عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات/المقالة الأولى/النظر الثالث عشر



النظر الثالث عشر
في الزمان


زعموا أن الزمان مقدار حركة الفلك وهذا على رأي أرسطاطاليس وأصحابه، وعند غيره مرور الأيام والليالي، ثم مقدار حركة الفلك ينقسم إلى القرون، والقرون إلى السنين، والسنون إلى الشهور، والشهور إلى الأيام، والأيام إلى الساعات والزمان أنفس رأس مال به تكتسب كل سعادة، وإِنّه يضمحل شيئاً فشيئاً، وزمانك عمرك وهو معلوم القدر عند الله تعالى، وإن لم يكن معلوماً عندك وما مثله إلاّ كمسافة ساع يسعى في قطعها قوي على السير لا يفتر طرفة عين، فما أعجل انقطاعها، وإن كانت بعيدة، وما أسرع زوالها وإن كانت كعمر لقمان مدّة مديدة، ولنذكر شيئأ من خواصها وعجيبها.

القول في الليالي والأيام: أمَا اليوم فهو الزمان الذي بين طلوع الفجر وغروب الشمس، وأمّا الليل فهو الزمان الذي يقع بين غروب الشمس وطلوع الفجر، ومجموعهما أربع وعشرون ساعة لا تزيد ولا تنقص، وكلّما نقص من النهار زاد في الليل، وكلّما نقص من الليل زاد في النهار كما قال الله تعالى : ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ وأطول ما يكون النهار سابع عشر حزيران عند حلول الشمس آخر الجوزاء، فيكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات، وهو أقصر ما يكون، ثم يأخذ النهار في النقصان والليل في الزيادة إلى ثامن عشر أيلول، وهو عند حلول الشمس آخر السنبلة، فيستوي الليل والنهار ويصير كل واحد منهما اثنتي عشرة ساعة، ثم ينقص النهار ويزيد الليل إلى سبع عشرة من كانون الأوّل، فيصير الليل خمس عشرة ساعة، وهو أطول ما يكون، والنهار تسع ساعات وذلك أقصر ما يكون، ثم يأخذ الليل في النقصان والنهار في الزيادة إلى سادس عشر آذار عند حلول الشمس آخر الحوت فيستوي الليل والنهار، ويصير كل واحد اثنتي عشرة ساعة، ثم يستأنف الدور وقد شبهوا أوقات اليوم والليلة بأرباع السنة، فقالوا: إن الغدوّ بمنزلة الربيع، وانتصاف النهار بمنزلة الصيف، والمساء بمنزلة الخريف، وانتصاف الليل بمنزلة الشتاء، لكن اختلافها لما كان اختلافاً يسيراً لا تتأثر منه الأبدان تأثرها عن السنة، وربما تأثرت منه الأبدان الضعيفة، ومن لطف الله تعالى بعباده جعل الليل والنهار لأنّ الإنسان مضطر إلى الحركات في أعماله لمعاشه ولا تنفك قواه عن كلال، فعند ذلك يغلب عليه النوم، ولا بد له عن ذلك لزوال الكلال كما قال تعالى ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ فعيّن وقتاً للنوم ينام فيه كلهم، ووقتاً للمعاش يعمل فيه كلهم، ولولا ذلك لأفضى إلى عسر قضاء حوائج الناس لأن أحدهم إذا طلب غيره لشغل وجده نائماً.


فصل
في فضائل الأيام وخواصها


يوم الجمعة: عبد الملة الحنيفية وسيّد الأيام، روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله أنه قال: « خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خق آدم وفيه أُسكن الجنّة وفيه هبط عنها ، وفيه تاب الله عليه، وفيه تقوم الساعة، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى خيراً إلاّ أعطاه إيّاه » وقال بعض السلف إن الله تعالى فضلاً سوى أرزاق العباد لا يعطي من ذلك الفضل إلا من سأله عشية يوم الخميس ويوم الجمعة. وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: من قلم أظفاره يوم الجمعة أخرج الله منه داء وأدخل فيه شفاء. وقال الأصمعي: دخلت على الرشيد يوم الجمعة وهو يقلم أظفاره ويقول: قلم الأظفار يوم الجمعة من السنة، وبلغني أنه ينفي الفقر، فقلت: يا أمير المؤمنين، وأنت تخشى الفقر؟ فقال: وهل أحد أخشى من الفقر منّى. وفي الآثر أن الملائكة يتفقّدون العبد إذا تأخر عن وقته يوم الجمعة، فيسأل بعضهم بعضاً، فيقولون: ما فعل فلان وما الذي أخْره عن وقته؟ ثم يقولون: اللّهم إن كان أخّره فقر فأغنه، وإن كان أخره مرض فاشفه، وإن كان أخره شغل فأفرغه لعبادتك، وإن كان أخره لهو فأقبل بقلبه إلى طاعتك.

يوم السبت: هو عيد اليهود قال الكلبي: أمر موسى عليه السلام بنى إسرائيل أن يفرغوا في كل أسبوع يوماً للعبادة، فأبوا أن يقبلوا إلا يوم السبت، وقالوا: إنّه يوم فرع الله فيه من خلق الأشياء، وزعموا أن الأمور التي تحدث في يوم السبت تستمر إلى السبت الآخر، فلذلك امتنعوا فيه من الأخذ والعطاء، والمسلمون يخالفونهم في ذلك لقوله : « بورك لأمتي في بكور سبتها وخميسها » وزعم أصحاب الفلاحة أن النخلة إذا غرست يوم السبت لم تحمل.

يوم الأحد: عيد النصارى، قال أصحاب السير إِنّ أول الأيام الأحد، وهو أَوَلٍ أيام الدنيا، وبداً الله فيه خلق الأشياء، وذكروا أن عيسى عليه السلام أمر قومه بالجمعة فقالوا لا نريد أن يكون عيد اليهود بعد عيدنا، فَاتَخذوا الأحد، وزعموا أنه صالح لابتداء الأمور.

يوم الاثنين: يوم مبارك، كان رسول الله كثير المواظبة على صومه وصوم الخميس، فسئل عن ذلك، فقال: « هما يومان ترفع فيهما الأعمال، فأنا أحب أن يرفع عملي وأنا صائم » وفي الحديث أنه وُلد يوم الاثنين، وأتاه الوحي يوم الأثنين، وخرج من مكّة مهاجراً يوم الاثنين، وقدم المدينة يوم الاثنين، وقبض يوم الاثنين، أورده الإمام أحمد بن حنيل في مسند ابن عباس رضي الله عنهم.

يوم الثلاثاء: يستحب فيه العقود وإصلاح حال النفس بالحجامة، وقيل إن قابيل قتل هابيل يوم الثلاثاء.

يوم الأربعاء: يوم قليل الخير، والأربعاء الأخير من الشهر يوم نحس مستمر يحمد فيه الاستحمام.

يوم الخميس: يوم مبارك سيّما لطلب الحوائج وابتداء السفر، روى الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول و ما كان يخرج إذا أراد سفراً إلا يوم الخميس، وتكره الحجامة فيه، حدث حمدون بن إسماعيل قال: سمعت المعتصم بالله يحدث عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جدّه عن ابن عباس رضي الله عنهم عن النبي أنه قال: « من احتجم يوم الخميس فحم من مات في ذلك المرض » قال: دخلت على المعتصم يوم الخميس، فإذا هو يحتجم فلمّا رأيته وقفت واجماً ساكتاً حزيناً، فقال: يا حمدون لعلك تذكرت الحديث الذي حدثتك به؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: والله ما ذكرت حتى شرط الحجام فحم من ساعته، وكان المرض الذي مات فيه رحمه الله تعالى.


القول في الشهور


لكل صنف من أصناف الناس شهور مثل شهور العرب والروم والفرس والقبط والترك والهند والزنج، لكن الشهور المستعملة في زماننا هذا شهور العرب والروم والفرس، فاقتصرت على ذكرها، وذكر بعض خواصها والمواسم فيها، وبالله التوفيق.


فصل
في شهور العرب


الشهر عندهم عبارة عن الزمان الذي بين الهلالين، ويتفق ذلك في كل سنة من سنيهم اثنتي عشرة مرّة لأنّ سنيهم ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً وكسر من يوم، فإذا جعلنا شهراً ثلاثين وشهراً تسعة وعشرين صارت الشهور منطبقة على أيام السنة، و إذا صارت الكسور يوماً زادوه فى آخر ذي الحجّة، وقد نطق بذلك الكتاب المجيد: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ والأشهر الحرم: رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرم، واحد فرد وثلاثة سرد، ومعنى كونها محرمة زيادة، تقع فيها عبادة الله تعالى، فالطاعات فيها أكثر ثواباً والمعاصي أعظم عقاباً، وهذه الأشهر كانت محرمة في الجاهلية، وكانت العرب في هذه الأشهر تنزع الأسنة عن رماحها وتقعد عن شن الغارات، وكان الخائف فيها يأمن من أعدائه حتى أن الرجل إذا لقي قاتل أبيه أو أخيه لم يتعرض له، فلنذكر الآن الشهور:

المحرم: سمّى محرماً لحرمة القتال فيه، فاليوم الأوّل منه معظم عند ملوك العرب يقعدون للهناء كما أن اليوم الأول من سنة الفرس، كان عندهم معظماً وهو النيروز، والسابع منه هو الذي خرج فيه يونس من بطن الحوت، وقيل إنه كان في رابع عشر ذي القُعدة، والعاشر منه يوم عاشوراء يوم معظم في جميع الملل لأنه فيه تاب الله تعالى على آدم عليه السلام، واستوت السفية على الجودى وولد الخليل وموسى وعيسى عليهم السلام، وبردت النار على إبراهيم عليه السلام، ورافع العذاب عن قوم يونس، وكشف ضر أيوب، وردّ على يعقوب بصره، وأخرج يوسف من الجب، وأعطي سليمان ملكه، وأجيب زكريا حين استوهب يحيى، وهو يوم الزينة الذي غلب فيه موسى السحرة، ولمّا قدم النبي وجد يهودها يصومون عاشوراء، فسألهم عن ذلك، فقالوا: إنه اليوم الذي غرق فيه فرعون وقومه، ونجا موسى ومن معه، فقال عليه الصلاة والسلام: « أنا أحق بموسى منهم » فأمر بصوم عاشوراء، وكان الإسلاميون يعظمون هذا الشهر بأجمعهم حتى اتّقن في هذا اليوم قتل الحسين رضي الله عنه مع كثير عن أهل البيت، فزعم بنو أميّة أنهم انخذوه عيداً فتزينوا فيه، وأقاموا فيه الضيافات، والشيعة اتّخدوه يوم عزاء ينوحون فيه ويجتنبون الزينة، وأهل السنة يزعمون أن الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد في تلك السنة، والسادس عشر منه جعلت القبلة لبيت المقدس، والسابع عشر منه فيه قدوم أصحاب الفيل، فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل.

صفر: سمّي صفراً لأن الرباع كلها كانت تصفر من أهلها لأنّهم خرجوا للقتال لانقضاء الأشهر الحرم، وذهب الجمهور إلى أن القعود في هذا الشهر أولى من الحركة. وروي عن النبي أنه قال: « من بشرني بخروج صفر أبشره بالجنة » اليوم الأول منه عيد بني أمية أدخلت فيه رأس الحسين بدمشق، والعشرون منه ردت رأس الحسين رضي الله عنه إلى جثته، وترك المأمون لبس الخضرة وعاد إلى السواد بعدما لبسها خمسة أشهر ونصف والثالث والعشرون منه عاد الأمر إلى بني هاشم وجلس السفاح للخلافة، والرابع والعشرون منه دخل النبي الغار مع أبي بكر رضي الله عنه.

ربيع الأوّل: سمي ربيعاً لارتباع الناس، والمقام فيه هو شهر مبارك فتح الله فيه أبواب الخيرات وأبواب السعادات على العالمين بوجود سيد المرسلين الثامن منه قدم رسول الله المدينة والعاشر منه تزوّج خديجة رضي الله عنها، والثاني عشر منه مولد رسول الله .

ربيع الآخر: في اليوم الثالث منه رمى الحجاج الكعبة بالنار في إحصار ابن الزبير فاحترقت والرابع عشر منه فيه تقرر فرض الصلاة، وفي الحادي والعشرين غزوة رسول الله .

جمادى الأولى: إنّما سمى بذلك لأنهما صادفا أَيّام الشتاء حين اشتد البرد جمد الماء في الثامن منه مولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي الخامس عشر رقعة الجمل.

جمادى الأخرى: زعموا أن الحوادث العجيبة كثيراً ما تقع في هذا الشهر حتى قالوا العجب كل العجب بين جمادى ورجب، في اليوم الأوّل منه نزل الملك على رسول الله ، وفي السادس ولاية عمر بن الخطابه رضي الله عنه، وفي التاسع مولد جعفر الصادق، وفي الرابع عشر مولد موسى بن جعفر، وفي الخامس عشر هدم ابن الزبير الكعبة بيده، لحديث سمعه من عائشة رضي الله عنها وردها على هيئة ما كانت عليه في زمن الخليل عليه السلام، وفي العشرين منه مولد فاطمة رضي الله عنها.

رجب: سمٌّي رجباً لأنّه رجب أي عظم، ويقال له أيضاً الأصم لأنّه لا يسمع فيه صوت مستغيث، وقيل لأنه لا يسمع فيه قعقعة السلاح، ويقال له أيضاً الأصب لأن الله تعالي يصبّ فيه الرحمة والمغفرة على عباده، وقد وردت فيه احاديث كثيرة قد دلت على عظم شأنه وعلى أن الطاعات فيه مقبولة والدعاء فيه مستجاب ، وكان في الجاهلية إذا أراد المظلوم أن يدعو على الظالم أخّره إلى دخول رجب ودعا عليه فيستجاب له، وفي اليوم الأول منه ركب نوح عليه السلام السفينة، وفي الرايع وقعة صفّين، وفي الثاني عشر مولد جعفر الصادق، وفي الخامس عشر يوم أمّ داود وصلواتها التي تستجاب، وفي السابع والعشرين ليلة المعراج، وفي الثامن والعشرين البعثة النبوية.

شعبان: سمي شعباناً لتشتعّب القبائل فيه، اليوم الثالث منه مولد الحسين، وفي الرابع مولد الحسن رضي الله عنهما، وفي الخامس عشر ليلة الصك، وهي ليلة يغفر الله فيها أكثر من شعر غنم بني كلب، وفي السادس عشر صرفت القبلة إلى الكعبة، والعشرون منه النيروز المعتضدي.

رمضان: سمّى رمضاناً لمصادفته شدَّة الرمضاء في أوّل الوقت في أوّله فتتحت أبواب الجنّة وأغلقت أبواب النيران وصفّدت الشياطين، وفي الثالث أنزلت صحف التوراة على موسى عليه السلام، وفي الثامن أنزلت الإنجيل على عيسى عليه السلام، وفي التاسع عشر فتحت مكّة، والمحادي والعشرون ليلة القدر على رأي، وهي الليلة المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، والثالث والعشرون قيل ليلة القدر على رأي آخر، وفي الخامس والعشرين ظهور الدولة العباسية بخراسان بدعوة أبي مسلم، وفي السابع والعشرين وقعة بدر ونزول الملائكة لنصرة النبي ، وليلته هي ليلة القدر على رأي حسن، وفي اليوم الأخير أعتق الله فيه بعدد ما أعتق من أوّل الشهر إلى آخره وله عند الفطر كل ليلة سبعون ألف ألف عتيق من النار.

شوّال: سمي شوّالاً لإشالة الإبل أذنابها عند اللقاح في ذلك الوقت لأنه أوّل أشهر الحجّ، في اليوم الأول مئه عيد الفطر، ويقال له يوم الرحمة لأن الله تعالى يرحم فيه عباده، وفيه أوحى الله إلى النحل صنعة العسل، وفي الرابع منه خرج رسول الله لمباهلة نصارى نجران، وفي السابع عشر منه غزوة أحد ومقتل حمزة رضي الله عنه، وفي الخامس والعشرين إلى آخر الشهر هي الأيام النحسات أهلك الله تعالى فيها عاداً، وقيل إنها أيام العجوز التي كانت تنوح عليهم كل سنة.

ذو القعدة: سمي ذا القعدة لأنهم كانوا يقعدون فيه عن القتال لكونه أوّل الأشهر الحرم في الأوّل منه واعد الله تعالى موسى ثلاثين ليلة، وفي الخامس رفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل عليهما السلام، وفي السابع منه فلق البحر لموسى عليه السلام، وفي الرابع عشر خروج يونس عليه السلام من بطن الحوت، وفي التاسع عشر أنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين ونزل جبريل، بالوحي على رسول الله .

ذى الحجّة: سمّي ذا الحجة لأنهم كانوا يحجون فيه العشر الأول منه الأيام المعلومات وهي أحب الأيام إلى الله تعالى، في اليوم الأول تزوج علي بفاطمة رضي الله عنهما، والثامن يوم التروية وسقاية الحاج بالمسجد الحرام تملأ ويسقى الحجيج في الجاهلية والإسلام حتى تروى، والتاسع منه يوم عرفة، والعاشر يوم النحر وفيه فدي الذبيح بالكبش، وثلاثة أيام بعده أيام التشريق، الثاني عشر منه عيد الغدير وهو اليوم الذي واخى النبي علياً رضي الله عنه فيه، وفي الرابع عشر تصدّق علي رضي الله عنه بخاتمه في الصلاة، وفي السادس والعشرين نزل الاستغفار على داود عليه السلام، وفي السابع والعشرين منه وقعة الحرة، وفي الثامن والعشرين منه خلافة علي رضي ألله عنه.

خاتمة: في معرفة أوائل هذه الشهور. وقد عمل لها جدول ليسهل علمها. أما طريق العمل بها أن تلقي عدد سنين الهجرة من أوّلها إلى السنة التي أنت فيها أو السنة التي تريد معرفة أوّل شهر من شهورها ثمانية ثمانية، فما بقي تعد من تحت الشهر الذي أنت طالب أوّله، فاليوم الذي ينتهي فيه العدد هو أوّل ذلك الشهر، وإن بقي ثمانية بعد أن أسقطتها كلها كان أوّل الشهر اليوم الذي في البيت الأخير، وهذه صفة الجدول:

جدول الشهور والأيام
محرم صفر ربيع الأول ربيع الثاني جمادى الأول جمادى الأخرى رجب شعبان رمضان شوال ذو القعدة ذو الحجة
الاثنين الأربعاء الخميس السبت الأحد الثلاثاء الأربعاء الجمعة السبت الاثنين الثلاثاء الخميس
الجمعة الأحد الاثنين الأربعاء الخميس السبت الأحد الثلاثاء الأربعاء الجمعة السبت الاثنين
الثلاثاء الخميس الجمعة الأحد الاثنين الأربعاء الخميس السبت الأحد الثلاثاء الأربعاء الجمعة
الأحد الاثنين الأربعاء الجمعة السبت الاثنين الثلاثاء الخميس الجمعة الأحد الأثنين الأربعاء
الخميس السبت الأحد الثلاثاء الأربعاء الجمعة السبت الاثنين الثلاثاء الخميس الجمعة الأحد
الاثنين الثلاثاء الخميس السبت الأحد الثلاثاء الأربعاء الجمعة السبت الاثنين الثلاثاء الخميس
السبت الأحد الثلاثاء الخميس الجمعة الأحد الاثنين الأربعاء الخميس السبت الأحد الثلاثاء
الأربعاء الجمعة السبت الاثنين الثلاثاء الخميس الجمعة الأحد الثلاثاء الأحد الخميس السبت

قال جعفر الصادق رضى الله عنه: إذا أشكل عليك أوّل شهر رمضان فعد الخامس من الشهر الذي صمته في العام الماضي، فإنه أول يوم من شهر رمضان الذي في العام المقبل وقد امتحنوا ذلك خمسين سنة، فكان صحيحاً.


فصل
في شهور الروم


وهي مختلفة العدد لأنهم أرادوا أن تكون شهورهم مساوية لمسير الشمس، وحركات الشمس مختلفة في أرباع السنة، فبعضها أكثر أياماً من البعض على ما نطقت به الأرصاد القديمة والحديثة، فلهذا جعلوا بعض الشهور ثلاثين وبعض الشهور واحدا وثلاثين وبعضها ثمانية وعشرين، فأعطوا كل شهر ما يستحقه حتى صار المجموع ثلاثمائة وستين يوماً، وجعلوا يوماً في آخر السنة، وهذا مجموع أيام سنتهم، وقد وضعوها على هذا الوجه:

تشرين الأوّل تشرين الثاني كانون الأوّل كانون الثاني شباط أذار نيسان أيار حزيران تموز آب أيلول
لا ل لا لا كح لا ل لا ل لا لا ل

وقد جمعها الشاعر في هذين البيتين فقال:

فتشرينكم الثاني
كأيلول ونيسان

ثلاثون ثلاثون أتوا بعد حزيران شباط خص بالنقص وذاك النقص يومان وباقيها ثلاثون ويوم واحد كاني

تشرين الأول: أحد وثلاثون يوماً، في اليوم الأول تهيج الصبا، وفي الثالث عبد دير الثعالب، وفي الخامس عيد كنيسة القيامة ببيت المقدس، يزعمون أنْ ناراً من السماء تنزل وتسرج الشمع هناك، وفى السابع عيد التباريك، وفي الثالث عشرة تفور المياه ويقوم سوق أذرعات، ويضطرب البحر، وفي الخامس عشر يبرد الزمان وتكثر الرياح، و يصرم النخل، وإذا قطع خشب لم بنخر خشبه، ولم يسوس، وفي الثامن عشر ينقص النيل، وفي الحادي والعشرين يزرع على نيل مصر، وفي الثاني والعشرين يبتدىء الهواء بالبرد، وفي الثلاثين تذهب الحدأ والرخم والخطاطيف إلى الغور، ويسكن النمل جوف الأرض.

تشرين الأخر: ثلاثون يوماً، في اليوم الأول تهب الجنوب، وفي الثاني أوّل أوقات المطر، وفي الخامس تخفى الهوام، وفي السابع لقط الزيتون بالشام، وكثرة الغيوم واضطراب البحر فلا نجري فيه جارية، وفي الثامن غليان البحر وفي التاسع أوّل المرور في بحر فارس، وفي الثالث عشر ابتداء اضطرابه، وإن قطع فيه خشب لا تقع فيه الأرضة والسوس، وفي السابع عشر ابتداء صوم الميلاد وهو أربعون يوماً، وفي العشرين تموت كل دابة لا عظم لها، وفي الثاني والعشرين ينهى عن شرب الماء البارد بالليل، وفي الثالث والعشرين لقط الزيتون عند القبط، وفي الثامن والعشرين امتداد أمواج البحر.

كانون الأوّل: أحد وثلاثون يوماً، في اليوم الأول منه يقوم سوق ثوما بدمشق، ويغرس قضيب البان، وفي الحادي عشر قيام سوق الأردن، والرابع عشر أَوّل الأربعينات، والسابع عشر ينهى غن تنارل لحم البقر والأترنج، وشرب الماء بعد النوم، وعن الحجامة وطلي النورة، ويسمّون هذا اليوم الميلاد الأكبر، يعنون به الانقلاب الشتوي ويقولون إن فيه مخرج النور من حد النقصان إلى حد الزيادة، وتأخذ الإنس في النشوء والنماء والجن في الذبول والفناء، وفي التاسع عشر غاية طول الليل وقصر النهار، وفي الثالث والعشرين تنتهي زيادة النبل، وتكثر الأنداء ويسقط ورق الأشجار، وفي الخامس والعشرين ميلاد المسيح عليه السلام، وفي التاسع والعشرين ينهى عن شرب الماء عند النوم، ويقولون إِنّ الجن تتقيّأ في الماء ومن شربه يغلب عليه البله.

كانون الثانى: أحد وثلاثون يوماً في اليوم الأوّل منه يرجي المطر وفيه القلفداس بالشام يوقدون ناراً عظيمة، وفي السادس عبد الذبح زعموا أن فيه ساعة تصير فيها المياه المالحة عذبة، وفي العاشر صوم العذاري، وفي السابع عشر يذهب البرد ببلاد فارس، وفي الثاني والعشرين تنتهي الأربعينات، وفي الرابع والعشرين يدور العشب في الأرض وتتزاوج الطيور، وفي الخامس والعشرين يزرع القطن والبطيخ، وتغرس الأشجار بأرض الروم، وتكسح الكروم بأرض مصر، وتغتلم فحول الإبل.

شباط: ثمانية وعشرون يوماً، في السابع منه تسقط الجمرة الأولى، وفي الثالث عشر يجري الماء في العود من أسفله إلى أعلاه، وتنق الضفادع، وفي الرابع عشر صوم النصارى، وتسقط الجمرة الثانية، وفي العشرين يخرج الذئب، وتتحرك البراغيث، وفي الخامس والعشرين تزرع القثاء والبطيخ وتلد الوحش، ويصوت الطير وتطير الخطاطيف ويلد الماعز، ويغرس شجر الورد، ويزرع الياسمين والنرجس، ويورق الكرم، ويكثر العنب، وفي الحادي والعشرين سقوط الجمرة الثالثة، ومعني سقوط الجمرات أنّ الناس كانوا يتّخذون في قديم الزمان أخبية ثلاثة في الشتاء محيطاً بعضها بالبعض، وكانت دوايهم الكبار كالإبل والبقر في البيت الأول، ودوابهم الصغار كالغنم في البيت الثاني، وهم كانوا في البيت الثالث، وكانوا يشعلون جمرات النار في كل بيت ويتخذون الجمر للاصطلاء، فلمّا كان السابع من شباط أخرجوا دوابهم الكبار إلى الصحراء، وجعلوا الصغار مكانها، وهم سكنوا مكان الصغار، فحينئذ سقطت من الجمرات الثلاث جمرة، فإذا مضى أسبوع آخر أخرجوا الخنم أيضاً إلى الصحراء، وهم سكنوا مكانها، فسقطت جمرة أخرى، فإذا مضى أسبوع آخر خرجوا إلى الصحراء وتركوا إشعال النار لقَلهٌ البرد وطيب الهواء، فسقطت الجمرات الثلائة، وفي الخامس والعشرين يظهر الدفا وتهب الرياح اللواقح، وتكسح الكروم، وفي السادس والعشرين أول أيام العجوز، وأيام العجوز سبعة أيام ثلاثة من شباط وأربعة من آذار، قيل إنها سميت أيام العجوز لأنّ الله تعالى أهلك قوم عاد في هذه الأيام، فتخلفت منهم عجوز كانت تنوح عليهم كل سنة في هذه الأيام، فهذه الأيام لا تخلو من برد أو رياح، أو كدورة، فذهب بعضهم إلى أنّها من الأمور الطبيعية وأنّ البرد يشدد في آخر الشتاء كما أن الحر يشتد في آخر الصيف، وذلك يجري مجرى السراج الذي فنيت رطوبته، فإنّه عند اتطفائه يشْيد ضوءه دفعات.

َآذار: أحد وثلاثون يوماً، في اليوم الأول يخرج الجراد والدبيب، وفي الرابع منه آخر أيام العجوز، وذهب بعضهم إلى أنّها انّما سميت أيام العجوز لأنّ عجوزاً كاهنة من العرب أخبرت قومها ببرد شديد في آخر الشتاء يسوء أثره على المواشي، فلم يكترثوا بقولها وجزّوا أغنامهم واثقين بإقبال الربيع، فإذا هم ببرد شديد أهلك الزرع والضرع، فنسبوا تلك الأيام إليها، وفي السابع اختلاف الرياح العواصف، وفي الثاني عشر يؤمر بالحجامة، وفي الثالث عشر تظهر الخطاطيف والحدأ وفي السادس عشر تفتح الحيات أعينها في أيام البرد لأنها تجتمع في باطن الأرض، فيظلم بصرها وفي الثامن عشر يعتدل الليل والنهار وهو أوّل ربيع العجم وخريف الصين، ويغلظ ماء البحر أن الشمس تبخر لطيف أجزائه، قالوا إن العقيم من الرجال إذا نظر فى ليلة هذا اليوم إلى الشهر ثم جامع أهله ولدت، وفي هذا اليوم تهب الرياح اللواقح، وتسنبل الحنطة، ويدرك النبق والباقلاء، و يعقد اللوز والمشمش، ويورق الشجر، ويغرس الكرم، ويخاف التمساح بمصر، وفي الخامس والعشرين غليان البحر.

نيسان: ثلاثون يوماً، في اليوم الأول منه يرجي المطر وفي الرابع الشعانين، وفي الحادي عشر منه عيد النصارى، وفي العشرين منه تهيج الرياح الشرقية، ويفرخ الطير، وفي الحادي والعشرين قيام سوق فلسطين، وفي الثاني والعشرين هبوب الجنوب، وامتداد الأدوية، وفى فى الثالث والعشرين موسم دير أيوب بالشام، وفي التاسع والعشرين يمتلىء الفرات، وفي التاسع والعشرين يهيج الدم، وتعنقد الثمار، ويدرك اللوز.

أيار: أحد وثلاثون يوماً، في ثاني يوم منه عيد دير الثعالب، دفي السابع عيد الصليب، وفي الحادي عشر أوّل البوارح، وفي الخامس عشر عيد الورد المستحدث، وفي السادس عشر تهيج الصبا، ويطيب ركوب البحر، وفي الرابع والعشرين يرتفع الطاعون بإذن الله و يخضر الزرع، ويركب البجر، وتبدو السمائم، وتهب الشمال ويسوّد العنب، وتبين زيادة نيل مصر، وتهب الدبور، وفي الخامس والعشرين منه عيد الورد، وفريك السنبل، وفي التاسع والعشرين سبت القيامة.

حزيران: ثلاثون يوماً في الحادي عشر منه نوروز الخليفة ببغداد فيه اللعب ورش الماء وغيرها مما هو مشهور، وفي السادس عشر يتنفس نيل مصر، وتفور المياه، وفي الثامن عشر غاية طول النهار، و قصر الليل وهو الأمتلاء الأكبر يعظمه العرب والعجم، وهو الأنقلاب الصيفي، وفي الثاني والعشرين يوضع المنجل في الزرع، وتدرك الفاكهة والبطيخ والتين والعنب، ويشتد الحر، وفي الخامس والعشرين مولد يحيى بن زكريا عليهما السلام، وابتداء السمائم بالهبوب وهي أحد وخمسون يوماً ويمتلك جيحون، وفي الثامن والعشرين آخر البوارح، وفي التاسع والعشرين ينظر أصحاب التجارب بمصر، فإن كثر فيه الندى قالوا: يمتد النيل وإن لم يكثر قالوا لا يمتد.

تموز: أحد وثلاثون يوماً، في الخامس تطلع الشعرى وبطلوعهايعرفون صلاح الزروع وفسادها، وذلك أنّ أصحاب الفلاحة من العجم أخذوا لوحاً قبل طلوع الشعرى وضعوا ذلك اللوح على موضع عال لا يحول بينه بين السماء شيء، فما أصبح مخضراً من ذلك النبات فهو الذي صلح في تلك السنة، وما أصبح مصفراً فهو الذي فسد، وفي السابع يموت الجراد، وفي العاشر يقوم سوق بصرى، وفي الثامن عشر أوّل أيام الباحور، وهي سبعة أيام متوالية يستدلون بكل يوم منها على شهر من أشهر الخريف والشتاء من تغيرات وتلون، وزعموا أنها للسنة كأيام البحران المريض، وأنْ كل شهر من تلك الأشهر حاله كحال يوم عن تلك الأيام أوّلها كأولها وآخرها كآخرها في التغيرات، وفي الرابع والعشرين تشتد صولة الحر، ويرتفع الطاعون، ويكثر الرمد ويزرع البطيخ الشتوي والجزر والذرة، وفي الخامس والعشرين ينهى عن الجماع لشدة الحر، وفي السابع والعشرين يحمر البسر ويقطف العنب والقصب النبطي، وتفور المياه وتنضج الفواكه كلها، وفي الثلائين عيد كنيسة مريم عليها السلام.

آب: أحد وثلاثون يوماً في الأول وفاة مريم عليها السلام، وفي السادس أوّل عيد التجلي، وفي التاسع تختلف الرياح، وفي العاشر يقوم سوق عمان، وفي الثاني عشر يبدو هواء العراق، وفي السابع عشر آخر عيد التجلي، وفي الثامن عشر تهيج الرياح البوارح، ويكثر الرمان، ويصفر الأترنج، وفي العشرين آخر السموم، وفي الثاني والعشرين فتور الحر، وفي السادس والعشرين يهيج الدم، وفي الثامن والعشرين يطيب الماء، ويكثر الرطب والعنب، ويسقط الطل والمن والسلوى بالشام.

أيلول: ثلاثون يوماً، في الأول عيد رأس السنة وتمامها، ويكون سوق منبج، وفي الثالث يبتدأ بإيقاد النار في البلاد الباردة، وفي الثاني عشر يفصد ويشرب الدواء، وفي الثالث عشر تنتهي زيادة النيل في مصر وعيد كنيسة القيامة، وفي الرابع عشر عيد الصليب، وفي السادس عشر فطام الأطفال، وفي الثامن عشر اعتدال الليل والنهار وهو أوّل الخريف عند العجم والربيع عند الصينيين، وزعموا أنّ المطر في السحاب الذي يرتفع فيه يصبي الروح ويبرىء الجسد، وفي العشرين يرجع الماء من أعالي الشجر إلى عروقه، وفي الرابع والعشرين زعم أصحاب التجارب أنه تهب الريح وتأتي الغربان البقع في أكثر البلاد، وهذه أمور تتكرر في كل سنة على رأي أصحاب التجارب في الأوقات المذكورة.


فصل
في شهور الفرس


وهي متساوية في العدد لأنّ أيام سنتهم عددها ثلاثمائة وخمسة وستّون يوماً، فجعلوا كل شهر ثلاثين يوماً ووضعوا في آخر السنة خمسة أيام، والشهر عندهم لا يكون على أسابيع كما هو عند العرب بل هو عندهم من أوّل الشهر إلى آخبره، ولكل يوم اسم يعرف به ذلك اليوم ويتميّز به عن غيره من الأيام؛ وهذه أسمائها:

( هرمز - بهمن - ارديبهشت - شهرير - اسفندارمذ - اردا - مرداذ - دى بآذر - آذر - آبان - خور - ماه - تير - جوش - دى بمهر - مهر - سروش - رشن - فروردين - بهرام - رام - باذ - دى بدين - دين أرد - اشتاذ - آسمان - زامياذ - مارسفند - أنيران )

وإنما وضعوا لكل يوم من الأيام اسماً لأنّ لهم في كل يوم مأكولاً وملبوساً ومشموماً تخالف غيرها، ولهم أعياد منها ما هو موضوع لأمور دنياوية ومنها ما هو لأمور دينية، أمّا الدنياوية فقد وضعها ملوك الفرس ليتوصّلوا بها إلى سرور النفس مع اكتساب الدعاء والحمد والثناء، أخذها الخلف عن السلف تيمّناً وتفاؤلاً، وأما الدينية فقد وضعها أرباب الديانات والمطلوب مها الخيرات والسعادات الأخروية فيما يرونه ونحن نذكر ما كان في كل شهر إن شاء الله تعالى، وبالله التوفيق.

فروردين ماه: اليوم الأول منه النيروز، وهو أوّل يوم من السنة واسمه بالفارسية يعطي هذا المعنى، وزعموا أن االله تعالى في هذا اليوم أدار الأفلاك وسيّر الشمس والقمر وسائر الكواكب، واسم هذا اليوع هرمز، وهو اسم من أسماء الله تعالى، وقالوا: في هذا اليوم قسم الله السعادات لأهل الأرض من ذاق صبيحة هذا اليوم قبل الكلام السكر وتدهن بالزيت رفع عنه البلاء في عامة سنته ويتفاءلون بما وقع لهم في هذا اليوم، وكان الملك يجلس في هذا اليوم ويأتيه كل واحد من خدمه وحشمه بطرفة عجيبة، وإذا استيقظ من نومه أوّل ما تقع عينة على غلام حسن الوجه على فرس حسن، على يده بازي حسن، فإنَ هذا الشكل أحسن الأشكال قد أهدي إلى بعض خواصه، والسابع عشر منه يروش روز وسروش اسم ملك هو رقيب الليل، قيل إِنّه جبريل عليه السلام وهو أشد الملائكة على الجن والسحرةء فيطلع على الخلق بالليل ثلاثاً، بالأولى يبرد الجو وتعذب المياه، وبالمرة الأخيرة طلوع الفجر، واعتزاز النبات ونماء الزهر، وترويح العليل، وصدق الرؤيا التاسع عشر فردورميز روز عيد يسمّى فردوميز جان لموافقة اسمه اسم الشهرة، وذلك جار في كل شهر، يعني إذا كان اسم اليوم يوافق اسم الشهر كان عيداً، وملوك النفرس اتخذوا هذا الشهر كله أعياداً وجعلوه أسداساً، كل سدس خمسة أيام، فالأوّل للملوك والثاني للأشراف والثالث لحرم الملوك والرابع للحاشية والخامس للعامة والسادس للرعاة.

وكان من رسم الأكاسرة أن يأمروا بإعلام الناس بجلوسه لهم عامة، وفي اليوم الثاني لمن هو أرفع مرتبة كالدهاقين والمشايخ وأرباب البيوت، وفي اليوم الثالث لأساررته وعظمائه، وفي اليوم الرابع لأهل بيته وخاصته، وفي اليوم الخامس لأولاده، وكان يوصل إلى كل أحد في كل يوم ما يستحقه من الإنعام والإكرام، وفي اليوم السادس كان فارغاً عن قضاء الحقوق لم يصل إليه إلا أهل أنسه، وكان يأمر بإحضار الهدايا يتأمّلها.

اردیبهشت ماه: اليوم الثالث منه اردیبهشت روز غيد يسمّى اردبيهشت كان لاتفاق العيدين واردبيهشت اسم ملك النار والنور وكله الله تعالى بذلك على زعمهم، وبإزالة العلل والأمراض بالأدوية والأغذية واليوم السادس منه هو اشتاذ روز وهو أوّل الكهنيار والكهنيارات ستّة كل واحد خمسة وهي أيام عبادات للمجوس وضعها زرادشت نبي المجوس.

خردادماه: اليوم السادس منه خرداد ماه روز، سمّى خرداد كان لاتفاق الإسمين وهو اسم الملك الموكل بالنبات والأشجار يربيها ويدفع النجاسات عن المياه وهو اليوم السادس والعشرون وهو اشتاذ روز أوّل الكهنيار الرابع، فيه تعلق الله النبات والأشجار، واليوم الثلاثون هو نيران روز وهو آب ريز كان يعني عيد الاغتسال.

تيرماه: اليوم السادس منه وهو يوم خرداد عيد يسمّى جشن نیلوفر وهو مستحدث، واليوم الثالث عشر منه نيروز، يسمّى النير كان لاتفاق الإسمين ذكروا أنّ في هذا اليوم طلب منوجهر من افراسيان لما تغلب على إيران شهر أن يردها عليه، فأنعم عليه بها، وكان منوجهر متحصّناً بطبرستان، واليوم السادس عشر مهر روز، ومهر اسم الشمس هو أوّل الكهنيار الخامس، زعموا أنه يوم خلق الله تعالى فيه البهائم.

شهريورماه: السادس عشر منه مهر روز عيد عظيم الشأن يعرف بالمهرجان لأنّ اسمه موافق لاسم الشهر، وكانت الأكاسرة في هذا اليوم يلبسون أبناءهم تاج الذهب الذي كان عليه صورة الشمس، وعجلتها الدائرة عليها لأنْ مهر اسم الشمس، وذكروا أن هذا اليوم خروج افريدون بعد أن أهلك الضحاك بيوراسف كل من كان ينسب إلى جمشيد وفريدون وضعته أمّه في غار وتركته، وكانت تأتيه بقرة وحش فترضعه حتى وثب على الضحاك وطرده، وأخرج أفريدون ونزلت الملائكة لعونه، وذكروا أن في هذا اليوم دحا الله الأرض، وجعل الأجساد قرار الأرواح، وقالوا من أكل يوم المهرجان شيئاً من الرمان وشم ماء الورد دفع عنه آفات كثيرة، واليوم الحادي والعشرون هو رام روز وهو اليوم الذي ظفر فيه أفريدون بالضحاك وأسره، فقال لأفريدون لا تقتلني، فأجابه إلى ذلك وحبسه بجبل نهاوند مسلسلاً في غار فيه.

آبان ماه: اليوم العاشر منه أبان روز يسمّى أبان كان لاتفاق الإسمين، قالوا فيه أمر بعمارة الأرض وحفر أنهارها واتصل الخبر بالأقاليم السبعة والخمسة الأخيرة من هذا الشهر أوّلها اشناد روز وتسمّى الفزورجان فيها، وكانوا يصنعون فيها الأطعمة والأشربة في النواويس على ظهورها يزعمون أنّ أرواح موتاهم تخرج في هذه الأيام من مواضع ثوابها وعقابها، فتأتيها ونتشف قوتها ويدخنون بيوتهم بالراس لتستلذ الموتى برائحته.

آذرماه: اليوم الأول منه هو يوم هرمز فيه ركوب الكوسج، وهو سنة لهم كان يركب في هذا اليوم رجل كوسج حماراً في أطمار من الثياب وقد تناول الأطعمة الحارة والأشربة المسخنة وطلى بدنه بالأدوية، وفي يده مروحة يتروح بها ويقول الحر الحر والناس يتضاحكون ويرمونه بالثلج والجمد، فيصيب بذلك خيراً من الناس، وبقي بذلك في عقبه إلى أن ضرب السلطان على ذلك ضربته، وكان مع الكوسج نقيع المغرة وهي طين أحمر يلطخ به ثياب من لم يسمح له بشيء، وفي هذا اليوم استخرج اللؤلؤ من البحر ولم يكن يعرف قبل ذلك، قالوا إنه يوم قضى الله فيه الخير والشر، وزعموا أن من طعم صبيحة هذا اليوم قبل الكلام سفرجلاً وشم اترنجاً سعد في سائر سنته، واليوم التاسع هو آذر روز عيد يسمّى آذرجشن لافاق الإسمين، وفيه أصطلوا بالنار، وآذر اسم الملك الموكل بجميع النيران، وقد أمر زرادشت أن تزار في هذا اليوم بيوت النيران، وتقرّب القرابين ويشاور في أمور العالم.

دي ماه: و يسمى أيضا جرماه اليوم الأول منه يسمى حزم روز وهو اسم اللّه تعالى وكان الملك في هذا اليوم ينزل عن سرير الملك، ويلبس الثياب البيض يرفع الحجاب ويترك هيئة الملك وينظر في مصالح الناس ويخاطبه كل من شاء من الوضيع والشريف ويجالس الدهاقين والمزارعين ويواكلهم ويقول: أنا كواحد منكم ولا قوام للدنيا إلا بالعمارة التي تجري على أيديكم، وقوام العمارة بالملك لا غنى لأحدهما عن الآخر، ونحن كأخوين متلازمين، واليوم الحادي عشر أول الكهنبار الأول وفيه خلق اللّه السمـٰوات، واليوم الرابع عشر زور كوش، فيه عيد يسمى عيد سيرسو يتناول فيه الثوم والخمر، ويطبخ فيه النبات باللحم التي يتحرز به عن الشياطين وبها يتداوى من العلل المنسوبة إلى الأرواح السوء، واليوم الخامس عشر وهو سمهور روز عيد يتخذ فيه شخص من عجين أو طين على هيئة إنسان ويوضع في مدخل الأبواب ويخدم خدمة الملوك ثم يحرق وفي هذا اليوم اتفق فطام أفريدون وركوب الثور وزعموا أن من أطعم صبيحة هذا اليوم قبل الكلام تفاحاً وشم نرجساً عاش سنته بخير وخصب، وأن التدخين في ليلته بالسوسن أمان في العام من القحط والفقر، واليوم السادس عشر هو مهر روز عيد كاوكيل، زعموا أن جمعا من الفرس تخلصوا في هذا اليوم من بلاد الترك وساقوا البقر التي سبيت منهم، وزعموا أن في ليلة هذا اليوم يظهر ثور عجلة القمر وهو ثور قرناه من ذهب وقوائمه من فضة، يظهر ساعة ثم يغيب، والموفق لرؤيته مجاب الدعوة في ساعة النظر إليه.

بهمن ماه: اليوم الثاني منه بهمن روز عيد يسمى بهمنجة لاتفاق الاسمين، وهو الملك الموكل بالبهائم التي يحتاج الناس إليها للعمارة، وأهل فارس كانوا يطبخون فيه قدورا يجمعون فيها من كل حب ولحم، ويشربون فيه اللبن، ويزعمون أن ذلك يصلح للحفظ، ولهذا اليوم خاصية في لقط الأدوية من الجبال والأودية واتخاذ الأدهان وتهيئة البخور والدخن، وزعموا أن ذلك وضع جاماسب الوزير ونفعها بين واليوم الخامس وهو يوم اسفندار مد عيد يسمى نوسدة، ومعناه البندق الجديد وهو من مآثر هوراسف، واليوم العاشر وهو أبان يسمى أبان عيد، ويسمى السدق وتفسيره المائة، وقيل: إنه إنما سمي سدقا لأنه بقي إلى آخر السنة مائة يوم، وقيل: لأنه تم في هذا اليوم عدد المائة من الآب الأول وهو كيومرت، قالوا: إن الشتاء يخرج من جهنم إلى الدنيا في هذا اليوم والناس في هذا اليوم يوقدون نيراناً وينحرون قرابين لدفع مضرته حتى صار من رسم الملوك في هذه الليلة إيقاد النيران وإرسال الطيور والوحش، وقد شدوا فيه باقات من الشوك مشتعلة مع الشرب والتلهي، واليوم الثلاثون و هو أنيران روز عيد يسمى إبريز، كان بأصبهان وتفسيره صب الماء والسبب فيه أن القطر احتبس في زمان فيروز جدأنو شروان وأجدب الناس، فترك فيروز الخراج وفتح الخزائن واستدان من بيوت النيران وجاد بها على الرعية و تفقدهم تفقد الوالد الولد حتى لم يمت في تلك السنين أحد جوعا ثم صلى ودعا اللّه تعالى بإزالة ذلك عن الخلق ودخل بيت النار وأدار يده و ساعده حوالي اللهيب، وضمه إلى صدره ثلاث مرات ضم الصديق صديقه، وبلغ اللهب لحيته ولم تحترق وكان ذا لحية كثة ثم قال: اللهم إن كان هذا الاحتباس من أجلي وسوء سيرتي فبين لي حتى أخلع نفسي، وإن كان لغيري فبين لي وأزل عن أهل الدنيا ذلك وجد عليهم بالمطر، ثم خرج من بيت النار فارتفعت سحابة وأبلت بأمطار لم يعهد مثلها غزارة، فأيقن فيروز بإجابة دعائه، وجرت المياه في الخيام والسرادقات وكان الناس يصب بعضهم على بعض فرحا وسرورا فصار ذلك سنة لهم إلى هذا الوقت.

اسفندارمذ ماه: اليوم الخامس وهو اسفندارمذ روز عيد لاتفاق الاسمين وهو اسم الملك الموكل بالأرض والمرأة الصالحة المحبة لزوجها، وهذا عيد خاص للرجال والنساء يحسن بعضهم إلى بعض ويتخذون فيما بينهم العهود، وقد بقي هذا بأصبهان يسمونه مرزكيران، وهذا اليوم تكتب فيه الرقاع لدفع الهوام والحشرات، فيكتبون من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس الرقية المعرفة، ويلصقون ثلاثة منها على الجدران الثلاثة من البيت، ويتركون الجدار المقابل لصدر البيت.


القول في فصول السنة


السنة عند العرب اثنا عشر شهراً وعند العجم كذلك إلا أن العرب تجعل شهورها على مدار الأهلة وأيّامها ثلاثمائة وأربعة و خمسون يوماً، وأما العجم فجعلوا شهورهم على مدار الشمس، وأيامها ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً، وفي هذه المدة تقطع الشمس دائرة الفلك فسنو العرب قمرية، وسنو العجم شمسية والتفاوت بينهما كل مائة سنة ثلاث سنين، قال اللّه تعالى: ﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا ﴾ بحساب العرب، وأول السنة الشمسية مسامته الشمس لنقطة الاعتدال الربيعي، ثم تتحرك متوجهة نحو الشمال حتى تبلغ غايتها في الشمال ثم ترجع متوجهة إلى نقطة الاعتدال الخريفي حتى تصير مسامته لها، ثم تتحرك متوجهة نحو الجنوب حتى تبلغ غايتها في الجنوب، ثم ترجع متوجهة إلى نقطة الاعتدال الربيعي فلهذا الاعتبار قسموا السنة أربعة أقسام كل قسم فصل ومن جملة لطف اللّه تعالى أن أعطى كل فصل طبقة مغايرة لما بعده في كيفية أخرى ليكون ورود الفصول على الأبدان بالتدريج، فلو انتقل من الصيف إلى الشتاء دفعة واحدة لأدى ذلك إلى تغيير عظيم في الأبدان، فحسبك ما ترى من تغيير الهواء في يوم واحد من الحر إلى البرد كيف يظهر مقتضاه في الأبدان فكيف إذا كان مثل هذا التغيير في الفصول، فسبحانه ما أعظم شأنه وأكثر امتنانه.

أما الربيع: فهو نزول الشمس أول دقيقة من برج الحمل، فعند ذلك استوى الليل والنهار في الأقاليم، واعتدل الزمان، وطاب الهواء، وهب النسيم، وذابت الثلوج، وسالت الأودية، ومدت الأنهار، ونبعت العيون، وارتفعت الرطوبات، إلى أعلى فروع الأشجار، وتلألأ الزمر، وأورق الشجر، وتفتح النوار، واخضر وجه الأرض، وتكونت الحيوانات ونتجت البهائم، ودرت الضروع وطاب عيش أهل الزمان، وأخذت الأرض زخرفها وازينت الدنيا كأنها جارية شابة تجلت وتزينت للناظرين. فلا يزال كذلك دأبها ودأب أهلها إلى أن تبلغ الشمس آخر الجوزاء فحينئذ ينتهي الربيع ويقبل الصيف.

وأما الصيف: فهو نزول الشمس أول السرطان، فعند ذلك تناهى طول النهار وقصر الليل، ثم أخذ في الزيادة، واشتد الحر وسخن الهواء، وأدركت الثمار، وجفت الحبوب، و قلت الأنداء، وأضاءت الدنيا، وسمنت البهائم، واشتدت قوة الأبدان، وانتشرت الحيوانات على وجه الأرض بعموم الخير، وطاب عيش أهل الزمان، وكثرت السموم، ونقصت الأنهار، ونضبت المياه، وأدرك الحصاد، ودرت الأخلاق، واتسع للناس القوت، وللطير الحب، وللبهائم العلف، وتكامل زخرف الأرض، وصارت الدنيا كأنها عروس حسناء ذات جمال كثيرة العشاق ولا تزال كذلك إلى أن تبلغ الشمس آخر السنبلة، فعند ذلك انتهى الصيف، وأقبل الخريف.

وأما الخريف: فهو وقت نزول الشمس في أول الميزان فعند ذلك استواء الليل والنهار ومرة أخرى، ثم ابتداء الليل بالزيادة، كما ذكرنا أن الربيع زمان استواء الأشجار وربو النبات وظهور الأزهار، فبالخريف ذبول النبات وتغير الأشجار وسقوط أوراقها، فحينئذ برد الماء، وهبت الشمال وتغير الزمان، ونقصت المياه، وجفت الأنهار، وغارت العيون، ويبست أنواع النبات، وماتت الهوام، وانحجزت الحشرات، وانصرف الطير والوحش لطلب البلدان الفيئة، وادخر الناس قوت الشتاء ودخلوا البيت، ولبسوا الجلود الغليظة من الثياب وتغير الهواء وصارت الدنيا كهلة تولت عن أيام الشباب، ولا تزال كذلك إلى أن تبلغ الشمس آخر القوس، وقد انتهى الخريف وأقبل الشتاء.

وأما الشتاء: فهو وقت نزول الشمس أول الجدي فعند ذلك تناهى طول الليل وقصر النهار، ثم أخذ النهار في الزيادة واشتد البرد، وخشن الهواء وتعرى الأشجار عن الأوراق، وانحجزت الحيوانات في أطراف الأرض، وكهوف الجبال من شدة البرد و كثرة الندى، وأظلم الجو، وكلح وجه الزمان، وهزلت البهائم وضعفت قوى الأبدان ومنع البرد الناس عن التصرف ومن عيش أكثر الحيوان وبرد الماء الذي هو مادة الحياة، وانقطع الذباب والبعوض، وعدمت ذوات السموم من الهوام وطاب الأكل والشرب، وهو زمان الراحة والاستماع، كما أن الصيف زمان الكد والتعب، قيل: من لم يغل دماغه في الصيف، لم يغل قدره في الشتاء، وصارت الدنيا كأنها عجوز هرمة دنا موتها، فلا تزال كذلك إلى أن تبلغ الشمس آخر الحوت، وقد انتهى الشتاء وأقبل الربيع مرة أخرى، ولا يزال كذلك إلى أن يبلغ الكتاب أجله.


في بعض العجائب المتعلقة يتكرار السنين


قال بعض العلماء إن اللّه تعالى يبعث في لك ألف سنة نبيّا بمعجزات غريبة واضحة لرفع أعلام دينه القويم و ظهور صراطه المستقيم، ويجوز أن يكون ما بين النبيين أكثر من ألف سنة أو أقل، وكان في الألف الأول آدم أبو البشر عليه السلام، وفي الألف الثاني إدريس عليه السلام، ثم نوح عليه السلام، على الترتيب المذكور، وفي الثالث إبراهيم عليه السلام، و في الرابع موسى عليه السلام، وفي الخامس سليمان عليه السلام، وفي السادس عيسى عليه السلام، وفي السابع محمد ، ثم ختمت به النبوة، وانتهت آلاف الدنيا بألفه، لما روي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي اللّه عنهم أن الدنيا جمعة من جمع الآخر سبعة آلاف سنة، وقد مضي ستة آلاف ومائة، وليأتين عليها سنون، وعلى رأس كل مائة من مبعث نبينا محمد يظهر صاحب علم يرفع أعلام العلم، فعلى رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز، وعلى الثانية محمد بن إدريس الشافعي رضي اللّه عنه، وعلى الثالثة أبو العباس أحمد بن شريح، وعلى الرابعة أبو بكر بن الخطيب الباقلاني، وعلى الخامسة أبو حامد الغزالي، وعلى السادسة أبو عبداللّه الرازي رحمة اللّه عليهم. وعن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: من عمره اللّه أربعين سنة كف عنه أنواعاً من البلاء، منها الجذام والبرص وجنون الشيطان، ومن عمره اللّه خمسين سنة في الإسلام خفف حسابه يوم القيامة، ومن عمره اللّه ستين سنة رزقه الإنابة إليه بما يحب له عز وجل، ومن عمره سبعين سنة أحبه أهل السمـٰوات وأهل الأرض، ومن عمره ثمانين سنة محى سيئاته وكتب حسناته، ومن عمره تسعين سنة غفر له ذنوبه وكان أسير اللّه في الأرض، وشفع في أهل بيته.

وذهب العلماء إلى أن تكرر الأعوام يرى فيه حوادث عجيبة الشكل غريبة غير معهودة، ويحسب اختلاف الأهوية معادن غريبة ونبات وأشجار بديعة، وربما يصير العمر غامرا والغامر عامراً، والبر بحراً والبحر برّا، والسهل جبلا والجبل سهلاً، كل ذلك بتقدير العزيز العليم. و لنختم هذا الفصل بحكاية عجيبة.

وهي ما روي أنه كان من بني إسرائيل شاب عابد، وكان الخضر عليه السلام يأتيه، فسمع بذلك ملك زمانه فأحضره بين يديه وقال، إذا جاءك الخضر فائتني به وإلا قتلتك، فقال الشاب: ويحكم أآتيك بالخضر؟ قال: نعم وإلا قتلتك، فرجع الشاب إليمكانه متفكرا في أمره حتى جاءه الخضر عليه السلام، فحدثه بحديث الملك، فقال: امض بي إليه، فلما دخلا على الملك قال له الملك: أنت الخضر؟ قال: نعم، قال: حدثني بأعجب شيء رأيته، فقال الخضر عليه السلام: رأيت كثيرا من عجائب الدنيا وأحدثك بما حضرني الآن، كنت في اجتيازي مررت بمدينة كثيرة الأهل والعمارة سألت رجلا من أهلها متى بنيت هذه المدينة؟ فقال: هذه مدينة عظيمة ما عرفنا مدة بنائها نحن ولا آباؤنا، ثم اجتزت بها بعد خمسمائة سنة فلم أر للمدينة أثرا ورأيت هناك رجلا يجمع العشب فسألته متى خربت هذه المدينة، فقال: لم تزل هذه الأرض كذلك فقلت: أما كانت هاهنا مدينة؟ فقال: ما رأينا هاهنا مدينة ولا سمعنا عن آبائنا، ثم مررت بها بعد خمسمائة عام، فوجدت بها بحرا فلقيت هناك جمعا من الصيادين فسألتهم متى صارت هذه الأرض بحرا؟ فقالوا مثلك يسأل عن هذا إنها لم تزل كذلك، قلت: أما كان قبل ذلك يبسا؟ قالوا: ما رأينا ولا سمعنا به عن آبائنا ثم اجتزت بعد خمسمائة عام وقد يبست فلقيت بها شخصا يختلي، فقلت: متى صارت هذه الأرض يبسا؟ فقال: لم تزل كذلك، فقلت له: أما كان بحرا قبل هذا؟ فقال: ما رأيناه ولا سمعنا به قبل هذا، ثم مررت بها بعد خمسمائة عام فوجدتها مدينة كثيرة الأهل والعمارة أحسن مما رأيتها أولا، فسألت بعض أهلها متى بنيت هذه المدينة؟ فقال: إنها عمارة قديمة ما عرفنا مدة بنائها نحن ولا آباؤنا، فقال الملك: إني أريد أن أتبعك وأفارق ملكي فقال له: إنك على ذلك ولكن اتبع هذا الشاب فإنه يدلك على الرشاد، واللّه الموفق للصواب.