخ بخ بنی عدی ! .. أردتم الأكل على ظهري ، وأن أهب حسناتي لكم ، لا والله حتى تأتيكم الدعوة وأن أطبق عليكم الدفتر ... » أى وان كتبتم في الاعطية آخر الناس ، وهو الذي أبي أن يختار ابنه للخلافة وقال للمغيرة بن شعبة الذي زين له استخلافه : لا أرب لنا في أموركم ، وما حمدتها فأرغب فيها لأحد من بيتى ان كان خيرا فقد أصبنا منه ، وان كان شرا فبحسب آل رجل واحد » .. ! . عمر أن يحاسب منهم
I. وجمع عليا وعثمان في مجلس الشورى لاختيار الخليفة فالتفت الى على فقال : « اتق الله يا على ان ولیت شيئا ، فلا تحملن بنی هاشم علی رقاب المسلمين » والتفت الى عثمان فقال : « اتق الله ان ولیت شیئا فلا تحملن بني معیط على رقاب المسلمين ، أو قال : بني أمية وكان أكبر همه أن الاسلام من الملك الذي يستأثر به مستأثر الأناس دون أناس ، وكثيرا ما سأل : والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك 14 مستعينا بالله من كل سلطان لا وكلمته لابن عباس حيث قال : « إن الناس كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة ، وان قريشا اختارت لأنفسها فأصابت و هي كلمته حيثما تكلم في هذا (1) أي جماعة • (۲) منع التصرف (۳) : سادتهم وعظماؤهم • (4) : يطلب ۰ (۰) : العروة في الحبل ، والمراد : الدين والخلافة . (6) أي لا حاجة يعم جميع رعاياه بالخير +++ + . ۱۹۸ 9 بن الصدد لا يخص بها بيتا دون بيت ولا معشرا دون معشر ولا قبيلة دون قبيلة .. الأمر الأمانة لمصلحة المسلمين جميعا ، حيثما اتفقوا عليها أو كان لهم رجاء في الاتفاق وما كانت العمر صرامة مع علي لم تكن له مع غيره في مأزق الخوف من الفتنة والذود عن الوحدة .. فقبل أن يسلم الروح کانت وصيته وهو لا يعلم من الخليفة بعده : « أن اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبي واحد فاشدخ رأسه بالسيف ، وأن اتفق أربعة فرضوا رجلا وابي اثنان فاضرب رؤوسهما . فان رضى ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا فحكموا عبد شمر في الفريقين حكم له خليختاروا رجلا منهم ، فان لم يرضوا بحكم عبد الله فكونوا الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين أن رغبوا عما اجتمع عليه الناس » وما اختار ابنه عبد الله الفصل بين الفئتين المتساويتين الا لأنه خارج من الاختيار ، ثم لم يجعل له القول الفصل حتى يفتح للناس مخرجا من رأيه ان شاءوا ألا يتبعوه . ولن يقضي بأمثل من هذا القضاء في مأزق الفتنة أحد له قضاء عادل منزه عن خبايا القلوب بن عمر الحكم الذي فما اتخذ عمر من حكم بين الناس فهو الحكم الذي يجمل به ويحمد منه ولا ينتفع به قبل أن ينتفع سائر الناس . هو يعم ويعدل ولا يخص ويتحيز ، وهو الحكم الذي لو سئل فيه النبي سيد بني هاشم الأعاد فيه قوله : « عمر بن الخطاب معي حيث أحب وأنا معه حيث الخطاب حيث كان » 6 والحق بعدي مع عمر بن (۱) الذود : الدفاع •