عبقرية محمد (1941)/محمد الصديق



محمد الصديق


عطوف ودود

اذا كان الرجل محبا للناس ، أهلا لحبهم اياه ، فقد تمت له أداة الصداقة من طرفيها . وانما تتم له أداة الصداقة بمقدار ما رزق من سعة العاطفة الانسانية و من سلامة الذوق ، ومتانة الخلق ، وطبيعة الوفاء يحب الناس ليحبوه ، لأنه قد يحبهم وفي ذوقه نقص ينفر هم منه ويزهدهم في حبه ولا يكفي أن يكون محبا سليم الذوق ليبلغ من الصداقة مبلغها فقد يكون محیا محبوبا حسن الذوق ثم يكون نصيبه من الخلق المتين والطبع الوفي نزرا (۱) ضعيفا لا تدوم علیه صداقة ، ولا تستقر عليه علاقة : انما تتم أداة الصداقة بالعاطفة الحية والذوق السليم ، والخلق المتين ، وقد كان محمد في هذه الخصال جميعا مثلا عاليا بين صفوة خلق الله . كان عطوفا ير أم (۲) من حوله و يودهم ويدوم لهم على المودة طول حياته ، وان تفاوت ما بينه و بينهم من سن وعرق (۳) ومقام :۰۰ .. كان صبا في الثانية عشرة سافر عمه ، فتعلق به حتى أشفق العم أن يتر که وحده فاصطحبه في سفره وكان شيخا قارب الستين يوم بكي على قبر أمه بكاء لا ينسی وليس في سجل المودة الانسانية أجمل ولا أكره من حنانه على مرضعته حليمة ومن حفاوته بها وقد جاوز الأربعين ، فيلقاها هاتفا بها : أمي ! أمي ! ويفرش لها رداءه ويمسر ثديها بيده ۰۰ ا- قليلا ۲- أي يرحم ۳ - أمل • 41 عم كانه يذكر ما لذلك الثدي عليه من جميل ، ويعطيها من الايل والشاء ما يغنيها في السنة الجد باء (۱) • ولقد وفدت عليه هوازن و هي مهزومة في وقعة حنين و فيها له من الرضاعة لاجل هذا العم من الرضاعة تشفع النبي الى المسلمين أن يردوا السبي من نساء وأبناء ، واشتري السبي ممن أبوا رده الا بمال وحضنته في طفولته جارية عجماء فلم ينس لها مودتها بقية حياته ، وشغله أن تنعم بالحياة الزوجية ما يشغل الأب من أمر بتاته ورحمه ، فقال لأصحابه : « من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن وما زال يناديها يا أمة كلما . رآها وتحدث اليها ، وربما رآها في وقعة قتال تدعو الله وهي لا تدري كيف تدعو بلكنتها (۲) الأعجمية ، فلا تنسيه الوقعة الجاز بة (۳) أن يصغي اليها و يعطف عليها 6

ورحم وكان هذا عطفه على كل ضعيف، ولو لم يذكره بحنان الطفولة الرضاع ، فما نهر خادما ولا ضرب احدا ، وقال انس : د خدمته النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، فيما قال لي أف قط، ولا قال لشيء صنعته : لم صنعته ؟ ولا لشيء تركته : لم تر تزكته ؟ • وكان من أضحك الناس وأطيبهم نفسا ، صافي القلب اذا كره شيئا رؤي ذلك في وجهه ، واذا رضي عرف من حوله رضاه وقد اتسع عطفه حتی بسطه للأحياء كافة ولم يقصره على ذوي الرحم من الناس ، ولا على الناس من غير ذوي الرحم ، فكان يصفي (4) الاناء للهرة لتشرب ، وكان يواسي في موت طائر يلهو به أخو خادمه ، واوصى المسلمين : « أذا ركبتم هذه الدواب فاعطوها حظها من المنازل ولا تكونوا عليها شيالين» وكرر الوصاية بها أن « اتقوا الله في البهائم المعجمة فاركبوها صالحة و كلوها مصالحة وقال : « ان الله غفر لامرأة مومسة (5) مرت بكلب على راس رکی (6) يلهث قد كاد يقتله العطش ، فنزعت خقها فأوثقته بخمارها ، فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك » .اي قليلة الخيرات - الكية ، عجمة في اللسان وعي ۳- اي العامية الشديدة 4- بميل ق - فاجرة 1- بكر .

& AY هي وقال في هذا المعنى : « دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلا أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش (۱) الأرض » • لا بل شمل عطفه الأحياء والجماد كأنه من الأحياء ، فكانت له قصعة يقال لها الغراء ، وكان له سيف محلى يسمى ذا الفقار، وكانت له درع موشحة بنحاس تسمي ذات الفضول ، وكان له ... شعرج يسمى الداج ، و بساط الكز ، وركوة تسمی الصادر ومرآة تسمى المدلة ، ومقراض يسمى الجامع ، وقضيب يسمى الممشوق وفي تسمية تلك الأشياء بالاسماء معنی تجعلها أشبه بالأحياء المعروفين ممن لهم السمات والعناوين ، كأن لها « شخصية » مقربة تميزها بين مثيلاتها ، كما يتميز الأحباب بالوجوه والملامح و بالکنی (۲) والألقاب پشمی الألفة التي هي هذه العاطفة الانسانية التي رحبت حتى شملت كل ما أحاطت به وأحاط بها ، لم تكن . أداة الصداقة في تلك النفس العلوية بل كان معها ذوق سليم يضارعها رفعة ونبلا ، ويتمثل - فيما يرجع الى علاقات النبي بالناس - في رعاية شعورهم أتم رعاية وأدلها على الكرم والجود • و كان اذا لقيه أحد من أصحابه فقام معه قام معه ، فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه ، واذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناوله اياها ، فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي يتزع يده منه « و كان اذا ودع رجلا أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو الذي يدع يده « و كان أرحم الناس بالصبيان والعيال « واذا قدم من سفر تلقى بصبيان أهل بيته » « و كان أشد حياء من العذراء في خدرها . واصبر الناس على أقدار الناس . يحفظ مغيبهم كما يحفظ محضر هم و يقول لمحبه : « من اطلع في كتاب أخيه بغير أمره فكأنما اطلع في التار r C ا- حشرات ۲ و جمع كنية ، ۸۲ العاطفة الانسانية والذوق السليم والأدب الكريم : سمت(۱) جميل ، و نظافة بالغة وحرص على أن يراه الناس في أجمل مرآه ، ومع هذا كله ، أمانة يثق بها العدو فما بسال الصديق ؟ وحسبك من ثقة الناس به ما أودعوه من أمانات و هم يناصبونه العداء ، فلم يخرج للهجرة وهو مهدد في سربه (۲) حتی رد الأمانات إلى أصحابها، وقد يكون في ردها ما ينبههم الى خروجه ويأخذ عليه سبيل النجاة ، وهذا الي اشتهاره بالأمانة في صباه حتى سمي بالأمين قبل أن يتجرد لدعوة تنبغي لداعيها : مثال هذه الصفات + + + . الكبير 6 كل هذه المزايا النفسية - بل بعض هذه المزايا النفسية - خليق أن يتم لصاحبه أداة الصداقة أو في تمام ، وأن يجعله محبا لمن حوله جديرا منهم بأحسن حبه وولاء. فلم يعرف في تاريخ العظمة - لا بين الأنبياء ولا غير الأنبياء - انسان ظفر بنخبة (۳) من الصداقات على اختلاف الاقدار والبيئات والأمزجة والاجناس كالتي ظفر بها محمد ، ولم يعرف عن انسان أنه أحيط من قلوب الضعفاء والأقوياء بما يشبه الحب الذي أحيط به هذا القلب تقدم في بعض فصول هذا الكتاب حدیث زید بن حارثة الذي خان من أهله و هو صغير ، ثم اهتدى أليه أبوه ، واهتدي هو الي أبيه على لهفة الشوق بعد اس طویل ، فلما وجب أن يختار بين الرجعة إلى آله و بين البقاء مع سيده « محمد » اختار البقاء السيد على الرجعة مع الوالد ، وشق عليه أن يحتجب عن ذلك القلب الذي غمره بحبه ومواساته ، وهو ضعيف شريد لا يرى ذويه (4) ولا يدري من هم ذووه وكان لا يغني من لازموه أن يلزموه في الحياة حتى يثقوا من ملازمتهم اياه بعد الممات ، فضعف مولاه ثوبان و نحل جسمه وألح عليه الحزن في ليله ونهاره ، فلما سأله السيدة العطوف يستفسره علة حزنه ونحوله قال في طهارة الأبرار : « اني اذا لم ارك اشتقتك واستوحشت وحشة عظيمة ، فذكرت الآخرة حيث 4 4 ا- ميلة - نفسا ۳ - خيار الأصحاب - اعله ، AC 6 لا أراك هناك ، لأني أن دخلت الجنة فأنت تكون في درجات النبيين فلا أراك » ورويت هذه القصة في أسباب نزول الآية الكريمة :

ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من

النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا (۱) وأدرك الموت بلالا فأحاط به أهله يصيحون واكر باه وهو يجيبهم : « واطرباه غدا ألقى الأحبة : محمدا وصحبه ۰۰! » • وقد عنينا مما تقدم بحب الصداقة بين الانسان والانسان لأننا لم نقصد حب المؤمن لنبيه في هذا الباب . فقد بلغ من امتلاء قلوب المسلمين والمسلمات بهذا الحب أن المرأة كانت تسمع أنباء المعركة ، فينعي (۲) اليها خاصة أهلها وهي تسترجع (۳) وتعرض عن هذا لتسأل عن النبي ، و تهتم بسلامته قبل اهتمامها بسلامة الأخوة و بني الأعمام، الا أننا عنينا (4) محبة الصداقة في هذا الباب لأنها هي المحبة التي جعلت كثيرا من الناس يؤمنون بمحمد لمحبتهم اياه واطمئنانهم اليه ، فكانت سابقة في قلوبهم وأرواحهم لحب العقيدة والايمان 4 عظمة العظمات ان عطف العظيم على الصغير حتى يستحق منه هذا الحب لفضيلة يشرف بها مقام العظيم في نظر بني الانسان ولكن قد يقال : أن استحقاق العظيم أن يحية العظماء لأشرف من ذلك رتبة و أدل على حظه الجليل من فضائل التفوق والرجحان صحیح وهنا أيضا قد تمت لمحمد معجزته التي لم يضارعه فيها أحد من ذوي الصداقات النادرة فأحدقت به نخبة من ذوي الأقدار ، تجمع بين عظمة الحسب وعظمة الثروة و عظمة الرأي وعظمة الهمة ، وكل منهم ذو شأن في عظمته تقوم عليه دولة و تنهض به أمة ، كما أثبت التاريخ و هذا ديب فيه & 4 ا- الاية 19 من سورة النساء و النمي ، غير الموت ۳ - اي تقول ، انا لله وانا اليه راجعون - قمنا . ۸۰ 6 6 والزبير من سير ابي بكر ، وعمر ، وخالد ، و أسامة ، وابن العاص ، وطلحة ، وسائر الصحابة الأولين • وربما عظم الرجل في مزية من المزايا ، فأحاط به الاصدقاء والمريدون من النابغين في تلك المزية ، كما أحاط الحكماء بسقراط والقادة بنابليون بل ربما أحاط الصالحون بالنبي العظيم كما أحاط الحواریون بالمسيح عليه السلام و كلهم من معدن واحد، و بيئة متقاربة .

  • * *

4 كلهم تلاع بلا ريب أما عظمة العظمات فهي تلك التي تجذب (1) اليها الأصحاب النابغين من كل معدن و کل طراز (۲) ، وهي التي يتقابل في حبها رجال بينهم من التفاوت مثل ما بين أبي بكر وعلي ، و بين عمر وعثمان ، و بين خالد و محاف ، وبين أسامة وابن العاص : عظیم، و كلهم مع ذلك مخالف في وصف العظمة لسواه المنظمة التي اتسعت آفاقها وتعددت نواحيها ، حتی أصبحت فيها ناحية مقابلة لكل خلق ، و أصبح فيها قطب (۳) جاذب لكل معدن ، وأصبحت تجمع اليها البأس (4) و الحلم ، والحيلة والصراحة، والألمعية (5) و الاجتهاد وحنكة (6) السن وحمية الشباب تلك عظمة المنظمات ، ومعجزة الاعجاز في باب الصداقات . وما استحقها محمد الا بنفس غنيت بالحبه ، وخلصت وحتی أعطت كل محب لها كفاء ما يعطيها : مودة بمودة وصفاء بصفاء ، و عليها المزيد من فضل التفاوت في الأقدار ولقد كان صاحب الفضل على أصفيائه جميعا بما هداهم اليا من نور العقل ونور البصيرة ، وهما أشرف من نور البصر لأنه نعمة يشترك فيها الانسان والعجماوات ، و نور العقل ونور البصيرة نعمتان يختص بهما الانسان، و مع هذا كان ينكر فضلهم ويشيد بذكرهم كما قال عن أبي بكر « ما أحده أعظم عندي يدا۔۔ من أبي بكر : واساني بنفسه وماله وأنكحني ابنته ، و كما قال عن أبي بكر وعمر : «ابو بکر و عمر مني بمنزلة السمع والبصره وكما قال عن علي : «علي أخي في الدنيا والآخرة، و كما قال عن 6 9

أ- تشد ؟ - هيئة وشكل ۲ - قطب الرمی : مديدة في الطبق الأسفل من الرحيين يدور عليها الطبق الأعلى 4 - الشدة ه- الالمعي : الذكي المتوقد ۶ - حنكة السن : الرجل اهكمته التجارب و ۸۹

1 بعض أصحابه : أن الله تعالى أمرني بحب أربعة، و أخبرني أنه يحبهم : على منهم ، وابو ذر ، والمقداد ، وسلمان » وكما قال عن الأنصار جميعا وهو في مرض الموت : راستوصوا بالأنصار خيرا انهم عيبتي (1) التي أويت اليهم ، فأحسنوا إلى محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم » ۰۰۰ وغير ذلك كثير من الصحابة كافة وعن بعضهم مذكورين بأسمائهم

6 الانساني 9 على أننا نلمس دلائل هذا الفؤاد الرحب ، وهذا العطف الشامل في معاملته لأعدائه وشانئیه (۲) فضلا عن معاملته للأصفياء ، ومن ليس بينهم وبينه عداء ولا صفاء • فما ثأر من أحد أساء إليه في شخصه ، وقد عفا عن رجل هم بقتله وهو نائم ، ورفع السيف ليهوي به ، فسقط من يده على كره منه، وما حارب قط أحدا كان في وسعه أن يسالمه و يحاسنه ويتقي شره . ومعاملته لعبد الله بن أبي الذي كان المسلمون يسمونه رأس النفاق مثل من أمثلة الإغضاء (۳) والصفح الجميل : فقد عاهد و غدر ، ثم عاهد وغدر و عاش ما عاش يكيد للنبي في سره و يماليء (4) عليه أعداءه، وشاع أن النبي عليه السلام قضى بقتله فتقدم ابنه وقال له: «یا رسول الله، أنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه ، فان كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل اليك رأسه، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر بوالده مني ، واني لأخشى أن تأمر به غيري فيقتله فلا تدعني (2) نفسي أنظر إلى قاتل ابي يمشي في الناس ، فاقتله ، فأقتل رجلا مؤمنا بكافر فأدخل النار » • فأبى النبي أن يقتله وآثر الرفق به ، وزاد في افضاله واجماله فكافأ الولد خير مكافأة على خلوص نيته وايثاره البر بدينه على البر بأبيه ، فأعطاه قميصه الطاهر يكفن به أباه ، وصلى عليه میتا ووقف على قبره حتى فرغ من دفنه ، وقد حاول عمر أن يثنيه عن الصلاة على ذلك العدو الذي آذاه جهد (1) الايذاء فذكر ، الآية : م أستغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر أ. عيبة الرجل ، موضع مره 2- كارهية والحاقدين عليه ۳ - غض الطرف : خفضه ، او احتمل المكروه من با بالكناية - يساعد ه- تتركلي - جد في الايذاء وبالغ 4 6 AY لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم (۱)۰۰ ، فقال : « لو أعلم اني ان زدت على السبعين غفر له زدت »

  • * *

هذه النفس المطبوعة على الصداقة والرحمة والسماحة ما أعجب اتهامها بالقسوة على ألسنة بعض المؤرخين الأوربيين ! ما أعجب اتهامها بالقسوة لأنها دانت أناسا بالموت كما يدين القاضي مجرما بذنبه وهو من أرحم الرحماء !.. ما أعجبهم اذ يذكرون العقوبة و ينسون الذنب الذي استوجب العقوبة كما يستوجب السبب النتيجة وأي ذنب ؟ ذنب لو قوبل به غير محمد لأراق فيها أنهارا من الدماء وله حجة من سلطان الدنيا والآخرة . فلا نذکر استهزاء المشركين به واعناتهم (۲) اياه والقاء هم عليه القذر والحجارة وائتمارهم بحياته وحياة أصحابه ، و اخراجهم المسلمين من ديارهم إلى أقصى الديار ، ولا نذكر العناد والاغاظة والاستثارة لغير جريرة (۳) الا انهم دعوا إلى عبادة الله، والتحلي بمكارم الأخلاق ، و ترك عبادة الأصنام ، وترك الرذيلة 4 6 لا نذكر شيئا من هذا فهو أطول من أن يحصيه هذا الكتاب ولكننا نذكر حادثا واحدا تجمع فيه من اللؤم ما تفرق في كثير غيره ، وذلك حادث الرسل الاربعين - وقيل : السبعين - الذين قتلوا في بئر معونة ولا ذنب لهم الا أنهم ذهبوا تلبية لدعوة الداعين ليعلموا من ينشد علم القرآن والذين ، غير منصوب (4) عليه . فماذا كانت دول الحضارة صانعة بالقاتلين الغادرين لو كان هؤلاء الاربعون أو السبعون مبشرين بالدين المسيحي، قتلوا في قبيلة من الهمج الذين يأكلون الآدميين ومن حقهم أن يعذروا كما تعذر الوحوش ۰ ۰ ان بقي من أبناء القبيلة من يروي أنباء المقبلة ، فقد يقال ان القوم لرحماء في العقاب ؟ ا- الآية { من سورة التوبة 1. العنت : الوقوع في امر شاق ۳ - ذئب - مكره M $ ولم يكن حادث بئر معونة بالحادث الوحيد من حوادث الغدر بالرسل الأبرياء ، فلعلنا نختم هذا الفصل عن الصداقة ، بخير ما يختم به، حين نشير الى غدر قبيلة هذيل بالرسل الستة الذين ذهبوا اليهم ليعلموا من شاء أن يتعلم أحكام الدين وهو آمن في داره ، لا اکراه له ولا بغي(۱) عليه ، فقتلوا جميعا ، وجيء بأحدهم زید بن الدثنة أسيرا ليباع۰۰ فاشتراه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه ، و نصب للقتل ، فسأله أبو سفيان مستهزئا : « أنشدك الله يا زيد - أتحب أن محمدا الآن عندنا في مكانك تضرب عنقه وأنت في أهلك ؟ فأجابه زيد : « والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وانا جالس في أهلي » فصاح ابو سفیان دهشا : «ما رأيت من الناس أحدا يحبه أصحابه ما يحب أصحاب محمد محمدی ۰۰۰ من فعلة كهذه تعلم مدى ما استحقه محمد من حب الأصدقاء ومدى ما أستحقه أعداؤه من جزاء ، فقد أحب أصدقاءه وأحبوه، لأنه طبع على الصداقة ، أما أعداؤه فقد لقوا جزاءهم ، لأنهم هم طبعوا على العداء والاعتداء . . ا- عدوان ۸۹